عاصم بن أبي النجود ونظراتٌ في علل حديثه
المبحث الأول: حياته [2]:
اسمه ونسبه وكنيته:
هو عاصم بن أبي النَّجود، واسم أبي النجود: بهدلة، وقيل: بهدلة اسم أمه، وليس بصحيح. مولى لبني جذيمة بن مالك.
وكنيته: أبو بكر.
ولادته:
لم تذكر كتبُ الرجال والطبقات والتواريخ السنة التي ولد فيها عاصم بن أبي النجود، وذكرتُ بعض المصادر أنه ولد في خلافة معاوية رضي الله عنه، وقد كانت خلافته من سنة 41 إلى سنة 60.
وقد أدرك عدداً من الصحابة، إلا أنه لم ير أحداً منهم، ومع ذلك عدّه الذهبي وابن الجزري من صغار التابعين. وقال الذهبي: روى عن الحارث بن حسان البكري، ورفاعة بن يثرب رضي الله عنهما، وقال المزي: والصحيح عن عاصم عن أبي وائل عن الحارث بن حسان.
نشأته وأخلاقه:
نشأ في الكوفة، وطلب العلم مبكراً، قال حماد بن زيد بن عاصم: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ونحن غلمة أيفاع.
وتصدَّر عاصم للإقراء مبكراً بعد وفاة أبي عبد الرحمن السلمي.
وهو من أقران الأعمش، وقرأ الأعمش عليه.
قال عنه أحمد بن حنبل: كان رجلاً صالحاً قارئاً للقرآن.
وقال سلمة بن عاصم: كان عاصم بن أبي النجود ذا أدب ونسك وفصاحة وحسن صوت.
وقد نشأ أعمى، وجاء رجلٌ يقوده فوقع وقعة شديدة، فما كرهه ولا قال له شيئاً.
شيوخه:
يبلغ تعداد شيوخه ثلاثين شيخاً؛ منهم الأسود بن هلال، وحبيب بن أبي جبيرة، وحُميد الطويل، وخيثمة بن عبد الرحمن، وذكوان السمان، وزر بن حُبيش (ت: 81هـ)، وزياد بن قيس، وسواء الخزاعي، وشقيق بن سلمة أبو وائل (ت: 82هـ)، وشمر بن عطية، وشهر بن حوشب، وصفوان بن محرز، والشعبي، وعبد الله بن حبيب السلمي، وعكرمة البربري، ومحمد بن سيرين، ومسعود بن مالك، ومسلم بن صبيح، ومصعب بن سعد بن أبي وقاص، وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري..
تلاميذه:
لم يترك الرواية عن عاصم أحد، فلقد روى عنه العلماء الأجلاء والثقات، ومَنْ به لين، والضعفاء والمجاهيل، وقد تجاوز عددهم السبعين. أذكر منهم:
أبان بن يزيد العطار: قال علي بن المديني: كان ثقة عندنا.
إبراهيم بن طهمان: قال أحمد بن حنبل: ثقة.
إدريس بن يزيد الأودي: عن يحيى بن معين قال: ثقة.
إسرائيل بن يونس: قال الذهبي: إسرائيل اعتمده البخاري ومسلم في الأصول، وهو في الثبت كالأسطوانة، ولا يلتفت إلى تضعيف مَنْ ضعفه.
أيوب بن جابر: قال ابن حبان: يخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به لكثرة وهمه.
جابر الجعفي: مختلف فيه بين الصدق والورع، والكذب والزيغ.
الحارث بن نبهان الجرمي: قال البخاري: منكر الحديث.
حبيب بن حسان: قال البخاري: منكر الحديث.
حماد بن زيد: قال أحمد: حماد بن زيد من أئمة المسلمين من أهل الدين والإسلام، وهو أحب إليّ من حماد بن سلمة.
الربيع بن بدر: قال أبو حاتم: لا يشتغل به ولا بروايته، فإنه ضعيف الحديث ذاهب الحديث.
سعيد بن أبي عروبة.
سفيان بن عيينة.
سفيان الثوري.
شريك بن عبد الله: عن أبي زرعة قال: كان كثير الخطأ صاحب وهم، وهو يغلط أحياناً.
