عمر بك الأميري
أميرٌ في إهاب شاعر
عمر بهاء الدين الأميري
عبد السلام بسيوني
رحمك الله يا عمر بك، وأكرم نزلك، لقد كنت فعلاً متفرداً في كل شيء، أميرياً في كل
شيء، "باهياً" في كل شيء، مرتبطاً بدينك في كل شيء! فيك من قوة عمر وترفعه، ومن
بهاء التدين وطراوته، ومن عزة الأمراء وشممهم، مع رفق أخٍ كبير، ووعي داعيةٍ كبير،
وشاعرية شاعرٍ كبير، ودين مسلمٍ كبير، أحسبك كذلك ولا أزكيك على علاّم الغيوب.
كانت بداية تعرّفي به قبل ربع قرن في الدوحة، عبر الأستاذ هشام الغراوي الله يرزقه
بالعافية – وكان صديقاً له أكثر من نصف قرن، حين سألني:
-هل
تعرف عمر بك الأميري؟
قلت له: لم أتشرف به؟
-
كيف وأنت أديب شاعر؟
-
أنا آسف؛ فمع اهتمامي بالشعر، وقراءاتي الكثيرة فيه، فإننا في مصر لا نجد دواوين
لشعراء غير مصريين إلا فيما ندر (وكنت حديث عهد باغتراب آنذاك، وأكثر عنايتي
بالشعراء والأدباء المصريين).
إذن فسأهديك هدية بأن أجمعك به، لتراه وتتعرف إليه.
المفاجأة:
كان الأستاذ الأميري حقاً مفاجأة بالنسبة لي، أولاً بدماثة خلقه، ولطف معشره، ثم
بعد ذلك بشاعريته، فقد فوجئت بشاعرٍ عملاق، له مفرداته الشعرية، وله تراكيبه وصوره
الخاصة المليئة بالشفافية وبالعمق، وله فلسفته الشعرية أو شعره الفلسفي، وله لفتاته
الإنسانية والروحية والدعوية والوطنية التي لا تجدها عند كثيرين غيره..
يدور شعره (في زعمي) حول محورين رئيسيين لا يستطيع أي قارئ له أن يتجاهلهما:
*
محور الشفافية التي تصل لحد الاقتراب من حدود التصوف، وكان ذلك واضحاً من بداياته
في ديوانه الأول (مع الله) الذي اعتبر علامة فارقة آن صدوره، واستمر ذلك وتعمق أكثر
وأكثر، حين استوطن المغرب منفىً اختيارياً له، فتأثر أكثر بالشعراء المغاربة
ومنهجهم الذي يعنى بهذه الروح! وقد قرظ هذا الديوان الأستاذ العقاد وكثيرون غيره
كما سيأتي، والعقاد رحمه الله لم يكن يعجبه العجب!
*ومحور الفلسفة والعقلنة المنطقية، الذي يبدو واضحاً في تعابيره وكناياته،
متأثراً في ذلك بإقبال رحمهما الله – على ما بين المحورين من تجافٍ وتنافرٍ، وإن
كان قاصداً في تصوفه، سُنياً في تفلسفه.
وكان أول لقاءاتي المهمة به، عندما أردت أن أجري معه تحقيقاً صحفياً حول شعره نشر
في مجلة منار الإسلام الظبيانية 1985 م وكان ذلك اللقاء محاولتي الأولى في إجراء
التحقيقات، ولما جالسته أحس أنني أتهيبه، ولا أجترئ على مباسطته، فأراد هو أن
يساعدني، ويشجعني على الاقتراب منه، فبادر إلى الحديث في موضوعات شتى، وأخذ يلقي
بعض النكات التي فاجأتني، حتى تحررت قليلاً من حيائي، وأخذت أسأله، فإذا حدث وسكتّ
كان يقول: اسأل.. فلا يزال هناك كلام، ما رأيك أن نتحدث حول كذا وكذا؟ ويسترسل رحمه
الله تعالى حتى انتهينا، وقام يوصلني للباب في مودة وأبوة ومروءة.
