في وداع عبد الله البردوني ... المتأخر
صالح مفلح الطراونه
من يكون عبدالله البردوني
ولد عام 1348ه 1929 م في قرية البردون (اليمن) أصيب بالعمى في السادسة من عمره بسبب الجدري ، درس في مدارس ذمار لمدة عشر سنوات ثم انتقل إلى صنعاء حيث أكمل دراسته في دار العلوم وتخرج فيها عام 1953م . ثم عُين أستاذا للآداب العربية في المدرسة ذاتها. وعمل أيضا مسؤولا عن البرامج في الإذاعة اليمنية.
أدخل السجن في عهد الإمام أحمد حميد الدين وصور ذلك في إحدى قصائده فكانوا أربعة في واحد حسب تعبيره ، العمى والقيد والجرح يقول :
هدني السجن وأدمى القيد وأضعت الخطو في شوك الدجى فـي سبيل الفجر ما لاقيت في سـوف يـفـنى كل قيد وقوى | ساقيفـتـعـاييت بجرحي والـعمى والقيد والجرح رفاقي رحـلـة التيه وما سوف ألاقي كـل سفاح وعطر الجرح باقي | ووثاقي
البردوني شاعر اليمن وشاعر منتم الى كوكبة من الشعراء الذين مثلت رؤاهم الجمالية حبل خلاص لا لشعوبهم فقط بل لأمته أيضا‚ عاش حياته مناضلا ضد الرجعية والدكتاتورية وكافة اشكال القهر ببصيرة الثوري الذي يريد وطنه والعالم كما ينبغي ان يكونا‚ وبدأب المثقف الجذري الذي ربط مصيره الشخصي بمستقبل الوطن‚ فأحب وطنه بطريقته الخاصة‚ رافضا ن يعلمه أحد كيف يحب‚ لم يكن يرى الوجوه فلا يعرف إذا غضب منه الغاضبون‚ لذلك كانوا يتميزون في حضرته غيظا وهو يرشقهم بعباراته الساخرة‚ لسان حاله يقول: كيف لأحد أن يفهم حبا من نوع خاص حب من لم ير لمن لا يرى‚
للبردوني أعمال أدبية متنوعة‚ ديوانه الأول صدر سنة 1961م في القاهرة بعنوان من أرض بلقيس ثم أصدر بعده في طريق الفجر‚ مدينة الغد وزمان بلا نوعية وتقلد الشاعر اوسمة كثيرة كوسام الأدب والفنون في عدن وحصل على جوائز أدبية رفيعة كجائزة مهرجان أبي تمام بالموصل في العراق وجائزة شوقي وحافظ في القاهرة‚ وفي عام 1982 أصدرت الأمم المتحدة عملة فضية عليها صورته كمعاق تجاوز العجز
له عشرة دواوين شعرية، وست دراسات. .
صدرت دراسته الأولى "رحلة في الشعر قديمه وحديثه" عام 1972.
أما دواوينه فهي على التوالي:
- - من أرض بلقيس 1961 –
- - في طريق الفجر 1967 –
- - مدينة الغد 1970
- - - لعيني أم بلقيس 1973
- - - السفر إلى الأيام الخضر 1974
- - - وجوه دخانية في مرايا الليل 1977 –
- - زمان بلا نوعية 1979
- - - ترجمة رملية لأعراس الغبار 1983
- - - كائنات الشوق الاخر 1986 –
- - رواء المصابيح 1989
عذراً منك يا شاعر اليمن فقد اغفانا التاريخ والذكريات واغفتنا سنوات الانكسار . . ونسينا كم مات من شاعر وفيلسوف وقاص وكاتب ومؤرخ وأديب وكم . . . وكم
إعذرني وانا الذي في ميدان الشعر ضعيف . . واعذرني فقد مسنا الحزن يا كبير الشعراء في ساحة الوغى . . اعذرني لو عدت من جديد اقول شعرك الذي فيه اشياء تبحث عمن يفهمها او حتى يناقشها او حتى ينتقدها .
واعذريني . . يا امكنة اليمن ويا زمن اليمن ويا ثورة الفلاحين في بداية عهد الاحرار . . . .
