حسن محمد أيوب : صوت الحق الهادر
إن التعريف بهذا الرجل العظيم , يعجز عنه هذا القلم الضعيف، فقد تكفل بذلك عشرات من الكتاب الذين تناولوه حياة ... وإنتاجاً ... وجهداً ... وجهاداً... و تأثراً ... وتأثيراً .
ولكنها خواطر أسجلها تلقائياً , وعفوياً عن الرجل الذى يعتبر رائد النهضة الإسلامية في الكويت ـ . وأعتقد أن مفتاح شخصيته مبلور في وصفه " بالعالم الموسوعي العملاق ", فقد كان بحق عملاقاً شكلاً وموضوعاً : عملاقاً فائقاً في علمه, و فكره, وعقيدته, وأدائه . كان يحضر له في دروسه بمسجد العثمان في الكويت, وكان يسمع الحضور كلاماً جديداً مفيداً, يؤدى بحنجرة قوية تأخذ بمجامع القلوب, وتشد الأنظار, وكان حريصاً على أن يكون لكلامه وتوجيهاته تأثيرها العملي والسلوكي في نفوس السامعين, وخصوصاً الشباب إنه عالم من علماء الأزهر الشريف .
المولد والنشأة:
وهو من قرية ( فيشا الكبرى ) التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية من أعمال جمهورية مصر العربية .
نشأ في أسرة ريفية طيبة وكان محباً للعلم منذ صغره وظهرت عليه أمارات ذلك فحفظ القرآن الكريم كاملاً وجوده بالقرية والتحق بالأزهر الشريف وظل يواصل الدراسة فيه حتى تخرج من كلية أصول الدين عام 1949م .
انخرط الشيخ حسن محمد أيوب في كبرى الحركات الإسلامية في مصر ، وتتلمذ على الإمام الشهيد حسن البنا، ودخل السجن في عهد حكومة إبراهيم عبد الهادي ، وكان يوم استشهاد حسن البنا 1949م في سجن الهاكستيب، وعذب عذاباً شديداً ، وثبت ثبات الأبطال ، ونقل لنا الدكتور أحمد الشرباصي في كتابه ( مذكرات واعظ أسير ) صوراً لتلك البطولات النادرة لشباب الإخوان في سجون الملك فاروق.
الهجرة إلى الخليج :
عمل فضيلته بعد ذلك بدولة الكويت واعظاً ، وخبيراً ، ومؤلفاً .
ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية ، فعمل أستاذاً للثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز ، ثم أستاذاً بمعهد إعداد الدعاة بمكة المكرمة .
وهو صاحب أسلوب متميز يجمع بين الفصاحة والعذوبة في آن واحد ويحمل بين طياته أصالة الفقيه وحرارة الداعية والمفكر , وكان حريصاً على إظهار الإسلام في ثوبه القشيب والتركيز على جمال وكمال هذا الدين يقول فضيلته : ( وقد وجدت استجابة الناس للكلمة إذا كانت معبرة عن الجمال والكمال وخرجت من الداعية في صورة جميلة وكان الغرض منها إلباس الحياة ثوب الجمال والكمال وإشعار المستمع بأنه في أمس الحاجة إلى فضل الله تعالى وكمال الدين وجماله وإفهامه بأن الدين الذي أهمله فيه السعادة التي ينشدها والعزة التي يطلبها والاستقرار الذي يضحي في سبيله والأمن الذي يسعى لتوفيره لنفسه ولأولاده .
وقال : ( وأن دين الله لو قدم للناس في ثوبه الجميل وفي شموله وعمقه وفي جماله وجلاله وكماله لكان الحال غير الحال ) .
وللشيخ تاريخه الحافل بالجهاد والدعوة والإسهام العظيم والمتميز على المستويات المختلفة فقد زار فضيلته دولاً عديدة عربية وغير عربية وحضر مؤتمرات وندوات كثيرة يقول : ( فقد شرفني الله تعالى بالدعوة إلى دينه وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فترة طويلة تمتد من بلوغي السابعة عشرة إلى أن جاوزت السبعين عاماً وقد قمت بتجارب عديدة في وسائل الدعوة وكنت دائماً حريصاً على أن تجد الكلمة الدينية طريقها إلى قلوب المستمعين لا إلى آذانهم فقط ) .
مؤلفاته وإسهاماته :
وتتجلى إسهامات الشيخ في مكتبته الصوتية تلك التي بلغت أكثر من ألف شريط كاسيت وفيديو كذلك ضمنها الشيخ الإسلام كله بكلياته وفروعه على شكل سلاسل صوتية رائعة .
كذلك فقد أسهم الشيخ بنصيب وافر في مجال الكتابة فألف مجموعة من الكتب تعتبر نسيج وحدها في أسلوبها وموضوعاتها ومن هذه الكتب :
1- فقه العبادات .
2- السلوك الاجتماعي في الإسلام .
3- تبسيط العقائد الإسلامية .
