مرور نصف قرن على إعدام سيد قطب شنقا

clip_image001_e40a2.jpg

في التاسع والعشرين من غشت حلت ذكرى  مرور خمسين عاما على  شنق سيد قطب أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر . وكثيرة  هي المنابر الإعلامية التي لم تشر مجرد إشارة عابرة لحدث  إعدام  الرجل شنقا . ولا شك أن الانقلاب العسكري على الشرعية والديمقراطية في مصر التي أوصلت الإخوان المسلمين إلى مركز صنع القرار له تأثير على عدم استحضار ذكرى إعدام أحد المنظرين الكبار لجماعة الإخوان. فالنظام العسكري في مصر ومناصروه إقليميا ودوليا معه في اعتبار جماعة الإخوان جماعة متطرفة  ومنظرة للإرهاب، لهذا فكل حديث عنها يعتبر صاحبه مشجعا  للإرهاب ، والحديث عن سيد قطب هو أيضا بالنسبة لهم تشجيع للفكر الإرهابي ، لهذا سكتت منابر إعلامية كثيرة عن الإشارة إلى الذكرى الخمسين لشنقه بعد صدور حكم عليه من طرف محكمة عسكرية .ولقد لحق الشانق بالمشنوق ،وهما بعد كل هذه المدة بين يدي رب العزة جل جلاله  ينتظرون عدالته وهو الذي لا يظلم لديه العبيد. وبهذه المناسبة لا بد من كلمة في حق المفكر الإخواني الذي بدأ أديبا وناقدا، وانتهى داعية ومفسرا للقرآن الكريم ومنظرا لجماعته . وينقسم المفكرون في الحكم عليه ، فهو عند الإسلاميين شهيد ومفكر إسلامي ،بينما هو عند خصوم الإسلاميين من العلمانيين والعسكريين المنقلبين على الشرعية والديمقراطية منظر للإرهاب على حد تعبير الشاعر عبد المعطي حجازي المعروف بتوجهه العلماني. ومع أن فكر سيد قطب لا يوجد فيه ما يدعو إلى عنف وهو توجه جماعة الإخوان المسلمين إلا أن خصوم هذه الجماعة، وعموم المتوجسين من الإسلام يصرون على أنه منظر للعنف . فمجرد حديثه عن الجاهلية في معرض مقارنة  الفترة التي عاش فيها بفترة الجاهلية يعتبر عند خصومه وخصوم جماعته تحريضا على  مجتمعه  واتهامه بالجاهلية ،علما بأن تعبير سيد قطب يدخل  ضمن ما يسمى في علم البلاغة استعارة ، حيث استعار للمجتمع في عصره  وتحديدا في بعض نواحي الحياة وضعية المجتمع الجاهلي والمقصود هو وجود أحوال في المجتمع  المصري مشابهة لأحوال كانت في الجاهلية . ولا يمكن أن يفهم من استعمال الرجل لهذه الكلمة أنها تعميم لأوضاع الجاهلية كما كانت في زمانها . فإذا كان من أحوال الجاهلية السفاح والبغاء والخمر والميسر والربا ... فليس مخطئا من يشبه عصرا تتكرر فيه هذه الأحوال بالجاهلية . ولقد ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم الجاهلية الأولى، وهي عند بعض المفسرين جاهلية أقوام بائدة  جاء ذكرها في القرآن الكريم ، أي غير الجاهلية التي عاصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإشارة  القرآن الكريم للجاهلية الأولى جاء في سياق مخاطبة نساء النبي رضوان الله عليهن والحديث عن  بالتبرج المنهي عنه شرعا ،والذي كان من سمات  تلك الجاهلية الأولى .وبناء على ذلك لا يمكن أن ينكر على سيد قطب استعماله لكلمة جاهلية ،علما بأن غيره يستعمل على سبيل المثال  الفاشية والنازية ومحاكم نيرون ومحاكم التفتيش والفرعونية  والهامانية والقارونية  والشهريارية  ... في سياق الحديث عن أوضاع وحالات  لها قواسم مشتركة أو تلتقي مع هذه التسميات  في نقط دون أن يفهم من استعمالها أنها مقصودة على وجه الحقيقة ،بل على وجه التشبيه والاستعارة . ومن الخصائص الفنية للشعر الحديث الرمز وهو عبارة عن  توظيف أحوال وأسماء كانت في الماضي  الغابر للتعبير عن أحوال معيشة ، ويكون ذلك أبلغ . وسيد قطب كان أديبا وناقد، ولا يوجد شك في تأثره بالأدب والنقد في  تشبيه مجتمعه بالمجتمع الجاهلي من خلال بعض الممارسات والأحوال . ولو أن سيد قطب استعار لفظة الجاهلية في أدب أو شعر لما أنكر عليه أحد ذلك كما أنكر عليه وهو يستعملها في مؤلفاته الفكرية وفي تفسيره للقرآن الكريم . ومن العبارات التي تنكر عليه أيضا  عبارة : " الحاكمية لله " والتي يؤولها خصوم فكره بأنها تمرد على أنظمة الحكم مع أن القرآن الكريم ينص على أن الحكم لله ، وأن سيد قطب لم يزد عن اقتباس عبارة قرآنية . ومن المعلوم أن جماعة الإخوان المسلمين تصرح