صالح الجيتاوي
صالح الجيتاوي
|
بقلم : حسني أدهم جرار |
المهندس صالح الجيتاوي شاعر من روّاد الشعر الإسلامي، وأديب إسلامي، بل هو مثال للأديب الإسلامي فكراً، وشعراً، وسلوكاً، والتزاماً.إنه شاعر صادق العاطفة، متقد المشاعر في كل ما ينظم ويكتب ويعمل..
وإن ما نلمسه في الجيتاوي من إيمان صادق متين، وعقيدة عميقة نيّرة، وفهم صحيح لهذه العقيدة، وواقع سلوكي وعملي منبثق عن الواقع النظري.. إنما يدل على معدن معين نفيس، وعقيدة صافية، وخلق رفيع.
حياته:
ولد الشاعر صالح عبد الله الجيتاوي عام 1943م، في قرية على بعد اثني عشر كيلو متراً إلى الغرب من مدينة نابلس بفلسطين، وفي تلك القرية والوادعة الجميلة نشأ الشاعر في أسرة فلسطينية متدينة، وتلقى علومه الابتدائية في مدرسة القرية، وواصلها ودرس المرحلة الإعدادية في مدارس القرى المجاورة، وأتم دراسته الثانوية في مدارس مدينة نابلس –الجاحظ والصلاحية وكلية النجاح- ونال الشهادة الثانوية عام 1961م، وغادر فلسطين بعدها إلى مصر والتحق بكلية الهندسة في جامعة القاهرة، ونال شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1966م، وعمل بوزارة الأشغال العامة في الأردن، وعندما وقعت البقية الباقية من فلسطين عام 1967م بيد يهود غادر الجيتاوي إلى السعودية ومكث فيها أربعة عشر عاماً عمل خلالها في وزارة المواصلات وشركات القطاع الخاص، ثم عاد إلى الأردن عام 1981م وقام بإنشاء مكتب هندسي خاص في عمان مارس من خلاله أعمال إنشاءات المباني، وما زال يعمل فيه حتى اليوم.
ولئن كان عمل الجيتاوي يرتبط بإقامة المباني من القواعد والارتفاع بها في أشكال منتظمة تسرّ الناظرين، وتدفع ساكنيها إلى التمتع بما يحيط بها من مناظر خلابة وجو ساحر لطيف. فإن له مع هذا العمل نشاطاً آخر، يقوم على البناء الفكري، حيث ينظم لأبناء أمته قصائد وأبيات من الشعر يُطلّون من خلالها على الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية في هذا الزمان، ويجدون في هذه الأشعار ما يرتفع بالأخلاق ويبني القيم ويعالج النفوس.. وهذا شأن المسلم الملتزم بإسلامه، الذي لا تُقعده عمارة الأرض والبنيان عن عمارة مكوّنات الإنسان.
ولهذا فإن الجيتاوي نشاطاً أدبياً في المجتمع الذي يعيش فيه.. شارك من خلاله في عدد من الندوات الشعرية التي تُقام في المدن الأردنية وخاصة في رابطة الأدب الإسلامي بعمان، كما نشر مجموعة من قصائده الشعرية في عدد من الصحف والمجلات، وما زال يواصل نشر إنتاجه الجديد.
شعره:
الجيتاوي شاعر آمن بالإسلام فكراً وعقيدة، والتزمه منهجاً وسلوكاً.. بدأت رحلته مع الشعر منذ السنة الثانية عشرة من عمره، إلا أن انشغاله مع الهندسة –دراسة وعملاً- لم يعطه الفرصة لنشر أشعاره في وقت مبكر.
هذا الشاعر آمن بالشعر رسالة وموقفاً والتزاماً، ونبذ المذاهب الوافدة، التي لا تناسب نقاء الدين وسلامة القيم والتقاليد، وبيّن الغرض من شعره في قوله: "أنا لا أقوله متاجراً ولا مفاخراً، ولا أنشده لاهياً أو لاغياً، ولا ضالاً أو مضلاً، ولكني آتي به مستغفراً، وساعياً راجياً، وحادياً مستنفراً"(1)
من خلال دراستنا لشعره الذي بين أيدينا وجدنا له شعراً في كثير من أغراض الشعر ومجالاته، فقد طرق في شعره مواضيع دينية ووطنية واجتماعية، عالج فيها ما آل إليه حال الأمة الإسلامية بجرأة وصدق وأمانة..
والقارئ لشعر الجيتاوي يرى أنه قام على الالتزام بعقيدة التوحيد، وانطلق من الفكر الإسلامي السامق الذي يبدو الاعتزاز به والانتماء إليه في كل قصيدة من قصائده.
يقول شاعرنا في قصيدة له بعنوان "القسم"(2)
قسماً لمن من حكيم حميدْ قسماً لن نحيدْ إنْ سُلبنا الديارْ فاشهدي يا قِفارْ قسماً لن نحيدْ |
نحيدْ
|
عن كتاب عن رسول رشيدْ أو فقدّنا الدثارْ يا سَما يا بحارْ |
مجيدْ
ويقول في قصيدة "معالم"(3):
الله ربي والرسول أنا لست أحمل شارة إلا التي من أمة الإسلام عنواني ولن |
إمامي
|
لا أنتمي إلا إلى أثر السجود يقيمها في هامي تلقاه بعد مميزاً بأسامي |
إسلامي
والجيتاوي شاعر أسلم زمامه لمولاه وعاش يرجو رحمته ويطمع في هداه.. يقول في قصيدة بعنوان "مع الله"(4):
ربّ أسلمت زمامي لا يُنير الدرب إلا من سناكْ إن دجا الليل وغارت أنجمُ إن رمى الدهر بسهم نافذ إن هَوَتْ آمال عمر كادح إن طغى الظلمُ وأبدى سيفه ما لقلبي سيدٌ أو قيّمٌ |
لرضاكْ
|
ربّ أوثقتُ عقالي في ما بقلبي غيرُ فيض من هداكْ إن فشا الداء ولانت أعظمُ إن قسا العيش وشحّ المطعَمُ إن جفا الناسُ وإن هم لوّموا وتراءى في خيالي المأتمُ غيرك اللهم أو مستلهم |
حماكْ
وهو يلجأ إلى الله سبحانه بالصلاة والدعاء -وخاصة وقت الشدائد- اقتداء بالرسول القائد عليه السلام الذي كان إذا اشتد كربه قال: "أرحنا بها يا بلال".. فيقول في قصيدة بعنوان "في صحبة السجادة"(5)
أبُنيّة هاتي أجلو أحزاني بعبادة عهداً من خير وسعادة |
السجادة
|
فإليها قد تاقتْ أتضلّع من فيض الأُنس مع ربّ السّدرة والكرسي |
نفسي
ويخاطب اللاهين الذين غرتهم الحياة الدنيا، وألهتهم عن الآخرة، فقنعوا بالمناصب والمتاجر، وقصروا عن القيام بواجباتهم نحو دينهم وأمتهم ووطنهم.. فيقول في قصيدة بعنوان "نذير"(6)
يا من رضيتَ من الحياة بمنصب أو متجر
وبمركب أعددته لوجاهة وتكبّر
وبمنزل زخرفته من كل لون مُبهر
هل يا ترى إن فاجأتك يدٌ من المستعمر
تحمي متاعَك أم تصيرُ لخيمةٍ في مهجر؟!
