الدكتور محمد أديب الصالح
لا أذكر بالضبط متى بدأت معرفتي به ، ولكن الذي لا يبلغه النسيان من ذاكرتي هو تلاقينا الكثير في كنف الدعوة ، أيام كان للدعوة الإسلامية نشاطها الواسع على امتداد الربوع السورية ..
ولقد كنا على تواصل سعيد في خدمتها ، تجمعنا أخوة في الله لا انفصام لها ، وكان الجو السياسي على شيء غير قليل من الطلاقة ، بحيث يتسع لمختلف الأفكار والتيارات ، كل يعرض ما لديه من تصورات قابلة للمناقشة بمنتهى الحرية ، ولجماهير الشعب أن تسمع وتقرأ فتفرق بين الحق والباطل . وكانت الثقة تملأ صدورنا بأن السواد الأعظم من هؤلاء مع أفكارنا ، لأنها عميقة الجذور بفطرته وتراثه الروحي والاجتماعي ..
وكان معظم تلاقينا لدراسة مسيرة الدعوة على ضوء الأوضاع العامة ، فنتداول الأمور وفق أمزجتنا الشخصية ، من الحار الذي يأخذه الانفعال ، والهادئ الذي يضبط التوازن ..
ولعلي لا أعدو الواقع إذا اعتبرت فضيلة المترجم أحد الذين يمثلون جانب الهدوء والأناة في تلك الاجتماعات ..
وها هي السنون تكر ، والأحداث (تمر) فلا تزيده إلا رسوخاً في ذلك المزاج الرصين ، لا يكاد يفارقه خطيباً أو محدثاً أو مناقشاً ، حتى إنك لتحتاج أثناء محادثته إلى الانتباه الدقيق لئلا يفوتك بعض كلامه ، الذي يذكرك بالصورة التي أوصى بها لقمان ولده ، وهو يحضه على الغض من صوته في مخاطبة الآخرين .. بل إن في مشيته صورة أخرى للشكل الذي رسمه ذلك الحكيم لابنه بتلك العبارة التي خلدها الله في كتابه الكريم [واقصد في مشيك] . وما أدري أهي طبيعة فطر عليها ، أم أدب أخذ به منذ الطفولة ، أم تطبيق مقصود للتوجيهات السامية التي رضيها الله لعباده المؤمنين !..
ولا ريب أن لهذا المزاج أثره البعيد في تفكير المترجم ، وطريقة تناوله للموضوعات التي يعالجها ، وبالنظرة العميقة التي يستكشف بها الجديد البعيد من المعاني المضيئة في كل ما يكتب ويؤلف ويذيع .. وهي خاصة يستطيع القارئ أن يتبنها في كل نتاجه ، وأقربها إليه برنامجه الذي يعتبر نسيج وحده في موضوع (التنمية..) الذي بيئة من إذاعات المملكة ..
ولد الدكتور محمد أديب الصالح في مدينة قطنا ـ جنوب دمشق ـ في العام 1926 م وقد شاء الله أن يتذوق مرارة اليتم بوفاة والده وهو في الشهر السادس من عمره ، ولكن والدته الصالحة قد عوضته عن عناية الوالد بانقطاعها لرعايته ، والاهتمام بشأنه ، حتى توفاها الله في الرياض أول يوم من عيد الأضحى المبارك من العام 1983 م ـ 1403 هـ . وكان من بره بها أن نفذ وصيتها بدفنها في بقيع المدينة بجوار صحابة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه .
وقد بدأ تعليمه في إحدى مدارس قطنا الابتدائية ، ومنها انتقل إلى دمشق حيث أحرز شهادة الكفاءة العامة ثم شهادة الكلية الشرعية ، التي كانت بمثابة معهد علمي رفيع المستوى ، ثم حصل على الثانوية الشرعية مع الثانوية العامة عام 1946 م ، وبذلك تهيأ للدراسة الجامعية ، وسجل في كلية الحقوق بجامعة دمشق ، ولكنه لم ينقطع إليها ، إذ أوفد إلى الأزهر عام 1947 م فالتحق بكلية أصول الدين ، فكان يقدم امتحانها في الدور الأول ، ويقدم امتحان الحقوق بدمشق في الدور الثاني ..
