الشهيد النقيب إبراهيم اليوسف

ولد إبراهيم في بلدة تادف التابعة لحلب، من أبوين صالحين متدينين فطرة، متوسطي الحال، عام 1950 وتربى كسائر أبناء الفلاحين البسطاء في قطرنا تربية قوامها الاستقامة والصدق في التعامل مع الآخرين ومع النفس، في شيء من الخشونة التي تفرضها طبيعة العمل القاسية في الحقل..

وترعرع إبراهيم في أحضان الفضيلة التي كان يتلقاها دروساً عملية في سلوك والديه، اللذين كانا يحثانه على مصاحبة الأقران المعروفين باتزانهم واستقامتهم، فشب وما عرف عنه سوء.. ولقد كان لهذه التربية الأولية، ولتلك الصداقات في كل من تادف والرقة وحلب أثرها في تكوين شخصيته التي عشقت الإسلام ابتداء، ثم عن دراسة ودراية وقناعة، فانخرط في صفوف الجيش، بعد أن كان قد مهد لدخوله بانتسابه إلى الحزب المتسلط الحاكم، وبوعي تام، واستطاع أن يلفت إليه أنظار مدربيه وزملائه الذين كانوا (ينصحونه) بمجاراة الحياة التي اعتادها زملاؤه وقادته، والتي طالما خطط لها الصهاينة والماسونيون وأعداء هذه الأمة، ليحرفوا شبابها عن أخلاقهم فيسهل على العملاء اصطيادهم عن طريق الخمرة والنساء والمغانم الشخصية والليالي الحمراء.. ولكن إبراهيم رد عليهم (نصائحهم) هذه، وبقي على استقامته بل ازداد تمسكه بها، فكان يأوي إليه الطلاب الضباط المستقيمون المؤمنون الذين انتسبوا إلى الجيش كما انتسب إبراهيم ومن أجل الغاية التي كان يسعى إليها مع أخيه وصديق عمره الشهيد عدنان شيخوني.. رحمه الله رحمة واسعة.

إلى أن كانت الاعتقالات التي كانت هجمة الطائفيين عليها محمومة، وسمع ما يُفعل بالمعتقلين من شباب الحركة الإسلامية، فأسرها في نفسه ولم يبدها إلا لنفر قليل من الشباب المجاهدين الذين وثق بهم.. وأراد أن يسمع الدنيا بما يرتكب حافظ أسد من إجرام بحق شعبنا الأبي، وبحق أبنائه المؤمنين الأحرار.. فخطط مع أولئك الشبان المجاهدين الذين كانوا يتعطشون للثأر من معتقلي إخوانهم..

خططوا لعملية انتقامية تلفت أنظار العالم إلى ما يجري في سورية، فكانت عملية مدرسة المدفعية، ثم كان ما تلاها من أحداث جسام شملت القطر كله، وكان النقيب إبراهيم هو المسؤول العسكري عن محافظة حلب، يدرب الشباب على استعمال السلاح، وينظمهم ويعطيهم مهماتهم ثم يقذف بهم في ميادين حلب، ليلقنوا النظام الطائفي العميل دروس الثأر، وكانت ثورة قادها إبراهيم في حنكة وشهامة ورجولة وصفاء، فكان مضرب المثل في كل ذلك، وكان البطل الذي أخاف جموع الطائفيين الذين تداعوا إلى حلب، من أجل الوقوف في وجه المد الشعبي الثوري الإسلامي الذي يقوده إبراهيم وعبدالله قدسي ومحمود عزيز ومصطفى قصار وعصام قدسي ورامز العيسى وهمام الشامي والحاووط وحسن عجيل ومحمود نساج وأبو خالد وأيمن خطيب وسواهم من أبطالنا الميامين الذين قضوا شهداء أبراراً....

وهكذا إلى أن كانت عملية الغدر التي تعرض لها إبراهيم، وكان الكمين الذي نصبه له الآثمون من العناصر الطائفية في الثاني من حزيران عام 1980م، وقد جن جنون الطائفيين فرحاً باستشهاده فأطلقوا عشرات الآلاف من العيارات النارية والشهب، وروعوا المدينة أيما ترويع، فقد ظن الناس أن حلب بأسرها تحترق وتدمر... فيما كان لاستشهاده وقع أليم على أبناء سورية عامة، وعلى أبناء حلب خاصة، فقد كان إبراهيم الأمل في الخلاص والإنقاذ من هذا النظام الطائفي العميل.. بكاه الصغار والكبار.. بكته النساء والصبايا.. وحزن لفقده الشيوخ والأيتام.. وباستشهاد إبراهيم، ثم باستشهاد الأخ البطل عبدالله قدسي بعده بيومين، تراجع العمل العسكري في حلب تراجعاً مخيفاً، ولكن أبناء حلب خاصة رأوا في تحرر الأخوين.. عدنان شيخوني وأمين أصفر من سجن المخابرات العامة بكفرسوسة الذي فرا منه مع إخوتهم الخمسة عشر.. رأوا فيهما عوضاً عن إبراهيم وعبدالله..

كان إبراهيم مثال الشاب المسلم في عقيدته وسلوكه معاً، فقد كان خلوقاً دمثاً متواضعاً كريماً، شجاعاً جريئاً في الحق، وقولة الحق..