4- الجهاد والفدائية في الإسلام .
5- رحلة الخلود .
6- رسائل صغيرة في موضوعات مختلفة كالصلاة والحج ...
7- الموسوعة الإسلامية الميسرة .
وفاته :
يرحمه الله ... فقد لاقى ربه يوم 16 من يوليو سنة 2008 , فترك فراغاً أعتقد أنه لن يُـشغل قبل عشرات من السنين القادمات، وقد غطى الإعلام وقائع الجنازة وشارك فيها د. جمال عبد الهادي.
قالوا عن الشيخ حسن أيوب :
قال عنه د. جابر قميحة : (( وقف مرة في المسجد وقال: إن تحقيق المحبة و التعاون بين المسلمين واجب ملزم, لذلك آمل أن يأخذ كل خمسة منكم بأيدي بعضهم, و يتعارفوا, ليكونوا جماعة صغيرة, يجتمعون كل أسبوع على كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وسيرة السلف الصالح, بحفظ جزء من كل أولئك أسبوعياً, و مذاكرته .
و بذلك نجح الشيخ دعوياً في تكوين نظام " الأسر , دون أن يتهمه أحد بأنه يروج للمبادئ الإخوانية .
وكان واسع الأفق ,يطرح فكره بأسلوب سهل واضح , جلسنا معه ذات يوم و تحدثنا عن الظلم والظالمين والدكتاتورية التي تحكم بلادنا , فابتسم وقال : لا تبحثوا عن الظالم , ولكن ابحثوا عن شخصية المظلوم , فقد حسم القرآن هذه القضية في كلمات قلائل, إذ جعل جريمة المظلوم الراضخ كجريمة الظالم الديكتاتور وذلك في قوله تعالى "إن ألذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا " النساء 97
و نحن نعلم أن الشيخ في حياته قد أخذ نفسه بهذه الآية , فهاجر إلى الكويت , وإلى السعودية , وجعل الدعوة إلى الله هي همه الأول والأخير .
وتحدثنا ذات يوم عما يتهمنا به العلمانيون من أننا رجعيون ... سلفيون ...وهابيون , قال الشيخ: نعم, هذه حقيقة, فهم ــ في الظاهرــ لم يكذبوا : فنحن رجعيون سلفيون...مرجعيتنا أزهى العصور, وأرقى المبادئ والقيم . وهم كذلك رجعيون سلفيون مرجعيتهم ماركس ولينين وفلاسفة الإلحاد . ونحن وهابيون أي ربانيون ... ندعو، ونعمل لله الواحد القادر الوهاب .
وكان مهيباً, يعتز بدينه, و بنفسه: بعد خطبة نارية في مسجد العثمان, استدعاه وزير الأوقاف ــ كما أخبرني الشيخ الجليل, وطلب منه أن يعرض عليه خطبة الجمعة مكتوبة قبل إلقائها " وهو دائماً كان يلقي خطبه ارتجالاً ", فرفض في إباء وشمم, وقال له: والله ما فعلتها طالباً, أ فأفعلها بعد تخرجي من الأزهر ؟ !!
و قد بارك الله له في إنتاجه فألف عشرات من الكتب , وله آلاف من أشرطة الكاسيت , يتسابق الناس على اقتنائها . فكان مكثرا من الكتب والأحاديث, و يرجع ذلك إلي أنه كان يحترم وقته, وقد أخبرني بعض الإخوة أنه كان يعلق على باب مسكنه لافتة كتب عليها : تشريف الإخوة لي بالزيارة محدد بيومي الخميس و الجمعة بعد صلاة العشاء, أي أنه كان يقسم وقته بين الدعوة إلي الله , والقراءة و الكتابة, وزيارات الإخوة والأصدقاء .
وصدق الأستاذ الباحث وصفي عاشور أبو زيد إذ كتب في بحثه القيم عن الشيخ: " مكث في الكويت عدداً من السنين, فأسس فيها العمل الخيري و الدعوي أيضاً, ويكفيه أن نعرف أن لجنة زكاة العثمان بالكويت ــ و هي من أشهر لجان الزكاة في العالم العربي ــ من عمل يده . وأن الشيخ أحمد القطان الداعية الكويتي المعروف من بركات هذا الشيخ, وكذلك تتلمذ على يديه المجاهد الأستاذ خالد مشعل، والأستاذ محمد نزال, وغيرهما من قادة حماس احتضنهم في الكويت بعلمه وخلقه... مع ملاحظة أنه كان معجباً بالشهيد سيد قطب وتعليقاته علي الآيات القرآنية, وكان يلح علي الله تعالى باكياً ضارعاً أن يكون مثله, وعلى دربه .
رحمك الله أيها العالم الداعية العملاق .
مصادر الترجمة :
1- شرح سبل السلام ، قرص حاسوب – انتاج شركة rdi .
2-الشيخ حسن أيوب الذي عشته -أ.د / جابر قميحة .
وسوم: العدد 632