علي فهيم زيد الكيلاني
علي فهيم زيد الكيلاني
|
|
الشاعر بقلم: حسني جرار
الشاعر علي فهيم زيد الكيلاني (أبو العلاء).. شاعر التزم الإسلام عقيدة ومنهجاً وسلوكاً في الحياة.. وهو من طليعة الشعراء المعاصرين في الأردن، بما امتلك من شاعرية موهوبة, وفكر ملتزم. شعره كلمات تنبض بالحياة، له في النفس وقع وتأثير.. كان أميناً صادق الكلمة في شعره، استطاع من خلاله أن ينقل فكره وعقيدته بأمانة وجرأة وتجرد ووضوح.. وكان سلوكه تبعاً لما آمن به واعتقد.
حياته وأسرته:
ولد علي فهيم زيد الكيلاني في مدينة السلط عام 1931، وعاش في كنف والده الشيخ فهيم، الذي كان إماماً وخطيباً في أحد مساجد السلط، بعد أن كان معلماً ومدرساً في مدارسها إبان العهد العثماني.. وشب في أسرة ملتزمة بإسلامها، وتقدر العلم والعلماء..
وقد ظهر في عائلته شعراء، يشار إليهم بالبنان، أمثال: رشيد زيد الكيلاني، وحسني زيد الكيلاني، ومصطفى زيد الكيلاني، وسيفد الدين زيد الكيلاني، ومحمد طاهر زيد الكيلاني، والشيخ إبراهيم زيد الكيلاني. كما أن عائلته ضمت نخبة من العلماء (في الشريعة) الذين كان لهم أثر كبير في مجتمعهم المحلي، أمثال: الشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني، ووالد الشاعر، والدكتور إبراهيم زيد الكيلاني وغيرهم.
عاش علي فهيم في بادية حياته في مدينة السلط، التي عشق فيها روابيها لجميلة، وكرومها النضرة، ونسيمها اللطيف.. ولعل كثرة الشعراء فيها، ممن ينتمون إليها، أو أقاموا فيها، خلال مراحل من حياتهم، قد أوجد حالة من التلاحم بين شاعرنا وبينهم، فقد أنجبت مدينة السلط عدداً من الشعراء، كما ضمت مدرستها (الأم) وهي أول مدرسة ثانوية في الأردن، شعراء كبار مثل مصطفى وهبة التل وإبراهيم المبيضين، وغيرهما.
وكانت حياة شاعرنا في أسرته الصغيرة حياة هادئة رضية، في وسط من الطبيعة الجميلة الخلابة، التي تنطق بالسحر والجمال، والحب المتبادل الذي يلف أطراف خيمتهم الأسرية، مما ارهف الحس لديهم، ورقق المشاعر، وأجرى الشاعرية على ألسنتهم.
كان شاعرنا وإخوانه من المهتمين بالشعر حفظاً ونظماً وهم ما يزالون على مقاعد الدراسة.. وكانوا يعقدون المناظرات الشعرية مع زملائهم، ويتغنون بمختارات من أجمل الشعر لأعظم الشعراء مما أثرى خيال وشاعرية شاعرنا علي فهيم.
درس شاعرنا في مدارس السلط، وأنهى الثانوية العامة عام 1950، وعمل موظفاً في دائرة الإحصاءات العام، في عام 1951 حتى عام 1966، وقد تم إيفاده في أثناء تلك الفترة، إلى مركز الإحصاء الدولي في بيروت لمدة ستة أشهر عام 1956، كما تم إيفاده عام 1961، إلى مطبعة شركة (ناشيونال كاش ريجستر) في بيروت لمدة شهرين للتدرب على أعمال الطباعة، وعمل إدارياً في مختبرات وزارة الصحة لمدة عام ما بين 1966 – 1967، وانتقل بعدها إلى وزارة السياحة عام 1967، وتسلم إدارة المطبعة التي أسست فيها.. ثم أصبح مديراً لقسم الإنتاج الفني في الوزارة، وعمل مستشاراً فنياً لدى مطبعة مديرية الأمن العام بشكل إضافي، ثم مديراً لمطبعة جريدة الرأي العام لمدة ثلاثة شهور عام 1979، وبعد خدمات طويلة في هذا المجال في السلك الحكومي، تفرغ للعمل في نفس المجال خارج الإطار الرسمي، وأحيل إلى التقاعد في وزارة السياحة عام 1981 ، ليؤسس مع زملائه مطبعة الأصدقاء التي استمرت حتى عام 1984، ثم تركها وأسس مع شريك آخر (مطابع الإيمان)(1).
ثقافته وفكره:
استند شاعرنا إلى ركيزة ثقافية شاملة وأصيلة، وهي التي أعطته هذا الزخم الشعري في الشكل والمعنى، وهذه الركيزة، هي ثقافته الدينية الأصيلة. فالنشأة البيتية، تعد محطة أولى في تكوين ثقافته.. فقد نشا في بيت يزينه العلم والتقوى والورع، ويجمله الأدب والفكر والمعرفة.. فلما التقيا معاً، (العلم والتقوى) ظهرت شخصيته الإنسانية المؤمنة، أقو شكيمة وفكراً ووجداناً.
وشاعرنا تربى على يد والده المعروف بالعلم والتقوى، وعاش بين إخوانه الذين نهلوا من المعين نفسه، كما أن البعد الثقافي للعائلة الكيلانية التي ينتمي إليها، قد زاد حصيلته المعرفية، وقد وظفها في خدمة انطلاقته الأدبية. ومنهل آخر للثقافة، نهل منه أبو العلاء، هو مدرسة السلط الثانوية.. فمنها خرجت مصابيح العلم والمعرفة.. كما أن المعلمين الذين تتلمذ على أيديهم هو وزملاؤه، كانوا مشاعل معرفة.