يقول القائد العظيم محمد صلى الله عليه وسلم:

"سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله."

وأي رجولة تعدل رجولتك يا نقيب الشهداء؟

وأي قومة حق تعدل قومتك أيها البطل؟

وأي جور يعدل جور الأخوين سوموزا.. حافظ ورفعت.

هذين الجاسوسين الإرهابيين الصهيونيين؛

إن كل كواهين الأرز لا ترتقي إلى مستواهما التجسسي...

وإن بيغن لا يساوي شيئاً إذا قيس بهذين الإرهابيين.

ونيرون.. ما بال نيرون؟

لئن كان نيرون أحرق روما، إن هذين الرجيمين أحرقا سورية بأسرها، تحت سمع المتواطئين على الإسلام والمسلمين وبصرهم.. وأي أمر وأي نهي يعدلان أمرك ونهيك يا إبراهيم!

لقد دخلت التاريخ من بابه العريض، يوم توضأت بالنور، واغتسلت بالضياء، ولبست كفنك، وبرزت إلى الأقزام المتعملقين في تفاهة الأدعياء يوم أن هجرت الحزب الملعون، وهاجرت إلى دينك وأمتك، فكنت على رأس كوكبة الإيمان: محمود وعصام ورامز وعبدالله وهمام وأسامة.. وكان ما كان من كوكبة الإيمان في مدرسة المدفعية التي كانت المنعطف الحاد الذي أسقط كل الأقنعة المزيفة عن كل المزيفين، ففضحت بها خيانة الخائنين، وَعَّريتَ كل المجرمين الطائفيين المتسلطين وزبانيتهم.. وكانت العملية بمثابة فرز لأشقياء السلطة وأعوانها، وضعت أبناء سوريا على الدرب فتميز الخبيث من الطيب، وكانت المؤشر المميز إلى ما ينبغي عمله، من أجل تصفية الأمة من هؤلاء الخونة المرتدين، فكان جيل التضحية والفداء، وجيل الإخلاص والتقوى في هذا القرن المليء بالمغريات.. هذا الجيل الذي آمن أن الاستشهاد هو الرد الأفضل على الممارسات المعادية التي تتكشف في كل يوم عن الأحقاد التاريخية التي يضعها الطائفيان الرجيمان ضد أبناء هذه الأمة وعلى كل ذي عقيدة سليمة، وبشكل خاص على رجال الإخوان المسلمين، كما لم يفعلها التتار والمغول والمستعمرون الفرنسيون..

هيه إبراهيم..

إن الحديث عن هؤلاء الأوغاد يطول..

وهم لا يفهمون إلا الحديث الذي حدثتهم به..

إنهم لا يفهمون غير لغة القوة.. ولغة الرصاص.. ورد القوة بالقوة والصاع صاعين، ولقد لقنتهم درساً لن ينسوه صاغراً عن صاغر.. وإلى أبد الآبدين..

لقد فرحوا باستشهادك فرح الأنذال التافهين..

لقد سحلوك – أيها البطل- بعد أن عَرَّوْكَ من ثيابك... تماماً وبلا أدنى حياء.. كيوم ولدتك أمك.

ثم دعوا نساءهم وأشباه الرجال..

دعوا.. ضباط..  الكباريهات والجنود..

ليسبّوك و...

وكان استشهادك عرساً من أعراس الطائفيين، لشدة ما لاقوا من بأسك وتضحيتك.

فرقصت نساؤهم الداعرات على أزيز الرصاص ودوي القنابل التي أطلقت ابتهاجاً بمصرعك..

يا ويلهم ويا ويل أمهاتهم..

ماذا يصنعون..؟

لا عليك أيها البطل..

فلن يضير البطل جبن هؤلاء الجبناء..

ولا نذالة هؤلاء الأنذال..

ولا لؤم هؤلاء اللؤماء..

ولا حقد هؤلاء الحاقدين..

وأنت يا أم إبراهيم الشهيد..

يا أم إسماعيل الشهيد..

يا زوجة محمد الشهيد..

ليهنك استشهاد إسماعيل وإبراهيم ومحمد..

ونعمت التربية تربيتك..

وأنت يا أرملة الشهيد..

يا أم محمد..

ليهنك أن أبا محمد كان الصاحب والقرين..

ليهنك عيشك معه في أحلك اللحظات..

وهدهدي الأشبال..

أرضعيهم أحقاداً مقدسة على هؤلاء الأوغاد، كما أرضعتهم لبان الإيمان.. علميهم الثأر لكل قطرة دم سفحها الآثمون المجرمون من دماء شهدائنا على ثرى سورية الحبيبة.. لقنيهم درس البطولة التي استقيتها وتعلمتها من إبراهيم..

وأنتم يا إخوان الشهيد..

أيها الرجال..

اليوم يومكم..

ودماء إبراهيم تناديكم..

أنْ هُبُّوا أيها الرجال..

واثأروا من هؤلاء الطواغيت..

اقتلوهم حيث ثقفتموهم.. وليجدوا فيكم غلظة..

ولا تأخذنكم بهم رأفة..

اثأروا لدماء الشهداء..

اثأروا لأعراض المسلمين..

اثأروا للشيوخ..

اثأروا للأطفال..

اثأروا للصبايا..

يا خيل الله شدّي..

ويا جند الله اركبوا..

