الشاعر مصطفى عبد الرحمن
إبراهيم خليل إبراهيم |
من الذين قدموا لديوان الشعر العربى صفحات خالدة تميزت بالحس المرهف والرونق البديع والوطنية الجياشة .. الشاعر مصطفى عبد الرحمن الذى أثرى الاغنية العربية بما قدم من قصائد تفيض رقة وعذوبة وأغنيات تمثل علامات فى تاريخ الموسيقى العربية على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان .
ولأن الكلمة تحارب مثل السيف فإننا سوف نركز على إسهامات الشاعر المبدع مصطفى عبد الرحمن وانفعالاته بقضايا أمته المصرية والعربية .
ولد الشاعر مصطفى على عبد الرحمن فى بداية شهر سبتمبر عام 1915 بشبرا النخلة مركز بلبيس بمحافظة الشرقية لأسرة تقدر العلم وتجله وظهرت موهبته فى مجال الشعر والكلمة فى سن مبكرة .
وفى لقاء مع الأستاذ سعد عبد الرحمن شقيق الشاعر ذكر : أن شقيقه مصطفى كانت تكبره شقيقته وهيبة وبعد مصطفى جاءت فوقية ثم صفية .
وذكرت السيدة صفية عبد الرحمن شقيقة الشاعر : أن سعد هو أصغر الأخوة أى : أنه أخر العنقود كما يقولون .
فى عام 1932 أصدر الشاعر مصطفى عبد الرحمن مؤلفه الأول بعنوان وطنى قدمه الكاتب الكبير فكرى أباظة بقوله :
المؤلف فتى صغير السن .. أبجدى التجربة فى عالم الكلمة .. دفع إلى بكتابه فأعجبت لا باللغة ولا بالأسلوب فحسب ولكن بالروح التى تسرى فيه من أوله لآخره .
وفى عام 1933 أصدر ديوانه الشعرى الأول بعنوان المصطفيات والذى أستلهم أسمه من الشوقيات لأمير الشعراء أحمد شوقى .. وفى ذلك منتهى الثقة بالنفس وبالموهبة .
فى عام 1935 وخلال دراسته كتب قصيدة أنطلاقا من النصب التذكارى لشهداء الحرية وقتئذ وكانت هذه القصيدة سببا فى خروجه من القاهرة إلى دمنهور ودرس هناك ثم كتب ديوانه الشعرى لحن الخلود الذى قدمه أحمد محرم.
فى التاسع من شهر يناير عام 1939 جاء فى جريدة الأهرام :
إن قصائد الشاعر مصطفى عبد الرحمن صورة شعرية رائعة تمثل قمة الوهج الرومانسى .. أنك تحس به من خلال كلماته وكأنه متصوف وهب الشعر حياته .. سابحا فى بحاره .. باحثا عن جواهره ليقدمها إلى المستمع نغما عذبا ولحنا آثرا .
بعد حصول مصطفى عبد الرحمن على البكالوريا عمل بالسجل التجارى بالقاهرة ولكنه لم يبتعد عن الشعر .. وفى عام 1941 كان تعامله الأول مع الإذاعة حيث شدت بكلماته المطربة أسمهان وهى من تلحين محمد القصبجى وفى نفس العام شدت فتحية أحمد بكلماته أيضا .
الشاعر مصطفى عبد الرحمن كان يعتز بقيمة الكلمة وكان يرى أن العمل الفنى هو كلمة فى المقام الأول وقصته مع كوكب الشرق دليلا على ذلك فقد شدت بقصيدة واحدة له ولكنه لم يكمل معها المشوار حيث قال لها : الكلمة أولا .. الكلمة أولا ثم اللحن ثم الآداء .. ويبدو أن ذلك لم يعجب أم كلثوم .