ويحسن بنا أن نتساءل عن السبب الذي حداه للاتجاه نحو الدراسة الشرعية بعد حصوله على الثانوية العامة ، التي تمكنه من الدراسة في أي من الكليات الأخرى بجامعة دمشق .. وهي أقصر الطرق إلى العمل المنتج ، الذي يجتذب معظم الطلاب ، وبخاصة في غمرة التطور المادي الذي صارت إليه البلاد في ظل الانتداب الفرنسي وما بعده .. ولابد أن يكون لذلك علاقة وثيقة بإيحاءات البيئة التي نشأ في ظلالها ، ذلك أن قطنا لا تزال محتفظة بالكثير من مواريث الحياة الإسلامية ، كالمألوف في الأوساط البعيدة عن مهب التغيرات السريعة التي تتعرض لها الحواضر الكبرى .. ونستدل على هذا من اتصاله الوثيق بشيخ قطنا ومفتيها وعلامتها الشيخ إبراهيم الغلاييني رحمه الله ، الذي كان المترجم أحد الطلاب المواظبين على حلقته الخاصة في العلوم الشرعية ، ثم توثقت الصلة بينهما عن طريق المصاهرة ، إذ زوجه الشيخ إحدى بناته ، التي أنجبت له ثلاثة من الأبناء وأربعاً من البنات ، ومن هنا نكتشف إحدى أهم الخلفيات التي حببت إليه العلم الشرعي ، وزودته بالكثير من روافد الثقافة الإسلامية ، التي أصبحت المدرسة الحديثة عاجزة عن توفيرها للمسلم .
والذي يعرف المرحوم الشيخ إبراهيم الغلاييني لابد أن يتصور أثره العميق في نفوس طلابه ، فهو عالم متفتح الذهن والقلب ، رحب الصدر للمناقشة والمراجعة ، إلى كونه قوي الشخصية عميق التأثير في قلوب المتصلين به .
وأذكر هنا قصة طريفة مكنت لي من التعرف على بعض خصائص هذا الشيخ فقد قدم اللاذقية ذات يوم بدعوة من بعض مريديه ، وفي جلسة مكتظة بهؤلاء في منزل آل الأزهري ، اجتمعت به واستمعت إلى حديثه وشاهدت تعلق الأتباع به وتسابقهم إلى التبرك بسؤره .. ثم صحبته في بعض رحلاته القريبة ، فسرني منه فهمه السليم لأبعاد بعض الأحاديث النبوية ، وذات مساء ودعت الشيخ فأرسل ورائي من يخبرني بأنه ينتظر زيارتي في صباح اليوم التالي .
ولم يفتني ما وراء هذه الدعوة ، فقد كان أكثر الحضور اهتماماً بالشيخ يومئذ ذلك الفتى الذي لا يستهويه شيء مثل الوشاية وإثارة عوامل الفتنة ، فتوقعت ما كان وما سيكون .. وفي الموعد المضروب ، وكانت الحجرة مكتظة بالزائرين ، طرح الشيخ الموضوع دون مقدمات ، فإذا هي كما قدرت دسيسة جاهل لا يفرق بين الحق والباطل ، وأجبت بالتفصيل مع ذكر الدليل من كتاب الله وسنة رسوله فإذا هو يصرح بموافقته وهو يقول : أنت على حق .. ـ وبهت الذي كذب ـ ..
ومن هذه الطرفة يدرك القارئ أن المرحوم مفتي قطنا لم يكن من الشيوخ المغفلين ، كذلك المفتي السوري الآخر ، الذي أغلق على نفسه منافذ العلم الحق حين سمعناه يعلن أن الأولين لم يتركوا للآخرين قولاً ، فلا غرو أن يكون لهذا الشيخ أثره في توجيه مترجمنا إلى المسلك الذي أخذ به نفسه ، فكان توفيقاً من الله إلى التي هي خير وأبقى ..
وهكذا جمع فضيلة المترجم في دراسته الجامعية بين الشريعة والحقوق ، فأحرز شهادتيهما ، ومنذئذ بدأ تفرغه للتدريس ،فعمل في ثانويات حلب ودمشق ودور المعلمين ما بين العامين 1949 ـ 1956.
وفي ذلك العام أسندت إليه مهمة معيد في كلية الشريعة بجامعة دمشق بعد اجتيازه مسابقة خاصة ذات وجهين ، خطي بالإجابة عن أسئلة معينة ، وعملي بإلقاء محاضرة نموذجية على الطلاب بمشهد من لجنة الاختيار .
ومن هنا تم إيفاده إلى جامعة القاهرة لتحضير الإجازة العليا ـ الدكتوراه ـ في كلية الحقوق ، وكان موضوع أطروحته (تفسير النصوص في الفقه الإسلامي ـ دراسة مقارنة) التي أحرز بها مرتبة الشرف الأولى مع التبادل بين الجامعات ..