فقد طاب الموت أيها الرجال..

طاب الموت أيها الرجال..

وأنت يا إبراهيم..

سلام عليك..

سلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً..

السلام عليك وعلى إخوانك المجاهدين في الخالدين..

والله أكبر ولله الحمد.

ونحن لا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون.. ولئن مات إبراهيم أو استشهد، فإن هذه الأمة ستنجب مئة إبراهيم بعون الله سبحانه.

وإبراهيم سيبقى الرمز والمنارة لكل السائرين على الطريق الشاقة المستقيمة طريق الجهاد والاستشهاد حتى يأتي أمر الله وهو قريب قريب قريب...

ونقدم فيما يلي نص المقابلة التي أجراها معه المجاهدون في حلب وسجلوها على شريط كاسيت لما فيها من توضحيات:

السؤأل الأول: الأخ إبراهيم يوسف هل يمكن أن تقدم لنا لمحة عن حياتك الخاصة؟

- ولدت في قرية تادف، ثم انتقل والدي إلى مدينة الرقة طلباً للرزق كفلاح قطن على ضفاف البليخ وكان عمري عامين، ثم افتتح والدي متجراً في سوق الرقة الشرقي وكان رقيق القلب يحب الفقراء ويعطف عليهم ولذلك قام بتزويد الباعة المتجولين "الشرشية" بالبضائع، ولسوء الحالة الاقتصادية في تلك الآونة لم يستطع الباعة المتجولون أداء الديون إلى والدي ولذلك عاد والدي كفلاح للقطن في ناحية "الكرامة".. قضينا أربعة عشر عاماً في ظل الحكومة التي تسمي نفسها بحكومة الثورة "حكومة العامل والفلاح".. لم نجن من خلالها سوى المرارة.. غير أننا كنا نسمع من المذياع "الأرض للي بيفلحها ويعمل بها" إلى آخر ذلك من الألفاظ الجوفاء. ثم نأتي في آخر العام وقد ذهب معظم الموسم بين العمل الشعبي، ورشاوي الشرطة وموظفي المصرف الزراعي، وأذكر مرة أن والدي عاد من المدينة بعد إنهاء إحدى المعاملات للحصول على السماد وفي جيبه عشرات التذاكر من أجل حضور بعض الأفلام في المدينة ذلك أنه لا تعطى المعاملة دون إرهاق المعامل بشراء عدد لا بأس به من البطاقات.. واذكر مثالاً آخر على عمليات السرقة التي يتعرض لها الفلاحون فقد جاءت ذات يوم سيارة للإرشاد الزراعي وعندما تجول موظفوها داخل الحقل وقف أحدهم وهو مهندس زراعي أمام مسكبة للقثاء وقال: كيف تزرعون القثاء إلى جانب القطن، هذه مخالفة ثم دخل البيت ولم يكن والدي يومها موجوداً وطلب مني عشر ليرات ثمناً للبنزين مع العلم أن السيارة – لاندروفر حكومية – وثمة أمثلة أخرى لم أذكرها.. وكلها تدل على المعاناة التي يكابدها الفلاح في سيادة هذه السلطة..

وعندما اشتعلت حرب 1967 كنت في الصف التاسع وفي أيام الامتحانات – على وجه التحديد – أنشئ الجيش الشعبي وبدأ الناس يتدربون على السلاح فكنت أحضر ضمن صفوف المتدربين. ثم استلمت بندقية فرنسية، وكلي أمل في أن أذهب لأقاتل اليهود.. بعد ذلك انكشفت خيانة حزيران فقمت بتسليم البندقية..

- السؤال الثاني: من هي أول شخصية إسلامية تأثرت بها؟

- تأثرت وأنا في الصف العاشر بمدرس لمادة التربية الإسلامية وهو خطيب معروف كنت أشعر أن نور الإيمان يخرج من عينيه ليستقر في صدري وقلبي وقد كان يومها خطيباً للجامع الكبير وكان معظم أهل الرقة يحضرون الخطبة عنده وفي تلك الفترة قامت مجموعة من الشبان والشابات برحلة إلى الساحل وبموافقة المحافظ  فقام هذا الخطيب بمهاجمة المحافظ والطعن بموافقته.. فما كان من المحافظ إلا أن استدعاه للتحقيق ثم زج به داخل السجن، وكانت هذه أول مرة في حياتي أرى فيها رجلاً من رجال الإسلام يعذب ويضطهد، فكان لهذا الأمر وقع شديد في نفسي، وكنت أجهش بالبكاء كلما تذكرت هذه الحادثة حتى أني أردت تفجير بيت المحافظ بالديناميت.

وكم كنت أعجب لصمت العلماء إذ كيف يسجن أحدهم ومن أجل أقدس القضايا ثم لا يحركون ساكناً ولو بكلمات على منبر رسول الله.. ثم إني دعيت مرة لسهرة في أحد البيوت وإذا بالمحافظ ووجهاء الرقة مدعوون أيضاً وكان من بين المدعوين الشيخ محمد البحري والشيخ عبد الخطيب، وإذا بالشيخ الخطيب يقف ويقول بحرارة: إننا شعب عربي مسلم يأبى الذل والهوان وأن هذه الأمة المسلمة لن تركع لإسرائيل وأعوانها – فقلت في نفسي: إنه رجل جريء وفصيح العبارة – ولكنه استطرد يقول: وباعتباركم يا سيادة المحافظ أولو الأمر في هذا البلد فقد وجب علينا طاعتكم لأن الله عز وجل يقول: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" تأملت حديثه وقلت في نفسي يا سبحان الله أهذا المحافظ من أولي الأمر منا؟ ثم ما هي صفات أولي الأمر وبماذا يحكمون؟ وهل من واجباتهم زج الشرفاء في السجون؟؟..