ثم يخاطب هؤلاء الذين لم يعتبروا بأحداث الزمان، ولجّوا في العتو والضلال، وران على قلوبهم ما كسبوا، فغدوا في عَمَهٍ وعِمايه:
يا من يعيش على الضلالة ممعناً في غيّه
يُملي له شيطانه يُنسيه هذي نبيّه
أحلامه شطحات مطموس الفؤاد عَميّه
وخُطاهُ صدٌ وانتكاس وابتعادُ هويّه
أأمنت مكرَ شديده في صُبحه وعشيّه!؟
من رجفة أو خسفةٍ أو صاعقٍ بدويّه؟!
تُنسي النعيم كأنه ما قد مضى بسنيّه
والجيتاوي شاعر عاش قضايا أمته معايشة حية صادقة، فانفعل بها، وصوّرها فأحسن التعبير عنها.. ومن يتصفح ديوانه "صدى الصحراء" يدرك أنه شاعر حيّ الفؤاد، رقيق الإحساس، يحسن التعبير عما يختلج في صدره من آلام، فعندما وقعت نكبة فلسطين الأولى، وتم تشريد مئات الآلاف من أبناء فلسطين نرى شاعرنا الجيتاوي ينظم قصيدة بعنوان "زفرات لاجئ يتيم" يجري فيها على لسان طفل لاجئ يتيم، كلاماً يعبّر عن مدى الشقاء الذي يعانيه، والحرمان الذي يكابده، فيقول:
أيُّ درب فرشُهُ شوكٌ وآلامٌ كدربي؟!
أيُّ قلبٍ دفقهُ سِلٌّ وتبريحٌ كقلبي!؟
أيُّ داءٍ مثلُ دائي يتأبّى كلّ طب؟!
أين في الدنيا كتشريدي وحرماني وكربي؟!
واقرأ معي قصيدته "رسالة الدم المطلول" التي اشتملت على ما يقارب مئة البيت، وجاءت من أجود ما يصوغ شاعر قوة سبك وجزالة لفظ وحسن أداء، نظمها في شهر حزيران 1982م عندما احتلت إسرائيل جنوب لبنان حتى بيروت، وضربت حصاراً حول بيروت ونكّلت بعشرات الألوف من المسلمين واستخدمت جميع أنواع الأسلحة الفتاكة دون أن يتحرك العرب والمسلمون لنجدة إخوانهم المحاصرين بأكثر من الاستنكارات.. يقول الجيتاوي في هذه القصيدة(7):
بئس الذِّمام وبئس الأهل ويا هوان الذي في الخطب عِزوته إني لأسألُ في شكّي وفي ألمي ناديتُكم وفؤادي حُرقةٌ وأسى حتى الجلاميدُ قد رقت لما سَمَعت إن كان ذبحيَ لا يُذكي أخوَّتكُم ويقول في نفس القصيدة: حلَّتْ على القلب آلام تمزّقه تاه القريظ وهذا الخطبُ حيّره لكنها غصّة في الصدر باقية من كلّ طفل على النيران مضطجع والأمُّ نائحة والشيخ مُنكسرٌ والجند شاكية في الساح، وا أسفا وعُدّةٌ ألقِحَتْ بالموت مشرعة وإخوةٌ ما عناهم من مصائبنا نهارهم في بيانات مُلفقةٍ |
والعصب
|
بئس النفّار وبئس الحشدُ أنتم، وضيعة من فيكم له النسبُ أكان يربط حقاً بيننا سببُ!؟ ناشدتُكم كلّ عِرقٍ حقهُ يَجبُ والطير والبُهمُ والأشجار تنتحب فما الأخوّة إلا الغشُّ والكذب وضاقت الروح من همّ له ذنب فليس يدري المعاني كيف تُكتتبُ للروح كاوية نارٌ لها شُعَبُ له نشيش له في القلب مُصطحبُ والأخت مسبيّة والعِرض مُغتصبُ على الأسود غداة الوثب تحتجبُ لكنها منزل الأغماد تنعطبُ إلا بمقدار ما احتجّوا وما شجبوا وليلهم مُترعُ الأقداح والحبَبُ |
والجلَبُ
ولما حاول اليهود اغتيال المجاهد خالد مشعل –رئيس المكتب السياسي لحركة حماس- أمام مكتبه في شارع الجاردنز بعمان.. وهاجمه عميلان من "الموساد" بجهاز يضخ السم في الجسم، ونفذا العملية وهربا.. ولحق بهما مرافقه الخاص المجاهد البطل محمد أبو سيف، وطاردهما وتمكّن من اللحاق بهما وتعارك معهما، وتمّ القبض عليهما.