أما مطالعاته الثقافية.. فشاعرنا قارئ جيد، يقرأ في الأدب والشعر، وكما يقرأ في اللغة والفكر الإسلامي والتاريخ.. وقد قرأ وهو شاب قصصاً كثيرة، وروايات عدة، وقرأ للروائيين والشعراء والمفكرين.. كما أن انضمامه إلى رابطة الأدب الإسلامي كان له أثر واضح على ثقافته الملتزمة، فهو عضو نشط في تلك الرابطة، التي أسست للوقوف أمام الأدب الزائف والمنحرف.
وإن المؤتمرات والندوات والأمسيات الشعرية التي ترعاها رابطة الأدب الإسلامي ويشارك بها، تشكل هي الأخرى انعكاساً لحضوره الفكري.. كما أن المؤتمرات والندوات التي يدعي إليها من خارج الأردن، لدليل على اعتراف تلك الهيئات والمنديات، بأهمية هذا الأدب الملتزم ومن يمثلونه.
ويعد اللجوء للمعارضات التي كان يقيمها شاعرنا، ضرباً، من الضروب الثقافية التي تزيده إطلاعا على أفكار وأساليب الشعراء الذين تناولهم بمعارضاته،. وقد تضمن ديوانه (بؤرة الروح) نماذج شعرية لهذا الفن، والتي عارض فيها عدداً من الشعراء، أمثال الشاعر عبد المنعم الرفاعي، والشاعر محمد مهدي الجواهري، والشاعر حيدر محمود..
فالأبواب الثقافية الواسعة، التي دخلها شاعرنا، من بيئة مكانية وزمانية، تمثلت في البيت والمدرسة والعمل، والندوات والمناقشات والمؤتمرات، وطرح الآراء في مسائل ذات حساسية بالغة في ميدان الشعر والأدب، لا يجرؤ أحد على الخوض بها إلا إذا كان يملك ميزاناً ثقافياً، ونقدياً يزن فيه الأمور بدقة متناهية(2).
شعره:
علي الكيلاني شاعر موهوب.. نظم الشعر منذ يفاعته، وتدرج فيه حتى أصبح شعراً جزلاً جميلاً، له وقع في النفس، بما يعتمل فيه من أفكار عميقة ومعاني سامية، وصور أخاذة، وعبر وحكم، نراها ونحن نطالع تلك الأشعار.. كما أصبح له قدرة على إلهاب المشاعر والأحاسيس بالكلمة الفاعلة، والصور الفنية الرائعة، والقدرة على الإبداع..
والحقيقة أنك وأنت تقرأ شعر أبي العلاء تجد نفسك أمام شاعر متمكن فيما ينظم، وفيما يكتب وما يقول.. شاعر له رسالة، وله انتماء واضح إلى أمته العربية الإسلامي.. زد على ذلك ما نرى في شعره من قدر واضح من الحس الإنساني، والمسؤولية النبيلة التي توجه وترشد، وتشد الناس إلى الهدى والرشاد.. فكان بحق من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وأوجدوا أثراً طيباً في توجيه أبناء مجتمعهم المسلم.
وشاعرنا يؤمن بالنهج الملتزم، فالكلمة عنده رسالة يؤمن بقدسيتها، وجلال موقفها وتأثيرها.. يقول في مقدمة ديوانه "بؤرة الروح": "الكلمة كما أحسها كائن نابض فاعل متحرك (كأنما تدب فيها الحياة).. لها في النفس وقع وجرس وتأثير، تحرك الأحاسيس والمشاعر، فتثيرها وتهدهدها، ولها في العقل فاعلية تذكيه فتهديه سواء السبيل، إن كانت قبس هداية، وترديه إذا ألهبت غرائزه وميوله، ولها في المجتمع فعل النار في الهشيم، تحرق وتدمر، أو فعل الماء في الظامئ ترويه فتحييه.
والكلمة الفاعل مرآة تعكس صورة حقيقة الإنسان لا ظاهره، تكشف ما تنطوي عليه النفس من مكنوناتها، وما يختلج في القلب من أحاسيس، وما يعمل في العقل من فكر.. فمن كانت مرآة سريرته مصقولة صافية نقية تعكس انطباع مجتمعه، وبيئته في نفسه وعن نفسه، وقد جلتها صواقل فكره، وجلتها نواصع عقيدته، كانت كلمته صادقة إن استطاع أن ينقلها بأمانة وتجرد ووضوح.
والكلمة الصادقة موقف، من وعى قصدها التزم بها، كان سلوكه تبعاً لما آمن به واعتقد، ومن احترم كلمته احترم نفسه.
والكلمة الموقف مسؤولية، إذا نطق بها كان مسؤولاً عنها، وإذا سجلها كانت مسؤوليته أعظم وأكبر، لأنه وثق أفكاره وأحاسيسه وحقيقته، وهو مسؤول عما ستحدث هذه الكلمة في مجتمعه وبيئته من خير أو شر، وما إذا كانت تبني هذه الكلمة أو تهدم في جسم المجتمع وفي عقيدة الأمة وأخلاقها.
والكلمة الشعر، أبعد التعبير أثراً وأعظمه خطراً، لما لها من وقع على الأسماع، وسحر في النفوس، ودغدغة للسيمفونيات وأرفعها، وتشده إلى أعماقها، فيغوص وراء الدر أو المحار.