وبعد أيام التقيت بالشيخ الخطيب في أحد شوارع المدينة فقلت له: كيف تصف المحافظ بأولي الأمر؟ وهل تم اختياره من قبل أهل الحل والعقد في هذا البلد، ألم يفعل كذا وكذا؟؟ فصمت الشيخ ولم ينبس ببنت شفة وقد صغر في عيني تماماً، وبعد ذلك أدركت تماماً أن من بين هؤلاء العلماء من يشتري بآيات الله عَرَضاً من الدنيا زائلاً...

- السؤال الثالث: ما هي نشاطاتك الإسلامية قبل دخولك الجيش؟

- باعتباري انحدرت من أسرة ذات عادات وتقاليد إسلامية فقط ولم يكن لها أي صلة بالجو السياسي الإسلامي لذلك كانت تحركاتي عفوية نابعة من الفطرة التي فطرت عليها والتي تميزت بالغيرة على الإسلام..

ففي الثانوية وفي درس التوجيه السياسي قال المدرس فوزي شنان: لقد غالى كتاب السيرة في تمجيد شخصية الرسول للإقلال من شأن العرب كأمة عريقة ذات عادات وتقاليد. طبعاً هذا الكلام ليس من عند المدرس فهو مما يحاول به كتاب التوجيه أن يسمم أفكار أجيالنا.. فقلت في نفسي إن هذا تهجم صريح على كتاب السيرة وطعن بالتاريخ الإسلامي وكنت أجلس بالمقعد الأخير لأنه كان مرتفعاً بواسطة البلاط وأثناء الدرس الذي يليه وضعت بلاطة على سطح المقعد بانتظار أن يتابع الأستاذ نفس الموضوع لأهشم رأسه بواسطة البلاطة لكنه توقف عند هذا الحد.

- السؤال الرابع: من المعروف سابقاً أن الثورة التي قامت كانت من أجل التحرر من الاستعمار والسيطرة الأجنبية، فما هي طبيعة ثورة الإخوان في سورية وهي موجهة ضد من؟؟

- الحقيقة يمكن أن نسمي الثورة التي قامت ضد الاستعمار بالثورة الأولى، أما الثورة الحالية فهي ضد ما خلفه وتركه لنا الاستعمار، ولقد عبر عن ذلك أحد الكتاب المسلمين عندما قال: "الثورة الأولى تكاد تكون انتهت وهي الثورة على الاستعمار العسكري – والثورة الثانية يجب أن تبدأ وهي الثورة على التبعية الاقتصادية والسياسية والفكرية للاستعمار، وقد كان المسلمون وقود الثورة الأولى وسيكون الإسلاميون وقود الثورة الثانية".

الثورة الأولى كانت بحاجة إلى عواطف كاللهيب، والثورة الثانية تحتاج مع هذه العواطف إلى علم غزير ووعي رفيع، في الثورة الأولى كان أمام المسلمين في أوطانهم هدف حسي، أما الثورة الثانية فإن أمام المسلمين فيها ألغازاً وخططاً وأسراراً ومعميات، كان أمام المسلمين كافرون أجانب من السهل عليهم أن يحاربوهم لكن أمام المسلمين اليوم مرتدون من أبنائهم وإخوانهم لا يستطيعون أن يحكموا عليهم بسهولة لتلبُّس هؤلاء المرتدين بأثواب من النفاق.. كانت الثورة الأولى تياراً وطنياً لا يسع أحداً من أبناء الوطن أن يعاكسه ولكن الثورة الثانية ضد تيار داخل الوطن تُغذيه تيارات عالمية جارفة.

الثورة الأولى احتاجت إلى جهد وجهاد، والثورة الثانية تحتاج إلى جهد أكبر وجهاد أعظم، إن على الذين ألقوا السلاح من المسلمين بعد انتهاء الثورة الأولى أن يحملوه مع أسلحة أخرى من أجل الثورة الثانية، لأن الثورة الثانية أعنف وأشد وأكثر آلاماً وأنيناً.

ولئن استمرت الثورة الأولى سنين طويلة فإن الثورة الثانية تحتاج إلى زمن أكبر، إذ إن أعداءنا في الثورة الأولى دول، وأعداؤنا في الثورة الثانية مؤسسات وأجهزة ومرتكزات وحواجز وأوضاع محلية وأوضاع عالمية وجيوب ومشاكل وفساد وكتل ودول. إنه لا بد من الثورة الثانية لإنهاء المؤسسات المأجورة والعميلة التي يغذي جذورها على أرضنا ماء غريب عنها.

