حسن البنا مؤسس الإخوان.. هل كان يهوديا؟

يُحكى أن مُفتي مصر السابق (علي جمعة) سيد النوادر والطرائف على زماننا، قد اتّهم الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بالتنسيق مع زعيم النازية "هتلر" لإنشاء جماعة الإخوان المسلمين.

وفي سابقة أخرى لأعداء الإخوان في مصر، اتهموا حسن البنا بأنه عميل إنجليزي، فهل كان عميلا مزدوجا للعدوّين اللدودين (الإنجليز والألمان)؟

يا له من رجل خارق..!!

وتُضاف تهمة أخرى لها جذورها القديمة، ويرعاها الانقلابيون في هذه الآونة ويروّجون لها، وهي اتّهام حسن البنا بأنه ذو جذور يهودية.

*ففي العدد الماضي الصادر عن مجلة الأزهر، نشرت ما يتضمن تشكيكا في أصول حسن البنا، والزعم بأنه من أصول يهودية، فنقلت المجلة تحت عنوان "قالوا عن الإخوان"، كلاما قديما للأديب عباس العقاد في مقالة له على صحيفة الأساس، يقول فيها أن حسن البنا يهودي الأصل من يهود المغرب، معتمدا إلى استنتاجاته الشخصية ومجموعة من التخرّصات والربط المتعسف بين ظروف نشأة البنا وبين القول بيهوديته.

*ابتداء أقول، مع افتراض صحة هذه الدعوى بأن حسن البنا جذوره يهودية، فليس هذا مما يعاب على المُصلح أو الداعية أو السياسي، فطالما كان الرجل مسلما صالحا فلا تعيبه الجذور، غير أنني آثرتُ الحديث عن هذه التهمة لأن القائمين عليها والراعين لها، ينشدون من خلال ذلك التشكيك بوطنية الإخوان، ولأنها تنسجم مع التّهم التي يحاكم بها الرئيس محمد مرسي وبعض إخوانه من التخابر مع جهات أجنبية.

حول مقالة العقاد:

دعك من كون العقاد وفْديا حتى النخاع (من أتباع حزب الوفد) وهو ما يعني الدخول مع الإخوان في تنافس أو صراع حزبي، وهو ما ظهر خلال قراءاتي المُطوّلة في تاريخ الإخوان السياسي بمصر.

 فلنتجاوز هذه النقطة، ونُركّز على حيثيات هذا الاتهام لدى العقاد.

*يقول في مقالته التي نشرت عام 1949عن البنا: "إن أحدا في مصر لا يعرف من هو جده على التحديد؟ وكل ما يقال عنه إنه من المغرب وأن والده كان "ساعاتي"، والمعروف أن اليهود في المغرب كثيرون، وأن صناعة الساعات من صناعتهم المألوفة، وأننا هنا في مصر لا نكاد نعرف "ساعاتي" كان يعمل بهذه الصناعة قبل جيل واحد من غير اليهود".

هذه المقالة نشرتها أيضا مجلة روز اليوسف الموجهة استخباراتيا، رغم أن المجلة نفسها نشرت بعدها بعامين أي سنة 1951م - عندما ألغى النحاس باشا المعاهدة مع الإنجليز – مقالا للكاتب إحسان عبد القدوس يستنهضُ الإخوان لقتال الإنجليز بقوله: "فيوم يتحرك الإخوان المسلمون ويعرفون كيف يتحركون وإلى أين، فقد اكتملت لمصر قواها الشعبية وضمنت لأيام الجهاد الاستمرار".

إذن فالعقاد يقول بالجذور اليهودية للبنا معتمدا على ما يلي:

إن أصله مغربي، واليهود كثر في المغرب...

أن والده ساعاتي وهي كانت المهنة السائدة لليهود..

فأقول لكل ذي بصر: هل هذه المعطيات تمثل أساسا علميا وموضوعيا لكي يبني عليه الكاتب الكبير حُكمه؟

لو قلنا أن أصله كان مغربيا، فهل يعني ذلك أن المغرب لم يسكنها غير اليهود؟ أليست دولة مسلمة والمسلمون هم الأغلبية فيها؟

فلمَ وضع الكاتب حتمية أن يكون البنّا يهوديا لأنه من المغرب؟

وهل كون والده يعمل "ساعاتي" أو أي مهنة يحترفها اليهود، يلزم منه القول بأنه على دينهم؟ وهل قام العقاد بحصر وفرز جميع الأحياء في كل قرية ومدينة مصرية ليعرف أن مهنة الساعاتي لا يقوم بها سوى اليهود؟

*التعسف في الربط واضح وظاهر، وهي تخالف ما كان عليه الأديب الكبير من الدقة في التناول والموضوعية في النقد، واتّباع الأسس العلمية.

