فضيلة الشيخ عبد رب النبي توفيق

شخصيات في حياتي

عالم  من الجنة

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

1 – أنوار من حياة الشيخ

* ولد في عام 1945 م بمحافظة الفيوم , من أسرة متوسطة , وكان ترتيبه الرابع بين إخوته الذكور , وبعد سنتين من ولادته فقد البصر في عينه اليسرى , حيث يقول عن ذلك : ( هي نعمة من الله علىّ عرفت قيمتها بعد ذلك ) .

* يعتبر الشيخ هو الابن الوحيد الذي أكمل تعليمه في أسرته , وكان إصراره على ذلك منذ الصغر , رغم فقده لإحدى عينيه , فتعلم القراءة من أصحابه ذاتياً , حتى أصبح قادراً على القراءة , فتفتح على مطالعة كتب الأدب والشعر والروايات .

* التحق الشيخ بالمعهد الأزهري الذي كان يشترط حفظ القرآن الكريم , فأكمل حفظه في سنة وثمانية أشهر , مما جعله مهيئاً للقبول , وتخرج من كلية أصول الدين جامعة الأزهر , بالقاهرة في عام 1972 م , وله من الأبناء أربعة , ومن الأحفاد أربعة .

* تعرف على دعوة الإخوان المسلمين في عام 1974 م , على يد الشيخ على عبده إسماعيل , عقب خروجه من السجن في أوائل السبعينات , ومارس الدعوة منذ ذلك التاريخ على اتجاهين كإمام وخطيب مسجد , وكداعية من الإخوان المسلمين , حيث شارك في مدارس إعداد الدعاة , بمادة علوم مصطلح الحديث , ومحاضر في جديث الثلاثاء بمسجد عصر الإسلام .

* ترشح عن الإخوان المسلمين لعضوية مجلس الشعب , حيث التفت الجماهير حوله حباً واختياراً , إلا أن التزوير حال بينه وبين المجلس لصالح مرشح الحزب الحاكم .

* يعتبر الشيخ من مؤسسي جبهة علماء الأزهر التي قامت على تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية للعلماء , والتي حملت لواء إصلاح الأزهر الشريف , حتي تم  إنهاء عملها , ووقف خدماتها .

* انتخب الشيخ من قبل إخوان الأسكندرية , ليكون عضواً بمجلس شورى المحافظة , لعدة دورات متتالية , ولم يقصر في أداء دوره إلى أن توفاه الله تعالى .

* وسافر الشيخ خارج مصر , للدعوة إلى الله ونشر الفهم الصحيح للإسلام , فعمل باليمن أربع سنوات من عام 1979م إلى عام 1983 م , كما سافر إلى أمريكا وكندا وألمانيا , وله أحباء كثيرون من الجاليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا .

* من مؤلفاته :

- تحقيق كتاب ( حماة الإسلام ) الذي أوصي الإمام البنا بدراسته .

- الإسراء والمعراج دروس وعبر

- مولد النبي صلي الله عليه وسلم دروس وعبر

-  الهجرة النبوية دروس وعبر

- أثر الذنوب والمعاصي

- غزوة بدر دروس وعبر

2 – أغرب قصة زواج

تزوج الشيخ في أغرب قصة زواج , وكان يقول مداعباً : ( زوجة واحدة والحمد لله ) , ثم يقول في إشراقة وجه وثقة وحب : ( وأسأل الله أن يجعلها زوجتي في الجنة ) .

أما عن غرابة قصة زواجه , فهي تبدأ بأنه خطب واحدة غير محجبة , ولكنه لم ستمر معها فكما يقول : ( تخوفت منها ) , وأخذ يبحث عن صاحبة حجاب , في وقت ندر فيه الحجاب , حتي قال له أحد أصدقائه : رشحت لك أختاً محجبة !! .

وفي نفس الليلة يري الشيخ رؤيا : بأنه في مسجد ابن خلدون يلقي درساً للأخوات , وكانت الأخوات كلهن جالسات على السجادة , عدا واحدة جالسة على كرسي أمامه , بحيث يراها جيداً , وإذا به يسمع صوتاً يقول :

( هذه زوجتك )

يقول الشيخ : ( صوت انسيابي غير مميز , ولكنه ملأ سمعي , فقمت صليت الفجر , ثم نمت ) , ويستكمل الشيخ : ( فرأيت كأنني أدخل بيتاً مع أحد الأصدقاء , وجلسنا في غرفة , ثم دخلت علينا امرأة في الأربعينات من عمرها , ثم تلتها أخت هي نفس البنت التي رأيتها , بوجهها وملابسها وحجابها , فقلت لصديقي : أريد أن أرى الأخت التي رشحتها لي ) .