لم يكن كأولئك البهوات (الأناتيك)، الذين يتكلمون بحساب، وربما اشترطوا ألا يزيد
اللقاء عن ربع ساعة، وتحدثوا من أنوفهم بكثير من (القرف)، والانتفاخ الكاذب.
كان رحمه الله تعالى شاعراً موهوباً، ذا مفردات خاصة، ومعانٍ
إسلامية خاصة، وهذا ليس ممكناً لكل من أراد امتطاء صهوة حصان الشعر، فما أكثر
الشعراء الإسلاميين الذين تقرأ لهم فلا تجد إلا كلاماً مكروراً، ومعانيَ مستهلكة
سبق أن شبعت منها.. اقرأ هذه المقطوعة القصيرة، واستشرف معي جمالها، وشفافيتها،
ونبل مقصدها:
كلما أَمعنَ الدجى وتحالكْ شِمْتُ في غوره الرهيبِ جلالَكْ
وتراءت لعين قلبي برايا من جمالٍ آنستُ فيها جلالك
وترامى لمسمع الروحِ همسٌ من شفاهِ النجوم يتلو الثنا لك
واعتراني تولّهٌ وخشوع واحتواني الشعورُ أني حيالك
ما تمالكت أن يخرَّ كياني ساجداً.. واجداً.. ومن يتمالك
يا لها من سحر حلال، وشعر عذب زلال، ومعانٍ غامرة، وعواطف فائرة! قال عنها القرضاوي
حين قرأها أول مرة: فيها مناجاة لله تعالى، كأنما تسمع فيها رفيف أجنحة الملائكة،
وكأنما هي ترتيلة أو صلاة، مجسدة في شعر مؤمن، أو إيمان شاعر!
كما يقول عن شاعريته:
هو لا شك في المقام الأول شاعر: شاعر بموهبته، وشاعر بممارسته، ولكنه ليس شاعراً
سائباً، إنه شاعر ذو رسالة؛ فليس الشعر عنده آلة لمديح الأمراء أو الكبراء، ولا
لهجاء الخصوم والأعداء، ولا أداة للتعبير عن الغرائز الهابطة، إنه "شاعر الإنسانية
المؤمنة" كما يحلو له أن يعبِّر عن نفسه، أو يعبر عنه عارفوه ومن يكتب عنه!
الأميري سفر تاريخي ضاع:
كان رحمه الله تعالى تاريخاً يمشي على الأرض، بعلاقاته الدبلوماسية الواسعة، منذ
عُين أول سفير لسوريا في السعودية قبل خمسة عقود، ثم في باكستان بعد ذلك، وارتباطه
بضياء الحق رحمه الله وبمشاركته الدفاع عن القدس مع جيش الإنقاذ خلال حرب فلسطين
سنة 1948 م، وإسهامه في تأسيس حركة سوريا الحرة، ورئاسته للجانب السياسي بها سنة
1953 م.
وكان تاريخاً يمشي بعلاقاته السياسية والفكرية والأدبية الواسعة، من خلال معرفته
بأجيال كبار المفكرين والساسة والشعراء والكتاب الكبار في الأمة كالحاج أمين
الحسيني وكان يلتقي به في لبنان، نيابة عن المجاهدين السوريّين والرؤساء شكري
القوتلي، وناظم القدسي، ومحمد نجيب، والأساتذة حسن البنا، والهضيبي، والمودودي،
والفضيل الورتلاني، وعبد الوهاب عزام، وعلي أحمد باكثير، وسيد قطب، وإقبال،
والعقاد، والسنهوري، والطنطاوي، وإقبال، والزبيري، والصواف، ومصطفى السباعي، ومصطفى
الزرقا، ومحمد الغزالي، وأبو غدة، والقرضاوي وكثيرين غيرهم، ومن خلال عضويته في
المجمع العلمي العراقي، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية والعربية.