والشاعر المبدع هو الأقدر على إلهاب المشاعر والأحاسيس بالكلمة الفاعلة، لما له من رهافة الحس ونقاء السريرة وقدرة على الإبداع، وعلى بلورة انطباعاته، وما تختلج به نفسه، ويعمل في فكره في قالب فني أخاذ، يطوف بالسامع في عالم الجمال على أجنحة الخيال وينساب به في زورق الأحلام على صفحة بحيرة رقراقة من روعة التعبير، وسحر الموسيقى، يخطر بالسامع في حدائق الصور الفنية الرائعة يقطف من المعاني أعطرها، وينتقي من الصور أزهاها لوناً وأوفاها مبنى فيقدم لنا باقة من أجمل الشعر وأحلى القريض.
من هنا كان تأثير الشاعر في مجتمعه أوقى وأخطر، ومن ثم فمسؤوليته أمام الله ولدى أمته أهم وأكبر"(3).
ميادينه الشعرية:
نظم الكيلاني شعره في أغراض متعددة، وميادين كثيرة، وقدم لنا باقة من أجمل الشعر وأحلى القريض.. وكان لشعره مساهمة فاعلة، وقبس هداية في توجيه أبناء الجيل، لما فيه من نفحات إيمانية، ومشاعر إنسانية، وشجون وطنية، ونقد اجتماعي وسياسي، ورثاء وتعزية،، ووصف وحكمة وإثارة وجدان، ونفثات شعرية متنوعة..
* فمن نفحاته الإيمانية: قدم لنا رؤى إيمانية بقوالب شعرية غاية في الخطاب الروحي والإيماني.. فهو شاعر يعمر الإيمان في قلبه، ويحرك مشاعره، ويهذب وجدانه.. وكان اسم ديوانه الشعري الأول (بؤرة الروح).. فالروح تنساب على لسانه في معظم قصائده، وخاصة في قصائده الثلاث الأول في الديوان: بؤرة الروح وهجرة الروح، ونشوة الروح.. فنراه يقول في قصيدة (بؤرة الروح)(4):
بـؤرة فيها اختزال كامل فـانـتشار أبدي مطلق |
|
لزوايا الضوء أنى يصدر فـي فضاء الله لا ينكسر |
ونرى قصيدته التي سمي الديوان باسمها (بؤرة الروح) تعد سجلاً حافلاً بالأفكار والمعاني الإيمانية، فيقول فيها:
واحة الإيمان أمن دوحـة التقوى تقينا سقراً |
ورضى
|
لـيس فيها نصب أو سوف يصلاها غوي موغر |
كدر
هـذه آياته لا كـلها تصرخ الله هنا |
تنقضي
|
هـذه آلاؤه أيها الكافر من ذا تنكر |
تـستنفر
فقالوا لكل حبيب حمى
يراه جديراً بأن يفتدىفقلت حماي أنا خالقي
وكل حمى دونه مفتدىفقالت وأين مكاني؟ أحـبـك لكن بلادي أحب وملء فؤادي حب الرسول أحـب بـنيَّ بكل جناني أحب الأنام وحتى عدوي |
فقلت
|
لأنـت السكينة أنت فـكـم بهواها لساني شدا حـبـانا الهداية والسؤددا وأني لهم مثل قطر الندى وأرجو لهم من إلهي الهدى |
الندا
أعيش مماتي قبل موتي تساقط نفسي فوق جسمي تهدُّه تقوض أركاني فعقلي وناظري |
وإنني
|
أحس دبيب الموت فيَّ فينشل بنياني، ونفسي تصدع وقـلبي جميعاً لا تعي فتطلّع |
وأسمع
إلـهي أنا ما اخترت أهلي فـمـا غرسوا فيَّ الفضائل والتقى رمـانـي زماني فابتلاني بصحبة فـرحـمـاك يا مولاي جئتك تائباً |
وحاكمي
|
ومـجتمعي، ربيت فيهم وما ألا إنَّ تـقوى الله في النفس تردع من الأهل والخلان ضاعوا وضيعوا ومـنـكـسراً أعنو إليك وأضرع |
رعوا
الله أكـبـر إن الـحـق تـجـمـعوا أرضنا الميعاد |
|
مـا رابطت عنده واستنفرت لا يـمحق البغي إلا المارد الوغر إلـى الـشهادة وهي الفوز والظفر سـيـصدق الوعد فيكم إنها النذر أيـن المفر إذا ما استنطق الشجر مـن بعض أجناده الأطفال والحجر كـرسـيـه فارس في سجنه نمر وإن إيـمـانـنـا لا بـد ينتصر |
زمر
بـمـن سـيلوذ المستجير تـقـوقـع كـل فـي مظنة موطن الـم نـك جـسـماً واحداً متماسكاً وكـنـا إذا عـضـو تـألم أو شكا أخي في خضم الروع ضاعت سفيننا هـنـا الـم الأشـبـاح تيه وظلمة إلـى أيـن نـمضي فالحياة عقيدة |
تعاونت
|
عـلـيـه مع الأعداء رحم ومـا هـذه الأوطـان إلا قـواقـع وهـا هـي ذي أعـضاؤنا تتنازع تـداعـت له الأعضاء فهي مواجع وحـاد بـهـا عن جادة الحق خادع ومـن حـولـنـا غل وجن رواتع ومـن فقد المصباح في الليل ضائع |
وقاطع
يا رب هب لي صبراً قـد عـاوته شجون وداهـمـته خطوب الـيـوم أمـي ماتت وغـيـض كل حنان ضاعت عليَّ الأماني ومـهجتي في اكتئاب تـلـبدت في سمائي فـجاد بالغيث دمعي |
|
فـأنت بالقلب تمور في النفس مورا فكيف يسطيع صبرا فـأصبح الكون قبرا لسوف أظمى وأعرى فـضقت قلبا وصدرا أرى الـجـنائن قفرا غـيـوم نفسي تترى يـنهل طوراً فطورا |
أدرى
