الشهيد علاء الدين أحمد أكبازلي
1- أكف حانية:
بين الرياض، رياض الإيمان والعلم والتقوى ولد علاء الدين سنة 1949 ونشأ فيها، وترعرع، وفيها شب وجاهد بعد أن غرسته أسرة عريقة بالعلم والتقوى من طرفيها. في روضة البيت. حيث اليد المؤمنة الطاهرة، بد الشيخ الوقور أحمد أكبازلي زادة. العلم الدمشقي الأشم، الذي عرفته دمشق وشهدت له بالعلم والفضل والتقوى. لقد عرف هذا الشيخ الجليل كيف يربي ابنه، وكيف ينشئه مؤمناً، وكيف يصنع منه بعون الله – بطلاً.... وكيف يقيه النار (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة.) ثم كيف يؤهله لولوج الفردوس. ومن يجيد صناعة الأبطال، إن لم يجدها الأتقياء البررة الأفذاذ، كالشيخ أحمد وأمثاله، وفي روضة المسجد ويا نعمت الروضة. ويا نعمت أزهارها.... فيها ارتوى أصحاب رسول الله من نمير الإيمان وفيها أعدوا أبطالاً صناديد.... ثم انسابوا ليغمروا الآفاق بأشذاء الإيمان، ويرتلوا آيات الذكر الحكيم في أرجاء المعمورة.
تلك هي الروضة الثانية التي أسهمت في بناء البطل....
رفدت إيمانه بإيمان، وعلمه بعلم، وإباءه بإباء... أساتيذه فيها تلاميذ من تلاميذ محمد، ومنهاجه فيها هو دعوة محمد، فكان خطيباً جريئاً يلهب عزائم المتخاذلين ويعنف الآباء على ترك أبنائهم فرائس للملاهي و"الطلائع" وغيرها.
وفي روضة الإخوان التي عرفها يافعاً ارتشف من رحيقها حتى صلب عوده فيها تفجرت مطامحه، مطامح أمته في تكسير الأغلال الصدئة...
وفيها انتعشت آماله، سامية أبداً نحو العلاء، راية رسول الله المطلوبة يجب أن تنشر وأن ترفرف في الخافقين... وأمة رسول الله النائمة ينبغي أن تستيقظ وأن تحظى بنصيبها من الشمس والهواء... والكرامة. فاحتدم احتدم أيها البركان في الصدر الأبي، وثوري يا نخوة الإسلام في الرأس الجسور.
2- لا ضلال:
لقد كان علاء الدين لا يطيق أن يرى شوكة من أشواك الضلال، إلا عالجها كما أمره ربه بالحكمة – والحكمة أفانين- وبالموعظة الحسنة، وهي ذات أنوار شتى.... لا يطيق أن يرى فسوقاً في أرض الإسلام، لا يطيق أن يرى أباً غافلاً عن خرافه وهي ترتع في كل مرعى موبوء، وتستبق في كل صعيد زلق... لقد أحس بمسؤوليته عن هذه الأمة أمام ربه، أحس بالثغر الذي أوكل إليه، فبدأ يعظ وينصح ويذكِّر يلين حيناً ويعنف حيناً آخر... في البيت، في المسجد في الشارع في المدرسة.. إنه داعية وهذا شأن الدعاة... ترك دراسة الطب في تركيا العلمانية، والتحق بكلية الشريعة في دمشق. لماذا؟ لأنه داعية... ولأن الأشواك غزيرة هنالك كثيفة حادة كرؤوس الحراب. ليس هرباً من واجبه عاد إلى دمشق، ولكن ما يطيقه في دمشق – وهو ابنها- لا يطيقه في تركيا، ومسؤوليته عن دمشق أولى، في شرع الله، من مسؤوليته عن استانبول، وما تعاني منه دمشق، وأهل دمشق من ويلات على أيدي الزمرة الحاقدة لا يدع مجالاً للتلكؤ والخيار.
عاد إلى كلية الشريعة، لينال شهادتها، وليضيف إلى مسؤوليته الدعوية مسؤولية جديدة، مسؤولية المربي، أستاذ الدين، وما أدراك ما أستاذ الدين، وما مسؤوليته أمام الله!
