هكذا رأيت أبي.. فسكنوا ذاكرتي الأحبة!
سألني أحد الأحبة: كم عمرك، وما حجم هذه الذكريات التي تحملها؟!
فأجبته: يُكره توضيح العُمر، ويُستحب سرد الذكريات برجاء المطلوبية.
من هُنا لا بُد لي من وقفة إجلالٍ وإكبارٍ لجدتي وأمي: أم علي القرين التي خطفها المنون بجناحه قبل أشهرٍ معدودة (رحمها الله)، حيث يرجع أصلها إلى فريج النعاثل الشرقي من أسرة المعيوف، وأمها فاطمة الفارس (رحمهما الله)، وأمي التي أنجبتني: فاطمة بنت محمد بن سلمان العبد اللطيف الغريري ( أم توفيق، حرسها الإله بعين الغيث العميم، والعطر المستديم)، وأمها: حجية بنت جمعة البن صالح (سلمها الله من كل سوءٍ وكدرٍ).
أما جدي من طرف أبي موسى بن محمد بن علي بن أحمد القرين أو القريني أو بن قرين كما يحلو بما هو موثق لأبناء بني عمومتنا هُنا وهُناك!
فقد تزوج جدي موسى (رحمه الله) أربع نساء، الأولى من العربي، والثاني من الحصار، والثالثة من بنات عمومته بقرية الشعبة، والرابعة جدتي (رحمها الله).
أما إخوان وأخوات جدي:
عمي: علي (أبو محمد)، عمي: جاسم (أبو مريم)، عمي: عيسى (أبو إبراهيم)، عمي: محمد (أبو ياسين)، وعمتي قرينية: آمنة (أم علي المعيوف أبوهاني)، وعمتي: (أم خميس الحجي).. الشاهد طول، وقصر على روحك من حيث العدد، والتعداد للأصول والفروع، وفروع الفروع!
هذا من جانبٍ.. فكيف إذا كان مجلسهم مشرعة أبوابه، ويمتهنون الحياكة بشكلٍ يومي؟!
من هُنا كانت البداية لوالدي: حبيب بن موسى القرين (رحمه الله)
فقد امتهن في صغره الحياكة، ثم البناء، ثم النجارة، ثم جلواتي للأعراس، وحملدار للحج والعمرة، وذبح الذبائح، والطبخ في الأعراس والمآتم، إضافة إلى تشييده ورعايته لمجلس القرين طوال أيام حياته (رحمه الله)، والذي يُشرف عليه الآن أخي الأكبر توفيق.
أما أعمامي وعماتي من طرف أبي حبيب (رحمه الله): أحمد، موسى، خاتون، زينب، علي، عبد الله، الملا: عبد رب الرسول.
لذا، تجذر هذا المخزون في خلدي.. فالكل منهم له واقعه الاجتماعي على مستوى داخل الأحساء وخارجها.. وعلى وجه الخصوص عمي موسى (رحمه الله).. الذي يُحرجك على كبر سنه، وفقده لأبنه البكر في ريعان شبابه المرحوم الشيخ: يوسف (أبو الشيخ: مصطفى، والشيخ: رضا).. بتواصله مع الصغير قبل الكبير..
حتى أنني قلت له ذات مرة: "عمي المفروض الصغير هو من يزورك، ويسأل عنك"..
فيبتسم بضحكته المعهودة، ويقول: (ما تبي أجر يا ولد أخويه)؟!
ولك أن ترى اهتمامات أعمامي البقية، وأبناء عمومتي في الهفوف، والمبرز، والشعبة، والعراق!
الشيء الغريب أنك لا تكاد تلحظ أن أعمامي من أبي لأبيه يتصرفون مع جدتي كخالة (زوجة أب) بل كأم رغم فارق العمر بينها وبينهم.. فرحمة الله على عمي أحمد الذي شاهدته يأتي لزيارتها رغم فقدة للبصر بشكل يومي بعد صلاة المغرب، وكذلك عمي موسى (رحمه الله) يأتي لزيارتها بعد صلاة الظهر مباشرة، وبعد صلاة المغرب قبل دخوله إلى مجلس الأسرة.. وفي أيامه الأخيرة مجرد أن يراني كان يبكي لعدم استطاعته المشي لزيارتها!
