القائد عصام العطار : ( جهاد وغربة )

الشيخ حسن عبد الحميد

صفحة من التاريخ عن القادة العظام 

clip_image002_e01d6.png

( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان ) ميزان : الجهاد والعمل ..

ولانزكيه على الله 

وقديما قال القائل  :

 نفس عصام سودت عصاما ، 

                وعلمته الكر والاقدما 

وصيرته ملكا هماما 

          حتى علا ، وجاوز الاقواما 

هو بائع العطر ، والعطر مادة محببة للنفس ، شارحة للقلب ، منعشة للفؤاد ، ولذا كان النبي الكريم عليه الصلاة والسلام يحب الطيب ويرغب فيه لأنه من محببات الدنيا إليه

كان الرجل نائبا عن دمشق فمثّل العاصمة خير تمثيل وسحب البساط من تحت الشيوعية لتبنيه قضايا العمال والفلاحين في البرلمان ، زرته مرة في البرلمان فمر بنا ثعلب السياسة السورية أكرم حوراني فسلم بأدب واحترام وصافح بلباقة ورجولة ، فكان المنظر عندي كأرنب يقف أمام نمر 

تبنى عصام قضايا أمته مع ثلة من إخوانه عمر عودة الخطيب وزهير الشاويش ، وعرضت عليه الوزارة عدة مرات فأباها ؟؟

يظن الكثيرون أن الجهاد في مقاتلة أعداء الله فقط ؟؟؟

 إلا أن الجهاد باب واسع يشمل الجهاد من أجل رفع راية الإسلام والذود عنه بصبر وتفان وثبات ، قد يتطلب ذلك تضحيات عديدة ، يقدمها المسلم راضيا محتسبا ، لايبغي شيئا من حطام الدنيا غير رفعة شأن الإسلام وخدمة أمته ،

 والمجاهد الصبور عصام العطار المراقب العام الثاني ١٩٦١ هو من هذا الصنف ، الذي جاهد فيما نحسب في الله ، فحياته مليئة بالكفاح والتضحيات ، ومن أكبر هذه التضحيات أنه عاش معظم حياته غريبا منفيا عن وطنه ، خرج لأداء فريضة الحج من الوطن سنة ٦٣ ولم يسمح له بالعودة ،

 أرادوا إبعاده عن سوريا ليحرموا أبناء وطنه من جهوده ؟؟؟

ماالخطر الذي يمثله عصام العطار وأمثاله على أمن واستقرار سوريا ؟؟؟

إنه لايحمل سوى فكر ودعوة الإسلام ؟؟

فهل الفكر والدعوة جريمة ؟؟

إنه الاستبداد الذي يمارسه الطغاة بأبناء الوطن ؟؟؟

لمح فيه السباعي التميز فقدمه وأوكل إليه مهمات لاتتاح إلا لذوي الثقة والخبرة والقدرة على التأثير دعمتها موهبته الخطابية وجرأته في الحق ، لايخاف بطش صاحب سلطة ، ولا يحني رأسه لظالم مستبد ، هاجم على منبر مسجد الجامعة الحكم الديكتاتوري للشيشكلي ٥١ هجوما شديدا 

وصدر الأمر باعتقاله فطلب منه الشيخ علي الطنطاوي الخروج إلى مصر ،

 أحسن الإخوان استقباله في مصر فقابله الهضيبي والعودة وسيد قطب ، وعاد قبيل وفاتة والده .

عام ٥٦ سافر السباعي في رحلة علمية إلى أوربا فحمل العطار مسؤولية العمل الإسلامي 

سنة ٥٧ رفض العطار فكرة دخول الإخوان الانتخابات فصحة السباعي لاتساعد على المواجهة ، وانتهى الأمر بالمشاركة فيها ، وترشح السباعي مقابل المالكي 

وكانت انتخابات تاريخية زُروت فيها إرادة الأمة ، وانقسمت البلاد قسمين : 

١/ الحكم القائم والجيش والمخابرات وعبد الناصر وكفتارو تدعم رياض المالكي 

٢/ في المقابل الإخوان ومعهم بعض رجال الأحزاب ورجال الأعمال 

وكانت النتائج خسارة السباعي للانتخابات ، فأصيب بالشلل 

العطار رجل أسقط وزارة : 

