الأستاذ الداعية المحدث د. محمد بن لطفي الصباغ
أستاذ علوم القرآن والحديث بكلية التربية بجامعة الملك سعود - بالرياض.
(1930- معاصر )
هو الشيخ العالم المحدث الأديب أبو لطفي، محمد بن لطفي بن عبد اللطيف بن عمر بن درويش بن عمر بن درويش بن محمد بن عمر بن محمد ياسين الصباغ. عالم سلفيٌّ من قيادات الحركة الإسلامية في سورية، وفقيه شافعيٌّ، وداعية مربٍّ، ووجيه مُصلِح، من عُلَماء العربيَّة وأُدَبائها، وهو باحثٌ ومحقِّق، وكاتبٌ ومصنِّف، وخَطيبٌ ومحاضِر، من الفُصَحاء الأَبْيناء.. وهناك جوانب مجهولة في حياة الشيخ محمد لطفي الصباغ، وسوف نسعى إلى تبيين بعضها .
مولده :
ولد الأستاذ الدكتور محمد بن لطفي الصباغ في دمشق عاصمة سورية عام 1930م، ونشأ في أسرة مسلمة محافظة .
تعليمه :
وقرأ القرآن كله على رواية حفص مرتين على القارئ المتقن الشيخ سليم اللبني - رحمه الله - قراءة مستوفية لأحكام التجويد.
ثم قرأ على شيخ القراء في بلاد الشام الشيخ كريم راجح الذي كتب له إجازة بالإقراء.
تلقى العلوم الإسلامية على علماء دمشق من أمثال :
- الشيخ حسن حبنَّكة
- والشيخ صالح العقاد
- والشيخ محمد خير ياسين
- والشيخ زين العابدين التونسي
-والشيخ عبد الوهّاب دبس وزيت، ...وغيرهم.
وقرأ علوم العربية على بعض هؤلاء العلماء وعلى غيرهم، ووفقه الله إلى حفظ معظم كتاب الله وحفظ عدد من المتون في تلك العلوم كلها وقراءة شروحها كألفية ابن مالك في النحو، ونظم الغاية والتقريب للعمريطي في الفقه، والرحيبة في الفرائض، وغيرها من المتون.
• وحصل على عدد من الإجازات العلمية المتصلة بأئمة الهدى من أعلام الحديث والفقه والعلوم الشرعية الأخرى.
• ودرس إلى جانب هذه الدراسة الجادة في المدارس العصرية، فنال الشهادة الابتدائية ثم شهادة الدراسة المتوسطة، ثم شهادة الدراسة الثانوية .
ثم حصل على شهادة الليسانس في آداب اللغة العربية وعلومها من الجامعة السورية في دمشق .
ثم نال شهادة الماجستير من جامعة الاسكندرية في مصر .
ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة الإسكندرية في مصر، وكان عنوان الرسالة : التصوير الفني في الحديث النبوي..
أعماله والوظائف التي تقلدها :
· وعمل في التدريس الجامعي أربعاً وثلاثين سنة درّس فيها مادتي علوم الحديـث، وعلوم القرآن.
ودرس في بعض السنوات النحو، والبلاغة، والأدب، والمكتبة العربية.
وما زال حتى الآن يدرس علوم الحديث وعلوم القرآن في جامعة الملك سعود.
· وأشرف على عدد من الطلاب في الدراسات العليا، وناقش عدداً من الرسائل الجامعية.
· وشارك في لجان الاختيار لجائزة الملك فيصل العالمية مرات عديدة.
وكذلك فقد كان عضواً في لجنة جائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج.
وقد حكم على إنتاج عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس كان يرسل إليه من جامعات متعددة لترقيتهم إلى درجة الأستاذية.
· وشارك في التوعية الإسلامية في الحج سنوات عدة.
· وكانت له مشاركة في التلفاز السعودي والإذاعة السعودية منذ أكثر من ثلاثين سنة وحتى الآن.
· وحضر عدداً كبيراً من المؤتمرات العلمية والإسلامية في سوريا، والمملكة العربية السعودية، والأردن، وألمانيا، والمملكة المغربية، وسلطنة عمان.
· أما الكتب التي نشرها فهي كما يأتي:
أ - في التأليف:
1 - الحديث النبوي: مصطلحه، بلاغته، كتبه (وقد طبع ست طبعات).
2 - أبو داود: حياته وسننه.
3 - أبو نعيم وكتابه الحلية.
4 - تاريخ القصاص وأثرهم في الحديث النبوي.
5 - قضايا في الدين والحياة: تأملات في عدد من جوامع الكلم.
6 - من هدي النبوة: تأملات في عدد من جوامع الكلم.
7 - التشريع الإسلامي وحاجتنا إليه.