ويحدثنا فضيلته عن بعض شيوخه في تلك الفترة ، فيذكر منهم العلامة الإمام محمد أبو زهرة ، والشيخ علي الخفيف ، والشيخ فرج السنهوري .. الذين يقول إنهم من الرعيل الأول الذي لا يكاد يعوض .
في التدريس الجامعي :
ويعود فضيلته إلى دمشق ليستأنف عمله في جامعتها ، وما زال يرتقي في سلمها حتى أصبح أستاذاً ذا كرسي منذ العام 1974 م ـ وقد أسندت إليه رئاسة القسم الخاص بعلوم القرآن والسنة بكلية الشريعة . وفي هذه الكلية تولى تدريس نظام الإسلام مع التفسير والحديث ، وأصول الفقه في بعض الأحيان ..
وفي كلية الحقوق بدمشق قام بتدريس مادة أصول الفقه هذه لطلاب السنة الرابعة لعدة سنوات .
وكذلك في قسم اللغة العربية بكلية الآداب درس مادة القرآن والحديث سنوات عدة مع التركيز على النواحي الأدبية في هذه المادة ..
وشاء الله أن يمتد نشاطه إلى أبعد من الحدود السورية فأعير إلى الجامعة الأردنية لتدريس التفسير والحديث والثقافة الإسلامية على مدى سنتين كانت حافلتين بالنشاط العلمي والإسلامي ، الذي عرف به داخل الجامعة وخارجها ، ثم تلا ذلك تجواله التدريسي في مناطق أخرى من وطن العروبة والإسلام ، فاستقدم أستاذاً زائراً إلى جامعة الرياض ـ الملك سعود ـ حيث أمضى شهراً ونصفاً في قسم الثقافة من كلية التربية ، وكذلك دعي زائراً إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وإلى كلية التربية للمعلمين والمعلمات في قطر، حتى استقرا أخيراً في أسرة التدريس من جامعة الإمام .
فمنذ سنوات ست يتولى رئاسة قسم السنة وعلومها في هذه الجامعة ، إلى جانب مشاركاته المستمرة في مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه فيها وفي كل من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة ، إلى ما هناك من دراسات علمية وما سيتتبعها من تقارير يكلف بها من قبل هذه الجامعات وجامعة الإمارات .. ولعل مما يدخل في ذلك عضويته في المجلس العلمي بجامعة الإمام ، وعضويته الأخرى في المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية .
ولا جرم أن في هذه الممارسات المتعددة الجوانب لمتسعاً لكثير من الإمكانات الفكرية والعلمية ، من شأنها ألا تقف بمعطياته عند حد معين ، بل تمده بمنطلقات رحبة تصور سعة الأفق الذي منه يستمد وبه يتأثر.
وما دمنا في صدد الحديث عن مجالات نشاطه العلمي والعملي فلا بد من الإشارة على جوانبها الأخرى ، خارج نطاق المدرسة والجامعة ، فهناك الخطابة المسجدية التي مارسها سنوات كثيرة في مسجد الجامعة ـ بدمشق ـ ثم في مساجد قطنا إلى جانب حلقات التدريس في تلك المساجد ، ثم الندوات الثقافية التي لم تكد تنقطع بينه وبين الطلاب . وإلى جانب هذا وذاك من ألوان النشاط العلمي والدعوي لا ننسى عمله في مجلة (حضارة الإسلام) التي هي واحدة من حسنات المرحوم الدكتور مصطفى السباعي ، فقد تولى رئاسة تحريرها منذ العام 1965 وحتى الآن لا يزال يكتب افتتاحياتها ، ويمدها بالبحوث والمقالات يبعث بها إلى المجلة من مقر عمله في الرياض .
ولا مندوحة لمثله من أن يشارك في بعض المؤتمرات ، وقد أتيح لي أن أحضر مؤتمر السنة والسيرة النبوية في دوحة قطر عام 1400 هـ . وقدمت خلاصة بحثي في موضوع (الرسالة الإسلامية في مواجهة الفساد العالمي) إلى اللجنة التي أسهم في رئاستها . وأشهد لقد كان موضع التقدير لبراعته في إدارة الجلسات ولأفكاره العميقة التي كان يركز عليها في مناقشة البحوث .
