القعقاع بن عمرو التميمي

الشيخ حسن عبد الحميد

تاريخنا .. 

           من أبطال الإسلام :

حضر وفد بني تميم لمبايعة المصطفى عليه الصلاة والسلام  ، كان صلى الله عليه وسلم يتوسم فتىً منهم ، ويتفرس في وجهه ، وقال : مااسم الفتى ؟؟ 

قال : القعقاع بن عمرو 

قال المصطفى صلوات الله عليه : ماأعددت للجهاد في سبيل الله ياقعقاع ؟؟

قال : طاعة الله ورسوله ، والخيل الصافنات ، والرماح المرهفات ، فقال عليه السلام : تلك الغاية .

ومنذ ذلك اليوم وضع القعقاع نفسه وسيفه في طاعة الله ورسوله ، وجعل مفرشه صهوات الجياد رضي الله عنه .

حين طلب سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه من الخليفة الصديق رضوان الله عليه ، طلب المدد عندما توجه لفتح بلاد العراق ، فأرسل له المدد ؟؟؟ 

من هو !!!

رجل واحد !!! القعقاع بن عمرو !!!

استغرب الصحابة فقال الصديق رضي الله عنه : إن جيشا فيه القعقاع لايُهزم ، وصوت القعقاع في الجيش لخير من ألف فارس  .

بعد فتح الشام ورد كتاب من الخليفة الفاروق قاهر الفرس المجوس رضي الله عنه ، إلى أبي عبيدة بن الجراح  :

اقتطع من جندك وأنفذهم حثيثا إلى سعد بن أبي وقاص في القادسية  !!!

صدع القائد ابن الجراح للأمر رضي الله عنه وولى على الجيش هاشم بن عتبة وجعل على مقدمة الجيش القعقاع بن عمرو وأوصاهم ابن الجراح : 

العجل ، العجل ، المسلمون في القادسية يواجهون أضخم حشد حشدته فارس في حرب ، وهم بحاجة إلى كل رجل منكم !!!!

مضى القعقاع مع ألف فارس إلى القادسية ، والجنود يتلهفون وصول المدد إليهم من بلاد الشام ، لكن ماذا تصنع الألف أمام جيوش فارس ؟؟؟؟

لكن القعقاع جعل من الألف في عيون المسلمين ألوفا !!!! حين قسّم فرسانه الألف إلى عشر فرق ، في كل فرقة مائة فارس ، وأمر الفرقة الأولى أن تنطلق في اتجاه جيش المسلمين ، وأن تتعمد إثارة الغبار حتى تشحن الجّو شحنا ، وكذلك تنطلق بقية الفرق باتجاه العدو .

انطلق القعقعاع على رأس الفرقة الأولى فكبّر ، وكان صوته بألف فارس كما قال الصديق رضي الله عنه .

ومرّ بسعد بن أبي وقاص وبشره بالمدد ، ورأى العسكر سنابك الخيل تثير العجاج ، واهتز المكان بصوت الله أكبر

ونظر العسكر إلى النجدات تتوالى كتيبة إثر كتيبة فدّب الذعر في نفوس الفرس ، وأخذ المسلمون يهللون ويكبرون بأصوات صدعت أفئدة العدو .

تقدّم القعقاع بن عمرو إلى الأعداء ونادى هل من مبارز ؟؟ وماهي إلا لحظات حتى تقّدم فارسٌ مدججٌ بالسلاح وقال : أنا لك ، أنا ( بَهْمَنُ ) ذو الحاجب قائد جيوش فارس يوم الجسر ، أنا قاتل قائدكم أبي عبيدة الثقفي وأصحابه ، فقال القعقاع : يالتارات يوم الجسر 

امتشق البطل حسامه وصال على بهمن

ويصرخ المسلمون الله أكبر الثأر لأبي عبيدة الثقفي ، أهوى القعقاع عليه بضربة من سيفه طرحته أرضا وتركته يسبح في دمائه سبحا ، وتردد في أرجاء القادسية صوت الله أكبر ، ثم وثب المسلمون على عدوهم تواثب الأسود

أمر القعقاع أن يستحضروا عشرات من ضخام الإبل وأن يجللوها بالملاءت السود المطرزة وأن يركبوا ظهورها ويهاجموا بها خيل الفرس ، جفِلت خيل الفرس ووقفت في أماكنها وامتنعت عن التقدم ، وارتدت على أعقابها مولية بمن فيها ، فركب المسلمون ظهور الفرسان الفارين وأعملوا في رقابهم السيوف .

ومازال القعقاع ينتظر المدد بقيادة هاشم بن عتبة ، وفعل البطل مافعل بالأمس ، يقبل الجند على ميدان المعركة مائة إثر مائة ، وأن يثيروا الغبار ، وبينما هم يفعلون ذلك زاد عدد الكتائب عن العشر ، فنظر القعقاع فإذا هاشم قد وصل بجيشه إلى مشارف القادسية وفعل مع جنده نفس الخطة .