نظم شاعرنا الجيتاوي قصيدة طويلة بعنوان "خيّال الجاردنز" تحدّث فيها عن عملية الموساد الدنيئة، ووصف بطولة محمد أبو سيفْ.. وقال فيها(8):
أنت رفيعُ القدر (أبو سيفْ)
وأنا شاعرُك الهيمانُ (أبو كيف)
أيقظتَ بلابل روحي بعد سنينْ
تأخذُ من عُرسكَ فرحاً للأجيالْ
أهزوجة عيدٍ للأطفالْ
عِطراً للسُّمار.. معراجاً للأقمارْ
ستظلُّ على شفةِ الوطن (عتاباً ومواويلْ)
يرفعُها (الكرملُ) و(المنطارُ) و(جرزيم)
نسيت البيت: ستظل مواسم فرح وقناديل
سيظلُّ اسمك شُرفة أمل
(لأبو غنيم) (وباب الوادْ)
سيظلُ ربيعاً.. يتجدد في روض الأمجاد
وستبقى، ما بقيَ الفلكُ.. كتاب وفاءْ
ويرى الجيتاوي أمته الإسلامية تعيش في هوان.. حماها مستباح، وأبناؤها كثيرون ولكنهم كغثاء السيل قلت مهابتهم في عيون جميع الأمم.. فجاء شعره فيه جمرات من الحرقة والألم على واقع أمته وعلى ما أصابها من كوارث وما ألمّ بها من نكبات.
ومن جمرات الحرقة والألم ما بثه الشاعر مناجياً ولده عبد الرحمن في قصيدة "مواجع وآمال" فيقول(9):
عبد الرحمن أيا أشجاني فاضت عن كيلي مركبتي يلطمها موجٌ والريح تصدّ مسيرتَها |
ولدي
|
أأبثُّكَ شيئاً من وهمومي أربتْ عن عُددي مصطخبٌ ليس بمتئد هوجاءُ تزمجرُ بالكبد |
كمدي
ثم يبوح بكل ما في قلبه من ألم وحسرة وقهر ولوعة على أبناء أمته الذين يُعدّون بالملايين، فيصفهم بقوله(10)"
في العدّ ملايين أحزاب تلعن أحزاباً البعض يُشرِّق مشيته والباقي هملٌ تُسكنهم مذ حادوا عن هدي الإسـ في الغرب تُحال مصائرهم |
لكن
|
في القدر هباءٌ وطوائف تحيا في لدد والبعض يُغرّبُ في حقد صدقاتٌ من قمح كندي ـلام وهم في ذلّ مُضطردِ والشرق وَهُمْ بين الوُسُد |
والعُددِ
ومن قصائده التي تتضح فيها هذه المعاني قصيدته "نداء" التي يرى فيها أبناء الأمة سكارى وما هم بسكارى.. ما تكاد تمرُّ بهم نكبة حتى يتهيئوا لأخرى أفتك وأشد.. فيقول(11):
يا أمتي حتام أو كلما حلت عليك مصيبة أو كلما عاينت معضلة أو لعبة من مارق أو كلما كُفْر دَهاك يا أمتي طال الخبال |
سكرى!؟
|
والنائبات عليك راودت أخرى!؟ طواك التيه حيرى!؟ سلمت لا تبدين أمرا!؟ قبلته وازددت كفرا!؟ وأنت بالتشمير أحرى!؟ |
تترى!؟
ويصور حال أمته وقد استكانت وطال بها الخبال، أصدق تصوير فيقول:
تمضي السنون ونحن أحزاننا لا تنتهي نمسي وآمال المسيرة فتعود غصة خيبة كم مارق عبقت على صغنا له الألقاب صـ بالروح فدَّيْناه والأمـ فإذا به للكفر قربانا |
في
|
مر المصائب ودموعنا لا تمسح روضة تتفتح وندامة إذ نصبح أردانه ريح المباخر ـوغ قلائد تسبي النواظر ـوال من قلب وخاطِرْ يُقدِّمُنا صَواغِرْ |
نرزح
ولكن قوة الإيمان وعزة المؤمن عند شاعرنا تأبيان له القنوط، فلا بدَّ لليل أن ينجلي، وينبثق الفجر ويملأ ديارنا بالأنوار.. فأمتنا باق فيها الخير إلى يوم القيامة، وتباشير الصحوة الإسلامية بدأت تقرع الآذان.
يقول شاعرنا في قصيدة بعنوان: "البطل الشهيد(12)"
عادت الآمال عندي ثرّة سيثورُ النقعُ في ساحي غداً فيُرى يرجع عزّ سالفٌ ويجيء الرّكب من كلّ الدُّنا |
|
ورَبَت في خاطري من بعد غَيض لخيول النصر في وثب وركض ويُرى ينجو من التدنيس عرضي طاعة لله في نفل وفرض |
ويُذكر أبناء أمته المجيدة ببطولات أجدادهم الميامين، ويدعوهم إلى التمسك بتعاليم القرآن.. فيناديهم بكلمات كأنما قُدّت من الأكباد، وغُذّيت بدماء القلوب، فجاءت عواطف ثائرة، وأحاسيس ناطقة تغزو الآذان وتنفذ إلى القلوب.. فيقول(13):
يا أمّتي هلا من التاريخ موعظة مُنيرهْ
من بعد أعوام من التيه المُمزق للعشيرهْ
يُنبيكِ (خالدُ) و(المثنى) بالبطولات المثيرهْ
يُنبيك (طارق) كيف تُفتتح الديارُ ولا ذخيرهْ
يَحكي (صلاح الدين) كيف تُحرّر القدسُ الأسيرهْ
ويقصُّ (بيبرسٌ) عليك هزيمة الجند المغيرهْ
(والفاتح) المقدامُ كيف تُذللُ المدن العسيرهْ
وتشيرُ آلافُ السنين لحكمةِ الله الكبيرهْ
أن لا خلاص ننالهُ من هذه الحال المريرهْ
إلا إذا حكم الكتابُ و(أحمدٌ) قاد المسيرهْ
وترى في شعره ومضات مشعة من الأمل، وتطلعات إسلامية إلى مستقبل مشرق، وعودة إلى الله تأخذ بالأيادي المتوضنة إلى سواء السبيل، ومن ومضات الأمل المشعة قوله(14):
لئن طال ليلي ستشرق شمسي وتصفو حياتي على نهج ربي ويشتدُّ عودي وأحمي حُدودي وفي كل مضمار فنّ وعلم وفي كل سهل وفي كل تلٍّ |
