إحسان الجابري
محمد فاروق الإمام
هو إحسان الله بن عبد القادر لطفي الجابري، ولد في مدينة حلب عام 1879 في أسرة ذات دين وعلم وجاه. ووالده الحاج عبد القادر الجابري كان مفتي حلب.
تلقى إحسان الله دراسته الأولى في مدينة حلب في مدرستي الابتدائية والرشدية، ثم انتقل إلى الأستانة فدرس الإعدادية والحقوق وعمل مع شباب العرب فيها وسجن مدة ، وتخرج من كلية الحقوق حاملاً شهادة الدكتوراه برتبة (علي الأعلى). اتصل بالهيئات السياسية والجمعيات الوطنية العربية التي تنادي باستقلال البلاد العربية، فأدخل السجن ثانية عام 1902 وقضى فيه ستة أشهر بتهمة تلقيه رسائل من عبد الرحمن الكواكبي. مارس المحاماة في استانبول من عام 1902 وحتى عام 1904، ونال في هذه الأثناء جائزة الشعر بالتركية.
دخل إحسان الله بواسطة صهره الكوراني ناظر الداخلية سلك الوظيفة في الدولة العثمانية، حيث عُين ترجماناً لوزارة الضابطة ثم كاتباً أولاً، وترقى في الوظيفة إلى أن أصبح رئيس ومفتش تنسيقات وتنظيمات الشرطة العامة، ثم أمين سر السلطان عبد الحميد الثاني خمسة عشر يوماً، ومحمد رشاد ثماني سنوات، فمحمد الخامس ثلاث سنوات ونصف. وتمكن بذلك من جمع أسرار الدولة. وفي عام 1913 حضر مؤتمر باريس الذي وضع قرارات هامة تضمنت مطالب وحقوق العرب في ظل الإمبراطورية العثمانية.
جمع من وظيفته ثروة مكنته بعد سقوط الدولة العثمانية من العمل طليقاً في السياسة يجوب بلداناً أوروبة وعربية. عاد إلى سورية رأساً بدعوة من الأمير فيصل حيث عُين رئيساً لبلدية حلب سنة 1919، ثم اختير عضواً في مجلس الشورى، فاشترك في إعلان استقلال سورية بصفته كبير الأمناء ورئيس ديوان الملك فيصل في آن واحد في 8 آذار من عام 1920.
حضر الجابري معركة ميسلون عام 1920 فخرج مع الملك فيصل من سورية في 27 تموز عام 1920 وبقي في أوروبا سنة كاملة انفك بعدها عن الملك فيصل لقبوله الانتداب في العراق وتعيينه ملكاً عليه. وحكم عليه الفرنسيون بالإعدام وحجزوا أملاكه، فأقام في أوروبا يعمل لاستقلال بلاده.
دعاه الجنرال غورو بكتاب رسمي مؤرخ (20/11/1920) للمفاوضة معه، لكن لم يتم الوصول إلى اتفاق، فاضطر لمغادرة باريس إلى جنيف حيث انتخب عضواً دائماً في المؤتمر (السوري ـ الفلسطيني) للدفاع عن القضية، وقد اشترك في هذا المؤتمر حزب الاستقلال والوفد الفلسطيني وممثلون لأمريكا الشمالية والجنوبية من العرب في المهاجر الأمريكية، وتألف المؤتمر من (إحسان الجابري، وشكيب أرسلان، وسليمان كنعان وبعد وفاته انتدب رياض الصلح). وبقي الوفد يعمل بكل ما أوتي من قوة حتى كانون الأول عام 1923 أي بعد أن حضر مؤتمر لوزان.
سافر إحسان الله عام 1923 بدعوة من الشريف حسين إلى عمّان حيث حضر المؤتمر العربي فيها، وتمكن من دخول سورية وهناك أسس جمعية حقوق الإنسان فأقبل الألوف من الشبان في المدن السورية على الانخراط في عضويتها، ومنها انبثق حزب الشعب وبعده الكتلة الوطنية. وعلى أثر هذا النشاط حاولت السلطة الفرنسية إلقاء القبض عليه إلا أنه تمكن من الهرب إلى تركيا، فحكمته السلطة الفرنسية للمرة الثانية بالإعدام، وغادر تركيا إلى سويسرا ومكث هناك حتى عام 1926، حيث دعي إلى باريس مع لطف الله وشكيب أرسلان لعقد معاهدة، وفعلاً تم الاتفاق ووقع بالأحرف الأولى، ولكن مجيء بوانكاريه إلى الحكم سبب تأخير الأمر، فعاد إلى سويسرا وأصدر في جنيف مع الأمير شكيب أرسلان مجلة باللغة الفرنسية بعنوان (الشعب العربي) للدفاع عن حقوق العرب والدفاع عن سورية.
بعد عقد معاهدة 1936 بين الحكومة السورية وفرنسا، وصدور العفو العام عاد إحسان الله إلى سورية، وبعد شهرين أجبرته الحكومة على قبول محافظة اللاذقية، وبقي هناك ما يقرب السنتين بمصارعة الانتداب الفرنسي، وفي نهاية العهد الوطني اعتقل وحددت إقامته في عينطورة في لبنان مدة أربع سنوات.
ثم عاد إلى حلب، وبعد وفاة أخيه سعد الله الجابري، انتخب نائباً عن حلب وترأس قائمة الوطنيين، كما انتخب رئيساً للجنة الشؤون الخارجية فبقي فيها طيلة نيابته، وأعيد انتخابه عام 1954، وترأس التجمع القومي إلى أن تمت الوحدة بين مصر وسورية فترأس اتحاد الدول العربية.
وبعد اعتزاله السياسة أقام في القاهرة حيث توفاه الله ونقل جثمانه بالطائرة إلى عمّان في 11/3/1980، ومنها جواً إلى حلب حيث دفن هناك.
وُهب إحسان الله ذاكرة فذة، وكان يكتب مذكراته يوماً بيوم، وبلغ من أهميتها أنه عرض عليه مبلغ ستين ألف دولار في عام 1935 فرفض. لكن هذه المذكرات تلفت في منزله بالقاهرة أثناء غيابه في حلب وتحت ضغط أصدقائه حاول كتابتها من جديد بمساعدة أحد أفراد الأسرة و هو الدكتور مازن الجابري الذي كان يدرس الطب في القاهرة وقتها، فوصل فيها حتى عام 1927، ومرة أخرى سُرقت منه وهو قادم بالباخرة من بيروت إلى الإسكندرية.
له ابنة واحدة متزوجة من رئيس الوزراء الأردني الأسبق وصفي التل .
له مؤلفات باللغة التركية.