الشهيد الفتى: ماهر جمّال
في شهر رمضان المبارك، شهر القرآن والجهاد..
قبيل عيد الفطر بأيام، من سنة (1980م).. داهمت منطقة (حي السبيل) دوريات المخابرات، واصطدم عناصرها مع الشهيد زهير زقلوطة، وأصابوه بعدة طلقات في كتفه اليمنى، وأغمي عليه بسببها.. أثناء ذلك كان الفتى ماهر يودع أهله، وهم يتمنون لو شاركهم بلقمة واحدة على مائدة الإفطار.. وهدرت في لحظة واحدة ثلاثة أصوات، مدفع الإفطار، وقرع عنيف على الباب، وأزيز رصاص..
يا لها من ساعة مروعة، عانت منها أسر المسلمين في سورية، عند الإفطار، وعند السحر، وفي أيام العيد بالذات، حتى غصت السجون والمعتقلات.
صعقت الأسرة الآمنة المطمئنة، وجمد الصائمون في أماكنهم، كما جمدت اللقمة الأولى في الحلوق، إلا ماهراً ابن العشرين عاماً، تقدم، وفتح الباب، وآثر أن يواجه الزبانية دون أهله، وأن يسلم نفسه على أن تفنى الأسرة برصاص الغادرين.
* * *
الشهيد ماهر بن محمد جمال – رحمه الله تعالى- من مواليد (حلب) 1959م وهو من طلاب (كلية العلوم) – فرع الكيمياء التطبيقية- سنة ثانية، انضم إلى صفوف المجاهدين عام 1975، وتربى في صفوفهم، فكان مثال الجندي المؤمن، في خضوعه لله العزيز، وامتثاله لأوامره، واجتنابه لنواهيه والتسليم لأحكامه.
ومن ذلك الوقت أخذ يصقل نفسه بالإعداد الروحي والتثقيف الفكري، والتزود بالثقافة الإسلامية، حتى أصبح من الذين يشار إليهم بالبنان بين أترابه، واستكمل تربيته حين استوفى حظه من التدريبات الرياضية التي تطلق طاقته الجسدية فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير.
ولما عاين (ماهر) من الفساد أشكالاً، ورأى في الدولة القائمة أصلاً من أصول الشر المستطير، وأن اتجاهها إلى (العلمانية) والإلحاد مفضوح مكشوف، لم يجد كبير عناء في اكتشاف الطريق الجهادي، وأنه خير وسيلة لكبح جماح هذه السلطة الباغية في وقت آذت فيه المسلمين، وشوهت تعاليم الدين الحنيف، وجعلت من (تخرصات) الحزب الحاكم عقيدة ومنهاجاً، تفرضها على الأمة كلها فرضاً، وتضلل بها الأجيال تضليلاً. عندئذ انتقل شهيدنا إلى المرحلة الثالثة، مرحلة الإعداد الجهادي، فتدرب على استخدام الأسلحة، وقذف الرمانات (القنابل)، وحرب الشوارع مع قائد مجموعته الشهيد (أبي مصعب) ونال إعجاب مدربه، فسمح له أن يشارك في كثير من الأعمال القتالية، التي أبلى فيها بلاء حسناً.
* * *
وبعد مضي خمسة أشهر من الاعتقال والتعذيب الوحشي وانتزاع الاعترافات في حمامات الدم يعرض الفتى ماهر على محكمة صورية، رئيسها وقضاتها خصوم، وأحكامها مسبقة، يتلوها القاضي وهو يرتجف، فيهتف ماهر وإخوته، الله أكبر ولله الحمد، يا مرحباً بلقاء الله.
وسوم: العدد 682