ويلاحظ الاضطراب في كلام العقاد نفسه بما يفيد عدم اليقين، في قوله: "لا نكاد نعرف "ساعاتي" كان يعمل بهذه الصناعة قبل جيل واحد من غير اليهود"، ومن المعروف أن عدم العلم بالوجود لا يعني العدم.

وآخرون على الدرب:

ولئن كان كلام العقاد عن جذور البنا، إلا أن غيره بنى على وجهة النظر هذه الكثير من الافتراءات، فزعموا أن البنا يهودي بدوره، واستدلّوا بخطبة للشيخ تحدّث فيها عن أفضلية بني إسرائيل في زمانهم، مُعتبرين أن هذه الإشادة بجنس اليهود دليل على يهودية حسن البنا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

بل من العجيب أو قُل من المضحك، أن أحد المُحامين رفع دعوى عام 2013م لحلّ جماعة الإخوان، ذكر في الدعوى أن حسن البنا قد حرّف القرآن حيث قال في كتاب له "الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير"، فاتّهم البنّا بتحريف الآية في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]، وأن البنا قد حرف هذه الآية.

ولم يعلم الجاهل أن ما ذكره البنّا هو حديث نبوي صحيح قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير).

تساؤلات:

هل يكون حسن البنا يهوديا وقد أرسل كتائبه يقاتلون اليهود في فلسطين عام 1948؟ والمراجع التاريخية خير شاهد على تضحيات الإخوان في تلك الحرب، ولولا التآمر البريطاني الأمريكي بمساعدة الحكومة المصرية لغير الإخوان مجرى الحرب.

*إذا كان حسن البنا يهوديا فكيف يقاتل رجاله الاحتلال البريطاني في مصر، وكما هو معلوم الإنجليز هم من منحوا اليهود وطنا في فلسطين؟

أليس هو حسن البنا الذي اغتيل على يد الحكومة العميلة بأمر من الإنجليز؟

لماذا لم تُروّج هذه الدعاوى بهذا الشكل قبل الانقلاب العسكري في يوليو 2013 ؟

ولماذا لم يُروّج اليهود لهذه التهمة رغم خوفهم السابق من حكم الإخوان، بل كادوا يطيرون فرحا من سقوط حُكمهم، واعتبروا من أسقط نظام الإخوان بطلا قوميا؟

ولماذا تولى الأزهر عبر مجلته الرسمية كِبَر هذا الأمر بعد استقالة الدكتور محمد عمارة الذي كان يتولى رئاسة تحريرها، وهو الذي كان يقول الحق في شأن الإخوان؟

لماذا أثيرت هذه التهمة في الوقت الذي تثار فيه أقاويل بأن والدة السيسي يهودية من المغرب؟

هذه التساؤلات طرحتها لكي ترسم الإجابة عليها في ذهن كل قارئ، منطلقات للتفكير في أمر هذه التهمة دون انتظار تفنيدها.

وأخيرا:

نأسف لأن الأزهر الشريف منارة العلم، قد أصبح مُسيّسا لدرجة أنه أصبح بُوقا لنظام دموي فاشي، يروج لسياساته، وينأى عن أداء دوره المنوط به، وأصبح الجهة الدينية التي تُشرعن ظلم النظام وجرائمه ضدّ الشعب المصري.

*لكن جماعة الإخوان، رغم كل أخطائها، وأكرر: رغم كل أخطائها، فهي نعم قد أخطأت في كثير، لكن نضالها وعطاءها في تقديري يطغى على تلك السلبيات، أقول أن هذه الجماعة سوف تبقى شوكة في حلقوم الطغاة، وليست هي المحنة الأولى التي تتعرض لها، وأرى أنها سوف تعود من جديد بعد الإمعان في النقد الذاتي، وفقه متطلبات المرحلة، وجمع الشتات واستكمال النقص، وإدراك أن التمكين لا يمكن أن يقوم به فصيل واحد، وإن غدا لناظره قريب.

وسوم: العدد 630