|
وتجلو همومي وتمسح بؤسي وتغدو صفاتي مناط التأسّي ويخشى الأعادي نزالي وبأسي سيشدو يراعي ويسطعُ طرسي سيُمرغ زرعي ويخضلُّ غرسي |
وللجيتاوي شعر اجتماعي جيد النظم، منتقى الألفاظ، جلي المعاني، إسلامي الموضوع، موفق الأداء لفظاً ومضموناً.. له أثر في النفس أيّ أثر.. استمع إليه في قصيدته الرائعة "الجلباب" التي نظمها بمناسبة انتشار الزي الإسلامي المبارك بين المسلمات، فيرى فيه لباساً للطهر والفضيلة، ويحث البنات على التمسك به وعدم خلعه.. ويصف هذا اللباس الشرعي فيقول(15):
حيّاك المولى من يا حصناً يحرس مؤمنة يعلوك جلالٌ ووقارٌ فيغضُّ الطرفَ على رغبٍ |
منظرْ
|
يا ذاك الجلباب من عين الريبة والمُنكر يغشى الإنسان إذا أبصرْ أن ينظرَ في حُسنكَ أكثرْ |
الأخضرْ
ويتحدث في نفس القصيدة عن الفتاة المسلمة التي تعتز بإسلامها وتحسن تربية أبنائها، وتفخر بهذا اللباس، فيقول:
أنا بنت من صُنع خطواتي يحرسها الإسلام من مصنع (أحمد) جلبابي من وشي الجنّة منسوجٌ التقوى لابنة عمران |
القرآن
|
يُسدّدني خوف المَحشرْ فما تكبو أو تتعثر أفما يجدُرُ بي أن أفخرْ؟ وبريح الفردوس مُعطّرْ والسّيما من بنت الأزورْ |
وله شعر في الوجدانيات يُنبئ عن قلب كبير نابض بالحب والمودة والصفاء.. شعر يسكبه شذا عطراً ويرسله أغاريد عذبة حين يتحدث عن بناته مثلاً.. فنراه يخاطب ابنته "ميسون" بقوله (16):
ميسونُ تيهي في ثيابك وانعمي إني وهبتُك مُهجتي من قبل أن أنا إن نظرتُ إليكِ ساعة شدّة وإذا سمعتك تُنشدين حسبتُ أنّ إن ترتدي (المريول) أدعو الله أن وإذا (الإشارُ) علا جبينكِ خلتُهُ |
|
تغذوك من قلبي الحشاشة أهَبَ الثياب فسيطري وتحكّمي تنأى الشدائد إن لمحتك تبسمي الكون جمعاً آخذٌ بترنّم يحميك من عين الحسود المجرم قد صيغَ من روحي وزُركِشَ من دمي |
فاسلمي
والجيتاوي أب تراوده آمال عذبة، فهو يطمح للأبناء أن يحققوا ما عجز عنه الآباء. وهو يريد لولده أن يكون ولداً صالحاً عالماً بالقرآن، وأن يرفع راية التوحيد لإعلاء كلمة الحق، فيقول (17):
عبد الرحمن أيا ولدي أأنال من الدنيا أرباً أتكون عليماً بالقرآن وحديث (محمد) تُخرجهُ وتحثُّ الناس على الإحسان شيخُ الإسلام وعالمُهُ وأموت وتحملُ لي نعشي وتنافح عني تدعو لي وأقول لدى العرض لربي ثم يدعو للأبناء بهذا الدعاء الصادق: بارك يا رب مساعيهم عن شرّ الخلق وعن غَسَقٍ وأعذهم يا رب وصنهمْ |
|
يا أملاً يكمنُ في خلدي وأراك تدرّجُ في صُعد؟ تدلُّ الناس على السّدَد؟ وتُمدُّ الفقه بمستندِ وهجر المنكر والفَنَدِ ومنارُ الحكمة في البلدِ وتؤمُّ الجمعَ على جسدي بالرحمة والعفو الأبدي ها قد قدّمتُ ليوم غد واحفظهم وانصرهم وَذُدِ وعن النفّاثةِ في العُقدِ من شرّ الحاسدِ والحَسَدِ |
ومن شعره الرائع قصيدته "مع الطبيب" التي أبدع فيها في التعبير عن خلجات نفسه.. وهو يرى طفله في حالة مرض شديد قلا يقرّ له قرار، ولا تهدأ له نفس، ويودّ لو استطاع إمداده بدم الفؤاد.. فهو يحمل طفله إلى الطبيب ويقول(18):
أتيتكَ يا طبيب بصنو روحي أتيتُك باديَ الحسراتِ تُغني عليل النفس مسلوب التأسّي كأني في ذهول اللبّ عني |
|
فضمّد إذ تُداويه مشاهدتي وحالي عن شروحي وشيكَ اليأس مُنحسر الطموح نَهلتُ من المدامة في صَبوحي |
جُروحي
وللجيتاوي شعر في مجالات أخرى من الشعر
غير التي ذكرناها.. له في الرثاء شعر فيه عاطفة صادقة.. كقصيدته "في وداع المرحوم
الأستاذ حسن الهضيبي" التي يقول فيها(19):
أدّى أمانة دينه ومضى على النهج الرشيد صلابة |
بجهاده
|
وبصبره في كل خطب وتُقى ومن نوع الثبات الأرفع |
مُفجع
وله في المناسبات الإسلامية.. كقصيدته "في ذكرى مولد الرسول" التي يقول فيها(20):
سيدي: قد صدقتنا كل ما خفته تحقق فينا زارنا الجهل واستراح بنا وارتضيناه آمراً فأرانا العرف وعمهنا فما نميز من المشرق فغدونا نستنبت الشوك وهدمنا حصوننا ونضونا فاستبانت عوراتنا ورمانا وفقدنا (الأقصى) وهانت بنا وتركنا الفقيد في (مجلس الأمن) وأضعنا ثمالة من عقول (من يهن يسهل الهوان عليه) |
القول
|
والنصح وأنت الصّدوق ما من جدل خطوة خطوة وحالاً لحال ديناً على فرط قتنة ودلال نكراً والزيغ صنو الكمال غرباً أو يمنة من شمال والحنظل في حقلنا مكان الدوالي درعنا بين غفلة واحتيال كل ذي مطمع قديم النبال الأوطان في موجة من الترحال رهين النسيان والإهمال وفقدنا الإحساس بالإذلالِ ما لجرح بميت من نكال |