شعبة بن الحجاج.
أقوال العلماء في الجرح والتعديل فيه:
اختلفت أقوال علماء الجرح والتعديل فيه على الوجه الآتي:
قال أحمد بن حنبل: كان رجلاً صالحاً خيراً ثقة.
وقال ابن سعد: ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه.
وقال يحيى القطان: سمعت شعبة يقول: حدثنا عاصم بن أبي النجود، وفي النفس ما فيها.
قال القطان: ما وجدت رجلاً اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ.
وقال ابن عُلية: كل من اسمه عاصم رديء الحفظ [3].
وقال الدارقطني: في حفظ عاصم شيء.
وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال أبو زرعة: ثقة، ولما قيل لأبي حاتم ما قاله أبو زرعة قال أبو حاتم: محله عندي محل الصدق، صالح الحديث، ليس محله أن يقال ثقة، ولم يكن بذاك الحافظ.
قال النسائي: ليس بحافظ، ليس به بأس.
وقال العقيلي: لم يكن فيه إلا من سوء الحفظ.
وقال ابن خراش: في حديثه نكرة.
وقال العجلي: كان عثمانياً، وكان ثقة الحديث، وكان يختلف عليه في حديث زر وأبي وائل.
وقال يحيى بن معين: عاصم ليس بالقوي.
وذكره ابن رجب في شرح العلل في المضطربين.
وقال أبو بكر البزار: لم يكن بالحافظ. ولا نعلم أحداً ترك حديثه على ذلك، وهو مشهور.
وفاته:
اختلف العلماء في تحديد وفاة عاصم على أقوال تفاوتت من سنة 120هـ إلى قريب سنة 130هـ. والذي عليه الأكثر أنه توفي سنة 127 بالكونة.
المبحث الثاني: علله:
في حديث عاصم بن أبي النجود ثلاثة أنواع من العلل هي:
1- اختلاف حديثه عن زر وأبي وائل.
2- روايته عن الضعفاء والمجاهيل.
3- إرساله.
أولاً: اختلاف حديثه عن زر بن حبيش وأبي وائل:
تقدَّم معنا قول العجلي: عاصم ثقة في الحديث، ولكن يختلف عليه في حديث زر وأبي وائل. وقال المزي: وكان يختلف عليه في حديث زر وأبي وائل، وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب، وعن حماد بن سلمة: كان عاصم يحدثنا بالحديث الغداة عن زر، وبالعشي عن أبي وائل.
ومن الأمثلة على ذلك:
1- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلكم ستدركون أقواماً يصلون الصلاة لغير وقتها، فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم في الوقت الذي تعرفون، ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة".
أخرجه النسائي في كتاب الصلاة: باب الصلاة مع أئمة الجور (2 / 75).
وابن ماجه (1 / 498)، برقم (1255).
وآخرون من طريق عاصم عن زر.
وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير (9 / 345)، برقم (9495)، عن عاصم عن شقيق (هو أبو وائل)، واللفظ واحد.
2- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ست مئة جناح؛ كل جناح قد سد الأفق، يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم.
أخرجه أحمد بن حنبل في المسند (1/ 395)، والطبراني في الكبير (10/ 235)، برقم (10423)، وأبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان (2/ 339)، والطبراني في التفسير (27/ 29) من طريق عاصم عن أبي وائل.
وأخرجه البخاري ومسلم عن زر من غير طريق عاصم.
قال البخاري: حدثنا أبو النعمان، حدثنا عبد الواحد، حدثنا الشيباني قال: سمعت زراً عن عبد الله: ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾؛ قال: حدثنا ابن مسعود أنه رأى جبريل له ست مئة جناح.
وكذلك عند مسلم؛ انظر فتح الباري (8/ 495)، وشرح النووي على مسلم (3/ 423).
وللحديث طرق أخرى.
3- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أيضاً قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب؛ أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
أخرجه البخاري في الرقاق (8/ 148)، ومسلم في الفضائل (4/ 43) من طريق الأعمش عن أبي وائل، وعلقه البخاري من طريق عاصم عن أبي وائل. انظر الفتح (11/ 463). وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (4/ 398) من طريق عاصم عن زر.