ثم يضيف الشيخ : ( وبالفعل : دخلت البيت هو نفس البيت الذي رأيته في الرؤيا , وكأني أشاهد شريطاً , بل نفس نفس الغرفة , وبعد ذلك دخلت امرأة في الأربعينات , ثم دخلت الأخت التي في الرؤيا بنفس ملابسها ونفس ملامحها , فقلت : سأتزوجها وافقوا أم لم يوافقوا ) .

3 – الفتى المثقف

* قرأ الفتى القصص والشعر والروايات , بل قرأفي كل شئ إلا الدين كما كان يقول , وكان أصحابه على نفس الشاكلة , في قصر تقافة المحلة , حيث كان الفتي يلقي الأشعار في الأمسيات الثقافية .

* وعندما أنهى الفتى مرحلته الإعدادية , التحق بالجمعية الشرعية , ومارس معهم أعمالهم الدعوية , حيث خرج معهم في قافلة دعوة , سيراً على الأقدام من المحلة إلى المنصورة .

* وباعتبار الفتي هو الوحيد بينهم الأزهري , دعاه رئيس الجمعية الدكتور محمد السعيد ليلقي كلمة دينية , وقدمه قائلاً : الشيخ عبد رب النبي توفيق , وكانت هذه أول مرة يطلق على الشيخ : عبد رب النبي , وكانت كذلك أول كلمة دينية يلقيها الفتي وهو يبكي , والتي لاقت استحسان رئيس الجمعية الذي احتضنه وهو يكبر من فرط إعجابه بالكلمة .

* ولم ينم الفتي طوال الليل , حيث كانت هذه اللحظة هي نقطة التحول في حياة الشيخ , فأقبل بعدها على قراءة الكتب الإسلامية , وكان أول اتجاه له في الصوفية , ثم أنصار السنة , ويحكي الشيخ عن قصة تحوله , بأنه كان يدرس من كتاب أعجبه , فقرأ دعاءً : ( اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ) فرأي كلمة ( نور ) نوراً يكبر ويكثر ويعم كل المسجد , فأخذ يبحث عن اسم الكتاب فوجده : ( الوابل الصيب من الكلم الطيب ) .

*  ومن هنا بدأ يتعرف على أنصار السنة , ويخطب بمساجدها , في محافظات عدة , وكان إلى الآن لا يعرف عن الإخوان شيئاً غير ماهو منشور من أكاذيب حكومية , حتي قابل أحد أساتذته , الذي أعاره مجموعة الرسائل للإمام حسن البنا , يقول الشيخ : ( لقد حسبت أن الشيخ البنا في السبعينات من عمره , لعظم تأثري بالرسائل ) .

* وبدأ الشيخ يحب الإخوان دون أن يقابلهم , فقرأ الظلال , وقرأ كتب سعيد حوى , واستمر ذلك حتى السنة الرابعة الثانوية , يقول الشيخ : ( عرفت الإخوان عن طريق كتبهم , ولم أكن أعرف أن هذا الرجل الذي أعارني الكتب من الإخوان ) .

* ودخل الشيخ كلية أصول الدين , وهو يبحث عن الإخوان , كما كان يقول , ولكنه لم يجدهم , بعد هذه الجولة في الفكر الصوفي , ثم السلفي , ثم قراءة في فكر الإخوان , وممارسة الدعوة والخطابة مع أنصار السنة , دون أن ينضم إلى جماعة بعينها , فكيف تعرف على دعوة الإخوان ؟ وكيف انضم إليها ؟ في كلية أصول الدين أو بعد تخرجه ؟ وكيف انطلق بالدعوة في ربوع مصر وخارج مصر ؟

هذا ما نلتقي به مع الشيخ في الحلقة القادمة بإذن الله تعالي ......  