8 - من صفات الداعية (وقد طبع ما يزيد على عشر مرات).
9 - لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير (وقد طبع ست طبعات).
10- سعيد بن العاص.
11- الابتعاث ومخاطره.
12- تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط المستهتر (طبع سبع طبعات).
13- التصوير الفني في الحديث النبوي.
14- فن الوصف في مدرسة عبيد الشعر.
15- أم سليم.
16- أسماء بنت أبي بكر.
17- نظرات في الأسرة المسلمة.
18- المناهج والأطر التأليفية.
19- بحوث في أصول التفسير.
20- أقوال مأثورة وكلمات جميلة.
21- وصايا للزوجين.
22- من أسباب تخلف العمل الإسلامي.
23- نداء إلى الدعاة.
24- خواطر في الدعوة إلى الله.
25- يوم بدر يوم الفرقان.
26- معركة شقحب.
27- الخشوع في الصلاة.
28- توجيهات قرآنية في تربية الأمة.
29- وقفات مع الأبرار ورقائق من المنثور والأشعار.
30- أيها المؤمنون: تذكرة للدعاة.
31- الإنسان في القرآن.
32- الحكم الشرعي في ختان الذكور والإناث.
33- تعميق الوعي بمخاطر التدخين والمخدرات وحكمهما الشرعي.
ب - في التحقيق:
34- الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة لملا علي القاري.
35- تحذير الخواص من أكاذيب القصاص للإمام السيوطي.
36- الباعث على الخلاص من حوادث القصاص للحافظ العراقي.
37- أحاديث القصاص والمذكورين للإمام ابن الجوزي.
38- كتاب القصاص والمذكرين للإمام ابن الجوزي.
39- القرامطة للإمام ابن الجوزي.
40- رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصف سننه للإمام أبي داود.
41- الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة للعلامة مرعي الكرمي.
42- مختصر المقاصد الحسنة للزرقاني (وقد طبع خمس طبعات).
43- كتاب الضعفاء والمتروكين للدار قطني.
44- الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للإمام السيوطي.
45- أسرار الصوم للإمام الغزالي.
46- التذكرة في الأحاديث المشتهرة للزركشي.
ج - وهناك كتب تنتظر أن تأخذ طريقها إلى النشر.
د - ونشر عشرات من البحوث والمقالات في مجلات علمية إسلامية محكمة وغير محكمة.
ونودّ أن نخصّ الدراسات القرآنية التي عني بها بشيء من التعريف الموجز.
أ - المؤلفات المطبوعة:
ا - كتاب لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير:
وقد كتب له الأستاذ الكبير علي الطنطاوي مقدمة ضافية. والكتاب مقسوم إلى قسمين:
القسم الأولى: في علوم القرآن وفيه ثلاثة أبواب:
الباب الأول: القرآن وتنجيمه وإعجازه ونحو ذلك.
الباب الثاني: تاريخ التفسير.
الباب الثالث: اتجاهات التفسير.
القسم الثاني: التفسير واتجاهاته وفيه ثلاثة أبواب:
الباب الأول: أصول التفسير.
الباب الثاني: تاريخ التفسير.
الباب الثالث: اتجاهات التفسير.
2 - كتاب بحوث في أصول التفسير:
ويضم بحوثاً كثيرة في أصول التفسير، وقد حرصت في هذه البحوث على الوضوح وتيسير المسائل العلمية لغير المتخصصين ومن أجل ذلك كثرت الأمثلة المشروحة في الكتاب تطبيقاً على القاعدة الأصولية.
3 - كتاب الإنسان في القرآن الكريم:
وقد ذكر فيه حقيقة الإنسان، وما وفر له الإسلام من الكرامة، وذكر تحرير الإسلام للإنسان من المخاوف، وتحدث عن الإنسان المؤمن والإنسان الكافر والإنسان المنافق. ثم ذكر ضعف الإنسان وتسلط الشيطان عليه وعن النفس كما جاء ذلك كله في القرآن.
4 - كتاب توجيهات قرآنية في تربية الأمة:
عالج فيه موضوعات تربوية طرقها القرآن.
ب - المؤلفات المخطوطة:
هناك عدد من هذه المؤلفات ولكن هنا نقتصر على ذكر واحد منها، وقد نجز وهو يحتاج إلى شيء من النظر والتهيئة للطبع، وهو: تهذيب تفسير الجلالين.
ذلك أن الشيخ محمد لطفي الصباغ صحب هذا التفسير أكثر من أربعين سنة، وهو يراه من أفضل التفاسير لولا بعض العيوب فيه، وقد نقاه من تلك العيوب كذكره الإسرائيليات وتوسعه في ذكر القضايا النحوية، والتزامه منهج تأويل الآيات المتعلقة بصفات الله، وإيجازه في موضع يقتضي البيان، وبنائه على قراءة غير قراءة حفص. ونحو ذلك.
