الإمام يوسف القرضاوي

clip_image001_f2c90.jpg

لله ثم للتاريخ :

يقول الشيخ عمر عبد الكافي :" لو كان القرضاوي غربيا لصنعت له تماثيل ولكننا في الشرق لا نكرم عظماءنا "

قلت : ان كنت اعجب فعجبي للقوة التي وهبها الله العلامة المجتهد المفكر الاديب الداعية المصلح  يوسف القرضاوي امد الله في عمره في طاعته يحكي سيرته في " مراجعات " وهو ابن 90 سنة بتفاعل عجيب مع الاحداث وحرارة غريبة مع حفظ للسنوات واسماء الاشخاص والاماكن ويزين كل ذلك رقة قلبه وسرعة دمعته فلا تكاد تمر مدة على السرد حتى تتغرغر عيناه بالدموع كلما تذكر حدثا مؤلما او صديقا حبيبا او موقفا نبيلا شدتني هذه الرقة الصادقة المصدقة والدمعة الحارقة المحرقة   فالتقطت له هذه الصورة الدامعة وهو يتحدث عن سجنه مع اخوانه بالسجن الحربي والالام والماسي التي عانوها من اجل استمرار الدعوة ونصرتها والتي نظم بسببها نونيته الشهيرة والمؤثرة التي فاقت 300 بيت والتي قال عنها الشيخ الاديب سلمان العودة " كنا نحفظها ونحن طلاب في الجامعة" .

انها سيرة رجل عظيم تستحق حقيقة ان تشاهد وتستفيد منها الاجيال كتبها في اربعة كتب بعد اصرار بعض اخوانه واحبابه ويسر الله ان يحكيها في حلقات للمرة الثالثة.

فلا غرابة ان يوصف بالامام_ رغم انه يكره ذلك _ من طرف اقرانه واصحابه امثال : العلامة الفقيه  عبد الله بن بية والعلامة الفقيه مصطفى الزرقا والعلامة الفقيه محمد عبد المقصود والعلامة الفقيه وهبة الزحيلي والعلامة المحدث عبد الفتاح ابو غدة وغيرهم من ائمة الفقه والعلم الذين وسموا فضيلته ب " الامام " بله تلامذته مباشرة او عن طريق كتبه امثال : الشيخ احمد الريسوني والشيخ عمر عبد الكافي والشيخ عصام البشير والشيخ سلمان العودة وهلم جرا .

والحقيقة اننا لسنا بحاجة كبيرة لهذه الشهادات فنحن نقرأ ونميز بين العالم الراسخ والداعية والفقيه المجدد والمفكر المبدد ولا نؤمن بتقزيم الاعلام ولا تشويه العوام ولا حسد الاعلام ولا تضليل الحكام فالرجل شارك في مختلف  العلوم الشرعية بمؤلفات نافعة بديعة شكلا ومضمونا شارك في الفقه والتفسير والتزكية وعلوم القران وعلوم الحديث والفكر والتراجم والقصة والشعروغيرها حيث تعدت مؤلفاته 140 مؤلف ناهيك عن الخطب والدروس.

هذا اضافة الى ادب العلماء وحرارة الدعاة وحكمة الحكماء التي تتجلى في الاحجام عن الرد والرد على الرد والسب والسب بعد السب والانشغال بالقضايا الكبرى والاتجاه نحو تحقيق الهدف المنشود .

زد على ذلك الاسلوب الاقناعي الماتع والعرض لمختلف الاقوال والجرأة الكبيرة في اختيار الراجح ولو لم يعهده الخلق والاحتفاء بالاجتهاد والتجديد بانضباط ودون انفراط .

احسب ان الاعلام والعوام والحكام وبعض الأعلام كلهم تكالبوا على فضيلة الشيخ القرضاوي وحاولوا تكبيله واسقاطه لكن نصره الله عليهم جميعا وهذا فضل من الله تعالى عليه وعلى الامة حتى اصبح القرضاوي مدرسة فكرية مستقلة تماما تختلف عن المدرسة الاخوانية والمدرسة السلفية اختلافا كبيرا فقد اخذت منهما النافع وتركت غيره فهي مدرسة لها خصائصها ومميزاتها ومنهجها تضم الالاف المؤلفة من العلماء والدعاة والطلاب من اجيال متباينة واقطاب مختلفة ومذاهب متعددة دون ان تسقط قيمتهما او تبيد دورهما في الدعوة والاصلاح بل جاءت مكملة لجهودهما وغير مصادمة لهما  لذلك احسب انها مدرسة المرحلة بامتياز فقد وقفت مع الشعوب ضد الطغاة في زمن التركيع والتعبيد ووقفت مع العقيدة والشريعى في وجه القومية والعلمانية في زمن الشبهات المتلاطمة فكان لها صوت صادع ورد ناصع ووقفت بالتجديد في وجه التجميد في زمن حجر على الرأي الاخر وانتشر تدين التقليد للاباء لا تدين الدليل وعرض الاراء فاتت بالحجة الدامغة  والبراهين الجامعة ووقفت بالوسطية والتيسير في وجه الارهاب والتخريب في زمن استفحل فيه هذا الفكر فكشفت عن الداء ووصفت الدواء لل" الصحوة الاسلامية بين الجمود والتطرف"... ربما ياتي الحديث عن ذلك مستقلا .

فالشيخ حفظه الله بعث الفقه وجدده ووسع الفكر وزينه .

فلا  غرابة اذن ان تنجز رسائل للدكتوراه حول الشيخ وفكره او بعض كتبه ومؤلفاته .

ولا غرابة ان تحتفي الدول بكتبه وتترجم لعدد كبير من اللغات العالمية .

ولا عجب ان ينتظر الفقهاء رايه في النوازل الكبيرة المعاصرة قبل ان يتحدثوا عنها .

ولا غرابة ان تؤسس رابطة لتلامذة الشيخ تضم دكاترة ودعاة سميت ب" رابطة تلامذة القرضاوي " .

ولا غرابة ان ينحاز عدد من الدعاة الذين خالفوه قديما وردوا عليه من مدارس اخرى الى مدرسته ويثنوا عليها ويحبوها .

ولا غرابة ان تقرر كتبه في الجامعات والمعاهد والمؤسسات .

فحفظ الله الشيخ القرضاوي ونفع به وثبته وختم لنا وله بالحسنى وختم له بالشهادة كما يرجو ويتمنى . 

واقول ختاما : ما ذكرته هوعلى مستوى المنهج العام والفقه عامة والممارسة عامة وقد يختلف مختلف مع بعض الجزئيات كما تراجع هو نفسه عن بعض اجتهاداته ولا عصمة الا لمن عصمه الله تعالى والله الموفق للصواب .

هذا ولا نزكي الشيخ على الله فهو سبحانه اعلم بمن اتقى وحسبنا الاخذ بالظاهر كما تجلى وتجنب الاسفاف والاسراف كما نهى .

رضوان السنوسي المالكي مذهبا الأثري عقيدة المغربي دارا .

وسوم: العدد 675