وكان تاريخاً يمشي على الأرض من خلال نشاطه الدعوي، وعلاقاته بكبار رموز الدعوة في
القرن العشرين، وانتمائه للإخوان المسلمين، وثقتهم به منذ الأربعينيات، ومعرفته
الوثقى بكبار الدعاة المؤثرين حتى أوائل التسعينيات. وهو الذي أسس في مدينته حلب
أول مركز مرخص لجماعة الإخوان سنة 1356 ه/ 1937 م رغم تضييق الفرنسيين؛ ليبدأ
التواصل منذئذٍ مع الإخوان في مصر ومرشدها الشيخ حسن البنا عليهما رحمة الله.
كما اختير في أول هيئة تأسيسية للإخوان المسلمين ضمن الأسماء التي وردت من خارج مصر
مع الدكتور مصطفى السباعي، وعبد اللطيف أبو قورة، ومحمد محمود الصواف، وعبد العزيز
العلي، والشيخ محمود خليفة، والحاج طاهر الدجا، كما ذكر الأستاذ عبده مصطفى دسوقي.
وللتاريخ أذكر أنني رأيت معه أوراقاً ووثائق من الأستاذ الهضيبي كان يسأله من
خلالها أن يقوم بدراسة وتقويم بعض المواقف والأشخاص، يلقي من خلالها الضوء على
ملامح الخلل والانحراف في مسيرة الإخوان في الستينيات، وطلبت منه رحمه الله تعالى
قبل موته، بعد أن اعتدت عليه ألا يموت هذا التاريخ بموته، ورجوته أن يسجل على
الكاسيت ما لا يستطيع كتابته، لتقدمه في السن، وضيق الوقت، ولا أظن أنه فعل.
وكان تاريخاً يمشي على الأرض، وأنموذجاً وطنياً بارزاً، من أول عمره، وقد شارك في
حرب فلسطين عام 1948 م، وما بعدها، وينضح شعره – حتى آخر ديوان له - حسرة على الوطن
الإسلامي الكبير، ومناهضة للظلم والطغيان، وإيقاظاً للهمم والعزائم، ورفضاً
للاستكانة والاستنامة.
كان تاريخاً يمشي على الأرض بعلاقاته الأكاديمية، فقد كان على ارتباط وثيق بالعمل
الأكاديمي الجامعي، إذ دعي أستاذاً زائراً ومحاضراً في الرياض والمغرب والقاهرة
والجزائر والكويت واليمن وقطر والأردن والإمارات وباكستان وتركيا وإندونيسيا، وكانت
له نظرات خاصة في علم الاجتماع، انطلاقاً من هاجس المفكرين الإسلاميين بأسلمة
العلوم الإنسانية، وإزالة المسحة الدهرية الكنود عنها، وقد كتب في ذلك كتبه:
المجتمع الإسلامي والتيارات المعاصرة، ووسطية الإسلام وأمته في ضوء الفقه الحضاري،
والإسلام وأزمة الحضارة الإنسانية المعاصرة، والإسلام في المعترك الحضاري، وغيرها.
ومات الأميري رحمه الله تعالى، محتفظاً بهذا التاريخ الطويل،
فلم يسرد لنا خبراته، ومشاهداته، ومواقفه مع كبار المفكرين، والدعاة، والوطنيين،
والشعراء، والأكاديميين، والساسة، ومع المنفى الاختياري، والتوق الشديد للوطن، و
رؤيته للواقع، واستشرافه المستقبل، وكم رجوته أن يسجل – صوتياً – وكم وعد، لكن
الشيخوخة غلبته، وكان قدر الله أغلب وأمضى! رحمه الله وأخلفنا عنه خيراً.
الأميري النبيل:
من أبرز ملامح نبله رحمه الله تعالى أنه كان سخي النفس كريماً متواضعاً على ارتفاع
همةٍ وسمو نفس مجاملاً، وصولاً، لم تُنسه واجباته وسنّه أن يكتب لمثلي وأنا دونه في
العمر بنحو خمسين سنة، وبيني وبينه في الفضل مفاوز وأن يأتي لزيارتي في بيتي فجأة
ودون سابق موعد، وأن يهنئني بعد محاضرة، ويشرفني بمراجعة بعض دواوينه!
طلب مني ذات مرة خدمة علمية محدودة جداً، فلما اطمأن إلى أنني
أنجزتها إذا به يهديني هدية ثمينة فوجئت بها، وأعجبت بها، وأوّلتها أن الرجل يقدر
نفسه قبل أن يقدر الآخرين.