ج - التدريس:
· وقد درّس علوم القرآن أكثر من ثلاثين سنة في الجامعة.
· ودرّس تفسير القرآن في حلقات علمية كانت تعقد في المساجد والبيوت، وما تزال حتى الآن.
· وأعدّ برامج إذاعية حول القرآن مثل (نظرات قرآنية في الإنسان والدعوة).
ثناء العلماء عليه :
-وصفه شيخُه العلامة علي الطنطاوي بقوله: ((إنه أحد الفرسان الثلاثة الذين عرفتهم تلاميذَ صغارا، وأراهُم اليوم ويراهم الناس أساتذةً كبارًا: عصام العطار، وزهير الشاويش، ومحمد لطفي الصباغ ... والأستاذ الصباغ معروفٌ بفضله الذي يبدو في آثار قلمه، وفي بَيانه الذي يظهر دائمًا على لسانه، وفي علمه الذي يشهَدُ به عارفوه، ويستفيدُ منه تلاميذُه، فهو رجلٌ قد جمع سَعَةَ الاطِّلاع، وجَودَة الإلقاء، وسَلامَةَ اللغة، والبُعدَ عن اللَّحْن، وهو مُحدِّث موفَّق في الإذاعة والرائي، ومُدرِّس ناجحٌ في الجامعة وفي الجامع، ظاهرُ المكان، مُتميِّز الرَّأي في النَّدوات الإسلامية، عاملٌ دائبٌ في حَقل الدعوة إلى الله، قادرٌ على توضيح المسائل وتقريبها إلى الشبَّان، وهو سَليمُ العَقيدة، سَلفيُّ المشرَب، مثل أَخَوَيه عصام وزهير، وفَّقَهُم الله جميعًا وقَوَّاهُم وأكثرَ من أمثالهم)).
-الشيخ عبد الرحمن محمد توفيق الباني :
(( فإنه قد وقع الاختيار علي لأتحدث في هذا المقام الكريم عن أخي وصديقي الدكتور محمد بن لطفي الصباغ في حفل تكريمه. وإنها لمناسبة كريمة وغرض نبيل أن نتحدّث عن ذوي الفضل وذوي الأثر في حياتنا المعاصرة بل وفي أجيالنا القادمة بإذن الله.
وما أُراني أهلاً لأن أتحدث عن الدكتور الصباغ لأمور أعرفها من نفسي ولعلّ أولَها أن شدة القرب حجاب كما يقولون وكما تعرفون. ولكن لا بدّ مما ليس منه بدّ ولذا أبدأ فأقول إنها - إذا استقامت المناهج سُنّة حميدة وعمل منهجي - تعريف الأحياء بفضل الأحياء. وإني لأشكر للأخ المفضال الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجة قيامه بهذا العمل وسيرهُ على هذه السنَّة الحميدة التي له أجرها وأجر من عمل بها دون أن ينقص من أجورهم شيء.
والحمد لله أن وُجِد فينا وفي زماننا هذا من يعرف لأهل الفضل فضلهم؛ ولا يعرف الفضل إلا ذووه.
وإن كلمتي هذه لا تحيط بكل جوانب شخصية أخينا وصديقنا الدكتور الصباغ، ولا تكفي للوفاء بحقّه عليّ وقد عرفته منذ نيف وأربعين عاماً، ولا بحقّه على الجيل؛ فقد أكرمه الله وأعانه بما ترك فينا من آثار علمية وعملية. وهل تكفي عشرون دقيقة للكلام على أربعين سنة أو تزيد؟ !، وهل تكفي أسطر قليلة للحديث عن ثمانين أثراً له بين تأليف وتحقيق.
والدكتور الصبَّاغ مدرّس موهوب وداعية موفق ومصلح ناصح ومؤلّف ممتاز في عالم التأليف كمّاً وكيفاً.
وقد عرض لكم في ترجمته الذاتية مسرد مؤلفاته بذكر أسمائها وأما مضمونها أو مضامينها فتحتاج إلى دراسات من نواحي شتّى من ناحية أسلوبها ومن ناحية أفكارها ومقاصدها..
ولست بسبيل دراستها وتقديمها إليكم؛ فقد قرأتموها أولاً بأول، وعايشتم كاتبها من خلالها.
- ولكني أقدم بعض النقط التي رأيت أن أشير إليها في هذا اللقاء المبارك، فالدكتور الصباغ حفظه الله يدعو إلى العودة إلى الله وإلى الإسلام للخلاص من الوضع الصعب الذي تعانيه الأمة الإسلامية في شتى ديارها.