4 – الشاب المجهول

في مسجد سلطان وأنت في الطريق إلى كرموز من أعرق أحياء الأسكندرية , كانت مجموعة من الشباب الواعد , يلتفون حول الشيخ على عبده إسماعيل , الذي انبهرت الأسكندرية بأحاديثه وخطبه في بداية السبعينات , وقدر الله لي أن أنخرط في صفوف هذه المجموعة , وكنت مازلت في المرحلة الثانوية , حيث بدأت رحلة الفهم الصحيح للإسلام قولاً وعملاُ , وكان المسجد حريصاً على تحقيق شعار ( رهبان بالليل فرسان بالنهار ) , فكان نهارنا دعوة إلى الله , وليلنا في المسجد نصلي معاً , وكان أول تعارف لي بشاب لا يأتينا إلا ليلاً , يصلي بنا في خشوع وبكاء , وكنت أستشعر أن الملائكة تحوطنا أثناء صلاته , وكان قلبي يخفق حباً لهذا الشاب كلما رأيته , وكان يكبرني بعشر سنوات , مما جعلني متلهفاً في جلسات التعارف أن أنتبه تماماً لما يقول , ولكن ما إن ينتهي من صلاته بنا إلا ويختفي , كأنه ملك نزل من السماء وسرعان ما يرحل , وقد قيل لنا أنه أزهري , فأطلقنا عليه : ( الشاب المجهول ) ! .

ولكن قلبي كلما رآه يطير من الفرحة , ومشاعري وعواطفي لأول مرة تحلق في جو آخر , فعرفت أن هذه هي أعراض الحب في الله , فانطلقت إليه أخبره , فكان رده رقيقاً جميلاً , في حياء عجيب , ممزوجاً ببسمة سحرية , ووجه مبتهج : ( أحبك الله الذي أحببتني فيه ) , ومن هنا بدأت إخوتنا الصادقة , والتقت روحينا في الله , جنود مجندة مع أقدار الله الجميلة , وزادت أخوتنا وقرابتنا , حيث لم يصبح الشاب مجهولاً بالنسبة لي , بل أصبحنا أقارب , حين تزوج بالأم الحنون , التي كانت تصاحب أمي رحمها الله , في دروس المسجد , وجارتنا الصالحة البارة , التي كانت آنذاك من أوائل اللاتي ارتدين الحجاب بالأسكندرية .

5 – العالِم الداعية

إلى آخر لحظات حياته , إن قال له أحد : الداعية , بادره بقوله المتواضع : ( أنا تلميذ تلميذ الدعاة ) , ويذكرك بمن قال : ( أنا لا أساوي حرف الدال في كلمة الداعية ) , هذا ملخص شخصية العالم الداعية , الذي جاب الأسكندرية دعوة إلى الله , وكان نجماً لحديث الثلاثاء , ونوراً يتلألأ كإمام وخطيب مسجد العمري الشهير بالأسكندرية .

بدأ الشيخ يتعرف على دعوة الإخوان من خلال قرآته في فكر الإخوان , وسرعان ما يقدر الله له أن ينضم السلوك إلى الفكر , الذي وجده في صديق عمره , وكان يسبقه بعام في كلية أصول الدين , الذي لم يقل له يوماً أنه من الإخوان , ولكنه فهم من سلوكه وتفوقه , ما سد هذا الجانب , يقول الشيخ : ( توطدت صداقتي بالدكتور سيد نوح , حتي فوجئت بأنه من الإخوان , فازددت تعلقاً بالإخوان , من خلال أخلاقه وسلوكه ) .

وبعد تخرجه بشهور واستلامه للعمل , يتعرف على فضيلة الشيخ : على عبده إسماعيل , وكان أول لقاء يجمع بينهما , في صلاة عصر يوم من أيام فصل الصيف , بالأسكندرية , حيث دعاه الشيخ على إسماعيل , لحضور لقاء العلماء بمسجد عصر الإسلام , عقب العشاء .

وكان الشيخ يرتدي كما يقول : أفندي , حتي أطلق عليه زملاؤه : الشيخ أفندي , فذهب إلى لقاء العلماء كما يقول : أفندي , حيث لأول مرة يتعرف على فضيلة الشيخ : أحمد المحلاوي , والشيخ محمود عيد , والدكتور عيسي عبده , والشيخ محمود عمار , وكان اللقاء حول : ( دور الجامع والجامعة في الدعوة إلى الله ) , وإذا بالشيخ محمود عيد يقدمه لإلقاء خاطرة , وتوطدت بعدها علاقته بالعلماء , وكلف بإلقاء درس للأخوات صباحاً , وللطالبات عصراً .

6 – الداعية المجاهد

منذ أن روي الشيخ الرؤيا التي  رأي فيها الشيخ على عبده إسماعيل , يقول له : الطريق من هنا  , إلا وأصبح أكثر التصاقاً بالشيخ إسماعيل : الذي صارحه مرة بأن الطريق ممهد له , وهو طريق الشهيد عبد الفتاح إسماعيل شقيقه , وطريق الإخوان , وكأن شيخنا كان على موعد , فقد كان على أحر من الجمر , ليسمع من شيخه هذا الشرف كما كان يقول .