ولا بد من الثورة الثانية لإنهاء المشاكل السياسية التي وضعها الاستعمار أو رعاها ليعيش المسلمون في دوامة من المتناقضات، ولا بد من الثورة الثانية لإزالة الحواجز والعوازل بين الأقطار الإسلامية، ولا بد من الثورة الثانية لتحطيم الأغلال والأطواق السياسية والاقتصادية التي تخنق المسلمين. ولا بد من الثورة الثانية كمنطلق لتحرير الأقطار الإسلامية التي تحتلها الدول الكبرى أو تساند أنظمتها الكافرة العميلة.

- السؤال الخامس: متى ولماذا انتسبت إلى الجيش؟

- بعد حصولي على شهادة الثانوية العامة للفرع العلمي والتي كانت تؤهلني لدخول أحد فروع الهندسة ولكن لضيق ذات اليد في تلك الآونة لم أستطع إكمال تحصيلي الدراسي، والسبب الأهم من ذلك هو رغبتي أن أكون ضمن صفوف الجيش تحقيقاً للدوافع الفكرية التي ذكرتها سابقاً، وإدراكاً مني بأن هذا الواقع الفاسد لا يمكن أن يغير إلا بالقوة.

- السؤال السادس: لماذا انتسبت إلى حزب البعث أيضاً؟..

- باعتبار أن الجيش كان وما زال حكراً على نوعيات معينة من الشعب تحقيقاً لسياسة النظام القائمة على سيطرة الأقليات على المؤسسات العسكرية، والتي تستوجب إيجاد غطاء سياسي مناسب لتضليل الشعب فقد قام مدير الكلية وهو اللواء ناصر الدين وطلب منا جميعاً أن ننتسب إلى حزب البعث ثم أردف قائلاً بالحرف الواحد "في حدا ما بيرضى ينتسب للحزب" ولما لم يجب أحد بشيء قال:

"هذا يعني أن الجميع موافقون...

- السؤال السابع: كيف استطعت أن توفق بين كونك حزبياً وكونك مسلماً؟؟؟

- الحقيقة أن تلك المرحلة كانت صعبة جداً ذلك أني كنت كالذي يحمل النار والثلج بيد واحدة لكنها مرحلة لا بد أن تمر حتى أؤدي الدور الذي رسمه لي العمل الإسلامي.

- السؤال الثامن: ما هي ملاحظاتك خلال وجودك في الجيش؟

- يمكن أن أُجمل ذلك في الأمور التالية:

1- كثرة النصيريين والتمييز العنصري، إذ لم نجد كتيبة ولا لواء، إلا وقائد الكتيبة يكون نصيرياً، وأما إذا كان سنياً وهذا نادر فإن رئيس أركانه يكون نصيرياً ولا يستطيع أن يحرك ساكناً إلا بمشورته، وأكبر دليل على التمييز الطائفي أن طلاب ضباط مدرسة المدفعية كان تعدادهم 320 طالباً 60 منهم فقط من مختلف فئات الشعب و260 منهم هم من النصيريين. وكيف يمكن أن نتعامى عن هذه الحقائق؟ أما بالنسبة للعساكر المجندين فإن أي عسكري نصيري يعتبر جاسوساً على جميع السنيين، أو يستطيع أن يرفع تقريراً على من هو أعلى منه في الرتبة لأتفه الأسباب وهذا التقرير كاف لنقل أو تجميد أو تسريح مَن رُفعَ بحقه هذا التقرير، وأضرب مثالاً على ذلك: كان أحد الطلاب الضباط جالساً على المقعد وبيده قلم من الحبر وأمامه مجلة "جيش الشعب" وعليها صورة الطاغية حافظ أسد وبشكل عشوائي ولا شعوري بدأ هذا الطالب يخط بقلمه دونما انتباه وهو شارد الفكر على هذه المجلة.. بعد أسبوع من ذلك إذا بسيارة المخابرات تعتقل هذا الطالب المسكين دون أن يدري سبباً لذلك وبعد سبعة أيام من العذاب المتواصل والمرير والبرد القارس الذي لاقاه في زنزانة إفرادية، بعد هذا العذاب علم أن التهمة الموجهة إليه هي تشويه صورة الفريق ثم أعيد إلى الكلية لمدة شهر لم يقض فيها دقيقة واحدة دون غمز أو لمز، أخيراً كان مصيره التسريح من هذا الجيش المنكوب.

2- الحرب ضد الإسلام بشكل سافر وعلني، فأكثر من مرة شاهدت أحد الضباط وهو يصب الماء في عنق العساكر الذين يؤدون الصلاة وذلك رغم كون الطقس بارد جداً.. وأذكر مرة أخرى أنه قد جاءني عسكري وعيناه تفيضان دموعاً فقلت له ما الذي يدعوك للبكاء؟ فأجاب بعد إلحاح مني أن الملازم الأول والرقيب أحمد رزوق يجبراني على استضافتهما في البيت بعد أن كنت قد استضفتهما مرغماً في مرة سابقة، وحين إعداد الطعام لهما كان يختلسان نظرات خسيسة إلى شقيقتي ووالدتي ولما لم أستجب لمطلبهما بدأا يمارسان الضغط علي بشتى الأساليب والوسائل للنيل من شرفي.. لقد دعاني هذا الموقف أن أهدد الملازم الأول والرقيب برفع تقرير للمخابرات إذا لم يمتنعا عن ذلك الأمر فما كان من هذين القذرين إلا أن رفعا تقريراً حزبياً بحقي بعد أن كتبا ما كتبا فيه، وبعد أسبوع من هذه الحادثة تم استدعائي من قبل قيادة شعبة الحزب دون أن أعلم لذلك سبباً فعلمت أنها محكمة حزبية ميدانية، عندئذٍ تساءلت: ما الذي اقترفته بحق الوطن؟...  يا الله ... هل سقطت مني كلمة سهواً حتى أُدانَ عليها.. هل قصرت في واجب من واجباتي حتى أُحاسب عليه؟ أم ماذا؟

وفي بداية المحاكمة قال أمين الشعبة:

يا رفاق نفتتح الجلسة أولاً ثم نبحث مشكلة الرفيق (ن).