بأن منهجها الدعوي لا يقوم على العنف خلافا لما يروج عنها . ولا شك أن الذين يتهمونها بتبني العنف ينطلقون من التزامها بتحرير أرض فلسطين  المغتصبة كما تنص على ذلك مبادؤها  المعلنة . وبناء على هذا يعتبر مصدر اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالعنف الكيان الصهيوني والكيانات الغربية الداعمة له ، ذلك أن كل من يدعو إلى تحرير فلسطين يعتبر إرهابيا عند الصهاينة ومؤيديهم علما بأن الصهاينة اغصبوا فلطين بالقوة ، ومع ذلك يرفضون استرجاع أهلها لها بالقوة . ويحاول البعض تحميل جماعة الإخوان المسلمين مسؤولية كل من يمارس العنف الأعمى والإرهاب باسم الإسلام، وذلك نكاية فيها وشماتة بها وتشويها  لسمعتها خصوصا بعد  الانقلاب العسكري على الشرعية والديمقراطية في مصر حيث وجد الانقلابيون ذريعة  يبررون بها انقلابهم أمام الرأي العام العالمي الذي يستنكر ويشجب العنف والإرهاب باسم الدين وهو إرهاب تمارسه  عصابات إجرامية أجمع علماء المسلمين كما أجمع المسلمون على أنهم مجرمون لما يرتكبونه من فظائع ينزه عنها الإسلام دين الرحمة والسلم والسلام والأمن والتعايش حتى مع من لا يدينون به . ويتعمد البعض اتهام كل من يعلن انتسابه للإسلام أو يتحدث عنه أو يدعو له  أو يدافع عنه بأنه من الإخوان المسلمين ولو كان خارج مصر أو خارج الأقطار العربية التي توجد فيها هذه الجماعة . وإذا كان كل من يعتمد الإسلام مرجعية يحسب على جماعة الإخوان المسلمين، فيجب أن يحسب وفق هذا المنطق  كل من اتخذ مرجعية ما على  الجهة  التي تتبناها ولو كان بعيدا عنها موطنا ، فلا يوجد  مثلا علماني  ولا شيوعي مغربي بل يكون بالضرورة تابعا لدول علمانية وشيوعية أجنبية تماما كما يحسب كل إسلامي على جماعة الإخوان المسلمين . ولا يأخذ من يعممون انتساب الإسلاميين  لجماعة الإخوان المسلمين في الاعتبار المشترك بين الإسلاميين وهو الانطلاق من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ،علما بأنه لا وصاية  لجماعة أو طائفة على القرآن  والسنة أو احتكارهما . ومن الخطإ الجسيم الذي تترتب عنه عواقب  وخيمة أن تسود العقلية الاقصائية والاستئصالية في المجتمعات العربية التي تصرح بالتزامها بالديمقراطية  بحيث  يقصى فيها الناس ويستأصلون بسبب معتقداتهم أو أفكارهم . ولنا مثال في المجتمع التركي العلماني الذي احترم الديمقراطية حين أوصلت حزبا ذا مرجعية إسلامية  إلى مراكز صنع  القرار والذي أثبت احترامه للديمقراطية أيضا وتعايشه مع أحزاب علمانية  ولم تتهمه باستغلال الديمقراطية والتنكر لها فيما بعد كما تتهم بذلك الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في البلاد العربية  ، كما أشيع على  حزب  الإخوان  حزب الحرية والعدالة المصري . والواقع أن إشاعة استغلال الأحزاب الإسلامية للديمقراطية ثم التنكر لها فيما بعد مجرد ذريعة واهية والحقيقة أن سبب ذلك هو الخوف من نجاح تلك الأحزاب كما نجح حزب العدالة والتنمية التركي، والذي لم يسلم  هو الآخر من النقد مع أنه برهن بالملموس عن كفاءته وحسن أدائه الذي لا ينكره إلا جاحد أو منكر متعصب . إن قفز حزب العدالة والتنمية بتركيا من الرتبة 116 إلى الرتبة 6 أربك خصومه وخصوم التوجه الإسلامي . ويجتهد الخصوم ويبذلون ما في وسعهم لإثبات الفشل  لتجارب الأحزاب ذات التوجه الإسلامي لمنع تكرار التجربة التركية الناجحة بكل المقاييس .

وفي الأخير نسأل الله عز وجل الرحمة والمغفرة للسيد قطب الذي نحسبه شهيدا عند الله عز وجل ولا نزكيه عليه، فهو سبحانه من يزكي خلقه وهو العالم به والذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء . وإنه  يعتبر نموذجا لشهداء الرأي والفكر الذين استماتوا وماتوا دون آرائهم  وأفكارهم وقناعاتهم . وجزاه الله خيرا على تفسيره لكتاب الله عز وجل، والذي سماه في ظلال القرآن تواضعا لله تعالى، وتقديسا لكلامه الذي لا  يستطيع بشر الإلمام بمكنونه . وإذا كان قد شنق فإن عمله انقطع إلا علمه وتفسيره وفكره فهو حي ودائم  إلى أن يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها .

وسوم: العدد 684