ووقع الانقلاب فدعي العطار مع ١٣ شخص لاستلام الحكم في سوريا فرفض ، دعي إلى المشاركة في الوزارة ورفض لأن بشير العظمة شيوعي ولايصلح لتأليف وزارة ، اتصل رئيس الجمهورية بالعطار وعرض عليه أن يسمي أربع وزراء فرفض ، فاضطرت حكومة بشير العظمة للاستقالة ، وأعلنت حالة الطوارى 

عصام العطار أديب بالفطرة ، ذواقة للشعر ،

 يخجل أصحاب الدكتوراة في الأدب أن يتحدثوا أمامه في قضايا الشعر والنثر ،

من شعره :

ياأخوة الهدف المجيد 

وأخوة الدرب العتيد 

ياصرخة الإسلام 

والإسلام مطوي البنود 

ياثورة الحق المبين 

على الضلالة والجحود 

هيا فقد آن الأوان

 لمولد الفجر الجديد

لمّا قام الانفصال رفض أن يوقع وثيقته ، وتحمل الضغوط فهو لايفتش عن المغانم ، في حين وقع القوميون والاشتراكيون الوثيقة ؟؟

وسافر إلى لبنان ومنها إلى بروكسل وأصيب بالشلل ، غادرها بعد أن منّ الله عليه بالشفاء إلى ألمانيا 

سافر لألمانيا لا للنزهة والمتعة بل أسس مركزا إسلاميا شع منه ضياء الإسلام في قلب أوربا ، وخطب على منبر مسجد بلال ، وكان له المركز منطلق العمل الإسلامي الجسور ، وقد عرف الإسلام كثير من الاوربيين عن طريق هذا المركز فدخلوا في دين الله افواجا من هذا الخطيب المفوه 

في ألمانيا لاحقه الطغاة جند الرسالة الخالدة لاغتياله فما أفلحوا ، لكنهم اصطادوا زوجته بنان بنت علي الطنطاوي وترك الجناة الطغاة زوجها أيما ، فزاد حزنا على حزن ، وألما على ألم ، على هذا الكوكب الذي أضاء حياته رحمها الله

هل تعرف أموي حلب ؟؟ لو وقف إنسان في غرب باحته مارأى الواقف في شرقيها ، تتسع الباحة لمائة ألف ، في ذكرى المولد النبوي دعته الجماعة الإسلامية لمحاضرة لم يتسع لها أي قاعة في حلب ، فامتلأت الحشود في باحة الاموي ، واشرقت سماء حلب وتعطرت بدرر كلماته وجميل شعره ، فكان هذا اليوم من أيام حلب الخالدة ، اجتمع فيه الذكرى العطرة للنبي عليه السلام والبيان الصافي من أديب كبير ، واللهجة الخطابية الرائعة ، استغرق الحفل ثلاث ساعات كانت من أعراس مدينة حلب ، وشق الأجواء هتاف الله أكبر ولله الحمد ، يردده الشيوخ والشباب والاطفال 

يوم من الدهر فريد شاركت فيه النساء ملأ جمعهن الاروقة ، ولولا الحياء والعرف لملأت زغارديهن عنان السماء

هذا الخطيب المفوه  الجريء في الحق ، لايخاف بطش صاحب سلطة ولايحني رأسه لظالم مستبد، فعندما صدر القرار المشؤوم ٤٩ القاضي بإعدام المنتمين للجماعة خرج العطار وعرف عن نفسه بأنني المراقب العام للجماعة 

تحدى الانقلاب البعثي ، الذي لايختلف عن أي انقلاب في الاستبداد وكبت الحريات ، تحدى الجميع أن يضع ذرة غبار ( لا أقول على جباهنا المرتفعة ، ولكن على احذيتنا واقدامنا ، الطغاة الماضون سقطوا طاغية بعد طاغية تحت أقدامنا ، وسيذهب الطغاة الجدد كما ذهب الطغاة القدماء ) 

وبالرغم أن عظيمنا عصام تجاوز التسعين لازال في قمة نشاطه يخطب ويعظ ويكتب وكثيرا مارايناه يوجه نصائحه للثوار ، ويبشرهم بنصر قريب ، ويده لا تتجاوب معه 

حياه الله بطل في جميع الميادين ، ثوري بطبعه لايحني رأسه إلا لله ،

عملاق في وجوه الطغاة ، 

اسد أمام أعداء الله ، 

مصلح في ميادين الاصلاح 

لم يسع في حياته على كثرة آلامها أن يتولى منصبا ؟؟

انه مثال فريد في دنيا الناس ، لم يعش لنفسه ، بل لامته ورفعة دينه ، إنه الزاهد حقا ؟؟