وله في الوصف.. كقصيدته "ذكرى معركة الكرامة" التي يصف فيه ثبات المجاهدين وأثر المعركة على المسلمين في ميدان القتال، والتي يقول فيها(21):
يوم الكرامة يومٌ كان مطلعُهُ عُقبى ليال مضت باليأس مترعة |
|
قدومَ سعدٍ على الإسلام أعاد آمالنا والشمسُ لم تغب |
والعرب
ولشاعرنا قصائد من الشعر الحديث (الحر) ومع ما لنا من ملاحظات على الشعر الحديث لا نرضاه بسببها بديلاً للشعر الأصيل إلا أن قصائد الجيتاوي جاءت دفقة شعرية معبّرة لما يعتمل في النفس من عاطفة ووجدان.. يقول الشاعر في قصيدة عن الأقصى(22):
يا مسجدي.. إن يحرقوك ويهدموكْ
يا مسجدي.. إن يخذلوك ويُرخصوكْ
فلقد أقمتُك في فؤادي
وصهرتُ غضبتَك الرهيبة في مدادي
وسفحتُ فيك مدامعي
وجعلت تُربكَ من رمادي
من مقلتي.. من أعظمي
ونقعت غُلتك الأبية من دمي
وشببت نارك في النجوم وفي الذرا
لأنير درب السائرين
وشدوت باسمك في الصباح وفي المسا
لأثير وجد العاشقين
وقرعتُ طبل الهول من ألم النوى
فلعلني أنهي سُبات النائمين
ويقول في قصيدة بعنوان "دعاء"(23):
سل عن مصائب أمتي تلك القِلاع
أصل المآسي والضّياع
ويتساءل فيها عن قلاع الإسلام الشامخة التي تدل على عز مضى، وسؤدد ضاع، وكرامة دُفنت.. يزورها الناس وهم لاهون، لا تنبعث في قلوبهم حسرة، ولا تتحرك في نفوسهم نخوة، فيصف هؤلاء الناس الذين تبلد إحساسهم بقوله:
شكلُ العيون ولا عيون
صُمٌّ وبكمٌّ تائهون مُخدّرون
أولى بنا أن لا نكون
من أمة الأنعام تحسبُنا خُلِقنا للحلائب والركوب
وإذا تململنا سُحقنا
صرنا ثماثيلاً وأشباحاً تدبّ على الدروب
ويتحسر على الشباب الذين تتلمذوا على الغرب وأخذوا من الحضارة كل ساقط وهزيل، وانصرفوا عن الخير.
وصنائع الغرب الحقود كأنهم زُمَرُ القرود
حسبوا الحضارة في مُحاكاة البرودْ
تركوا الأصالة والفضيلة
وتنكبوا درب الهُدى
واستحسنوا عيش الرذيلة
وفي آخر القصيدة يعيب الشاعر على الطبيعيين الذين تتلمذوا على موائد الإلحاد وقالوا إن الطبيعة هي التي خلقت الإنسان.. فهم بعلمهم هذا لم يبلغوا علم الأعرابي القائل: البعرة تدلّ على البعير، وآثار الأقدام تدل على المسير.. فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج.. أفلا تدلّ على اللطيف الخبير... يقول الجيتاوي(24):
وبني الطبيعة، ويحهمْ!
أيشكُّ في الله العظيم سوى الذي فقد الحجا؟
وغدا من الأحياء مَسخاً شأنها لا يُرتجى؟
أهي العمالة والمكابرة العميّة؟.
أهي الخيانة والمروق؟
أهي انتكاسُ العقل والفطر السويّة؟
الشهب في عليائها
والطير في أجوائها
والبهم في بيدائها
والهائمات على هواها
والشمس في إشراقها
والليل لما أن تلاها
كلّ يُسبّح للإله بحمده
كلّ يُميّز غيّهُ من رشده
إلا الطبيعي السّفيه
آثاره الأدبية:
1 – صدى الصحراء – ديوان شعر (دار الفرقان: عمان) 1983م.
2 – قناديل على مآذن القدس – ديوان شعر (دار الفرقان: عمان) 2001م.
3 – قول متدارك على البحر المتدارك – بحث عروضي.
4 – له ديوان شعر مخطوط للأطفال بعنوان "روضة البلابل" وكتاب عن الشعر الحر.
مصادر الدراسة:
1 – ديوان "صدى الصحراء" عمان 1983م.
2 – ديوان "قناديل على مآذن القدس" عمان 2001م.
3 – المِدرّة (رحلة أدبية نقدية) بقلم الدكتور زكي الشيخ حسين كتانة.
4 – رسالة شخصية وقصائد مخطوطة موجهة للمؤلفين.
5 – قصائد منشورة في الصحف والمجلات.
مختارات من شعره:
(1) أشجان الإسلام: هذه القصيدة نظمها الجيتاوي عام 1402هـ/1982م.. وهو يرثي فيها دولة الإسلام، ويتألم لما يجد من جهل وفقر ومرض، وتمزيق وذل وتخلف.. ويرى تآلب أمم الإلحاد والصليبية والصهيونية على المسلمين، وتعرّض ديار الإسلام إلى هجمة شرسة في كل ناحية من نواحيها.. ومما يُحزن شاعرنا ويزيد من ألمه، ما آلت إليه أوضاع أمته، وما طرأ على حياة أبناء مجتمعه، من عادات مرذولة، وأخلاق هابطة، تتنافى مع تعاليم الإسلام، كانتشار الظلم وانعدام الخير، وتقطيع الأرحام، وشيوع المنكرات، حتى غدت الكثيرات من النساء سافرات في كل ميدان، تغري بالغواية، وتدفع إلى المعصية، بعد أن استبدّت الغرائز بالنفوس، وتحكمت الأهواء في الأجسام والعقول..