وعلى إثر ذلك سأحبو على رُكبتي لاستنطاق كل ما بحوزتي من طينٍ، وإرثٍ، وحكمٍ، وأمثالٍ، ووريقاتٍ، وصورٍ، ودفاترٍ، وأناسٍ، ومواقع متناثرة... بما رأيت لا بما سمعت أو نَقل لي أحد الثُقات!
حقيقة الذكريات تشتعل في مجمر روحي..
كيف لا، وفرجان الأحساء بقراها ما زالت تُطيبني كل يوم من بخورها الطاهر الأصيل، وسيرة أسلافنا (رحمة الله عليهم أجمعين).
تذكرت أمي أم علي، وخالتي أم سامي البن صالح، وخالتي أم فؤاد الشمس، والخالة أم علي الهودار، والمطوعة الخالة أم صالح الشمس، والخالة أم علي الغريري، والخالة أم سعيد بن صالح، والخالة أم حسين الهودار، وعمتي نجيبة بنت الشيخ سلمان العبد اللطيف، والمطوعة أم سيد إبراهيم الغافلي، وخالتي أم ياسين بن صالح، والخالة أم خليل بو زيد في الطبخ ببيت عبد الله بن نصر، وطعم الممروس، والصالونة.
تذكرت من امتهنوا حرفة النجارة في منجرة الوالد (رحمه الله) منجرة التوفيق للموبيليا: عبد الهادي العبد اللطيف، صادق الغريري، منصور الخليفة، حسين الغريري، وصادق المسلمي، وغيرهم الكثير.
تذكرت بستان النعاثل الشرقي، والرفاعة، والعسيلة، والمشي من الفريج الشمالي إلى هناك مع أمي أم علي (رحمها الله).
تذكرت المطوعة: أم خليفة الدخيل، والمطوعة: أم محمد الهودار، والمطوعة: مريم بنت جاسم القرين، والمطوعة: أم عبد رب الرسول العلوي، والمطوعة: أم راضي الهودار، والمواقف التي حصلت لي معها حين أُناشد بإصرارٍ، وعدم التحرك من على باب المطوعة إلا بخروج بنت (عميّه) علي أم مصطفى لتناول (القدوع)، ولك أن تعيش فاكهة المواقف!
تذكرت التسع سنوات التي درستها بين مدرسة الجارود الابتدائية، ومدرسة عمرو بن العاص المتوسطة، والصُحبة التي أردفتني بثقل الوصل والتواصل بين الكوت والرقيات والنعاثل والفريج الشمالي!
تذكرت كُتبي، ودفاتري الحاضرة بين يدي الآن من صف خامس ابتدائي وما فوق، والمزينة بتجليد الورق الحجازي، وطبعات جُبن المثلث، وتغليفة البلاستيك.
تذكرت الخالة: أم سعيد الزاير، والخالة: أم حسين بوحسن، والخالة: أم طلال البحراني، والخالة: أم عباس بو هويد، والخالة: أم حيدر زهرة بنت جاسم، والخالة: أم عبد المجيد الدخلان، والخالة: أم باقر السعود، والخالة: أم حسين عبد الله السالم (واللي يصفي يصفي.. يخليك ربي)، وزوجة عمي: محمد (أم ياسين) وطرائفها المبهجة، وزوجة عمي علي القرين (أبو عبد الهادي)، والخالة: أم علي الراضي.
تذكرت سوق ادعيدع بالنعاثل، وعمّاريات سوق الخميس أمام مدرسة الإمام علي بن أبي طالب الابتدائية بدروازة الخباز، وسوق الطرف، والمبرز، والجفر، والقارة، والسباحة في قنوات عين الجوهرية، وعين الحويرات، وعين الخدود، وأم سبعة، والمشتل، ومشروع حجز الرمال، وجبل القارة، والصلاة خلف العم الشيخ: عبد الله بومرة بقرية الطرف في شهر رمضان مع أبي وأخي توفيق، والعم: عبد الله الزاير (أبو سعيد)، والعم: عبد الله العبد العظيم (أبوسلمان)، والعم: صالح العبدي(أبو يوسف).
تذكرت رش أرض الفريج الشمالي الترابي، ومدّ الهوز من بيت لآخر، وجمع (الفلج) لشربت الفيمتو، والسن كويك، والليمون الحساوي من مجلس الشبان، والسماعيل، وبن قرين، والكبيرة.