ومن ثم بدأ طريق الجهاد العملي , خاصة بعد اقترابه من الأستاذ محمد خيال , يقول عنه الشيخ : ( كان يعمل كثيراً , ومن خلاله تعرفت على الطريق , فقد كان جندياً مجهولاً , وكانت الدعوة هي حياته , فتعلمت منه شعاره : الدعوة ثم الدعوة ثم الدعوة ) .

ولذلك كان محاضراً لحديث الثلاثاء , خاصة في المناسبات الإسلامية , يستقي منها الدروس والعبر , سألته عن تحضيره للحديث وهل كان يجد صعوبات , فأفصح عن سر نجاحه , فقال : ( لقد كان حديث الثلاثاء من أكثر الأحاديث معاناة , ولذلك فهو يحتاج إلى :

- اختيار الموضوع

- واختيار العناصر

- ثم معرفة مَن الذين تحدثهم ؟

-  وربط الموضوع بالواقع

- وفوق ذلك كله الاستعانة بالله والدعاء بالتوفيق .

ثم عمد شيخنا إلى جبهة علماء الأزهر , يقدم لها من وقته وجهده وسفره وأفكاره الكثير , سواء في الجانب العلمي والثقافي في الرد على الشبهات , أوفي الجانب الاجتماعي والصحي , ولم تستمر هذه الجهود , لسيطرة الجانب الحكومي عليها .

 ولم يتواني الشيخ لحظة في مشاركة الإخوان في جميع فعالياتهم الدعوية والاجتماعية والتربوية , فأصبح في موضع القلب من الجميع , شباباً ورجالاً ونساءً وفتيات , حيث رشحه الإخوان ليمثلهم بمجلس الشعب , فجاب الدائرة في جولات لا تنقطع , والتفت حوله الجماهير , تنشد التغيير والإصلاح , فقد كان أول شيخ أزهري يمثل الإخوان بالأسكندرية , حيث يقول عن ظروف ترشحه أن الجماعة قالت له : هذا أمر وليس عرضاً , فأطاع الشيخ الأمر , ولبى نداء الجماعة , ومع صعوبة الجولات , كان يقول : ( لم أشعر بأي مشقة ) .

ولم يتوقف جهاد الشيخ في مصر , بل امتد إلى خارج مصر , فقضي أربع سنوات باليمن , يقول الشيخ عنها : ( إنها تركت بصمات قوية في خياله , وقد صدق فيهم قول النبي صلي الله عليه وسلم : أرق أفئدة وألين قلوب ) , وامتد عمل الشيخ إلى أوروبا وأمريكا , فزار إيطاليا , وألمانيا , وأمريكا وكندا , حيث كان يدرس حاجات الناس قبل أن يصل إليهم , وهذا ما أوصي به لكل من يمارس الدعوة بالخارج .

7 – ماذا ترك الشيخ ؟

لقد ترك الشيخ علماً ينتفع به , رأيناه في تلامذته من العلماء الذين , حملوا الأمانة والوعي والفهم , وهم عند المقبرة يعاهدون الله , أن يلتقوا بأستاذهم في الجنة .

لقد ترك الشيخ قلوباً جاءت من كل حدب وصوب , لتدعو لمعلمها وشيخها , لم يجمعهم إلا شئ واحد هو حب الشيخ , وحب السير في طريق الطاعة والإيمان , الذي رأوه حياً , في حياة شيخهم .

لقد ترك الشيخ وصيته بأن تدفن معه في قبره , الإجازتان اللتان حصل عليهما , في القرآن المتصل برسول الله صلي الله عليه وسلم , هذه هي ثروته وكنزه الذص لا يفني .

لقد ترك الشيخ أسرة كريمة صالحة , تدعو له , وتحفظ سيرته , بل أسراً ستدعو له , كم حل مشاكلها , ورفع من شأنها , وأنقذ عثراتها , فقد أفشي عند قبره أحد رفقاء الدرب من العلماء , عن صدقاته التي كان يخفيها ولا يعلمها أحد .

لقد ترك الشيخ سيرة عالم من الجنة , وبإذن الله إلى الجنة , قضي بيننا وقتاً ذات عبر , من أجل أن يحذو الجميع طريقه , وهكذا العلماء , جمعنا الله وإياه في جنته , الللهم آمين .