وكل أغنيات الشاعر مصطفى عبد الرحمن فى الفنرة الأولى كتبها بالزجل فقد غنت ليلى مراد من ألحان محمد عبد الوهاب أروح لمين بس ياربى وغنت هدى سلطان من ألحان عبد الوهاب أيضا رجع الهوا تانى
وقد لحن وغنى رياض السنباطى قصيدة أشواق التى أطلق عليها المؤرخ الموسيقى فرج العنتبلى الآهات الكبرى .. كما غنتها أيضا مياده الحناوى ونذكر منها :
أيها الناعم فى دنيا الخيال
تذكر العهد وماضى الصفحات
أعلى بالك ماطاف ببالى
من ليال وعهود مشرقات
لارأت عيناك شكى وضلالى
وحنينى ولهيب الذكريات
عندما يعرضها الماضى لعينى
صورا تجلو الذى ضعيت منى
من ليال بهوانا راقصات
كما غنت عزيزة جلال قصيدة وألتقينا التى لحنها رياض السنباطى ونذكر منها :
وألتقينا .. بعد ليل طال من عمر الزمان
نسيته طلعة الفجر وجافاه الحنان
لم عدنا .. وألتقينا بعد أن فات الآوان
بعد إن لم يبق من أمسى سوى كنا و كان
كما غنت فايزة أحمد يامنارا وغنى سعد عبد الوهاب أنت ويايا وغنى سيد إسماعيل إلى عرفات الله وغنت شادية غنى ياقلبى وهنى قلبك ومدام بعادى وعجبانى واحشته .. وتغنى عبد الحليم حافظ بأغنية واحدة من كلمات الشاعر مصطفى عبد الرحمن وهى قصبدة ربيع شاعر وكانت فى بدايات عبد الحليم حافظ … ونذكر منها :
يا ربيعي ما لازهارك تذوي
قلما تشهد أنوار الحياة
وأرى أوراقك الخضراء تهوي
ثم لا تملك نفسي غير آه
أنا رويتك من كاسات خمري
ووهبت الزهر أنفاسي و عطري
يا لزهري ما الذي صوح زهري
ورماه قاسيا حين رماه
وأنا ما زلت في فجر الحياه
ها هى الأطيار في الروض تغني
غير طير ضل عن سرب الطيور
وعندما تم تكوين جمعية المؤلفين والملحنين شغل الشاعر مصطفى عبد الرحمن منصب السكرتير العام .
والمتأمل لعطاء ومؤلفات الشاعر مصطفى عبد الرحمن يرصد إسهاماته الرائعة فى مجال الأغنية الوطنية التى عبرت تعبيرا صادقا عن آمال ومشاعر وخلجات الإنسان المصرى والعربى من المحيط إلى الخليج .. فمن ألحان محمد القصبجى غنت نجاة على قصيدة بلادى للشاعر مصطفى عبد الرحمن .. نذكر منها :
الدم الثائر يفديك إذا ناديت هيا
نطلب المجد ونطوى عاديات الدهر طيا
نحن شعب طامح قد عاش فى الدنيا أبيا
قد أراد المجد أن يحيا كما شاء قويا
ومن ألحان بليغ حمدى غنت نجاة الصغيرة :
عيشى يابلادى لكل الشعب العربى
عيشى ياغنوة روحى وقلبى
عيشى يابلادى
ولأعياد الحرية كتب الشاعر مصطفى عبد الرحمن ولحن منير مراد وغنت وردة الجزائرية .. وفى مايو عام 1954 شهد أبناء الوطن مولد صناعة الحديد والصلب .. هذه الصناعة التى تعد ركيزة من الصناعات التحويلية التى تساهم فى رفع مستوى المعيشة .. ولأول مرة وفى نفس العام ترتفع المصانع الحربية عالية الذرى لتنتج الذخيرة والسلاح ليقف الجندى العربى فوق أرضه الحرة الباسلة عزيز الجانب مستغنيا بسلاحه المصنوع بأيدى إخوانه فى هذه المصانع عن السلاح المصنوع بأيدى أعدائه .. لقد أرتفعت هذه المصانع لتكون مصدر تقدمنا ونهضتنا .. لقد أرتفعت المصانع الحربية وأرتفعت مصانع الحديد والصلب ومع أرتفاعهما أرتفع صوت الفن فكتب الشاعر مصطفى عبد الرحمن نشيد المصانع الحربية ولحن محمد عبد الوهاب وشدت المجوعة :
النور والحرية .. والعزة القومية
ح تصونها وتحميها .. مصانعنا الحربية
مش راح أقول لأولادى .. كنا وكان أجدادى
أنا ح أصنع لبلادى ..بعزم وهمة قوية
ح أصنع مجدى وأبنى ..أبنى لأخويا وأبنى
أبنى لعزة وطنى .. وطنى الغالى عليه
أنا مصرى وسلاحى ..لجهادى وكفاحى
أنا للأيام صاحى .. حر ونفسى أبيه
بالهمة الجبارة .. أنا ح اصنع بمهارة
دبابة وطيارة ..ومدافع مصرية
حاصنعها بإيمانى ..حاصنعها يازمانى
للنيل اللى سقانى ..وعلمنى الوطنيه
وفى عام 1954 أيضا تزوج الشاعر مصطفى عبد الرحمن ورزقه الله تعالى بفاتن وإيمان وعلا .