ثانياً: روايته عن الضعفاء والمجاهيل:
ومن الأمثلة على ذلك:
1- حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المغنيات، وعن شرائهن، وعن كسبهن، وعن أكل أثمانهن.
أخرجه ابن ماجه في السنن (2/ 733)، برقم (2168) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، ثنا هاشم بن القاسم، ثنا أبو جعفر الرازي، عن عاصم، عن أبي المهلب، عن عبيد الله الإفريقي، عن أبي أمامة...
وأبو المهلب هو مطرح بن يزيد، ضعيف، فالحديث ضعيف.
قال عنه ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، ضعيف الحديث، وقال النسائي: ضعيف، وقال مرة: ليس بشيء، وقال ابن عدي: والضعف على حديثه بين، وقال البخاري: منكر الحديث.
ثالثاً: إرساله:
ومن الأمثلة على ذلك:
1- حديث الحارث بن حسان رضي الله عنه قال:
مررت بعجوز بالربذة منقطع بها من بني تميم قال: فقالت: أين تريدون؟ قال: فقلت: نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: فاحملوني معكم، فإن لي إليه حاجة.
قال: فدخلت المسجد فإذا هو غاص بالناس، وإذا راية سوداء تخفق، فقلت: ما شأن الناس اليوم؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهاً، قال: فقلت: يا رسول الله؛ إن رأيت أن تجعل الدهناء حجازاً بيننا وبين بني تميم فافعلْ، فإنها كانت لنا مرة، قال: فاستوفزت العجوز وأخذتها الحمية، فقالت: يا رسول الله؛ أين تضطر مضرك؟ قلت: يا رسول الله؛ حملت هذه ولا أشعر أنها كائنة لي خصماً. قال: قلت: أعوذ بالله أن أكون كما قال الأول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما قال الأول؟ قال: على الخبير بها سقطت.
يقول سلام: هذا أحمق يقول لرسول الله: على الخبير سقطت.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هيه - يستطعمه الحديث - قال: إن عاداً أرسلوا وافدهم قيلاً، فنزل على معاوية بن بكر شهراً يسقيه الخمر، وتغنيه الجرادتان، فانطلق حتى أتى على جبال مهرة، فقال: اللهم إني لم آت لأسير فأفديه، ولا لمريض فأداويه، فاسق عبدك ما كنت ساقيه، واسق معاوية بن بكر شهراً - يشكر الخمر التي شربها عنده - فمرت سحابات سور، فنودي أن خذها رماداً رمدداً، لا تذر من عاد أحداً.
قال أبو وائل: فبلغني أنَّ ما أرسل عليهم من الريح كقدر ما يجري في الخاتم.
أخرجه الإمام أحمد (3/ 481) من طريق عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن حسان.
وأخرجه الترمذي عن عاصم، عن أبي وائل، عن رجل من ربيعة، ومن طريق آخر عن الحارث. انظر تحفة الأحوذي (9/ برقم: 3387 - 3328).
وأخرجه ابن ماجه باختصار في السند وفي المتن عن عاصم، عن الحارث. انظر السنن (2/ 941)، برقم (2816).
وهذا إسناد منقطع؛ لأن عاصماً لم يلق الحارث.
2- حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:
كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير، فقلت: يا نبي الله؛ أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار. قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على مَنْ يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾، حتى بلغ ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ فقلت: بلى يا رسول الله. قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فقلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه فقال: كُفَّ عليك هذا. فقلت: يا رسول الله، وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم في النار - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم.
أخرجه الترمذي في الإيمان قال: حدثنا ابن أبي عمر، أخبرنا عبد الله بن معاذ الصنعاني، عن معمر، عن عاصم، عن أبي وائل، عن معاذ. وكذلك ابن ماجه (2/ 1314).
قال الترمذي: هنا حديث حسن صحيح. انظر تحفة الأحوذي (7/ 362)، برقم (2749).
قلت: ولكن في إسناده علة؛ لأن أبا وائل أدرك معاذاً ولم يلقه.