3- يبني... ويهدمون:
ذلك هو الشعور الأليم الذي كان يتمشى في أوصال علاء الدين، وأوصال إخوانه جميعاً... الشوك هو الشوك... وهو يزداد طولاً، ويزداد حدة كل ساعة، بل كل دقيقة. يقتلع شوكة بحكمة، لتغرس إذاعة (أسد) أشواكاً بدلاً منها، ويخضد شوكة بموعظة ليزرع الفاسق – حقلاً من الأشواك، ويسحق شوكة بنخوة، لتملأ صحافة (الأسد) سماء الشام وأرضها بالأشواك، فما السبيل إذن؟ فما السبيل يا عباد الله. هل ثمة سبيل سوى الجهاد. أرضٌ تُباع... اقتصاد ينهب... جيل يكفر.... أعراض تغتصب... دين يحارب... شعب يذبح... ثعالب جرباء تعيث فساداً في الأرض المباركة (الشام)... فما السبيل؟ هل ثمة سبيل سوى الجهاد؟ هل تقف (الكلمة) أمام القنابل وهي تهدم البيوت على رؤوس أصحابها؟ وأمام الرصاص وهو يخترق صدور الأطفال والنساء والشيوخ؟ وأمام السياط، وهي تلسع جلود المؤمنين؟ هيهات. ما هكذا أراد الله لنبيه وعباده المؤمنين.
لقد قال سبحانه: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم).
ومَنْ أكفرُ ممن يُلزم المؤمنين باعتناق الكفر، ويفلسف لهم الكفر ويكرههم على تجرعه.. في مدارس العلم؟
ومن أكفر ممن يضع الله – سبحانه- في متاحف التاريخ؟
ومن أكفر ممن يدعو حكام العرب إلى اتخاذ (الفاسق) أسد " كعبة لهم يعبدونها بدلاً من الركوع أمام أوثان الإسلام؟" هيهات... هيهات!
يا عباد الله: ليس للرصاصة المؤمنة أن تسكت بعد اليوم... لا يحق لها أن تنام قبل أن تكنس أشواك الظلم والخيانة والضلال... هذا ما أدركه علاء الدين، وهذا ما أدركه إخوانه، وهذا ما أدركه شعب سورية اليوم... وهذا ما سيدركه النيام جميعاً في قابل الأيام... ونرجو أن يكون ذلك قبل فوات الأوان، عندما لا ينفع الندم.
4- السلعة الغالية:
بر الوالدين جميل وحبيب، وتربية الأجيال على دين الله جميلة كذلك وحبيبة... وقد أحسن علاء الدين في هذي وفي ذاك... ولكن للروح مطامح، وفي القلب أشواق.... والجنة سلعة غالية... فلابد إذن من الجهاد.. لابد من قرع أبواب الشهادة.. فهي باب العزة للأمة وباب السعادة لأبنائها.. والكريم يفتح أبواب رحمته للصادقين من عباده المؤمنين...
وهكذا هرع علاء الدين إلى أبواب السعادة الأبدية... أنهى خدمته في الجيش، وترك جهاد الكلمة الذي أبلى فيه البلاء الحسن، ليختار أقصر السبل إلى الجنة.... فالتحق بركب المجاهدين ليتخذه الله شهيداً... ليحقق له أمنيته الغالية، حين فوجئ بكمين من عناصر الوحدات الخاصة يحتل بيتاً من بيوت مجاهدي دمشق، فاشتبك معهم وقتل اثنين منهم، بعد أن أفرغ مسدسه في صدورهم الآثمة، ثم استشهد برصاص الخونة المجرمين، وكان ذلك في الثامن عشر من رجب /1400هــــ/ الأول من حزيران /1980م/ في حي "الشيخ محيي الدين".
ومن الجدير بالذكر أن للشهيد أخاً مجاهداً اسمه (محمد) استشهد قبل أيام في معركة ضارية مع العدو الأسدي في دمشق. وعلى أثر استشهاده – رحمه الله وسائر شهدائنا الأبرار- سارعت قوى البغي والعدوان إلى اقتحام بيت والده الشيخ العالم العامل، فاحتلوا البيت، واقتادوا آل الشهيد إلى المعتقل، أباه وأمه وإخوانه وأخواته، ونهبوا مكتبة والده، الشيخ الجليل. وهناك في المعتقل، أذاقوا الأسرة المجاهدة ألواناً من العذاب النفسي والجسدي.
رحم الله فقيدنا وآله، فالأحياء – في عهد بغاة الزمرة الأسدية المجرمة - أولى بالترحم من الشهداء لما يلقونه من صنوف الإيذاء على أيدي النظام الطائفي الحاقد اللئيم.
وسوم: العدد 673