فقلت: نعم، ابحث في مشكلة الرفيق (ن) إذا كانت هناك مشكلة..

فقال: يا رفيق أنت تدعو إلى الدين الإسلامي..

قلت: وما هو الدليل على ذلك؟ هل رأيتني مرة أؤذّن في المعسكر؟ أم أني ألقيت خطباً في جمع من العساكر؟ أم ماذا؟

فقال: يا رفيق أنت تطالع كتباً إسلامية..

فتذكرت أنه قد شوهد معي كتاب لعباس محمود العقاد..

فقلت: هل هناك حَجْرٌ على حرية الفكر؟ فأنا أطالع الكتب الإسلامية وغير الإسلامية فما الذي يمنعني من ذلك؟

فقال: رفيق.. لا.. أنت تصلي أيضاً..

قلت: نعم أنا أصلي وأنا مسلم وهل تتعارض الصلاة مع أهداف ومبادئ الحزب؟؟.

وهل هناك شيء صريح في دستور الحزب يتنافى والإسلام؟..

فأجاب: لا، ولكن باعتبار أن هذا الوطن يمر في ظروف صعبة ونحن نخوض حرب استنزاف مع العدو فالأجدر بنا أن لا نضيع وقتنا في الصلاة..

فـأجبته على الفور:

إن أطول صلاة لا تستغرق أكثر من ثلاث دقائق بينما أنتم تعاقرون الخمر وتقضون الساعات الطوال تفقدون خلالها كامل أحاسيسكم العقلية أفلا يكون ذلك مضيعة للوقت؟ ثم إذا كانت الصلاة تتنافى وأهداف ومبادئ الحزب فإن سيادة الرئيس إما أن يكون مخادعاً للناس عندما يصلي في الجامع الأموي وهذا لا نرضاه له، وإما أن يكون صادقاً فهو لنا قدوة.. فتلعثم ولم يجب.. بعد ذلك قال:

- يا رفيق بإمكانك أن تذهب إلى عملك..

وبعدها تم تجميدي حزبياً لمدة سنتين برتبة نصير.

وقد ساءت العلاقة بيني وبين أحد الضباط بعد خلاف على جواز صلاة الجماعة في الثكنات فكان مما قاله لي الضابط: إن عليك أن تمنع صلاة الجماعة لأنها عبارة عن تكتل وإن اتجاهك يا رفيق معروف باستقامته، فأردت أن لا يصل ذلك إلى المخابرات واكتفيت بإعلامك بحقيقة ما يجري خوفاً عليك – كما يزعم – وهذا الضابط هو ممدوح زهوري وهو برتبة رائد وهو الآن في حالة خطيرة حيث أصيب بارتجاج في الدماغ من جراء عملية الكمين التي نصبها المجاهدون للباص الذي يضم 39 نصيرياً حاقداً.

- السؤال التاسع: لقد أثيرت شبهات عديدة وتساؤلات كثيرة حول أعمال الاغتيال التي كانت تجري في سورية في السابق، فما هو بتصوركم سبب ذلك؟؟

- لقد علمت السلطة أنها ارتكبت جريمة كبرى بحق الإسلام والمسلمين وأنها بدأت تتوقع الرد ويجب عليها أن تبعد الصف الإسلامي ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً عن المواجهة الحقيقة.

فبعد أن ألصقت عمليات الاغتيال بالنظام العراقي مستغلة الجو المشحون بين البلدين: سورية والعراق عمدت على استغلال الصراع القائم في القطر اللبناني فألصقت التهمة أول الأمر ببعض فصائل المقاومة ثم ألصقتها بالكتائب.. وأخيراً استغلت ذهاب المجرم السادات إلى إسرائيل وركوعه عند إقدام اليهود، واتفاقية كامب ديفيد المخزية لكي تلصق عمليات اجتثاث رؤوس الفساد بأطراف كامب ديفيد.. حتى أوصلت الشعب إلى حالة الملل القاتل من هذه الكلمة.. ولكن هذه الأكذوبة لم تلاق من يصدقها وذلك بعد أن تجلت حقيقة الأمر وحقيقة الإخوة الذين يستشهدون والمشهود لهم بصلاحهم عند مجتمعهم الخاص والعام والمعروفين على كافة المستويات، وإن مثل هؤلاء الذين باعوا أرواحهم لله لا يمكن شراؤهم من قبل إسرائيل وأعوانها.

إن سقوط سياسة الاتهامات هو الذي يدفع النظام للعزف على الوتر القديم. وتر الرجعية والإمبريالية العالمية وما سوى ذلك من الألفاظ الجوفاء التي يعلمهم إياها أسيادهم في أمريكا..