وقد رد ابن رجب على الترمذي هذا الحكم من وجهين:
الأول: أنه لم يثبت سماع أبي وائل من معاذ.
والثاني: أنه رواه حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النجود، عن شهر بن حوشب، عن معاذ، أخرجه الإمام أحمد مختصراً (المسند: 2/ 232).
قال الدارقطني: وهو أشبه بالصواب؛ لأن الحديث معروف من رواية شهر على اختلاف عليه فيه. انظر جامع العلوم والحكم صـ 195 - 196.
تذييل في علل عاصم من الأبواب:
قلت: إن اختلاف حديث عاصم عن زر وأبي وائل راجع إلى ضعف حفظه، ويمكن إضافة هذا المثال للتدليل على ذلك أيضاً:
قال الإمام الترمذي في العلل الكبير (1/ 92 - 93):
"الرخصة في البول قائماً:
حدثنا محمود بن غيلان، نا أبو داود، نا شعبة، عن عاصم بن بهدلة قال:
سمعت أبا وائل، عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً.
قال شعبة: فلقيت منصوراً فسألته، فحدثني عن أبي وائل، عن حذيفة.
قال أبو عيسى:
وروى حماد بن أبي سليمان، عن أبي وائل، عن المغيرة بن شعبة مثل رواية عاصم.
والصحيح ما روى منصور والأعمش".
قلت: والحديث عن المغيرة رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة: باب ما جاء في البول قائماً (1/ 111).
ورواية منصور والأعمش في البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي والبيهقي وابن خزيمة.
قال المحقق الأستاذ حمزة ديب مصطفى (1/ 93): "لا يمنع أن يكون لأبي وائل إسنادان عن المغيرة وعن حذيفة.
وقول عاصم عن الأعمش في روايته عن حذيفة: "ما حفظه" فيها نوع من الدلالة على تأكد عاصم من روايته للحديث.
وإن كانت رواية الأعمش أصح فلا يسلم لعاصم قوله عن الأعمش: ما حفظه.
قال ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 100): يحتمل أن يكون لشقيق في هذا الحديث إسنادان، ولهذا أخرج ابن خزيمة في صحيحه رواية حماد، ولم يبال بالاختلاف.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (1/ 71): الظاهر أن الروايتين صحيحتان، وكذا قال الحافظ في الفتح (1/ 329).
وقد رجح الأئمة حديث منصور والأعمش؛ لأنهما أوثق وأثبت من حماد وعاصم، إذ إن في حفظ الاثنين مقالاً.
وقد تتبعتُ ألفاظ حديث رؤية جبريل المذكور آنفاً فكان لديّ ما يأتي:
• لفظ البخاري - يرويه الشيباني عن زر عن عبد الله -: ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ قال: حدثنا ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ست مئة جناح.
ويروي عاصم هذا الحديث عن أبي وائل بألفاظ متعددة:
• عند الطبراني: رأيت جبريل عليه السلام له ست مئة جناح.
• عند الأصبهاني: رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته عند السدرة وله ست مئة جناح؛ ما منها جناح إلا وقد سد الأفق، يتناثر من أجنحته من التهاويل من الدر والياقوت ما لا يعلمه أحد إلا الله.
• وعند الطبري في التفسير: حدثنا أبو هشام الرفاعي، وإبراهيم بن يعقوب قالا: ثنا زيد بن الحباب، أن الحسين بن واقد حدثه قال: حدثني عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت جبريل عند سدرة المنتهى له ست مئة جناح.
زاد الرفاعي في حديثه: فسألت عاصماً عن الأجنحة فلم يخبرني، فسألت أصحابي فقالوا: كل جناج ما بين المشرق والمغرب.
وكان الطبري قد ذكر من طريق سليمان الشيباني قال: ثنا زر بن حبيش قال: قال عبد الله في هذه الآية ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت جبرئيل له ست مئة جناح.
وذكر من طريق خالد الشيباني، عن زر عن ابن مسعود في قوله: ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾ قال: رأى جبرئيل له ست مئة جناح في صورته.