تذكرت (مسيد) العباس بالمطيرفي وسدرة الكنار، والولائم بجوار بقالة المرحوم: ( أبوعباس)، والسباحة هناك، وتجفيف الملابس على مرآة السيارة الحوض (الوانيت) الجانبية!
تذكرت العم: أحمد السيحان (أبو سعد)، والحاج: عيسى البريه (أبو سامي) والأهالي في قرية الفضول الشريط، المطر، الوطيان، العواد، العضب، ونادي الفضل الراضي.
تذكرت حملة المرحوم: حسين شيبة بالطرف، وحملة المرحوم: علي الكريمي (أبو محمد) بالحليلة، وحملة المرحوم: محمد غواص (أبو ياسر) بالهفوف، وحملة المرحوم موسى الدباب (أبو إبراهيم) بالهفوف، وحملة المرحوم عبد الله بو قرين (أبو عبد الهادي) ببني معن، وحملة العم: صالح الدخيل (أبو باقر) بالهفوف، وحملة المرحوم الوالد: حبيب القرين (أبو توفيق) بالهفوف، وحملة المرحوم: إبراهيم الحيز(الهدبي) بحوطة العمران، وحملة الحاج: يوسف التريكي (أبو يعقوب) بالدالوة، وحملة العم السيد: محمد الغدير العلي (أبو سيد حسين) بالمطيرفي.
تذكرت المرحوم الشيخ: أحمد الطويل (أبو العم باقر) من الهفوف، والمرحوم العم: حجي الديرم ( أبو علي) من الجبيل، والمرحوم العم السيد: سلمان الحاجي (الكبير) من التويثر، والمرحوم العم: موسى الصقر (أبو يحيى) من الشهارين، والمرحوم ابن العم الشيخ: يوسف بن موسى القرين.
تذكرت التنقل بالباصات (التوبيس الأصفر)، والمرسيدس، (والسوابر) بين المدينة المنورة، ومسجد الشجرة للإحرام، ومكة المكرمة، وعرفات، ومُزدلفة، ومنى، وأجرة الحج المرسيدس آنذاك١٨٠٠ ريالاً، والتوبيس ٢٥٠٠ريالاً، والسوبر ٣٥٠٠ ريالاً.
تذكرت رواد الحملة وأصدقاء الوالد بالحملة، والكادر الخدمي للحملة: المرحوم: يوسف الدخلان، المرحوم: عبد الله الخليفة، الشيخ: جعفر المسيليم، المرحوم السيد: محمد الشخص، الحاج:عبد الله الدخلان، الحاج: يعقوب العثمان، السيد: جواد المسّلم، الحاج: محمد الفرحان (العزيب)، السيد: حسن الهاشم، السيد: جعفر الهاشم، الحاج: علي الخميس، الحاج: حسين بن صالح (البطل)، الحاج: عبد الله الدواء، المرحوم الحاج: عبد الله علاو، الحاج: علي مسلم (أبو صالح)، الحاج: أحمد مصرندة، الحاج: عبد رب النبي المعيوف، المرحوم الحاج: عبد الله السماعيل، ويوسف العيسى، الحاج: رمضان الموسى، الحاج: جعفر أبو مرة، الحاج: عبد الله أبو خضر، المرحوم الحاج: ناصر أبو علي، الحاج: صادق البحراني، الأخ: نظمي بو هويد، الأخ: محمد بوهويد، الملا: حسين الفارس، العم الملا: عبد رب الرسول القرين، المرحوم الشيخ: عبد الله أبو مرة، الحاج: (أبو هاني مسلم)، وابن العم المرحوم الشيخ: يوسف بن موسى القرين، والحاج: عبد العزيز أبو عامر.
تذكرت الدزة الحساوية القديمة، والتعريسة، والغدنة، وعرس (عميه علي)، وعرس ولد الخال: عبد الله المعيوف، وخطوبة (خالتيه): أم يحيى، وعرس يوسف (ولد عميه)، والطباخ على جدوع النخل والسعف والكرب.
تذكرت بيت الحاج: علي الخواهر (أبو سلمان) من المنصورة، والسيد: مجيد البراهيم، تذكرت الريال المعدني، وهواتف العملة في مواسم الحج والعمرة، والزحام عليها هناك.