وكان يفتح قلبه عند اللزوم وبسهولة شديدة، ويمزح ويتوسع في المزاح ليزيح عن جليسه
التهيب والاحتشام.
ومن أبرز ملامحه رحمه الله تعالى أنه كان شديد الأناقة في كل شيء: ثيابه، وكلماته،
وكتبه، وخطه، في كل شيء:
فإذا كتب اختار عبارات (أميرية) مميزة فيها شيء من الذوق، وشيء من العمق، وشيء من
حلاوة السبك..
وإذا طبع تأنق في إخراج دواوينه، يختار لها مُخرجاً مدقّقاً كالأستاذ هشام الغراوي،
وخطاطاً عملاقاً كالأستاذ بدوي الديراني، وربما كتب القصائد بيده لتطبع في الديوان
كما هي ثقةً بجمال خطه، وكان فعلاً جميلاً مرتباً وحرص على أن يخرج الديوان أنيقاً
ملوناً أو مبطنًا، وزوده بلوحات خطية وزخرفية أنيقة، حتى إنه أهداني ديوانه أذان
القرآن، وبعدها بأيام سحبه مني، ودفعه ثانية للمطبعة كما سحب كل إهداءاته من
الديوان ممن أهداه لهم ليعاد تغليفه بغلاف جديد، أكثر أناقة وأبدع لوناً.
ومما كان يميز دواوينه أنه كان دائماً يقدمها أو يذيلها بشكر من قاموا على خدمتها:
المدقق والمخرج والخطاط والطابع، لا يهمل أحداً، ولا ينسى أحداً!
وكان يذيلها أيضاً بشرح للمفردات الوعرة يثبته في آخر الديوان
تيسيراً على القارئ لا اتهاماً لفطنته، وكان يميزه كذلك كتابة كثير من دواوينه بخط
يده بالرقعة الجميل الباذخ، ولم أجد من يفعل ذلك غير نزار قباني، وهما ابنا جيل
واحد تقريباً.. وكان يفعل ذلك في زعمي لأنه أقل أخطاء، وأضبط للنصوص، وألفت
للأنظار، وأيسر في الطباعة!
وكان يصر على تأريخ قصائده ودواوينه بالتأريخ الهجري؛ إمعاناً في إبراز هويته،
واعتزازه بدينه، وتميزاً عن الآخرين!
مواقف:
*
من المواقف التي يذكرها الأميري رحمه الله مع الإمام البنا أنه
كان في زيارة لمصر في صحبة والده وكان حريصاً أن يعرفه بالإمام البنا فاصطحبه
للمركز العام للإخوان المسلمين، وتقابلا مع الإمام الذي رحب بهم بشده، وفي اليوم
الثاني وأثناء استقلال الأميري ووالده القطار، وقبل التحرك بقليل من محطة مصر وجدا
الإمام البنا يأتي مسرعاً حاملاً باقة من الزهور، ليقدمها لوالده بهاء الأميري
ويودعه؛ ما ترك هذا الموقف أثراً بليغاً في نفس الوالد والابن. (عن الأستاذ عبده
مصطفى دسوقي).
*
ومن مواقفه مع القرضاوي ما ذكره حين رثاه: ومن اللطائف التي تذكر: أنه اتصل مرة
بهاتفي في المنزل، وكان رقمه سهلاً حفظه الناس، وهو 22522 وقد ردت عليه ابنتي
الصغرى، وسأل عني فلم يجدني، فأملى عليها هذه الشطرات:
يا خمسة تحفها المثاني ويا خليلاً ماله من ثان
يبعد عني وهو مني دانِ وكلما واصلته جفاني
فلما عدت إلى البيت ذكرت لي ابنتي ما أملاه عليها، فطلبته وقلت له: وهل أستطيع أن
أجفوك؟ وهل يجفو الخليل خليله؟!