دعاه الرئيس الهالك للعودة إلى سوريا أكثر من مرة ، ورفض ، قائلا : 

إن القضية عنده هي أن بلاده مغتصبة من أنظمة سرقت آمال الأمة ، وسرقت حرية الأمة 

قمنا بمظاهرة ضخمة تأييدا للوحدة بالرغم من الجراح التي اصابتنا من العبد الخاسر ، طفنا دمشق مهللين مكبرين ، وكان هتّاف المحاضرة الشيخ سعيد حوى بلهجته الحموية المحببة رحمه الله ، وكان يشاركنا المظاهرة اتباع عفلق ، فلما مررنا بجادة الصالحية وصرنا في الشهداء أمام المركز العام أبى الظالمون إلا كفورا ، تحرشوا بشباب الإسلام أمام عرينهم ، وهتفوا بسقوط قادتهم ، وكان عصام حفظه الله حكيما فصل بين جمهورين ، وادخل شباب الدعوة إلى مركزهم ، ومع ذلك وقعت صدامات وشمر أبطال الجماعة عن سواعدهم واقتحموا المشاغبين من الشباب النواعم الاوانس بلباس رجال ، نزل للميدان الشيخ عبد الغني المارعي يمسك كل ثلاث أنسات ، أي شباب نايلون ويجرهم ويلقيهم على الرصيف ، يعاونه ويساعده الأخ محمد خير عليطو ابن البر القوي ، ولولا حكمة عصام لاريقت الدماء ولكن الله سلم 

عصام الإنسان كان  يسأل عن أحوال إخوانه المعيشية ، يؤمن لهذا عملا شريفا ، ولذاك دخلا محترما ، وكنت ممن مد له يد المساعدة فعينني مدرسا في المدرسة السعودية للايتام ، وكانت المدرسة الى جانب المركز العام فكانت نورا على نور 

حيا الله أخانا الكبير عصام فقد كان

 نقيب أسرتنا ، 

وبطل جماعتنا ، 

ونائب شعبنا ، 

وأديب أمتنا ، 

وشاعر ديانتنا 

حفظه الله وقواه ، وآنس غربته ، ولو اننا نعلم انه يستجيب لرغبة اخوانه بتطبيق قوله تعالى ( وانكحوا الايامى منكم والصالحين ) لكن اوقفنا عن حدنا انه لاتملك امرأة مهما علت ان تملأ فراغا  كانت تملأه الشهيدة بإذن الله بنان  

التي ماتت غريبة وقتلت غدرا سنة ٨١

بنانُ ياجبهة الإسلام دامية 

     مازال جرحك في قلبي نزيف دم 

عشنا شريدين عن أهل وعن وطن         

        ملاحما من صراع النور والقيم 

الكيد يرصدنا في كل منعطف. 

           والموت يرقبنا في كل مقتحم 

وما ( بنان ) أديبة شاعرة ؟؟

 يكفي أن تعلم أنها ابنة الشيخ علي الطنطاوي رحمه المولى أديب سوريا بلا منازع 

رأيت صورتها أمس فبكيت ، ويعذر عصام أنه لم يستبدل بها غيرها 

كانت تصر أن تركب قبله السيارة وتشغل المحرك حتى إذا كان فيها قنبلة لاتنفجر بزوجها بل تنفجر بها ؟؟؟

رحمها مولانا وغفر لها واسكن اباها جنات الفردوس فقد خط قلمه الدرر في مجلة الرسالة المصرية عن محمد عليه السلام وهديه ، وقد استلم الراية حفيده الأخ مجاهد ديرانية وفقه المولى لكل خير وسدد خطاه 

عصام الداعية وضع نفسه في خدمة الإسلام والمسلمين ، وخدمة الدعوة ، يتعاون مع الجميع في احقاق الحق ، وازهاق الباطل ، له كتب كثيرة منها ( الايمان وأثره في تربية الفرد والمجتمع./ ثورة الحق / ازمة روحية ) 

اقرأ كتاب حسن التل :

 ( عصام العطار الزعامة المميزة ) 

أبا أيمن لك أرق تحية ، وأجل احترام ممن لازمك في المركز العام 

آنس الله غربتك ، وقوى جسمك ، 

ومتعك بالصحة والعافية 

أيها الشيخ الجليل ، والأخ الحبيب ، والمربي المجاهد 

الذي هز المنابر بأدبه وبلاغته وعلمه 

والله أكبر ولله الحمد

وسوم: العدد 664