فى عام 1956 ترأس الشاعر مصطفى عبد الرحمن تحرير مجلة المصانع الحربية وحصل العدد الصادر فى شهر ديسمبر على ميدالية الأنتاج الفنى والأدبى من المجلس الأعلى للفنون والآداب وقتئذ .. وذلك نظرا للمشاركة الفعالة فى تعبئة الشعور القومى ضد المعتدين الغاصبين .
والوطن العربى وطنا واحدا .. هبطت فوق ثراه الرسالات الكريمة فأشرقت الأرض بنور السماء .. وتلقى الغرب منا أول درس فى الدين والعلم والفن والجمال ففوق الثرى الخصب من تلك الأرض المباركة نشا ابراهيم عليه السلام .. وفى سيناء كلم الله تعالى موسى عليه السلام .. وفى فلسطين نشأ السيد المسيح عليه السلام .. وفى البيت الحرام نشأ رسول الإنسانية وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم .. هذا الوطن الذى يتوحد فى اللغة والدين والأرض والتاريخ والدم والعادات .
وبعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا فى الثانى والعشرين من شهر فبراير عام 1958 كتب الشاعر مصطفى عبد الرحمن ولحن الموسيقار محمود الشريف وغنت شادية يانسر المجد فقالت :
يانسر المجد ياطاير مسا وصباح
فى مصر جناح وفوق سوريا الحبيبة جناح
على سوريا وطير بى ياجناح الشوق
وهات من بردى واسقينى هناك من فوق
رحيق الخلد فى نبعه وكل الرقة فى طبعه
يانسر المجد ياطاير مسا وصباح
فى مصر جناح وفوق سوريا الحبيبة جناح .
وعندما وقفت مصر مع اليمن فى ثورتها ضد الخونة وفلول الرجعية كتب الشاعر مصطفى عبد الرحمن ولحن أحمد صدقى وغنى محمد قنديل :
هب الشعب اليمنى وثار
فى طريقه طريق الأحرار
هدم القصر على الخاينين
بعد م عاش فى السجن سنين
ضرب الخونة والأستعمار
هب الشعب اليمنى وثار .
كما غنت المجوعة من الحان حسين جنيد نشيد الطيران الذى كتبه الشاعر مصطفى عبد الرحمن :
نحن جند الفداء .. والنسور الأباء
فوق متن الهواء .. قد رفعنا الجباه
واحتللنا السما .. وبذلنا الدما
كى يعيش الحمى .. شامخا فى علاه
فوق هام السحاب .. نتحدى المحن
لانهاب الصعاب .. وعوادى الزمن
نحن فجر الرجاء .. نحن رمز الإباء
فارخصى يادماء .. ولتعش ياوطنى
ولأبطال البحرية كتب الشاعر مصطفى عبد الرحمن وغنت فايزة أحمد بألحان عبد العظيم محمد :
راية أمتنا العربية
عالية فى البحر ومحمية
بهمم أبطال البحرية
فوق صارى بوارجنا العالى
رفرف ياعلم وطنى ياغالى
رفرف ياعلمنا طوالى
على وطن النور والحرية
راية امتنا العربية
أسطولنا عيونه سهرانه
تحرس شواطئنا بأمانة
تحرسها وترد عدانا
بعزيمة جبارة قوية
راية أمتنا العربية
وعند اتحاد الأمارات العربية كتب شاعرنا مصطفى عبد الرحمن :
لعز الخليج ومجد العرب
سنمضى إلى يومنا المرتقب
نجوز الصعاب ونعلو الشهب
ووحدتنا للعلا والقلب
سنمضى لنا عزمة القادرين
إلى غاية فوق هام القمم
نصون السلام ونحمى العرين
ونرعى العهود ونفدى العلم
ومن ألحان فؤاد حلمى غنت سعاد محمد قصيدة صوت فلسطين وغنت المجموعة من ألحان محمد محسن يالا ياتونس كما غنت فايدة كامل من ألحان حسين جنيد من السودان
فى عدد أكتوبر عام 1967 نشرت مجلة العربى الكويتية قصيدة بعنوان أمة الأمجاد للشاعر مصطفى عبد الرحمن فأختارتها الإذاعة المصرية لتغنيها فايزة أحمد بلحن محمد سلطان .. وفى السودان قرأوا المجلة فأعجبوا بالقصيدة وقرروها نشيدا يبث عبر وسائل الإعلام السودانية المسموعة والمرئية وقام بتلحين القصيدة الثنائى السودانى محمد حميدة ويوسف أسمانى وغنتها المجموعة وتصادف أن استمع للقصيدة جعفر النميرى الرئيس السودانى فأعجب بالقصيدة وأتصل على الفور بالإذاعة السودانية وأمر بإذاعتها على الملايين من أبناء السودان وبعد يومين أصبحت على كل لسان بل ومن أبرز أناشيد السودان الوطنية .. وذات يوم كان الرئيس السودانى جعفر النميرى فى أجتماع مع طلائع الشباب وبدأ الشباب بآداء أمة الأمجاد فهب الرئيس السودانى واقفا وأدى مع الشباب أمة الأمجاد .. وفى هذا الصدد قال الكاتب السودانى السر أحمد قدور :
إن نشيد أمة الأمجاد الذى صاغه شعرا عربيا سهلا الشاعر مصطفى عبد الرحمن وقدمه الثنائى الوطنى السودانى قد أصبح من الأناشيد ذات الأرتباط القومى بالوثبات التى حققتها ثورة مايو المجيدة فى السودان .