- السؤال العاشر: هل يمكن لك أن تعرض بعض الأحداث التي سبقت عملية مدرسة المدفعية وكيف كان انعكاسها على نفسك؟؟..

- بعد أن أصبح مألوفاً لدى الجماهير المسلمة أن ترى المخابرات وهي تطوق البيوت وتقتاد الشبان والعلماء، وبعد أن تناقل الناس ما يسمعونه عن تعذيب الرهائن والمعتقلين وعن الطرق الإجرامية التي يتم فيها هذا التعذيب من جلدٍ على الدولاب وصعق بالتيارات الكهربائية، وتقريض للبشرة بمقارض الحديد وقلع للأظافر ونفخ للبطن بالمنفاخ وبمختلف الوسائل والأجهزة المستخدمة في موسكو وواشنطن.. مع التكتم الإعلامي الشديد، كانت أولى بوارق الأمل تلوح مع ضرب أول دورية للمخابرات في حي ميسلون، وكم كانت فرحة الجماهير كبيرة وهي ترى أذناب السلطة مضرجين بدمائهم.. ثم تلاحقت عمليات ضرب الدوريات في مختلف أحياء المدينة لتبرز إلى الوجود ظواهر المقاومة الشعبية.

كل هذه الأحداث دارت في مخيلتي وأنا أرى أحفاد النصيريين وهم يقومون بعرض عسكري في ساحة كلية المدفعية مدججين بأسلحتهم الرشاشة.. ليقوموا بعد ذلك بقتل وتعذيب المزيد من المسلمين، عند ذلك شعرت تماماً أنه لا فرق بينهم وبين أحفاد صهيون، عندما قاموا بعرض عسكري في القدس بعد احتلالها مرددين "محمد مات خلَّف بنات".

- السؤال الحادي عشر: هل نستطيع القول بأن عملية المدفعية هي رد على هذه الأعمال الإجرامية التي قامت بها السلطة النصيرية الحاقدة ضد المسلمين؟

- إن الأمر هو أكبر من حدود الرد الانتقامي بكثير فالأمر يتعلق بقضية العقيدة والحاكمية والسلطان لله وحده. ولكن عندما تجرد العدو من كامل الشعور بالإنسانية بعد أن أصبح عدد المعتقلين بالآلاف وبعد أن بلغت عملية التعذيب الوحشي أقصاها فكرت للحظة الأولى بأن يحتجز الطلاب كرهائن.. وذلك لإسماع صوتنا خارجياً ولإظهار حقيقة الاضطهاد والتعذيب الذي يلقاه شعبنا المؤمن وذلك بواسطة مقابلة تلفزيونية أو إذاعية ولكن كما ظهر من تصرفات العدو السابقة أنه غير مستعد للاستجابة لأي مطلب من مطالبنا لذلك انتهت العملية بنتائجها المعروفة

- السؤال الثاني عشر: كيف تمت العملية بالتفصيل:

- نستطيع القول أن تخطيط العملية تم على عجل نظراً لاقتراب تخرج دورة الصف المتقدم فبعد إجراء الخطة المتفق عليها تم تقسيم المجاهدين إلى خمس مجوعات:

1- المجموعة الأولى مهمتها اقتحام الندوة وضرب الطلاب الضباط.

2- المجموعة الثانية ومهمتها احتلال المحارس.

3- المجموعة الثالثة ومهمتها ضرب الضباط النصيريين في دورة قائد كتيبة وتعدادهم 16 ضابطاً نصيرياً من أصل 20 بين مقدم ورائد.

4- المجموعة الرابعة ومهمتها مهاجمة المسبح وكان فيه العميد عساف عيسى مع بعض الضباط النصيريين.

5- المجموعة الخامسة ومهمتها احتلال المقسم وإضرام النار فيه بعد إخراج العناصر واحتلال الإذاعة التابعة للكلية ووضع شريط مسجل فيه بيان معد مسبقاً يبين أهداف العملية.

إلا أن ضباط دورة (قائد كتيبة) كانوا في إجازة أثناء ذلك ولم تلتحق حتى ساعة التنفيذ، أما العميد عساف فقد غادر المعسكر قبل تنفيذ العملية بنصف ساعة.

ولقد تمت العملية بعد أن تم فرز الطلاب النصيريين فقط ثم انسحب الإخوة إلى قواعدهم سالمين بعد أن أدت كل مجموعة مهمتها على أكمل وجه.

- السؤال الثالث عشر: ترددت شائعات بأنك لم تقم بفرز بعض طلاب الضباط من سنيين ومسيحيين لأنه كان هناك بعض الجرحى والقتلى السنيين والمسيحيين؟؟

- هذا غير صحيح لأن ضباط المخابرات العسكرية وأمن الدولة قاموا بفتح النار على بقية الطلاب الذين جرى فرزهم انتقاماً لما حل بالطلاب النصيريين وهذا أدى بدوره إلى قتل وجرح عدد من هؤلاء الطلبة.