ومـا زلت المعلم وقفت تصيح فينا أن أفيقوا إذا لـم تسلكوا سبل المعالي فـلم أر قبل موتك قط ميتاً حـيـاتك عشتها حراً أبياً فـإنك (مصطفى) حياً وميتاً |
والمربي
|
نـحـن لـديك طلاب عفاة فـقد باعت رعيتها الرعاة فـخـير من حياتكم الممات يـتـوق لـمثل ميتته التقاة ومـوتـك فيه عز بل حياة ونفسك مثل روحك مصطفاة |
مـنـاظر قد برزن إلى تـشـاهـدها عيون ذاهلات فـألـوان الطبيعة كالعذارى تطل الشمس من خدر الروابي كـفـاتـنـة أطلت من خباء مـتى هبط المساء ترى جلالا يـريـك عجائب الألوان أفق كـأن الشمس ذابت في جفان |
الفلاة
|
وكـن مـن الجمال وتـلمسها العواطف شاعرات مـفـاتـنـها تعرت سافرات فـتحيي الراقدين من السبات فـأيـقظت القلوب الغافلات يـهـبُّ إليك من جنب الفلاة لأعـظـم لوحة في الكائنات حـوت ألـوان طيف ذائبات |
مكونات
ومن قصائده في الوصف والوجد، قصيدة بعنوان "حسان"، قال فيها(12):
أهـوى الحسان أنـي اتجهت فطيفهنه الـفـاتـنات الرائعات إنـي لـتفتنني العيون لا تـعجبن إذا صرعت فـتـاكة ترمي القلوب |
أحبهنه
|
منذ الصباح وفي الدجنه وإذا حـلمت بهن هنه أحـبـهـن أحـبـهنه ويـسـتـبيني لحظهنه بـنـظرة من طرفهنه بـأَسْـهُمٍ من سحرهنه |
آراء الأدباء والنقاد في شعره:
الشاعر علي فهيم الكيلاني أديب إسلامي.. له نشاط أدبي في رابطة الأدب الإسلامي في عمان وله حضور في ندوات الشعر وأمسياته.. شعره يمتع النفس، ويهز الوجدان.. تعرض شعره للنقد والدراسة، وأشاد به كثيرون.. لا بأس أن نأخذ مقتطفات من أقوالهم:
* الأول: للأديب الناقد الأستاذ إبراهيم العجلوني، الذي قدم لديوان (بؤرة الروح)، فقال:
إن أول ما يملأ النفس – في شعر أبي العلاء – هو هذا الإحساس القوي بانتماء الشاعر الحميم إلى أمته العربية الإسلامية، وإلى قيمها ومروءاتها وكمالاتها فحيثما ذهبنا في شعره وجدنا دلائل وإشارات إلى النسب الثقافي العريق الذي ينتهي إليه وجدان شاعرنا، وإلى الأريكة الحضارية الممتدة الظلال، من لدن نزول الوحي على رسولنا الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه، إلى هذه اللحظة من الزمان..
وإذا كان هذا الانتماء ذاهباً في عمق التاريخ والحضارة، فإن ثمة التزاماً متراحب الأذرع، بهموم المسلمين، من أقصى ديارهم إلى أقصاها.. يحتشد مرة، ويألم مرات، ويصخب تارة، ويئن تارات. والشاعر حريص، في كل ذلك، على أن يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وعلى أن يظل مشتعل الهمة بالأمل والبشرى، إيماناً منه بنصرة الله تعالى..
ثم إن لقارئ هذا الشعر أن يتذوق ألواناً شتى من الشعر الجزل الجميل، في الغزل والوصف، والحكمة، والنقد الاجتماعي والسياسي، والرثاء، والإخوانيات وسائر الأغراض التي يملك الشاعر المتمكن التعبير عنها.. على أننا واجدون، بعد، شعراً يسامق الأفق، جمالاً وجلالاً، وضروباً معجبات من فرائد الخيال.
* الثانية: للأديب الأستاذ علي مصطفى الدلاهمة، الذي يقول:
هنا في هذه البؤرة أنت تقف في سوق عكاظ العصر الحديث لتسمع ما لذ وطاب من فاكهة الشعر وجناه فإن كنت شغوفاً بحب الحسان والغانيات وجدت ضالتك، وإن كنت تشتاق إلى الأشعار الثورية والحماسية فتعال، وإن كان بك ميل إلى الدعابة وإلى السخرية الناقدة فستجد الكثير، وستجد أيضاً الكثير والجزيل من النصح ومن الوصف ومن الإخلاص والوفاء، وأما الخيط الشعري الذي ينتظم ذلك كله فهو هذه الروح المعذبة التي لا تشفق على المظلومين فحسب بل وعلى الظالمين، فقصيدة "رسالة من محكوم بالإعدام" وقصيدة " المحبة" وغيرهما أكبر دليل على ذلك.
* الثالثة: للأديب الشاعر الأستاذ ماجد المجالي، فيقول:
هذه هي روح أبي العلاء (الشفافة) التي اختارت الشعر منبراً لأنه الأقرب إليها في استخفافه بالقيود والحدود ونزوعه الدائم إلى السمو فوق كل مثقل ومعيق، إنها روح سامية اختارت المنبر السامي للتعبير عن ذاتها فكان هذا –الشعر- بروحانياته سمواً على سمو، نقاء وعلاء بكلمات تبعث الروح في متذوقيها وتسمو به سماء بعد سماء وصولاً إلى حقيقة الحقائق حيث البرزخ الأبدي للأرواح المؤمنة بعودتها إلى مصدرها خالق كل شيء وهو العلي العظيم.