وتقدمت فيلة الفرس ، ودارت معركة ضارية ، أريق فيها العزيز من الدماء ، وأزهق خلالها الكثير من الأنفس ، فصبر المسلمون وتجلدوا ، حتى أطاحوا حماة الفيلة فإذا هم ناكص على الأعقاب ، وتابعت الفيلة طريقها لم تؤثر فيها ضربات السيوف ولا طعنات الرماح 

شعر سعد بن أبي وقاص بالكارثة التي توشك أن تحيق بالمسلمين بسبب الفيلة ، والهزيمة قادمة لامحالة !!!!

كان قائد الفيلة الفيل الأبيض فيل ( يزدجرد ) ملك الفرس ، ثم الفيل الأجرب ، والفيلة تتبعها !!!

استشار سعد جماعة من الفرس الذين أسلموا في أمر الفيلة فقالوا : افقؤوا عيونها واقطعوا خراطيمها فتفشل !!!!

أرسل سعد إلى القعقاع وأخيه عاصم اكفيا المسلمين الفيل الأبيض ، وأرسل إلى اثنين من بني أسد عليكما بالفيل الأجرب ،

ترجل القعقاع وأخوه عاصم واندفعا يشقان الصفوف في اتجاه الفيل الأبيض ، سدد البطل رمحه إلى عينه اليمنى وعاصم إلى عينه اليسرى في لحظة واحدة ، فنفض الحيوان رأسه من شدة الألم وهوى على الأرض ، وثب القعقاع فقطع خرطومه بالسيف .

وحمل الفارسان الآسديان على الفيل الأجرب فأخذ يصيح كالخنزير من شدة الألم واندفع نحو النهر ووثب فيه ، فتبعته الفيلة ووثبت في النهر .

أيقن المسلمون بعون الله ، ووثقوا بنصره إذا هم صبروا وصابروا وأرخصوا الدماء في سبيل الله ، وقدمت الإمدادات الضخمة للفرس ، وأقبل الفريقان على القتال إقبال العطاش على الماء ، ودارت رحى معركة ضروس تطحن الرجال والسلاح طحنا ، وأظلم الليل ولم يضع أي الفريقين سلاحه ، وخرج الأمر من يد سعد ، كما خرج من يدي رستم ، وفقدا السيطرة على الجيش .

أدرك سعد ان القعقعاع زحف على الفرس من غير أذنه ، فخاف على جند المسلمين أن تصيبهم الكارثة ، ومالبث أن يدعو له قائلا ( اللهم اغفر للقعقاع وانصره ، اللهم إني قد أذنت له ، وإن لم يستأذني )

كانت لاتُرى في عتمة الليل غير عيون كالجمر تدرو في المحاجر ، ولا تُبصر غير الشرر المتطاير من وقع النصال على النصال .

وتنفَّس الصبح عن تلك الليلة الليلاء ، التي سُميت بليلة الهَرير ( صوت الكلب دون النباح ) 

تنفَّس الصبح عن سواعد قد كلّت ، وعن عزائم قد وهنت ، وعن سيوف قد تثلّمت !!!!

عندها وقف القعقاع في صفوف المسلمين قائلا : 

يامعشر المسلمين إن النصر سيكون بعد ساعة لمن يثبت على القتال منكم أو من عدوكم ، فكونوا أنتم الذين تصبرون هذه الساعة ، ثم هجموا على معسكر الفرس ، ولم ترتفع شمس ذاك اليوم الا وصفوف الفرس تترنح تحت وطأة هجمات المسلمين .

وهبّت على ساحة المعركة الريح العاصفة فأطارت قبة رستم من فوقه وقذفت بها إلى النهر ، اندفع القعقاع نحو السرير للفتك ب ( رستم ) فألقى بنفسه في النهر حين رأى أن جند المسلمين قد أوشكوا أن يطبقوا عليه ، فانقض عليه أحد رجال القعقعاع وفلق جبينه بالسيف فلقتين ، ثم صعد إلى سريره وهو يصرخ : 

قتلت رستم وربّ محمد ، قتلت رستم وربّ الكعبة .

لقد كان مصرع رستم خاتمة لأعظم معركة غيّرت وجه التاريخ ...

وماتزال ايران المجوسية تذكرها بحسرة وألم وتنادي بالتارات في جبهات حلب والقصير وداريا وحمص !!!!

وكان القععاع بن عمرو بطل معركة القادسية الفذّ ، رضي الله عن الصدّيق القائل : ان جيشا فيه القعقاع لايهزم

القعقاع التميمي بطل اليرموك وفتح دمشق ، وشهد أكثر الوقائع مع الفرس ، وهو الذي غنم في فتح المدائن دروع كسرى وكان فيها درع هرقل ، وسيف كسرى والنعمان فأرسلها سعد رضي الله عنه إلى الفاروق عمر رضي الله عن وأرضاه 

صور من حياة الصحابة .

والله أكبر والعاقبة للتقوى 

وفرجك ياقدير

وسوم: العدد 691