*ومن
المواقف التي أثرت عنه ما حدث حين وقف شاب ماركسي في الصف فقال للأستاذ عمر: ما
رأيك يا أستاذ في قول بشار بن برد:
إبليس خير من أبيكم آدم فتبينوا يا معشر الأشرار
إبليس من نار وآدم طينة والطين لا يسمو سمو النار
وكان ذلك وسط قاعة الدراسة، قصد بها ذلك الطالب إحراج الأستاذ، فارتجل الأميري:
إبليس من نار وآدم طينة والنار لا تسمو سمو الطين
فالنار تفني ذاتها ومحيطها والطين للإنبات والتكوين!
وفي موقف ارتجالي إثر تساؤل فتاة عن رأيه في قول الشاعر:
خلقت لنا الجمال فتنة وقلت لنا: يا عبادي اتقون
وأنت جميل تحب الجمال فكيف عبادك لا يعشقون
فرد رحمه الله مرتجلاً:
خلقت لنا الجمال نعمة وقلت لنا: يا عبادي اتقون
إن الجمال تقىً والتقى جمال ولكن لمن يفقهون
فذوق الجمال يزكي النفوس ويحبو العيون سمو العيون
وإن التقى هاهنا في القلوب وما زال أهل التقى يعشقون
ومن خامر العشق أخلاقه تأبّى الصغار وعاف المجون
ومن المواقف التي كتبها بنفسه في ديوانه (مع الله) أنه تعرض في شبابه لمواقف فتنة
مغرية، كادت تعصف به لولا إيمانه؛ ففي إحدى لياليه بكراتشي؛ عاصمة باكستان وعلى
التحديد في 1 ذي الحجة 1375ه/ 17/ 7/ 1956مـ
–تعرَّض
إلى إغراءٍ كثير، وكانت هذه الليلة توافق ليلة عرفة؛ فاستيقظ بعد منتصف الليل، هائج
النفس، ثائر الشباب، وذكَر إقامته على التقوى في باريس وهو طالب؛ وذكر مواقفه في
الحج، في مثل هذه الليلة، منذ عام مضى؛ وذكر ما تعرّض له قبل ساعات! وفي غمرة
الحيرة، وسُوار النفس، وأوار الظمأ، أنشد قصيدة من 35 بيتاً؛ عنوانها: ضراعة ثائر،
ولما كاد ينبلج الصباح، هدأتْ نفسه بعض الشيء، وعاد يراود الكرى! ومما كتبه فيها:
كيف أنجو يا خالقي من شباب عارمٍ عاصف التوثب ضار!؟
مستبدٍّ بكل ذرات جسمي مستفزٍّ كوامن الأطوار
كلما رمت كبته ثار جهلاً وتخطى عقلي وأعيا وقاري
فأنا منه ما كبحت هواه في جموحٍ وحدّة واستعار
كيف أنجو.. وإنه مستقر في كياني وفي صميم نجار
هو من طينتي التي لوثتني ورمتني فريسة الأقدار
إنه رجعة الصدى لفحيحٍ لاهبِ الذاتِ غاشمٍ كفّار
قد تحدى أبي الكبير قديماً فرماه من عالم الأبرار
إلى آخر القصيدة..
قالوا عن شعره:
قال الشاعر والأديب الكبير الأستاذ عباس العقاد عن قصيدته (أب) في إحدى ندواته التي
كان يعقدها في منزله بمصر الجديدة وكان ذلك في رمضان 1381 ه
:
" لو كان للأدب العالمي ديوان من جزء واحد، لكانت هذه القصيدة في طليعته".
وكان مما قاله العقاد عن ديوان الأميري (مع الله):
" آيات من الترتيل والصلاة، يطالعها القارئ فيسعد بسحر البيان، كما يسعد بصدق
الإيمان، وقد قرأت طائفة صالحة من قصائده، وسأقرأ بَقِيتها، وأعيد قراءة ما قرأته؛
لأنه دعاء يتكرر ويتجدد ولا يتغير، وثوابكم من الله عليه يغنيكم عن ثناء الناس،
وإنه على هذا لثناء موفور، وعمل مشكور، فتقبلوا مني شكره، واغتنموا من الله أجره،
وعليكم سلام الله ورضوان الله".
عباس محمود العقاد.. في 4/ 2/ 1960م.