ونرى الجيتاوي يتساءل بألم ومرارة عن مدى مسيرنا في ليل التيه، وصحراء الذل والهوان، حاثاً أمته وأبناء قومه على العودة إلى منهج الإسلام ففيه عز الدنيا وسعادة الآخرة.
إن هذه القصيدة لتعبّر عن بعض ما يجيش في نفس شاعرنا، وفي نفس كل مسلم غيور، من مشاعر إزاء هذا الواقع المؤلم.
وقد تأثر الجيتاوي فيها بقصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس، والتي يقول فيها:
لكلّ شيء إذا ما تم هي الأمور كما شاهدتها دُولٌ تبكي الحنيفية البيضاء من أسف على ديار من الإسلام خالية |
نقصان
|
فلا يُغرَّ بطيب العيش إنسان من سرّه زمن ساءته أزمان كما بكى لفراق الإلف هيمان قد أقفرت ولها بالكفر عمران |
فالرنّدي يرثي الأندلس، والجيتاوي يرثي دولة الإسلام وعزّة المسلمين، في فلسطين والفلبين وكشمير والشيشان وأفغانستان وغيرها من ديار الإسلام التي تسلط عليها الأعداء.
أشجان الإسلام(25):
لا تسأل العين فيم الدمعُ انظرْ إلى دولة الإسلام قد طُمستْ أنصتْ فكم أنّة (للقدس) ليس لها دهر طوى الأرض فيه النحسُ وانتكستْ (عيسى وموسى) طوى التحريفُ دَعوتهم (وأحمدٌ) في ثنايا الشِعبِ حاصرهُ الحكمُ جورٌ وحرّ القوم غَيّبهُ والبغيُ والظلمُ لا عابٌ ولا زللٌ البرُّ أقفر والأرحامُ ضائعةٌ وأيمنُ الفال بينَ الخلقِ (باقلهم)(26) والموبقاتُ دساتيرٌ مُحكمة ترى النساء تماثيلاً مُزخرفة رؤوس جهلٍ دواعي الطيش تدفعُها هي الغرائزُ بين الناس تحكمهمْ ما عادَ يبدو بتقويم الإله لهُ * * * يا أمتي طال تغريبٌ نكايدُه النفسُ تُطربها أرقامُ عِدتنا أعداؤنا قد رَمونا بالشتاتِ وما قد رَسّخوه بدعوى الكفر يَسترها وقدموها لنا عن ديننا بَدَلاً وأمعنوا يخدعونَ العقل إذ زعموا: (ولا مناصَ لنا في رد عِزّتنا كفرٌ قبلناهُ فانحلتْ أواصرنا وكلُّ رهطٍ لهم شِربٌ وساقيةٌ والكلُّ يضربُ عشواءً ولا أملٌ من (الفلبين) تكوي القلب نائحةٌ في كل يوم بأرض (الهند) مجزرةٌ حدّث ولا حرجٌ مما تحدّثه وذَبْح (أسمَرَةٍ) لهوٌ يُمارسهُ وفي (فلسطينَ) أهوالٌ وملحمة (والقدسُ) ترسلُ أنّاتٍ مقطعة "قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم في كل شبرٍ بأرض المسلمينَ ترى وحالهم مثلُ أيتام بمأدبةٍ الجهلُ يُقعدهم، والفقر يسحقهم وأرضهم خيرُ أرضٍ لو هُمُ زرعوا وفي يديهم شرايينٌ إذا قُطعت وحولهم أبحرٌ لو أنها ضُبطتْ لكنهم وهنوا فالكلُّ ينهشهم * * * يا أمتي هل لهذا الليل آخرةٌ عودي إلى الله عوداً مخلصاً ودَعي ومَحّصي الدرس من تاريخنا تَجدي |
هتانُ
|
طغت على القلب آلامٌ أركانها وانبرتْ للكفر أركانُ خلال قهقهة الأعداءِ تبيانُ راياته وبريدُ الغيبِ غربانُ وحلَّ عنها خُرافاتٌ وبُهتانُ من كل رَهطٍ من الكفار سَجّانُ سجنٌ به من صنوف القهر ألوانُ هي البطولةُ والتاريخُ يزدانُ يشكو إلى الله آباءٌ وإخوانُ وذو الشقاء ووجه النحس (سَحبان)(27) في الشرق والغرب مرفوعٌ لها شانُ رؤوسها للهوى واللهو ميدانُ إلى المهالكِ، والتغريرُ سلطانُ كأنهم وقطيع البُهم صِنوانُ في مُحكم الخلق إلا النزرَ إنسانُ * * * خلفَ السَرابِ لم يبتلّ ظمآنُ لكننا بين أهل الأرض عُبدانُ أدراكِ ما دبّروا فينا وما زانوا لبوسُ عرقيةٍ، والكفر ألوانُ فالدين لله، لا للناس عنوانُ!! (أن التخلف قد أرساهُ قرآنُ)!! أن نخلع الدين، ما للعصر أديانُ!!) فكل قطر له فلكٌ وربّانُ وكل جمع لهم وسمٌ وقطعان!! كتائهٍ أفقهُ بيدٌ وكُثبانُ!! تُجيبها بعويل النكل (تُطوانُ) لأخوةٍ لرضا الأبقار ما دانوا في وصف أهوال ما يلقاه (أفغانُ) من (الأحابيش) بتار وطَعّان يُزجي لها الأهلَ (شارونٌ) و_ديّانُ) تمضي هباءً، فما في القوم من كانوا طاروا إليه" وهم جمعٌ ووحدانُ مجازراً ما لها قاضٍ وميزانُ يكسو وجوههم بؤسٌ وحرمانُ والداءُ يقتلهم، والردّ إذعانُ واستثمروا ما تُخبّيه لما هانوا يُدمّرُ الأرضَ زلزالٌ وبركانُ سادوا على الناس واستعلى لهم شانُ وهمْ على نفسهم للخصم أعوانُ * * * وهل لهذا الأسى والذلّ فرقانُ مواردَ الكفر، إنّ الكفرَ خُسرانُ (العزّ ما كان إلا كان إيمانُ) |
وأحزانُ
مختارات من شعره(27) الغضبة القدسية: كانت القدس وما زالت تحتلّ مكانة خاصة عند العرب والمسلمين، فهي بلد الإسراء والمعراج، وفيها المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين..