وتقول كلمات أمة الأمجاد :
أمتى ياأمة الأمجاد والماضى العريق
يانشيدا فى دمى يحيا ويجرى فى عروقى
أذن الفجر الذى شق الدياجى بالشروق
وطريق النصر قد لاح فسيرى فى الطريق
قبلة الأنظار ياأرض الهدى والحق كنت
ومنارا فى دجى الأيام للعالم عشت
انت مهد النور .. مهد الفن والعرفان انت
وستبقين ويبقى لك منا ماأردت
لاتبالى إن أساء الدهر يوما لاتبالى
قد صحونا لأمانينا .. صحونا لليالى
لك ياأرض البطولات وياأم الرجال
ترخص الأرواح فى يوم الفدى يوم النضال
للغد المشرق يندى بالأمانى والعطور
امتى .. سيرى الى المجد وجدى فى المسير
حققى بالعمل البناء أحلام الدهور
وأصعدى بالعلم والأخلاق للنصر الكبير
أصعدى ياأرض أجدادى وأمى وأبى
أصعدى ياقلعة يحرسها كل أبى
أصعدى يامشرق النور لأغلى مارب
أصعدى للقمم الشماء فوق الشهب
أمتى ياأمة الأمجاد والماضى العريق
يانشيدا فى دمى يحيا ويجرى فى عروقى
أذن الفجر الذى شق الدياجى بشروق
وطريق النصر قد لاح فسبيرى فى الطريق
وفرح الشاعر مصطفى عبد الرحمن بإنتصارات أكتوبر 1973 وكتب قصيدة بعنوان بطولات ونشرتها مجلة العربى الكويتية فى عددها الصادر فى شهر يوليو عام 1974 ونذكر منها :
عبرت تهتف باسم الله فاندفعت
خطاك للنصر ترعاك العنايات
والله ينصر من يدعوه ياولدى
وتستجيب بدعواه السموات
ونذكر أيضا :
أعدت بسمتنا من بعد ماعصفت
بنا الليالى وهدتنا الجراحات
وصفق النيل والأهرام من طرب
وكبرت فى ربى القدس النبوات
نصر من الله بالإيمان ظللنا
علت به لجبين الشمس هامات
والجدير بالذكر أن الشاعر مصطفى عبد الرحمن قد أثرى المكتبة العربية بمؤلفاته المتميزة ونذكر ومنها :
ديوان المصطفيات الذي أصدره في بداية حياته وديوان لحن الخلود الذي صدر عام 1933 وديوان ليالي الشاطئ الذي صدر عام 1936 وديوان من أغاني الحياة الذي صدر عام 1939 و ديوان الربيع الذي صدر عام 1955 و ديوان أغنيات من القلب الذي صدر عام 1987وفي مجال الدراسات صدر له : وطني - فنون رمضان - أغنية الكفاح - حق المؤلف - الربيع في الأدب و الفن و الحياة - أناشيد لها تاريخ - القبلة.. والشعر فى موسيقى عبد الوهاب والذى يعد وثيقة تاريخية فنية لكل أعمال الموسيقار محمد عبد الوهاب وعطاؤه المتميز .
حصل الشاعر مصطفي عبد الرحمن علي جائزة الدولة في الشعر ووسام العلوم و الفنون من الطبقة الأولى عام 1980 و نالت قصيدته يا حبيب العمر على الوسام الذهبي و الجائزة الأولى من منظمة البحر الأبيض المتوسط الذي اشتركت فيه 26 دولة بينها فرنسا وأمريكا وإيطاليا و اليونان وأربعة دول عربية هي المغرب و تونس و الجزائر و ليبيا
وفى العاشر من شهر أغسطس عام 1992 رحل الشاعر مصطفى عبد الرحمن إلى الدار الآخرة .. فرحمة الله عليه .