وكتب الشيخ أبو الحسن الندوي في مقدمته لرياحين الجنة يصف الأميري بقوله:
" وجدت في شعرك لذّة ومتعة وسعادة، ما لا أجده في غيره من الشعر الجديد، وهو والحق
يقال نفحات من الإيمان، وقبسات من نور القرآن، وصدق العاطفة، ورقّة الشعور، وتصوّر
دقيق لهواجس النفس، وخلجات الفكر، وكم تمنيت أن كنت معك في دعائك، وفي لحظات
ابتهالاتك.
وقال يوم نعيه:
" إنه يستحق صفة شاعر الإنسانيّة المؤمنة، وأمير الشعراء الإسلاميّين في النصف
الثاني من القرن العشرين قاطبة، بعد محمد إقبال أمير الشعراء في النصف الأول".
وقال الدكتور القرضاوي:
" لقد جعل الأميري للعرب "إقبالاً " كما للهنود "إقبالهم"، وأحيا شعر "الحب الإلهي"
في لغة جزلة عذبة معاصرة، تخاطب الكينونة الإنسانية كلها: عقلاً
وروحاً وعاطفة وضميراً، ولا تخاطب "الإنسان الجسد" وحده، كما يفعل بعض الشعراء
المعاصرين، الذين اختصروا الإنسان في المرأة، واختصروا المرأة في الجسد، واختصروا
الحياة في اقتناص اللذات واتباع الشهوات! لهذا كان أحب الأوصاف والألقاب إلى
شاعرنا: لقب "شاعر الإنسانية المؤمنة"؛ فهو شاعر الإيمان وشاعر الإنسان".
وقال: "أذكر أني في ذلك العدد نفسه من مجلة "الشهاب" وفي باب "روضة الأدب"
قرأت له أول ما قرأت شعراً ربانياً عذباً رقراقاً لم يكن لنا به
عهد في ذلك الوقت، تحت عنوان "خماسيات الأميري" وفيها مناجاة لله تعالى كأنما تسمع
فيها رفيف أجنحة الملائكة، وكأنما هي ترتيلة، أو صلاة مجسدة في شعر مؤمن، أو إيمان
شاعر".
وعن قصيدته (أب) قال:
" لقد هزتني هذه القصيدة الفريدة؛ لما احتوته من قوة التصوير، وروعة التعبير عن
مشاعر الأبوة الحانية، وعواطف الطفولة اللاهية، ودقائق الخلجات النفسية التي قد
تراها متناقضة الظاهر، منسجمة الباطن، وما فيها من صور حية رسمها الحرف الناطق،
والحس الصادق، والشعر الرائق، المعبر بسلاسة منقطعة النظير عن أعمق أعماق المشاعر،
وأحنى حنايا العواطف، في لغة جزلة، وجمل عذبة، وعبارات رشيقة، وأسلوب أخاذ، متدفق
كالعذب الزلال، والسحر الحلال".
ويقول ابنه البكر الأستاذ أحمد البراء الأميري في قصيدة له بعنوان يقين:
أنا لا أصدق أنه رحلا هو ذا يشيرُ إليَّ مشتملا
أنواره في الدار مشعلة والباب مفتوح وما قفلا
وكتابه فوق السرير جثا و(الرادُ) يرسل لحنه زجلا
أوراقه ظمأى لقافية فيها الحروف ترنحت ثَمَلا
وعرائس الشعر التي جليت أسرابها قد أطرقت خجلا
تلك القصيدة تم مقصدها هذي القصيدة نصفُها اكتملا
)ألوان
طيف) الحب حائرة همس (النجاوى) بالحبيب علا
وقد توفي رحمه الله في الرياض، وأمر الملك بنقل جثمانه الطاهر ليدفن في المدينة
المنورة ببقيع الغرقد بطائرة خاصة، يرافقه نحو مائة منهم أولاده، وصلى عليه العلامة
عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله صلاة الجنازة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولعل في هذا المقدار كفاية، ولعله تعالى يقدر أن أتناول شعره في قراءة تالية؛ إن
كان في العمر بقية!