وله اهتمام خاص بالأسرة والتذكير بعظيم شأنها في المحافظة على الهويّة الإسلامية للأجيال المسلمة.
وهو يدعو إلى اليقظة التامة؛ حراستها وحمايتها من العدوان والتهديم.
وهي المعقل الذي لا يزال بأيدي المسلمين في معظم ديارهم بعد أن أستولى العدو على معاقل كثيرة في ميدان الحكم وفي ميدان التعليم وفي ميدان الإعلام وغير ذلك من الميادين.
وقد نثر دعوته هذه في كثير مما كتب وفي مناسبات عدة منها مناسبات الاحتفال بزفاف إخوانه.
ولكنه خصّ الأسرة بكتابه (نظرات في الأسرة المسلمة) الذي صدر أول مرة منذ اثني عشر عاماً.
والدكتور الصبَّاغ حفظه الله أديب عالي الأسلوب وأسلوبه أقرب إلى السهل الممتنع، وهو ذواقة للنص الأدبي وأضرب على هذا مثالين؛ أما أولهما ففي كتابه الذي كان رسالته للدكتوراه فقد عايش فيه النص الأدبي الصادر عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، فدرس دراسة أدبية متأنية جامعة الأحاديث النبوية، وأمتعنا - من خلال تذوّقه البلاغة النبوية - بكتابه (التصوير الفني في الحديث النبوي). وقد قدّم لهذا الكتاب النفيس الأستاذ الناقد الكبير الدكتور محمد مصطفى هدّارة الذي لقي وجه ربه في الأسبوع الماضي رحمه الله رحمة واسعة.
والمثال الثاني لتذوق النصّ الأدبي وحسن الاختيار، والأمر كما يقول المتقدّمون اختيار المرء قطعة من عقله تدل على تخلّقه أو فضله، فحولنا هذا المثال على علوّ كتب الدكتور الصباغ في حسن الاختيار مع تنوُّع لافت للنظر نعم.
المثال الثاني كتابُهُ (أقوال مأثورة وكلمات جميلة) وقد صدر سنة 1409 هـ ثم أعيد طبعه مع مزيد من المزايا سنة 1414 هـ.
ويقول المؤلّف إن هذا الذي ظهر إنما هو الجزء الأول من الكتاب، ولعله يوافينا بجزء بعده أو بأجزاء، فجزاه الله عن القارئ المتطلع إلى جميل القول خيراً.
- وقد لفت نظري أمر في بعض المقدّمات التي يجعلها أخونا الدكتور الصباغ بين يدي كتبه؛ فهو كأنه يؤرّخ لأحداث المسلمين وأحوالهم الشاغلة عند ظهور الكتاب. ولهذا أمثلة كثيرة أكتفي - لضيق المقام - بواحد منها؛ فهو يقول في مقدمة كتابه (أقوال مأثورة..) للطبعة الثانية، في 29 شعبان 1413 هـ (1) .
(وختاماً فإني أتوجه إلى الله العليّ القدير بأسمائه الحسنى) أن يرفع الغمة عن المسلمين؛ فما أشد ما يلاقي المسلمون في هذا العصر، الذي تداعى الأعداء [فيه]، على المسلمين من كل ناحية، يرمونهم عن قوس واحدة، ويخططون لتحويلهـم عـن دينهم - كما ذكر ربنا في كتابه يَسئَلوُنَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبْيرٌ وصَدٌّ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ وكُفْرٌ بِهِ والْمَسجِدِ الحَرامِ وإِخرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكبَرُ عِنْد اللَّهِ والفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ ولا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِيْنِكُمْ إِنِ استَطَاعُوا ومَن يَرتَدُدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وهُوَ كَافِرٌ فَأَولَئِكَ حَبِطَتْ أَعمَالُهُمْ في الدُّنيَا والآخِرَةِ وأَولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُمْ فِيها خَالِدُونَ.
فلقد اعتدى نصارى الصرب على إخواننا في البوسنة والهرسك، فذبحوا وقتلوا مئات الألوف من المسلمين، وانتهكوا أعراض عشرات الآلاف من الحرائر المسلمات، وما زالوا حتى كتابة هذه السطور يدمرون البيوت، ويزهقون الأرواح، ويغتصبون النساء، ويحاصرون القرى والمدن، ويمنعون وصول الغذاء عن أهلها.. والمسلمون في العالم يسمعون ويقرأون ويرون ولا يصنعون شيئاً والصالحون منهم يتألمون.
واليهود ينكّلون بالمسلمين في فلسطين بغطرسة واستكبار وتؤيدهم القوى الكبرى والطواغيت، وقد أبعدوا أكثر من أربعمائة مسلم إلى جنوب لبنان، وهؤلاء المبعدون يقيمون الآن - ونحن في فصل الشتاء - في الخيام، والثلج يغمر تلك البقعة، والبرد يداهمهم في تلك الخيام، وقد مضى عليهم حتى الآن ثلاثة أشهر، والمسلمون يسمعون ولا يصنعون شيئاً.