* الرابعة: للأديب الأستاذ أحمد جبر، الذي يقول:
كل من يتصفح ديوان (بورة الروح) يحس بأن قصائده نغم ينساب من لحن أغن، وأنه يرشف رحيقاً في شهد مذاب، وأنه ليس من صنع أحلام الشباب فقط، بمعنى أن ليس تهويماً في الخيال، بقدر ما هو فيض من الروح الأمينة على رسالتها في الحياة، الصادقة مع أمتها: ديناً، وتاريخاً، وتراثاً خالداً، ومستقبلاً ترتسم عليه ملامح عزتها وخلودها.. لذلك لم تدون فيه قصيدة واحدة جنحت إلى التمرد على القيم، أو الخروج على مبادئنا العربية الأصيلة، أو انحرفت عن مسار أمة الإسلام، أو العروبة الصادقة، الملتزمة بشرع الله.
وقد نظم قصائده بلغة ناضجة سليمة، وبيان وخيال محلق، وأسلوب ساحر، وإطار فاتن، وأنغام عذبة.. أما معانيها، فاكتست بأبهى الحلل، حيث رقت ديباجة، وجادت بلطائف نيرة من الفكر، وحملت أسمى المقاصد وأرفع الغايات، وحفلت بالجديد الجميل، الذي يشير إلى نفع أكيد، وينم عن فائدة جليلة.
* الخامسة: للأديب الدكتور محمد جمعة الوحش، الذي يقول في لقاء إذاعي مع الشاعر أبي العلاء في برنامج (أدبنا الجديد) بتاريخ 1/11/1993:
أقدم لكم شاعراً أردنياً لا أتحرج وأنا أعرف به من القول أنني فوجئت بمستوى إبداعه الشعري وحجمه، كما فوجئت بأنه من الجيل الذي أسس لحركة الشعر العربي الحديث في الأردن منذ الخمسينيات.
ضيفنا –هو- الأخ الكريم الشاعر علي زيد الكيلاني، صاحب ديوان شعري ضخم لم ينشر بعد، عنوانه (بؤرة الروح)... وبعد أن طلب منه أن ينشر ديوانه، لأن الديوان يستحق النشر، وأن يكون بين أيدي القراء لأنه نمط متميز في الواقع.. وجّه إليه مجموعة عبارات فيها وصف دقيق للشاعر أبي العلاء وشعره، قال فيها:
- أستاذ علي.. فاجأتني الحقيقة بقصائدك المطولات وهي كثيرة حتى أن بعضها ربما يصل إلى نحو مائتي بيت من وزن واحد وقافية واحدة، هذا النفس الطويل في الشعر كدنا نفقده إلى حد كبير.
- ألاحظ أيضاً لغتك الشعرية جزالتها وقوة سبكها كما يقول القدامى بل إني ألاحظ أنك أقرب إلى الفحول القدامى في أسلوبك الشعري أكثر من قربك من المعاصرين.
- معظم قصائدك يمكن أن توصف بأنها قصائد موضوعات جادة، وهناك ميل واضح عندكم إلى التأمل ولا سيما في القصائد التي تعبر عن الجانب الروحي وأحياناً عن الجانب الفكري.
- في الواقع يبدو أن الأخ الأستاذ علي قد تأثر بإبراهيم طوقان ربما كثيراً وبصورة خاصة في قصيدته (بيض الحمائم حسبهنه أني أردد سجعهنه).
- هناك ملامح من شعر المهجر أيضاً في شعرك ولا سيما في البعد الإنساني والإحساس بالانتماء إلى الأسرة أو العائلة.
- وأشعار كثيرة جداً فيما يتعلق بالزوجة والأولاد وبالعائلة، ومن قصائد جميلة جداً(13).
أعماله الأدبية:
1 – "بؤرة الروح".. ديوان شعر كبير يزيد على الثلاث مئة صفحة، ينتظم في صفحاته (56 قصيدة) –طبع عام 1996 بدعم من وزارة الثقافة الأردنية.
2 – له قصائد كثيرة يمكن أن تشكل ديواناً آخر، لم تنشر بعد.
3 – "حوارية الحياة.. استقراء الوجدان والفكر"، وهي حوارية أدبية فكرية مازالت مخطوطة.
المراجع:
1 – ديوان (بؤرة الروح) – مطابع الإيمان، عمان 1996.
2 – حسن علي المبيضين: الشاعر علي زيد الكيلاني –حياته وشعره، جامعة جوبا –السودان، 2001.
3 – قصائد غير منشورة.
4 – معلومات من الشاعر مكتوبة في عام 2003.
مختارات من شعره:
هجرة الروح
الشاعر علي الكيلاني أديب يعمر الإيمان قلبه، ويحرك مشاعره، ويهذب وجدانه.. نظم هذه القصيدة عام 1995، وهي إحدى ثلاث قصائد كلها نفحات إيمانية، وهي: بؤرة الروح، وهجرة الروح، ونشوة الروح.
وهذه القصيدة "هجرة الروح" تعدّ سجلاً حافلاً بالحكم والتوجيه، وبالأفكار والمعاني الإيمانية.. فهو يحدد فيها الهدف والغاية التي من أجلها أوجد الله تعالى الإنسان على هذه الأرض، وبين الوظيفة التي كلفه الله بها، وهي عمارة الأرض وعبادة الله تعالى.. وهو يدعو الناس فيها ويدعو نفسه إلى الثبات على الإيمان، والسعي دائماً لنيل رضى الرحمان.