تذكرت دعاء المرحومة: أم عبد الهادي البحراني ساعة ذهابنا إلـى مدرسة الجارود بكوت الأحساء لحفيدها: يوسف بن علي البحراني.
تذكرت الودمة الحساوية الحساس (العوم)، والترنج، والفجل، والتمر.. في مدرسة الجارود الابتدائية بالكوت، والعقاب بعدها (طيب طيب)!
تذكرت أيام الكشافة، ونادي هجر، وتذكرت منافسة حملات الحج سابقاً في توزيع الإحرامات على الرجال، والعبايات على النساء، وكذلك المرطبات، وصابون الاستحمام... تقريباً عام 1405هـ.
تذكرت بياع القاز (الكيروسين) بالفريج الشمالي، وهو يصول ويجول بين الأزقة والطرقات قائلاً: (قاز.. قاز) تقريباً عام 1402هـ.
تذكرت المرحوم العم/ جاسم بن محمد الجاسم، وتوزيعه اللحم على البيوت (ربع كيلو مصير لبن، كرشة غنم من سوق القصابية بالكوت) الذي هو بجوار عمارة السبيعي، والمدرسة الأولى بالهفوف.
تذكرت أستاذنا القدير للغة العربية: المقيرن بمتوسطة عمرو بن العاص بالكوت، وحفظه للطلاب ودرجاتهم، وكذلك الأستاذ: عبد الله الهديب (وكيل المدرسة) على النظام والمتابعة، وأستاذ الرياضة المصري: محمد الجارحي (أبو أنس).
تذكرت دكان بن سبت، ودكان المحيفيظ للحلاقة والحجامة، وأيضاً (الحواويج) بالقيصرية بالهفوف، وتذكرت (الهواش) على التغذية المدرسية تقريباً عام 1400هـ (اللي يجيبها) أخوي توفيق.
تذكرت بقالة العم المرحوم/ فهد البدر، وجلسة الصباح، والخبز الأحمر الحساوي، وسوالف، ومزاح العمام: أحمد وحجي، وحسين الجاسم، ومعتوق الخليفة (أبوعلي) وغيرهم.
تذكرت ثياب (أبو غزالين)، والقحفية (الطاقية)، والزنجفرة (الفانيلة) من بسطات سباط القريني بالفريج الشمالي، وبسطات سوق القيصرية بالهفوف القديم.
تذكرت مجلس الحاج/ علي النجار لخياطة البشوت في الفريج الشمالي بالهفوف.. (عاد كنا نروح أنا مع أخويه الأكبر توفيق) نتعلم الخياطة بأجرة أسبوعية (خمس ريالات) نأخذهم كل نهاية أسبوع يوم الخميس تقريباً عام 1405هـ.
تذكرت التجمهر عند جبل الطوب (المدفع) في شهر رمضان قبل أذان المغرب بدروازة الخباز، أو طريق المزرع بالهفوف.
تذكرت (التبديلة الرياضية التي توزع علينا مجاناً) في صف ثالث ورابع ابتدائي، وكذلك بدلات الكشافة في مدرسة الجارود بكوت الهفوف. والنقل الجماعي بدروازة الخميس، وقهوة أمطير، ومحطة (التكاسي)، ومحل المعيبد لتصليح الأجهزة الكهربائية.
تذكرت بسطتي لبيع الصبار (التمر الهندي) في ثاني ابتدائي (أمام/ جدام) بيتنا بالفاضلية.. (عاد) كانوا جيرانه في ذاك الوقت: بيت المرحوم: عباس الحرز (أبو عبد المنعم)، وبيت راضي الليلي، وبيت عبد الوهاب الهودار، وبيت الزامل، وبيت السيد.
تذكرت "سكة سفر" مع أخي وصديقي: توفيق، والترحل بسيارتنا الكابرس (القطية) موديل 82 ما بين حديقة عين النجم، ومشروع حجز الرمال بقرية العمران، وجبل القارة في انتظار نتائج المرحلة الثانوية بالصحف والجرايد.
وما زلت أتذكر وأتذكر.. وكلما تذكرت فاحت رائحة الطين في وجداني بالبكاء والحنين..
ومن أراد المزيد من الذكريات فليرجع إلى كتابي: "عصا موسى وبحر ذكرياتي"
وسوم: العدد 695