مذاعات إسلامية :
ولأحاديثه الموقوفة والمستمرة عن طريق إذاعات المملكة صورة أخرى من نشاطه الفكري لا يحسن بمترجم له إغفالها .. وأول ما يتبادر للذهن منها برنامجه المعروف باسم (معالم قرآنية في البناء والتنمية) . وقد قارب ما سجل منه الألف من الحلقات اليومية على مدى أربع سنوات ، ثم اضطر إلى وقفه تحت ضغط المشاغل الجامعية ، ولا تزال الإذاعة تعيد بعض حلقاته بين الحين والآخر، وقد أخبره مدير إذاعة القرآن الكريم أنهم قد أهدوا منها الكثير إلى العديد من الإذاعات العربية والإسلامية .
ومجرد اختياره لهذا العنوان يصور نزوعه الفكري إلى استكشاف الدقائق القرآنية في تربية الإنسان على النحو المتميز الذي يشمل كل خصائصه الذاتية ، ليجعل منه الأنموذج الرباني الذي لا يطغى فيه جانب على آخر..
ولنستمع إليه يحدد هدفه من هذا العنوان بأنه يقدم (المبحث القرآني عن طريق حركات مركزة ومحددة في موضوع محدد يتعلق بالبناء عموماً ، وبناء الإنسان بخاصة ، إذ أن التنمية بكل فروعها وميادينها رهن بناء الإنسان على المثال المتكامل الذي أراده الإسلام ، وعلى هذا النهج تعرض بعض الحلقات لنماذج من أصول التنمية ، كما أوردها القرآن ، والتي عمادها المتكامل الذي ينأى بالتنمية عن العثرات التي تتخبط فيها الحضارة الحديثة ، فمع التنمية لقدرات الإنسان وملكاته ـ بعد العقيدة ـ تنمية الجوانب الحياتية جميعاً ،من منطلقات سليمة تنتهي إلى غايات سليمة وبوسائل نظيفة متناسقة..).
وهناك حديثان آخران على ترتيب أسبوعي يبثان عن طريق إذاعة القرآن الكريم .. أولهما : السنة : علومها ومنزلتها من القرآن الكريم . وقد سجل منها حتى كتابة هذه السطور حوالي التسعين من الحلقات .. أما الثاني فعن (اليهود في القرآن والسنة) وبلغت مسجلاته السبعين .. ويقول : إن البرنامجين مستمران في الدورة الإذاعية خلال شهر رمضان المبارك ـ الذي نعيش في ظلاله هذه الأيام .
ومرة أخرى نعيد التأمل في موضوعات هذه المذاعات فنزداد علماً بتلك المواهب التي تحفزه لاختيار الأكثر أهمية من الأحاديث ، على أساس من الحاجة الماسة إلى الجديد الطريف الذي يعالج واقع الحياة الإسلامية ، بعيداً عن التكرار الذي يستهوي الكثير من أهل العلم في هذه الأيام ، سواء عن طريق الإذاعة أو البحوث التي قتلها مفكروا الإسلام كشفاً وتدقيقاً في القديم والحديث .
رأيه في صحوة الجيل :
وكانت فرصة صالحة لاستطلاع رأي فضيلته في بعض أحوال المسلمين :
هذه الصحوة التي كتب عنها الكثير، ونلمسها في أوساط الشباب المسلم على امتداد العالم الإسلامي ، وحيثما وجد هذا الشباب ، لابد أن يكون لها صورة ما في رؤيتكم الإسلامية :
يقول فضيلته في الجواب :
لابد لهذه الصحوة من امور من أهمها :
أ ـ ربط الشباب بالأصول في فهم كتاب الله ، والوثوق بالحديث النبوي وفهمه ، وما يؤصل ثقتهم بمواجهة نصوصهما ومناهج العلماء في فهمها ، مما يجعلهم على بينة ، وينأى بهم عن الإفراط والتفريط .
ب ـ العمل على ترسيخ صلتهم بنماذج من أعلام هذه الأمة عبر التاريخ ، لكيلا ينساقوا مع تفسيرات مادية لتاريخنا ، أو إغراق في نظرات تجعل من التاريخ متعبة للشباب .
ودراسة نماذج مضيئة من الإعلام تختار من الميادين كلها تنأى بالشباب عن العاطفة الجامحة ، وتشغله بالتأسي الجاد الذي لا بد له من المعرفة والصدق والعزيمة . وتفسير التاريخ نظرة إسلامية صحيحة في ضوء العقيدة وما هو حقها ، يضع الأمور في نصابها عند الشباب .