هجرة الروح(1)
أنا لا أضربُ في الأرض سُدىً تـغـتذيني غرسة الحب هُدىً أنـا سـر الـكون مبثوثٌ به أنـا عـقـلٌ أنـا روحٌ هائم أنـا مـن قبل وجودي مُرتَهَن مـن بـرانـي نُطفة ثم ارتقى مـا حباني العقل كي أشقى به فـأرى آيـاتِـهِ الكبرى على وأُنـاجـيـه بـقـلبٍ خاشع يـتجافى النوم عن جَفني وعن أنـا فـي الـمشكاةِ خيط لامعٌ الرؤى تنسابُ من روحي إلى فـأنـا فـي الكون نبضٌ دافقٌ أنـا لا أمـلِـكُ حـتى فكرتي خـلـفَ إيـماني الأماني كلّها لـم تُـجـبْ أمَّارةَ النفس ولا يـمـلأ الـحـقُّ كـياني كلّهُ أيـهـا المفتونُ صافتْهُ الحياه وإذا الـدنـيـا أشاحتْ وجهَها مــا تـراهُ قُـدرةً خـارقـةً نـحـن لا نـعـلمُ إلا ظاهراً مَـلـكـوتٌ أيـن منهُ نَزوتي فـأنـا الـمخلوقُ أعنو للردى مـا يَـضـيرُ الله غَيّ وهدىً ضـلَّ مـن يأـي على شاكلةٍ أنـا لا أعـبـدُ إلا خـالـقي مـا انـحنتْ إلا لربي هامتي مـا امتطت ظهري نفسي أبداً روحـهُـم تـغرقُ في طينتِهم قـد وعـى قـلبي خبايا نفسه طـاقـةُ الروح إذا ما خلَصَتْ أنـا لا أفـلـحُ أرضـاً طيبة إنـمـا أفـلـحُ طـيناً لازباً فـعـلاجُ الـنفس حبٌّ وهدىً أنـا فيضُ الحب مفتاحُ الهدى أنـا آفـاقُ يـقـيـنٍ رحـبة وأنـا القاربُ في بحرِ الضياعْ فـأنـا الأمـثـلُ حَبي غايتي وأعـزُّ الـنـاس طُـراً إنها أنا أرقى من مَشَى فوقَ الثرى لـيس لي أرضٌ فتعلوها السّما فـأنـا الـمـسلمُ حسبي قُدوةً وكِـتـابُ الله لا يـرقى إلى هـجـرةُ الـروحِ إلى بارئها فـأقِـل عـثرةَ قلبي إن يكنْ أنـا عـبـدُ السيد الأكرم من حـسب نفسي أنها ما هَجرتْ لـو تـخلّى الناسُ عن إيمانهم |
|
فـأنـا الـبلسمُ بل نسغُ يـرشِـفُ الشعرُ رحيقي بلماه أنـا مـعـناهُ ومن يدري مَداه حـيث لاحَ النورُ يمَّمتُ هُداه تَـتَـولانـي تـصاريفُ الإله بـيَ إنـسـانـاً سـويّاً بنُهاه بـل حـبـانـيهِ لأحيا برؤاه صـفـحةِ الكون فأرقى وأراه شـقَّـه الـوجدُ ففاضَتْ مُقلتاه مضجّعي الأوثر إذ همّي رضاه فـي شُعاع النور روحٌ مُجتباه مـهـجتي حُباً وشعراً وصلاه بـعضُ إنسانيتي نبضُ الشفاه إنـهـا مُـلكُ يقيني في الحياه أبـداً تـأتـمُّ أو حـذوَ خُطاه داعـيَ الشيطان أو أمر الطّغاه لا سـرابُ العمر أو حُلمُ رُؤاه أنـتَ مـن أفضالهِ مالٌ وجاه عـنكَ يوماً ذلَّ من تدعو سواه لك في الأرض فعَنهُ بل صداه مـن حياةِ وعْدُ جَدواها اشتباه كـل أحلامي تلاشتْ في فضاه أبـداً والـمُـطلقُ الحقّ الإله كـلُ إنـسـانٍ عـليه ما أتاه كـلُّ مـن فارقَ شرع اللهِ تاه ولـه الـحُكمُ ولا أخشى سِواه مـا تَهاوتْ دونَ باريها الجباه لـم يُرقْ وجهي في الفاقةِ ماه وأنـا جـسـمٌ وروحي مُبتغاه وسـلاهـا فـتسامى في هواه من وحول النفس يخشاها العُتاه تـطـرحُ الخيرَ حلالٌ مُجتباه أسـنَـتْ واستنقعتْ فيهِ الحياه وعـلاجُ الأرض عَزقٌ ومياه بـابُـهُ يُـفضي إلى كل اتجاه شـمسُها الإيمانُ لا يخبو سناه يـصـلُ التائهُ بي شطَّ النجاه وهـمُ كـلُّ امرءٍ حسبَ هواه عـزّةُ الـمـؤمن لا عِزّةُ جاه مـنـهجُ الدنيا ونبراسُ الحياه إنـمـا أرضـي سماءٌ مُرتقاه سـيـدُ الخلقِ ومصباحُ الهُداه قـولـه قـولٌ ولا يعلو عُلاه أبـداً فـي كلّ سعي أو صلاه زلَّ عـن هجرتهِ أو قُلْ عساه وسـعَـتْ رحمتُهُ كلَّ العُصاه ذِكـرَهُ يـومـاً وتسعى لرضاه مـا تـزعـزعتُ أنا قيدَ نواه |
الحياه
(2) إيقاع الحجارة
كانت الانتفاضة المباركة في فلسطين بشير فجر جديد، وصحوة جيل فريد، عانق الأخطار، وهدم حاجز الخوف، ورفع الراية رغم القهر، وفجّر الأرض ناراً على الباغين، وتحدى أسلحة العدوان، بالإيمان الثابت، واليد المتوضئة، والحجر المبارك الذي لا يملك غيره..
