خالد هريسة : من شهداء انتفاضة الثمانين

يحيى بشير حاج يحيى

تنتفض حمص اليوم و في ذاكرتها مخزون من البطولات ،و رصيد ضخم من المواجهات ...

و لئن كانت قد خمدت إلى حين ، إلا أنها كانت كالجمرالمتقد ، و كالبركان المرتقب ، و على الرغم من مرور عقود ثلاثفإنها لم تنطفئ و ظلت مشاعل انتفاضة الثمانين تخبو حيناًو تلتهب حيناً حتى أتى أمر الله فهبت سورية كلها تردد ربنااغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، الذين مهدواطريق الشهادة و العزة بدمائهم على الرغم من قلة العدديومذاك ، و فقد النصير ..

في المدينة التي أعزتها سيوف الإسلام ، فنسبت إلى بطلمن أبطاله . و في المدينة التي ترعرع فوق ربوعها القائدالدكتور مصطفى السباعي فكان واحداً من رواد الدعوةوالإصلاح على أرض الشام ، ولد الشهيد خالد هريسة (أبوصهيب) عام 1953 في حمص في أسرة مؤمنة ،  ليجدنفسه منذ نعومة أظافره يتردد إلى المسجد ، و قد ملك عليهفؤاده ، و شعر بأن هناك ما يجذبه إليه حتى في غير أوقاتالصلوات الخمس - و كلما كبر عاماً توضحت معالمشخصيته ، حتى نال الشهادة الثانوية و انتسب إلى معهدالنفط و قد فاق أقرانه بحسن الخلق ، و نجح بتفوق واضحعليهم .

و يكون العمل و كسب العيش في مصفاة حمص ، إلى أندعي لأداء الخدمة الإلزامية ، و رأى بعينيه المآسي التيتجري في جيش سورية الأبي ، و طالما حزّ في نفسه أن يرىالعناصر التي سميت (( بالردع )) تنهب متاجر بيروت ، وتسرق ما تبقى للشعب الجريح من حوائج لم تطلها ألسنةاللهب .

و يكون شاهد حق على لصوصية النظام المهترئ في((المصفاة )) بحمص و في أسواق بيروت.

و يزداد يقيناً أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بهأولها .

 و يمضي في طريق الجهاد جنديا جريئاً ، و مجاهداًمخلصاً ، و شاهداً على فساد السلطة.

فانتفض مع ثلة من شباب حمص ، الذين واجهوا النظامبما يملكون .

و شاء الله أن تكون الصلاة في المسجد ، و رؤية المسلمينمجتمعين على طاعة الله آخر عهده بالدنيا .

و يحيط المجرمون بالمسجد من كل جانب ، و يحس البطلأنهم سيغتنمونها فرصة لترويع الآمنين ، و قتل المصلين ، كمافعلوا في أكثر من مدينة ، فيقف بين يدي الناس و يصيحقائلاً  ( ويلتفت الناس فإذا شاب طويل القامة ، عريضالمنكبين ، عيناه تمسحان المسجد من أوله إلى آخره ) : أيهاالناس ، أرجو أن لا يخرج أحد منكم من المسجد لأن كلابالسلطة قد جاؤوا في طلبي فأنا سأخرج قبلكم .

فانطلقت أصوات التهليل و التكبير ، و كل واحد مهم يودلو يفديه بنفسه . و اندفع إلى خارج المسجد و لسان حالهيقول : و الله لن تدنسوا بأقدامكم القذرة ، و أجسادكمالخاطئة رحاب هذا المسجد الطهور ، و لن أترككم تريقون دممسلم واحد و لو كلفني ذلك حياتي .

و صاح صائحهم : قف ، و واجههم شهيدنا بما يملك،يعطيهم درساً جديداً في البطولة ، ليختاره الله شهيداً ،ولتكون ملائكة المسجد و الجمعة شهوداً و أي شهود ! في1981/1/8

و اخترقت رصاصات الغدر الصدر الطهور ، و راحتتسكب غيظها في جسده الممزق ، و سقط البطل ، فالتفتوا وكل واحد منهم يشير إلى صاحبه ، و لكن أحدهم صاح بأحدالمصلين ، و قد شهر عليه السلاح :

- تقدم .. تقدم ، و هات سلاحه و إلا ..

و يتقدم الرجل إلى بركة من دم .

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :

(( و الذي نفسي بيده . لا يُكلَـمُ أحدٌ في سبيل الله - والله أعلم من يُكْلَم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة : اللون لونالدم ، و الريح ريحُ المسك )).

وسوم: 638