وقد ارتبط المسجد الأقصى بعقيدة المسلم حينما ربطه القرآن الكريم بمكة المكرمة في سورة الإسراء، وغدت حمايته والدفاع عنه، وتحريره من أيدي الغاصبين واجباً على كل مسلم ومسلمة..
وفي عام 1387هـ/1967م قام اليهود باحتلال مدينة القدس، واحتلال جميع فلسطين.. ووقع المسجد الأقصى أسيراً في أيديهم، وقاموا بالاعتداء عليه مرات ومرات، وحرقوا منبر صلاح الدين، والعرب والمسلمون ينظرون إليهم في ذل واستكانة ولا يتحركون..
ولما رأى شاعرنا الجيتاوي هذا الحال، ولاحظ أن مشاعر اليأس قد استبدّت بالناس.. انبرى يشجع أبناء أمته ويدعوهم إلى خلع أردية الغفلة، وأثواب اليأس والقعود، ويدعوهم إلى مجابهة الباطل ومقارعة العدوان، وتحرير القدس الشريف.
فجاءت هذه القصيدة عام 1401هـ/1981م نابعة من أعماق نفس معذّبة، وفؤاد مكلوم، بذكر القدس وفلسطين في كل نبضة من نبضاته وكل خلجة من خلجاته، وهو يتطلع إلى أرض مباركة وشعب مؤمن وغد مشرق.
الغضبة القدسية(28):
دع عنك خادعة تمضي السِنون تلي السنينَ تُصغي لأخبار الطعان هذا سبيلُ العاجزينَ ومحطُ آمالِ الضعيف النصر والتثبيتُ تطلبُ بالهام والمُهج الغوالي بالنار بالإعصار * * * عقدٌ ونصفُ العقدِ المشرقان تنوحُ من القومُ قد خذلوه |
الأماني
|
وانهضْ فما هذا وأنتَ معقولُ الحِصانِ تظنّ ذاك من الطّعان ومذهبُ الغيدِ الحِسان وخطةُ النذل الجبان في لهيب المعمعانِ والسواعد والقواني بالزلزال تتضح المعاني * * * والأقصى يئنّ من الهوان(29) مأساته والمغربان ما وفّى الصريخ ونجدتان |
التواني
طاشت حُلومهمُ وما ثبتوا على قرع وتبعثر الزحفان وانكشفت غيابات الدّخان أبخس به ثمناً لفخر عصورنا: إعذارُ جان قد كان أولى أن نبيد فِدىً ولا يعنو لشانِ إيهٍ صلاح الدين: هل من منبر للعزّ ثان؟!(30) القومُ صاروا مثلَ أهلِ الكهفِ في فيهِ الزّمان! تقلّبُ الأجسادُ لكن أين يقظانُ الجَنان؟! يا ويحهم أيظلُّ مسجدهم بمحنته يعاني؟! ويكون غايةُ ردّهم أنشودة في مهرجان؟! ومذلة الشكوى لمجلس ما يُسمى بالأمان(31)؟! تمحو سخائمهم(32) فتصفو جلسة أو جلستان! شجباً، فينقلبون ما بين المرابع والمغاني! يتفاخرون ويمرحون كأنهم نالوا التهاني! (ويعيّدون) ويرسلون لبعضهم حلوَ التهاني! إن يغضَبوا يا حُسنهم أقصى مَداهُم ساعتان! هانوا فهم (تيمُ) المحافلِ في الغيابِ وفي العيان! يا ليتهم كانوا (تميماً)(33) في الطراد وفي الحِران يا ليتهم (مُضرٌ)(34) بغضبتهم ترددت الأغاني أهل السماحة والبشاشة والتحلّم والليان! سُحقاً لكلّ سماحة الدنيا وأنعم بالسّنان * * * قم يا أخا الإسلام جرّد مشرفيّك(35) واليماني(36) ودَع الملاهي هَمَّ خِلان الآرائكِ والدّنان والمترفينَ المتخمينَ يُزاحمون على الجِفان ما عاد يُقبلُ أن تُجالدَ باللسانِ وبالبنان صِرنا عبيداً لا عباداً في شريعةِ كلّ جان أسرى نعيشُ كأننا من أمة أخرى عوان(37) وحقوقنا ضاعت على عبثِ المجالس واللجان قم يا أخا الإسلام ليس سواكَ يُندبُ للطّعانِ العزُّ معقودٌ على الهام الذي يتلو المثاني والمجدُ أنت له وفي يُمناك تحقيق الأماني لله درّك يا فتى يا فارسَ الحرب العوان(38) قم تاجر المولى ببيع (الصف)(39) من آي البيان لا ترتضي غير النجيع(40) مُهورها حورُ الجنان يا (قدسُ) صبراً للزمان فإن نصرَ الله دان إني لألمحُ فارسَ الغمراتِ(41) يُمسك بالعِنان في صدره القرآن في يُمناهُ سيفٌ هِندواني آتٍ يكادُ يطيرُ ينتهب المفارزَ في ثوانِ تحدو له (الأنفالُ) و(الإسراء) نعمَ الحاديان * * * يا قدسُ أنتِ الروحُ أنتِ القلبُ أنت المُقلتان أنت الهوى، أنتِ الحياة بعزّها بالصولجان أرواحنا تفديكِ خالصة وما ملكت يدان تبقين في أيامنا شمساً تراءى بافتتان تبقى مآذنك النجوم الزّهرُ تصدحُ بالأذان ويظلُّ محرابُ النبيّ مًكرماً في كل آن |
الشُّنان
مختارات من شعره:
(43) وللعامل وسام: لقد كرّم الإسلام العامل، ورفع من شأنه، وعلّمه الأمانة والإخلاص وإتقان العمل.. يقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" ويقول: "من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له".