ويُلاحظ:
• أن عاصماً رواه عن أبي وائل، عن ابن مسعود موقوفاً ومرفوعاً، وكذلك رواه الآخرون عن زر موقوفاً ومرفوعاً.
• وقد انفرد أحمد - وقد سبق لفظه - وأبو نعيم الأصبهاني بلفظ متقارب أطول من سائر الروايات.
• نجد في رواية الرفاعي عند الطبراني أن عاصماً لم يخبره عن الأجنحة حين سأله، فهل معنى هذا أن ذكر الأجنحة من رواة آخرين، أم أن عاصماً اختلف عليه؟ أم أنه لم يجب السائل لعلة أخرى؟
وخلاصة القول:
أن من أجل الوقوف على مدى ضبط عاصم أو اضطرابه لا بُدَّ من تتبع حديثه كله، للخروج بنتيجة واضحة جازمة، ترجح قولا على قول مما جاء فيه، وهذه الرسالة "عاصم ابن أبي النجود: حديثه وعلله" لم أجد فيها ما يقطع الشك باليقين. فالدراسة ليست متعمقة، إذ أخذتْ معدة الرسالة أحاديث عاصم في "المسند" والكتب الستة فطال عليها الأمر.
وفي الختام: أضرع إلى الله أن يهدينا سواء السبيل، ويجنبنا الزلل، وينور قلوبنا لمعرفة الحق. وله الحمد سبحانه أولاً وآخراً، وصلاته وسلامه على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
[1] لخصتُ هذا البحث سنة 1411هـ-1991م من رسالة بعنوان "عاصم بن أبي النجود: حديثه وعلله" للباحثة خولة الخطيب، وهي رسالة أجيزت في كلية الشريعة، في الجامعة الأردنية. وزدتُ عليه أشياء.
[2] مصادر ترجمته:
• طبقات ابن سعد (ت: 230هـ): (1/ 320).
• العلل لأحمد (ت: 241هـ).
• التاريخ الكبير للبخاري (ت: 256هـ).
• الضعفاء له.
• الثقات للعجلي (ت: 261هـ): صـ 239.
• الكنى للدولابي (ت: 320هـ): (1/ 121).
• الضعفاء للعقيلي (ت: 322هـ): (3/ 336).
• الثقات لابن حبان (ت: 354هـ): (7/ 256).
• المجروحين له.
• تاريخ دمشق لابن عساكر (ت: 571هـ)، وانظر التهذيب لبدران (7/ 122).
• وفيات الأعيان لابن خلكان (ت: 681هـ): (3/ 9).
• تهذيب الكمال للمزي (ت: 742هـ): (13/ 473).
• ميزان الاعتدال للذهبي (ت: 748هـ): (2/ 357).
• سير أعلام النبلاء (5/ 251).
• معرفة القراء الكبار (1/ 88).
• المغني له.
• شرح علل الترمذي لابن رجب (ت: 795هـ).
• تهذيب التهذيب لابن حجر (ت: 852هـ): (5/ 35).
• بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم لابن عبد الهادي (ت: 909هـ) صـ 221.
[3] قال ابنُ رجب رحمه الله تعالى في التعليق على هذا الحكم في "شرح علل الترمذي"(2/ 875): "حكى المروذي عن يحيى بن معين قال: كل عاصم في الدنيا ضعيف، ولم يوافق أحمد على ذلك؛ فإن عاصم بن سليمان الأحول عنده ثقة، وذكر له أن ابن معين تكلم فيه فتعجب. وعاصم بن بهدلة ثقة، إلا أنّ في حفظه اضطراباً، وعاصم بن عمر بن قتادة ثقة أيضاً، متفق على حديثه كعاصم الأحول، وعاصم بن كليب ثقة، وقد وثقه ابن معين أيضاً، وعاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ثقة متفق على حديثه، وممن وثقه ابن معين، وأما عاصم بن عمر بن الخطاب فأجل من أن يقال فيه ثقة، وفوق هؤلاء من اسمه عاصم من الصحابة، وهم جماعة، ولم يرد ابن معين دخولهم في كلامه قطعاً".
وسوم: العدد 647