وكان لأشبال فلسطين الذين تربوا في المساجد، دور كبير، فقد انطلقوا في ساحات الأقصى، وساحة الحرم الإبراهيمي، وفي كل أرجاء فلسطين يهللون ويكبرون، وبالحجارة المباركة يقذفون، فيرتعد اليهود ويفرون.. وعلى إيقاع هذه الحجارة المباركة نظم شاعرنا أبو العلاء في عام 1988 قصيدة مجاهدة، تحية لهؤلاء الأشبال.. بعنوان:
إيقاع الحجارة(15)
قـد شـفـى قـلـبي وأحيا أبـدعـتْ إيـقـاعـهـا أطفالنا هـي عـزفٌ رائـعٌ مـنـفـردٌ ذلـك الإيـقـاع قـد عـبّـأنـا إنـمـا أطـفـالـنـا أكـبـادُنا عـشـقـتْ هذي الفراشاتُ السّنا أنـتـمُ الأبـطـالُ يـا أطـفالنا أنـتـمُ الـقـادةُ يـا أبـنـاءَنا هـا هـي الأمـة تـأتـمُّ بـكم إنــمـا آبـاؤكـم أبـنـاؤكـم لـقّـنـوهم درسَ تطهير الحمى إنـكـم أطـهـرُ من قطرِ الندى عـلِّـمـوا آبـاءكـم معنى الفِدا أنـتـمُ الـفـجـرُ الـذي نرقبهُ حـلـقَ الـنـسـرُ فـهبّتْ خلفهُ ذو الـجـناحين الذي انقضّ على شـقَّ جُـنـحَ الليلِ يوري ثورةً نـشّـرَ الـنـسـرُ بـميلادِ الفِدا أيـهـا الـرائـد يـا نسر العُلى أنـت روحُ الـشـعبِ قد أحييتَهُ فـهـوَ مُـذ أسـلمتَهُ النفسَ فِدىً عـارمٌ بـالـعـزّ يـجتاحُ المدى يـا دمـاءً زاكـيـاتٍ عـبـقتْ يــا فِــداء فــرحَ الله بـه نـحـنُ أقـسـمنا على العهدِ له يـا شـهـيـداً عـلّمَ الدنيا الفدا يـرقـصُ الـمـجدُ على أشلائه والـدمُ الـمـطـولُ مـن أبنائه حَـرَمُ الأقـصـى حـرامٌ أرضُهُ مـن يـحجُّ البيتَ يرمي بالحصى بـدّدوا الـغـيـهَـبَ لما رجموا حـجـرُ الـطـفـل كريمٌ مثلما لامـسـتَـهُ كـفُّ طـفـلٍ ثائر إنـهـا مـعـجـزةُ الطفل الذي صـارَ رمـزُ المجد طفلاً شامخاً تـوِّجـيـهِ أمـتـي غـارَ الفِدا بـيـدٍ غـيـر مـشوبٍ طهرُها وتُـضـحـي الطفلَ قرباناً على فــإذا صـرحُ الأمـانـي بـدّد يـا عُـتـاةَ الأرض مـا يُرعبكم سـرتِ الـرعـدةُ فـي أوصالكم بـيـد أن الـرُّعـب في أعماقكم كـم أقـضّـت نـأمـة مضجعهُ شـمـلـتـكـم لـعـنةُ الله لكم أوّلُ الـبـركـان إطلاقُ الحصى |
أملي
|
هـبّـة الأهـل وإيـقاعُ ردّدوهـا غـارةٌ فـي إثـر غاره إنـهـا أروعُ مـن لـحن القثارَه واسـتثارَ الشعبَ كي يطلبَ ثاره مَـكـمـنُ الإحساسِ فينا والإثاره فـارتـمت في وهجه تُلهبُ نارَه مَـضربَ الأمثال في الدنيا جسارَه لا يـضـيرُ المجدَ من يُعلي مناره فـصِـغـارُ الـقوم قد أمّوا كبارَه في تلقي الدرس عن معنى الطهاره عـبّـئوا الجندي كي يحمي ذِمارَه قـد بـذذتـم بُرعمَ الزَّهرِ نضاره عـلّـموا أعداءكم معنى الحضارَه هل تُرى نشهدُ في الأقصى نهارَه هـذه الأفـراخُ تـرتـادُ مسارَه ثـكـن الأعـداءِ يصليهم سُعاره شـبَّـهـا أطـفالنا في كل حاره بـعـد عجز الصبر ميلادَ البشاره قـائـد الـثـورة نـهجاً وإماره دَمـك الـطـاهـرُ قد أحيا قِفاره وسـرتَ فـي دَمـهِ منك شراره يـقـحـمُ الهولَ ولا يخشى أوارَه بـشـذا الـجـنـةِ طيباً وطهاره وجـهـاداً صـحّـح النَّسرُ مدارَه أن لـلأمـة والـحـق الصدارَه أنـت لـلأجـيـال قدسٌ ومناره والـثـرى يـزهو فقد ضمَّ نثارَه يُـفـعِمُ الأرضَ أريجاً وغضاره فـلـقـد حـرَّمَ ربُّ البيت دارَه وهـنـا يُلقي على الأعدا جمارَه شُـهُب المسترق الأرضَ الحجارهْ حـجـرُ الـيـاقوتِ دُرّ ونضاره أجّـجـتـهُ عـنـفواناً وحراره عـبّـأ الـصخرُ شعوراً بالمراره حـامـلاً فـي يدهِ اليُمنى حجاره إنـه أشـرفُ مـن يـلبسُ غارَه لا ولا تـنـدسُّ من خلفِ الستاره مـذبـح الـسادةِ في وَكْرِ الإداره يُـجـهضُ الحملَ وتُغتالُ البشارَه إنـه طـفـلٌ صغيرٌ (وصرارَه) هـلـعـاً مـنه فمن يحكي وقارَه أن نـومَ الـظـالم الباغي غِراره وديـارُ الـظلم تَهوي من شرارَه صَـبَّـهـا الله عـليكم بالحجاره ويـحَ من يبني على الفوهة دارَه |
الحجاره
(3) غياهب
في هذا الزمان.. انتشر الفساد، وازداد الانحراف، وعمّت الفوضى، وحوربت الاستقامة، وقادتنا خفافيش الظلام..