والهندوس يهدمونَ بيوت الله مساجد المسلمين، ويقتلون الآلاف في الهند وكشمير، والجوع يفتك بالمسلمين في الصومال وألبانيا وغيرهما من بلاد المسلمين. والدعاة إلى الله في أكثرَ من مكان يلاقون العنت. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وهذه الصرخات من الدكتور الصبَّاغ لها دلالتها العميقة، فهو يكتب ويؤلّف ولكنه ليس منفصلاً عن المعركة. وقلبه الحيّ يجعله بل يجعلنا في صميم المعركة. وهو ليس بيائس وهو لا يدع المشكلة دون حلّ بل الأمل ملء جوانحه وقـارورة البلسـم الشافي والحلّ الحاسم ماثلان أمامنا؛ فهو يقول بعد ذلك:
ومهما يكن من أمر فإن الأمل في تحسن أحوال المسلمين كبير؛ فالصحوة الإسلامية تتعاظم، والرغبة في الرجوع إلى الله وتحكيم شرعه تعم ديار المسلمين.
إن على المسلمين أن يتابعوا هذه الخطوة المتقدمة نحو النصر، وذلك بأن ينصروا الله في سلوكهم حتى ينصرهم الله والله عز وجل يقول: يَا أَيُهَا الَّذِينَ ءَامَنُوآ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرُكُمْ ويُثْبِّتُ أَقْدَامَكُمْ. ويقول: الَّذِينَ أُخرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ إِلاّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَولاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وبِيَعٌ وصَلَوَاتٌ ومَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيْهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.
قد أطلت.. وما هذا إلا نموذج واحد أشير به إلى نماذج كثيرة..
- وبعد فإني أشير بعد هذا إلى جانب من فكر الدكتور الصباغ وهو الجانب النقدي أو جانب الفكر النقدي لديه؛ فقد عهدت الدكتور الصباغ مستمعاً إلى أقوال الآخرين وآراء الناس ولكنه تلميذ القرآن الذي يجعل تاليه بفهم من الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللهُ وأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبب.
وأكتفي ببعض الأمثلة مما خبرته بل استفدت منه؛ فهو - مع تقديره لكل من المنفلوطي في أدبه، ومحمد إقبال في فكره، وسيد قطب في دعوته الحارة، ومع انتفاعه بما لدى كل - له ملاحظاته النقدية الصائبة التي انتفعت بها وقدرتها حق قدرها.
ولما ألّف كتابه (الإنسان في القرآن) وتكلم في أول موضوع على (حقيقة الإنسان) انتفع بكلام نفيس لسيد قطب - رحمه الله - في الإنسان. ولكنه لم يوافقه - وله حجته وهو على صواب - إن شاء الله - لم يوافقه على فكرة كـون (الإنسـان خليفة الله) ولم يورد كلامه فيما أورد فقال: (وقد رأيت فصلاً ممتازاً للأستاذ سيد قطب - رحمه الله - نشر في كتاب "مقومات التصور الإسلامي" بعنوان "حقيقة الإنسان"..) وقال بأمانة العالم وتواضع طالب المعرفة في الوقت نفسه: (وبعد، فلنتحدث عن حقيقة الإنسان كما يعرضها القرآن معتمدين اعتماداً كاملاً على الجهد الأصيل الذي بذله سيد قطب. رحمه الله) .
وقد أورد الدكتور الصبّاغ كلام سيد في الموضوع، ولكنه لم يرَ إدراج كلامه في أن الإنسان خليفة الله. للسبب الذي أشرت إليه، وقد أعجبني جداً هذا الكتاب الذي يضع كل فكرة أو خاطرة في صفحة واحدة، ففي هذا الأسلوب من التأليف وهذا اللون من الدعوة مزايا لا تخفى.
وبعد فالدكتور الصباغ يمثل ما كان سمّاه منذ 60 عاماً أستاذنا الكبير الشيخ علي الطنطاوي (الحلقة المفقودة).
فهو فقيه عالم له جولات في الفقه، يعيش بفقهه في عالمنا وعصرنا.. وهو جريء في غير تهورّ. كريم بغير سرف، داع إلى الله على بصيرة، وهو داعية إصلاح، نبيل أريحي يقصده إخوانه في الملمات فيجدون عنده الرأي والنجدة. نزيه يؤثر العدل وقد شاركته في تحكيم وإني لأشهد أنه توخّى العدل وما آثر غيره. وهو يحسن تدبير وقته ويستخدمه للكتابة فيما يرضى الله عنه لخدمة الإسلام.