شعرك الذي بداء يسأل . . . حيث تقول يا سيدي عبدالله البردوني
وأنا في عزلتي السودا وفي قلبي الدامي قلوب الأمم
قلق اليقظة مذعور الكرى ذاهل الفكر شريد الحلم
كلما ساءلت نفسي من أنا صمتت عني صموت الصنم
عبدالله البردوني واكب الماضي الجميل من حيث معاني الترابط الانساني في كثير من ارجاء اليمن قبل ان يعلن الانخراط بالوحده ثم عاش في مفهوم الحداثه يوم ان توحد اليمن وعاش كثير من مجمل قضايا الامه الناصريه التي واكبت ظهور مفهوم القوميه ومسميات الاحرار التي غرست بنفوس كثير من مثقفي ودارسي علوم الادب والشعر والهندسه والطب مفهوم الحريه والآخاء وتكوين فجر جديد للعروبه بمفهومها القومي وبعدها الاستراتيجي بكثير من نزاعات الامه أبان مراحل الاحتلال وفرض قيود الاستعمار على مجمل قضايا التفكير نعم انخرط بمجمل النضالات التي قادها شباب تلك المرحله سواء في اوطانهم او في مراحل بعدهم عن الوطن نعم تتلمذ على مدارس كثير من الشعر فأوغل من معاناته التي مر بها منذ صباه فأصبح يدرك اين تقع الصفحه من شعره بكتاب لم يراه مطلقاً . .
عبدالله البردوني . . على وزن التفعيلات بالشعر لا ينقصه ابدا غير ان يكون بيننا لكن قدره ان يموت مثل غيره تاركاًً لنا ارث من الحضاره الشعريه في مؤلفاته وموسوعه من مدارك سنوات القهر في حياته . .
وترك لنا انموذج لمقاومه العجز وطرح فكرة التحدي .. .
سلاما عليك عبدالله البردوني . . سلاما عليك وعذرا فقد نسينا واخذتنا الحياة الى اشياء تتصل بالماديات تتصل بمفردات ثنائيه تشابكت فيها خيوط الظلام مع النور الفقر مع الغنا العجز مع النشاط الجنوب مع الشمال ثنائيه غابت عن قراءة سجل شعراء المجد والكبرياء والشموخ . . في وطن العروبه ونسينا يوم تغني مودعا امه يوم رحلت ليقول .. عبدالله البردوني . .
كـمـ بـكـتـ عيناك لما رأتا وتـذكـرت مـصيري والجوى هـا أنـا يـا أمـيـ اليوم فتى أمـلأ الـتـاريـخ لحناً وصدى فـاسمعي يا أم صوتي وارقصي هـا أنـا يـا أمـ أرثـيك وفي | بصري يطفا ويطوى في الحجاب بـيـن جنبيك جراح في التهاب طـائر الصيت بعيد في الشهاب وتـغـنـي في ربا الخلد ربابي مـن وراء القبر كالحور الكعاب شجو هذا الشعر شجوي وانتحابي |
نعم رحل عبدالله البردوني لكنه ترك لنا ارث من الشعر وحضاره من مفاهيم الانسانيه وعنوانيين كثيره لسنوات القهر التي عاشها وناضل ليكون شيء آخر وحق لنا ان نفخر فيه كعرب ويمنيون ومؤرخون وكتاب ونقاد وشعراء وتلاميذ جدد في ساحه الأدب والشعر والرؤاء والمستقبل . . نعم حق لنا ان نفخر بما قدم وانجز وبما اعطى للشعر العربي من شيء يضاف الى مجده وقد بنى لنفسه رؤاء تزداد مساحه في نفوس من ادرك شعر عبدالله البردوني . . بما فيه من شعر وقهر وحرمان . .
عبدالله البردوني سلاما عليك يا سيدي . .
سلاما عليك . . فقد نسينا التاريخ ونسينا عيونك المصابيح في دجى الليل . . فالظلام الحقيقي بالقلب لا بالعين وانت ابصرت بالقلب والعقل وكنت الفارس والسيف وكنت المصباح والكتاب وكنت الضوء والليل وكنت القلب والمشاعر وكنت الحاضر والغائب . . انظر يا سيدي ما اجمل ثنائياتك انظر لا مثل ثنائيات الحاضر فقر وغناء شمال وجنوب اسود وابيض . .
نعم حق لنا ان نفخر فيك وبكل ثنائياتك التي نعرف . . .الى اللقاء مع البحث عن الجواهري المفقود هو وبلقيس