في هذا الزمان.. تنكبنا طريق الحق، وسرنا في درب الضلال، وأمسينا في ظلمات، وطال انتظار الفجر، وأصبح الناس في غم وحيرة ينتظرون الفرج من العليّ القدير..
في هذا الجو المظلم، نظم شاعرنا الكيلاني قصيدة عام 1992، بعنوان "غياهب" تحدّث فيها عن الظلمات التي تحجب شمس الحق، وتطمس عين الحقيقة.. وفي هذه القصيدة نجد شعراً راقياً، وأسلوباً متميزاً، فيه من الجمال والجلال، والخيال الفريد، مما يذكرنا بفحول الشعراء ومدارسهم الشعرية.
غياهب(16)
طـال احـتجابُكِ فالظلامُ الـلـيـلُ يهدي المُدلجين بنجمهِ لـكـن هـذا الـليلَ سُحمٌ بَرْقُهُ أرخـى سـتـائـره على آفاقِنا فـالـعتمة الدّهياءُ تجتاحُ المدى تـغـتـالُ كلَّ سنا وكل محجّةٍ ظلماتُ هذا الليل موحشة الرؤى فـكـأنـمـا آفـاقُنا قد أطبقتْ ولـرُبَّ قـبرٍ كان أرحبَ منزلٍ يا ربّ ما لونُ الضياء وما السّنا طـال انـتـظارُ عيوننا وقلوبنا صدّت جيوشُ الليل أطيافَ المُنى هـذا الـدّجى المركومُ همٌ موجعٌ كيف الصعودُ إلى الذّرى وطريقُهُ وعـيونُنا عَشيت وغاضَ بريقُها واسـتـفحلت فينا دياجيرُ العَمى ولـقـد دُفِـنّا في نِطاق جُسومِنا مـا حيلةُ الأقدام تحترفُ السَّرى لـمـا تنكبنا الطريقَ إلى العُلى رُحـنـا نُحدّق في الدُّجنة حُدَباً كـلّـتْ بصائرُنا فأوهننا العَمى لـما سَدرنا في الضلالةِ والدّجى فـي الطُّخْيةِ العمياءَ لا قلبٌ يعي راحـتْ خـفافيشُ الظلام تقودُنا |
مُحاقُ
|
حـتـى مـتـى يتأخّرُ الإشراقُ وبـسـحـرهِ ولـشـمسهِ آفاقُ ونـجـومُـهُ مـتـجهّمٌ صُعّاقُ هـل يستفيقُ الفجرُ وهي طِباقُ وتطالُ عينَ الشمس وهي عتاقُ أعـداؤهـا الأنـسامُ والأحداقُ مـخـنـوقةُ الأنفاس ليس تُطاقُ مـن فـوقـنا فاستحكم الإغلاقُ فـالـموتُ أرحمُ والسجون رفاقُ إنـي إلـى عـهدِ الضّيا مُشتاقُ كـيـمـا تُـكحّلُ بالسنا الآماقُ أنّـى لـبـارقـةِ المُنى إشراقُ حـتـام يـجـثمُ فوقنا العِملاقُ وعـرُ الـمسالكِ والدُّجى أطباقُ واغـرورقـت بدموعها الأحداقُ حـتـى كـأنّ نـفـوسَنا أنفاقُ أنـى تململُ في الثرى الأشواقُ حـيـن النفوسُ تشدّها الأطواقُ راحـت تُباري خَطونا الأعماقُ كـي تـسـتبين سبيلها الأرماقُ وتـعـوّدت أن تـنحني الأعناقُ أنّـى خـطـونـا دمُّـنا يُهراقُ بـل حـيـرةٌ وتـخبّطٌ وفُواقُ فـي كـلّ قـلـبٍ مقودٌ ووثاقُ |
الهوامش:
(1) معلومات من الشاعر مكتوبة في أوائل عام 2003م.
(2) حسن علي المبيضين: الشاعر علي الكيلاني – حياته وشعره، ص24-26.
(3) ديوان (بؤرة الروح)، ص 7-9.
(4) ديوان (بؤرة الروح)، ص 43.
(5) ديوان (بؤرة الروح)، ص 31.
(6) ديوان (بؤرة الروح)، ص 72-73.
(7) ديوان (بؤرة الروح)، ص 148-150.
(8) ديوان (بؤرة الروح)، ص 109.
(9) ديوان (بؤرة الروح)، ص 253-257.
(10) ديوان (بؤرة الروح)، ص 205.
(11) ديوان (بؤرة الروح)، ص 194.
(12) ديوان (بؤرة الروح)، ص 181.
(13) مقدمات (بؤرة الروح)، ص 10-21.
(14) ديوان (بؤرة الروح)، ص 47-52.
(15) ديوان (بؤرة الروح)، ص 125-130.
"النسر: هو البطل الشهيد (خالد أكبر) الذي قام وحده بعملية فدائية جريئة بل بطولية نادرة، حيث انقض في جنح الظلام بطائرة شراعية على ثكنة عسكرية للعدو وفاجأهم واستولى على أسلحتهم وقتل وجرح عدداً كبيراً منهم قبل أن يستشهد رحمه الله، وكانت هذه الحادثة حسب اعتقادي السبب المباشر في إشعال ثورة الانتفاضة العارمة التي قامت بعدها مباشرة.
(16) ديوان (بؤرة الروح) ص 287 – 189.