وبعد فقد كانت لي خطة طموحة للوفاء بحق هذه النبذة اليسيرة ولكن ظروفي الصحية وأموراً أخرى حالت بيني وبين هذه الخطة أو هذا الأمل. فأكتفي بما قلت وأعده كإشارة الإصبع إلى بناء جليل وجميل أو طريق طويل..
-فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني :
(( إن العلم رحم بين أهله، ونحن حينما نحتفي بفضيلة الأخ الدكتور الصباغ فإننا نصل الرحم ولا يعرف الفضل من الناس إلا ذووه.
بيني وبين فضيلة الدكتور صلة نسب وقرابة، فالنسب هو في السن فعمره كما فهمت من مواليد 1930 م، وهو صباغ وأنا صابوني، وكل منا يشترك في هذه الحروف ولكن الذي نفخر به أن فضيلة الدكتور وهو متخصص في اللغة العربية قد خدم دينه وخدم هذا الكتاب الذي هو أمانة في عنق كل واحد منا عن طريق اللغة العربية خدم القرآن والسنة، والله تبارك وتعالى جعل هذا الدين الإسلام أمانة ليس في عنق الحكام أو العلماء فحسب لأنه لا يوجد في القرآن الكريم كله آية تقول يا أيهـا الحكام أو يا أيها التجار أو يا أيها الأغنياء، إنما خاطب الله كل مؤمن ومؤمنة لنصرة دينه يأَيُهَا الَّذِين ءَامَنُوُا كُونُواْ أَنْصَارَ اللَّهِ فكل واحد منا مكلف أن يقوم بنصرة هذا الدين، الصحفي في صحافته، الأديب في أدبه، الطبيب في طبه، والذي يكتب في الشريعة والدين كذلك في تخصصه الخ.. وميزة فضيلة الدكتور أنه ما أخذ العلم من الكتب، إنما تلقاه من صدور العلماء..
ومن أخذ العلوم بغير شيخ يضل عن الصراط المستقيم
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم
- عهدي بفضيلة الدكتور أنه خطيب يهز المنابر، وهو مصارع وملاكم في شبابه، كان من ينحرف، ويأتي بأفكار سخيفة وشيوعية خبيثة يلاكمه ، ويطارده فهو قد خدم الإسلام بلسانه وقلمه وبدنه، ..)) .
-سعادة الأستاذ عاصم بهجة البيطار :
(( العالم العامل والتقيّ النقيّ الدكتور محمد بن لطفي الصباغ، الذي جمع بين علوم الدين والدنيا، ووظف حياته في الدعوة إلى الله، وإرشاد الحيارى ورد الهجوم الذي ينال من صفاء ديننا الحنيف، مزوداً بكتاب الله وهدي رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام وسيرة السلف الصالح من العلماء العاملين والكتاب المهتدين، وعلوم العصر التي تقدم في كل يوم دليلاً جديداً واضحاً على عظمة هذا الدين، وقد أنعم الله عليه بكل ما يلزم الداعية المربـي مـن التبحر في العلوم الشرعية، والتضلع من العلوم العربية والقدرة على فهم العصر، وحسن مخاطبة الناس، ودعوتهم إلى الهدى والحق بلسان يتدفق تدفقاً، ولغة تنساب على لسانه سحراً حلالاً، لن أتحدث أيها الأخوة عن سير الشيخ الدكتور العلمية فقد سمعتم من ذلك أصنافاً وستسمعون أيضاً، لكنني أتحدث عن المرحلة الأولى عرفت الشيـخ - وإن كان في هذا الكلام فضيحة - منذ أكثر من نصف قرن، وقد نشأنا في حي واحد، وفي ظل صلات متينة تربط أسرتينا الواحدة بالأخرى، كان الحي هو حي الميدان في جنوبي دمشق، وهو أكبر أحيائها وأكثرها شهرة وأشدها ألفة، وقد عرف بوفرة العلماء وأصحاب العزائم والمضاء والمجاهدين الصادقين البررة، وإني كلما عشت فيه تلك الأجواء وثبت إلى ذهني صورتان راسختان في نفسي؛ أولاهما صورة والد الشيخ الدكتور الذي كان يسير في أناة، وطيف ابتسامة لا يفارق وجهه، وكنا صغاراً نركض نحوه إذا رأيناه، ونقبل يده فرحين بذلك وهو يحاول أن يسحب يده فلا نتركها، وكان يطأ الثرى مترفقاً لا من تيهه كما قال المتنبي، بل من تواضعه ومعرفته بقيمة المخلوق في جنب الخالق جلت قدرته، وقد كان لهذا الوالد المؤمن الكريم قدر بعيد في التربية الصالحة التي لقيت تربة خصبة في نفس ولده، فشب على التواضع ومحبة الآخرين.