- السؤال الرابع عشر: هناك بعض الضباط سجنوا وبعض من الطلاب الضباط أعدموا ما هو تفسيركم لذلك؟

- بالنسبة للضباط الذين سجنوا أذكر منهم الرائد سليمان طويل والملازم عدنان صفاف، أما الرائد سليمان فقد طلبت منه إذناً بالذهاب إلى الباب الرئيسي بحجة تواجد بعض أقاربي فسمح لي بذلك، وباعتباري ضابطاً مناوباً طلب السيارة المناوبة وهذا شيء مألوف وطبيعي عند كافة الضباط، أما الملازم عدنا فليس له أية علاقة فهو ضابط مناوب وأدنى مني رتبة وليس له أية صلاحيات...

والعملية بمجملها استغرقت (10) دقائق، فأين لكل منهما أن يستطيع التصرف حيال هذا الموقف الخاطف... أما الطلاب الضباط الذين أعدموا فأقول إن العدو لم يتورع عن فتح النار وبشكل عشوائي على الطلاب السنيين ودون أدنى تهمة فهل يتورع عن أن يكيل تهماً اعتباطية وباطلة أصلاً على أي منهم أو ينتزع منهم اعترافات باطلة أيضاً وتحت التعذيب ثم يقوم بإعدامهم؟ وهذا ما حصل فعلاً..

أما العريف عبد الراشد الحسين فهو الآخر ليس له أي دور في العملية وذلك لأنه سائق مناوب فقد قام بمرافقتي دون علم منه لما يجري حوله، وعندما علم بالحقيقة اقتيد بقوة السلاح...

- السؤال الخامس عشر: ترددت شائعات بأن الأسلحة المستعملة في العملية كانت من صنع إسرائيل فما مدى صحة ذلك؟

- إن هذه الشائعات هي مجرد محاولات يائسة من قبل العدو لطمس الحقائق وتضليل الشعب عن حقيقة العصبة المؤمنة، لأن الأسلحة التي استخدمت هي من نوعيات مختلفة منها روسية ومنها رشاشات فرنسية ورشاش أمريكي واحد فقط. وقنابل فرنسية وإنكليزية وروسية أيضاً، ومثل هذه الأسلحة متواجدة لدى الشعب وبشكل طبيعي.

- السؤال السادس عشر: هل صحيح أنك قمت بمغادرة البلاد بعد العملية؟

- هذا غير صحيح لأنني عندما قمت بهذه العملية مع الإخوة لم تكن هي الهدف الوحيد، ولكنها خطوة واحدة إلى الأمام في طريق الجهاد المبارك ونحن نسعى إلى إكمال هذا الطريق حتى ترتفع راية "لا إله إلا الله" أو نلقى الله شهداء غير مفتونين..

إن هدف العدو من هذه الشائعة هو أن يظهر للشعب أن هذه العملية قامت بها عصابة بسيطة وانتهت بمجرد أنهم ضربوا وهربوا وأنها ليست قضية عقيدة أو مبدأ..

- السؤال السابع عشر: إن لكل ثورة مراحل تمر بها وذلك حسب الظروف الزمانية والمكانية والاجتماعية فما هي بعض مراحل ثورتنا الإسلامية؟

- لا شك أن كل شيء يجري بحول الله وقدرته وتدبير من عنده تعالى، فقد كانت بداية عملنا العسكري صعبة جداً.. ذلك لأن المجاهدين كانوا يواجهون قوي البغي بمفردهم.. بينما كان العدو يزج في بداية الأمر كافة قواه من مخابرات عسكرية إلى ما يسمى بأمن الدولة إلى قوى الأمن الداخلي ثم جند الحزبيين من أبناء المنطقة مستغلاً بذلك معرفته بأننا لا نقتل السنيين ولكن هذه القوى أعلنت انسحابها بمجرد تلقي بضع ضربات من المجاهدين بل إنهم قدموا بطاقات اعتذار للمجاهدين عن هذه الفعلة الشنيعة التي ارتكبوها وأعلنوا استعدادهم للوقوف إلى جانب المجاهدين وبكل ما يملكون، وسرعان ما تفاعلت كافة القوى الشعبية بمختلف قطاعاتها مع فصائل المجاهدين بعد أن أدركوا حقيقة المعركة وحقيقة العدو الذي كشف عن وجهه الطائفي السافر عندما زج بالوحدات الخاصة وسرايا الدفاع لترتكب الجرائم المتلاحقة بحق الشعب الآمن الأعزل وتقوم بفتح النار على المظاهرات السلمية التي عبر من خلالها الشعب وبعفوية مطلقة عن التزامه بخط الثورة الإسلامية.. وكان هذا بمثابة استفتاء حقيقي وغير مزور ونتائجه مجسدة على أرض الواقع، وقد سقط الكثير من الشهداء والجرحى من أبناء الشعب معبرين بذلك عن استعدادهم للتضحية بكل ما يملكون من مال ورجال وسلاح، ثم تابع المجاهدون ضرباتهم العسكرية الضخمة بتوفيق الله مما دفع العدو إلى زج الفرقة الثالثة المدرعة ودفعها إلى داخل محافظة حلب بالاشتراك مع بعض الألوية الأخرى ظناً منه أنها تستطيع أن تحسم الموقف لصالح الطاغية حافظ أسد... مع العلم أن نسبة النصيريين في هذه القوة كانت مرتفعة جداً.. ناسياً بذلك أن الله المتجلي بقدرته لن يتخلى عن العصبة المؤمنة والشعب المؤمن ولن يتركهما في الساحة وحدهما...

وسوم: العدد 690