ولكن هذا العامل الذي يبني بعمله المجتمع، وتقوم على نشاطه نهضة الأمة، ويسعد بإنتاجه الناس.. أغفله المجتمع في هذه الأيام.. وكانت لفتة طيبة من شاعرنا الجيتاوي بأن ينظم قصيدة جميلة رائعة عام 1985م يمجد فيه العامل، ويعلي من شأنه، ويشركه في بناء الوطن، ويصف ألواناً كثيرة من نشاطه المتعدد الذي يبدؤه كل يوم باسم الله، وفي طاعة الله ومراقبته، بعد أن يصلي الفجر ويقرأ القرآن، وينطلق إلى عمله بهمة ونشاط وإيمان..
هذه القصيدة التي استهلها الجيتاوي بقوله:
رُشوا الطريق ندىً وزهرا عقدَ الرّشادُ ليومه |
|
لفتى يغذَّ السيرَ مع ربه آياً وذِكرا |
فجرا
إنّ فيها من التكريم والتمجيد للعمل والعمال بما يدفعهم إلى الرضا عن أنفسهم، والاعتزاز بعلمهم، والثبات على الإيمان.
وللعامل وسام(44):
رشّوا الطريقَ ندىً عقد الرّشادُ ليومه ومضى على درب الرّضى في صدره تتماوج الآمال والأرض تهتف للخطى أنعم به من فاتح * * * يا فارس العصر المجلّى هي قصة الحب الكبير فوق الجبال على السهول وعلى المدائن والقرى في كل شبر من ربوع بيد الرجولة صغتها حتى بدت كعرائس تعنو لفتنتها القلوب * * * قم وارق عرش الجدّ وترا إني لأقرأ في عيونك وعلى جبينك آية هذا قصيدي في ركابك من نور وجهك قد أضاء إني لأقسم والمزاعم "قبل الجميع لك الوسام * * * يا معبر الأمل القصي يجتاحني بوح الجراح همّي وهمّك والهوى ذاك الحبيب إلى متى تلك الربوع المستغيثة أفما شجاك أنينها أتقرّ والأرحام مضرمة أفما لها يوم أغرّ قسماته نبويّة ألقت عليك ظلالها |
وزهرا
|
لفتى يغذُّ السير فجرا مع ربه آياً وذِكرا تدعو له (بشرى) و(يسرى) والأشواق تترى الشمّاء ترحيباً وفخرا قهرَ الصعاب وعاش حرا * * * دمت للأوطانِ ذخرا تصوغها سطراً فسطرا حروفها تهتز خضرا تختال معماراً أغرّا بلادنا لك حسن ذكرى وجلوتها فناً وفكرا الأحلام ألواناً وعطرا فتنحني وتقول: شكرا * * * واسْب النفوس هوى وشعرا سورة الإخلاص جهرا القديس إيماناً وطهرا يزدهي ألقاً وسحرا ومن زنودك جاء تبرا جمّة والحق يُدرى وأنت بالقبلات أحرى" * * * وقد ذوى كمداً وقهرا وأستمحيك فيه عُذرا بيني وبينك ليس سرا يمتدّ في الخفقات جمرا والصدى يرتدّ ذعرا أفما توقد فيك ثأرا الحشا نزفاً وأسرا يغيّر الحال الأمرّا عمرية صدقاً وصبرا فارغ الظلال جزيت خيرا |
الهوامش
(1) ديوان "صدى الصحراء" ص 21.
(2) ديوان "صدى الصحراء" ص 109
(3) ديوان "صدى الصحراء" ص 105
(4) مجلة الأمة –العدد الثلاثون عام 1403هـ، ص 27.
(5) صدى الصحراء ص 81.
(6) صدى الصحراء ص 115.
(7) صدى الصحراء ص 63.
(8) ديوان "قناديل على مآذن القدس" ص 65.
(9) صدى الصحراء ص118.
(10) صدى الصحراء ص120. (11) صدى الصحراء ص112.
(12) صدى الصحراء ص112 (13) صدى الصحراء ص113
(14) صدى الصحراء ص51. (15) صدى الصحراء ص148
(16) صدى الصحراء ص178 (17) صدى الصحراء ص122
(18) صدى الصحراء ص176 (19) صدى الصحراء ص127
(20) جريدة الرأي الأردنية في 23/13/1983م.
(21) صدى الصحراء ص102
(22) صدى الصحراء ص30
(23) صدى الصحراء ص192
(24) صدى الصحراء ص195
(25) صدى الصحراء ص88
(26) إشارة إلى (باقل) وهو رجل يضرب به المثل في العي من ربيعة.
(27) رجل يضرب به المثل في الفصاحة من وائل. (28) صدى الصحراء ص25.
(29) وقع المسجد الأقصى في أيدي اليهود سنة 1967م 1387هـ.
(30) عندما زحف صلاح الدين بجيوشه لاسترداد الأقصى من الصليبيين كان قد صنع منبراً في حلب وأخذ يحمله معه في تنقلاته إلى أن دخل القدس وركب المنبر في المسجد الأقصى وأوفى بنذره وقد أحرقه اليهود في حادث اعتداء واضح سنة 1969م.
(31) أي مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة.
(32) سخائمهم: المقصود غضبهم.
(33) إشارة لقول جرير:
ويُقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود
(34) إشارة لقول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم حسبت الناس كلهم غضبانا
(35) إشارة لقول بشار بن برد:
غضبنا عليهم غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
(36) من أنواع السيوف.
(37) من أنواع السيوف.
(38) عوان: أسيرات.
(39) العوان: الشديدة المستمرة.
(40) إشارة للآيات الأخيرة من سورة الصف.
(41) النجيع: الدم.
(42) الغمرات: الشدائد.
(43) ديوان "قناديل على مآذن
القدس" ص19 – 21، والدستور الأردنية – أيار 1985م.