والصورة الثانية، هي صورة اجتماعات كثيرة كنا نلتقي فيها في رابعة النهار، أو في الأمسيات وكنا نشعر أن رفيقنا محمد بن الصباغ هو أكبرنا جميعاً، وإن كان أحدثنا ميلاداً وأصغرنا سناً، ولا أجانب الحقيقة إذا قلت إننا أحياناً نخجل حينما نخوض فيما يخوض فيه الصغار من اللعب وتزجية الوقت فيما لا يجدي، ثم نراه يرمقنا بنظرة حب وعطف فنرجع إلى القصد وندير فيما بيننا أحاديث الدراسة والجد، وإذا كان أبو حمزة الخارجي قد وصف أصحابه بأنهم شباب مبتهجون في شبيبتهم فأنا أشهد أن الشيخ كان فتى في طفولته، وأننا ما عرفنا فيه معنى الطفولة التي تصور لنا، وهناك كلمة قيلت في الدكتور محمد وهو ما يزال غض الإهاب، طري الشباب، أتفق على وصفه بها رجلان كبيران على الفارق البعيد في الاتجاه بينهما أما الأول فهو سيدي الوالد الشيخ محمد بهجة البيطار رحمه الله، والذي كان خطيباً في مسجد من أكبر مساجد دمشق، فإذا اضطرته ظروف قاهرة إلى البعد عن المنبر يوم الجمعة لم يأمن على منبره إلا المحتفى به، فكان ينيبه عنه في الخطبة ويحلو له أن يناديه بشيخنا الصباغ، وثانيهما الأستاذ حسن الحكيم الذي شغل منصب رئيس الوزراء في سوريا أكثر من مرة، فقد أقيم له مرة حفل خطابي في حي الميدان وحضره مئات بل ألوف من أحياء دمشق وغوطتيها وقام الخطباء يشيدون بمناقب حسن الحكيم الوطنية، ونضاله ضد الحكم الفرنسي وما لقيه من قسوة السجون، ومرارة النفي، ورغبة الحكم عليه بالإعدام، وطلب صاحب الدار من الفتي محمد لطفي الصباغ أن يرحب باسمه بالمرشح وأن يدعو الناس إلى انتخابه، فنهض الفتى بخطى ثابتة، وأمسك بمجهر الصوت وأعلن بصوت مندفع قاصد أن هذا الاجتماع ينبغي أن تؤخذ فيه العهود على المرشح الجديد أن يكون أميناً على عقيدة أمته، شديد الحرص على سلامة أخلاقها الدائمة وتوجيهها بعيداً عن الأهواء الشخصية والمحاباة في الأمور العامة، ثم ناشد المجتمعين ألا ينتخبوه إلا إذا بذل لهم هذا الوعد، وأبرم معهم هذا العهد فلم يتمالك السياسي الكبير إلا أن قام إلى الشيخ الفتى وصافحه بحرارة، وخطب في الناس قائلاً أنا شاكر لشيخنا الصغير نصحه، ومعجب بجرأته وغيرته، وملتزم العهد الذي دعا إليه، نجحت في الانتخابات أم لم أنجح.
وكم سمعت شيخنا الجليل الطنطاوي، وهو يتحدث بإعجاب عن مؤلفات المحتفى به في القرآن وعلومه، والحديث ومصطلحاته وفنونه، وعن رسائله في الدعوة إلى الله على بصيرة وبالحكمة والموعظة الحسنة.
أيها الإخوة هذه كلمة موجزة عن الشيخ في حداثة سنه، ولا أريد أن أخوض في كمالات فكره، وعشرات الكتب التي ألفها وحققها، ولكني أحب أن أختم هذه الإلمامة السريعة عن نشأة الشيخ بكلمتين، أولاهما تدل على الينابيع التي استقى منها علمه الغزير، وأدبه الجم، فهو يقول في الصفحة الخامسة من كتابه (أقوال مأثورة وكلمات جميلة) "أما بعد فهذه أقوال كثيرة، وكلمات جميلة، وقفت عليها خلال مطالعاتي في سنين عديدة اقتطفتها من كتب عدة في اللغة والأدب والتاريخ، والتراجم والفقه والتفسير، وشرح الحديث والتصوف، ومن مجلات أدبية وفكرية وسياسية، ومن جرائد يومية في بلدان مختلفة.." بالإضافة إلى الأعلام الذين أخذ عنهم وقرأ عليهم، وتجارب العمر التي أغنت رؤيته للحياة والناس والكون في حله وترحاله وبدوه وحضره.