جـ ـ محاولة اشتمال الصحوة ضمن التيارات التي منها ما يدفع إلى ردة الفعل بسبب ظلم الطغاة وجور أولي التنفيذ ، أو انحراف بعض من يتصدون منابر العلم والتوجيه . ومنها ما وقع في حمأة الانشغال بالجزئيات عن الكليات ، ويجعل الشاب يقدم ما يراه مهماً وهو غير ذلك على الأهم ، الذي هو جمع القلوب على كلمة التوحيد ومقتضياتها ، ومواجهة التحديات بوعي وبصيرة ، وقدرة على فهم طبيعة الأرض التي يتحركون عليها ، والعدو الذي يواجهونه . وما الذي يريده الإسلام في مثل هذه المواقف .
د ـ وإذا سلكت هذه السبيل ممن أقامهم الله على هذا الثغر كان في مقدورنا توظيف الصحوة في المكان المناسب . والتوسط في مواجهة القضايا وحل المشكلات وفق المنهج الإسلامي جيد وطيب . فلا ملامة على من لا يوافقنا في الرأي ، ولا مهاترة يذهب معها الحق وتضيع الفرصة .
آثاره المطبوعة :
ولعل مؤلفاته مطبوعة أو في طريقها إلى المطبعة أقل عدداً مما يتوقع من مفكر على المستوى الذي عرفناه ، بيد أن أعباء العمل التي تحاصره أبداً لها حكمها في تحديد نتاجه ، كشأنها في الكثير من أهل العلم الذين حبسهم الجهاد باللسان عن التدوين في الأوراق ، هذا إلى أن قوة المضمون في هذا القليل ترجح الكثير مما يعرض من المصنفات في الأسواق .. ولعله حين يصير ـ مثلي ـ إلى التفرغ للتأليف يمنحنا المزيد من الخير الذي ينطوي عليه إن شاء الله ..
1 ـ (تخريج الفروع على الأصول) للعلامة الزنجاني حققه لأول مرة ونشرته جامعة دمشق عام 1963 م وقد تقرر تدريسه في الدراسات العليا بالعديد من الجامعات ، وفي مقدمتها الجامع الأزهر، وهذا ما دعاه إلى مضاعفة الجهد في خدمة الكتاب ، فزاد من تحقيقه ، وعني بتوثيق كل واحدة من مسائله من مصادرها الأصلية ، وبذلك تتابعت طبعاته حتى بلغت الرابعة .
2 ـ (تفسير النصوص في الفقه الإسلامي) وقد طبع ثانية في مجلدين وهو على وشك الصدور في الطبعة الثالثة .
3 ـ (على الطريق) وهو مجموعة بحوث ومقالات .
4 ـ (لمحات في أصول الحديث والبلاغة النبوية) وطبع للمرة الثالثة وهو في الطريق إلى الرابعة .
5 ـ (مصادر التشريع ومناهج الاستنباط) ألف لكلية الحقوق بجامعة دمشق .
6 ـ (من الجامع لأحكام القرآن) تفسير نصوص من تفسير القرطبي ، مع ترجمة للمؤلف ودراسة لمنهجه في التفسير .
7 ـ (مذكرات في التفسير) لطلاب كلية الشريعة ، ويقول إن هذه المذكرات في طريقها لتكون عدة كتب ، بعد أن تولاها بالمراجعة والتنقيح والتعديل في ضوء التدريس والمعاناة ..
والتي قيد الإعداد للطبع :
1 ـ (معالم قرآنية في البناء والتنمية) .
2 ـ (على الطريق) جزءاً ثانياً .
3 ـ (هكذا يعلم الربانيون) وهو مجموع كلمات نشرت في (حضارة الإسلام).
4 ـ (من هدي النبوة) مجموعة أحاديث مختارة درست وشرحت بتحليل في المعهد العالي للدعوة الإسلامية .
5 ـ (البلاغة النبوية) مجموع محاضرات ألقيت على طلبة قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة دمشق .
6 ـ (أصول الفقه).
7 ـ (من أحكام القرآن) وهو آيات الأحكام التي درسها في جامعة دمشق .
8 ـ (تخريج أحاديث البزروي) للقاسم بن قطلوبغا بتحقيق المترجم .
أنموذج من أحاديثه المذاعة
ـ مع اليهود ـ
اليهود هم اليهود .. وقصتنا التي طال أمدها مع الذين غضب الله عليهم ما تزال على ما يبدو بعيدة النهاية حتى تعود أمتنا سيرتها الأولى . وفي القرآن ضياء على دروب هذه الرحلة [ومن أصدق من الله حديثاً !] فالمسلم يردد قوله تعالى :[غير المغضوب عليهم ولا الضالين]مرات ومرات في الصلاة وخارج الصلاة .
والذي رأيناه من مكرهم وغدرهم ، ونراه اليوم من صلفهم وتجاوزهم كل الحدود ، كما يمثل في وجهه الأول حقيقة ما هم عليه ، يمثل في وجهه الآخر ، انعكاس ما نحن عليه في أنفسهم . فهم ينطلقون من حقيقة ما هم عليه أولاً ، ومن اقتناعهم بما نحن عليه ثانياً .
وكل هذا ينبغي أن يزيد الأمة حرصاً على وضوح الرؤية بشأن هؤلاء اليهود ، والنظر إلى أمرهم نظرة جادة ، لا تدع الاعتبار بالماضي ، كما لا تغفل أثر الحاضر في المستقبل . فالخطر الداهم ممن حل عليهم غضب الله ولعناته ، لا يقتصر على ميدان دون ميدان ، ولكن يتعدى السلم والحرب إلى الميادين كلها ، والأمة التي تقف على أبواب يقظة جديدة ، يجب أن تكون أمورها الثقافية ـ بمدلولها الواسع ـ والسياسة ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، في حسابها عندما تحارب أو تسالم ، عندما تهادن أو تخاصم .
من أجل ذلك علينا أن نحسن بناء الفرد على العقيدة وحب الجهاد ، ونحول دون زعزعة كيان الجماعة ، ونوظف العلم في الإفادة من ثروتنا ، وتنمية طاقاتنا المعنوية والمادية ، كي نستطيع مواجهة المراحل المقبلة ، وما تلده الليالي من وقائع وأحداث .. ويوم لا نضع في حسابنا ما عليه عدونا من خلائق جاء على ذكرها القرآن الكريم والسنة المطهرة وأكدتها الوقائع ، ونهمل طبيعة العلاقة بيننا وبينهم على مدى التاريخ ، وخصوصاً ما كان من عدائهم للرسالة والرسول ، وما تبع ذلك من شرور مزقت فيما مزقت تلك الراية التي كان يجتمع حولها المسلمون .. يوم نفعل ذلك على طريق حسم ما بيننا وبينهم ، نكون غافلين عن الحقيقة متخلين عن واحد من أمضى الأسلحة في ميدان الصراع ، وهل أدل على ذلك من واقع صنيعهم اليوم ، ودس أنوفهم في كل ميدان ، محاولة منهم للتأثير في حياتنا تحت شتى العناوين ، والإفادة من تخلخل الصف وانحسار الإسلام عن حياة المسلمين في كثير من البقاع !..
إن باباً عريضاً للعزة والنصر سوف يكون ملكاً لهذه الأمة ، إذا هي اعتبرت بالماضي ، ولم تغفل طبيعة الصراع في الحاضر، وكانت على ذكر من أنه لا يحسن الظن بهؤلاء الأعداء ومن هم على شاكلتهم . إلا زائغ عن طريق الحق أو غافل ، ففي ظلال الإخراج المسرحي لصلح منفرد نرى من بعض تصريحات رئيس وزرائهم قوله : (لن نتخلى بأي حال من الأحوال عن مدينة القدس عاصمة إسرائيل التي توحدت إلى الأبد) وهو يعتبر ـ كما نعلم ـ الضفة الغربية التي أسماها (يهود السامرة) جزءاً لا ينفصم من أرض إسرائيل الكبرى .
وللتاريخ كلمة هو قائلها في من يتبرع ، أو يساوم على قضية الأمة بكاملها ، لأنها في دم كل مسلم وروحه وقلبه ، وليست ملك إنسان سوف تبدي الأيام أنه لا يملك ما يساوم عليه ، وحسبنا في هذه الدقائق الخمس أن نذكر قول الله تعالى بعد أن عرض للكثير من ضلالهم ، والخطاب للمؤمنين :
[أفتطمعون أم يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ، وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون ! .. أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون !].
ويخاطب الله المسلمين خطاباً يحملهم على اليأس من خيرهم .. كيف .. وهؤلاء اليهود يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ويبدلونه ، وكأنهم يحسبون الله غافلاً عما يعملون .. فإذا كان هذا موقفهم من رب العالمين وكلماته فكيف يبقى للطمأنينة إليهم مكاناً ؟!..
إنه الدرس الذي لا يصح لغافل أن ينساه ، والمعلم القرآني الذي يجب على الأمة أن تسير في علاقتها باليهود على.
وسوم: العدد 728