والكلمة الثانية تتعلق بعشرات الكتب التي نشرت باسمه تأليفاً وتحقيقاً وتناول فيها كثيراً من القضايا الدينية والاجتماعية والتربوية والأدبية والنقدية وقد أشار الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم إلى أن خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وطول العمر لا يقاس بكثرة السنوات أو تطاول الزمان وحسب، وإنما يقاس بما قدم الإنسان في دنياه لآخرته، من عمل صالح وعلم نافع وأولاد بررة، وإني لأشهد أن المحتفى به قدم الكثير الكثير ونحن نطمع في المزيد الوفير، والناس كما يعلم الحفل الكريم منهم من يحفر اسمه في ذاكرة الزمان تمر القرون والدنيا تردد ما قال، ومنهم من يطول به العمر ويمضي لا يحس به أحد وكأنه سحابة صيف أو زيارة ضيف، أو مرور طيف..)) .
الدكتور محمد أحمد الرشيد :
((وهذا حسن طالع بالنسبة لي أن أكون قادراً على المساهمة في هذه الأمسية، في ثلاث حاجات عن أخي وأستاذي الأستاذ محمد لطفي الصباغ، ومعرفتي به ليست معرفة الأستاذ بطلابه وإنما قريباً منه منذ أكثر من ثلاثين عاماً، عرفت الدكتور الصباغ عندما كنت طالباً يافعاً وكان هو شيخاً كبيراً، وأتذكر حينما حظينا به في الكلية التي كنت أدرس فيها آنذاك كانت بهجتنا وسرورنا به كبيراً لأننا تعودنا منه أسلوباً في التعليم لم نكن نألفه من قبل، عرفنا فيه العالم المخلص الدؤوب القادر عن التعبير عن فكرته عن وعي وعن معرفة حقة كما يريد أن يعبر عنها، وقدر لي في الحقيقة في ذلك الوقت أن أكون من المعجبين به وهو لا يعرفني، ولكني أردت أن ألتصق به وأن ألزم نفسي به، وهو نعم الرفيق ونعم الإنسان، وشاء الله أن أتغرب زمناً يقارب ستة سنين وحينما رجعت وجدت الدكتور محمد لطفي الصباغ كما عرفته في محبته وأخوته وشفقته على من يعرفه وعلى من قدر له أن يكون تلميذاً له.
لقد فاتني كثير من الأحاديث التي قيلت عنه ولكني أريد أن أتحدث عن جانب قد لا يكون قد تطرق له كثير من الإخوان، الجانب الذي قد يجهله بعض الإخوان، فبيني وبين الدكتور محمد لطفي الصباغ مداعبات كثيرة، وأتجرأ عليه وهو مشكوراً يقبل مني مداعبتي أحياناً، دخل علي في يوم من الأيام وإذا به مهموم ومتعب، فأردت أن أعبر له على أنه هو سبب شقائي وسبب تعبي فقال لماذا؟ قلت ابتليت بأم تستمع إليك ظهر كل يوم، وكل ما حدثتها بحديث أرادت أن أطبق ما قال الشيخ، وفي يوم تحدثت بأن من يقرأ القرآن لا بد أن يستقبل القبلة، وكنا نضع لها طاولة (ماصة) كبيرة ومصحف كبير، عندما دخلنا قالت تعالوا احملوا الماصة واجعلوها تجاه القبلة لأن الشيخ لطفي قال هكذا.. فهذه واحدة منها، والحقيقة التعليقات الأخرى لا يتسع لها الوقت. ولكن الشيخ لطفي تعود مني وتعودت منه أن نتداعب وللزملاء والإخوان الذين لا يعرفون هذا الجانب فيه والحقيقة أن هناك جداً مهمة، وأنا آنس فيه كثيراً وحينما أحس بهم أشتكي إليه وأحياناً أختصه بدعابة أو بنكتة.. الدكتور محمد لطفي الصباغ الحقيقة له مواقف نبيلة كثيرة ليست فقط معي وإن كنت أدين له بالفضل، ولكن مع أناس كثيرين، أعرف أن كثيراً من وجوه المجتمع في السعودية كان له الفضل الأكبر في أن مكنهم من مواصلة دراساتهم وحاول أن يكون عوناً لهم في بعض المهمات التي أنيطت بهم وكان نعم العون، وقليل من الناس يعرف الجهود التي بذلها مع هؤلاء النفر الذين نعرفهم في مجتمعنا، وكان له دور كبير في إسداء النصح والمشورة.
أما الجهود العلمية الأخرى فلا تخفى على بعض الإخوان، وله الكثير من الجهود الإصلاحية بين الناس وخاصة الذين يرى أن لهم مقاماً وينبغي ألا يتخاصموا، وأعرف حرصه الدائم على فض المنازعات والخصومات ودياً وحبياً، وكانت دائماً مجدية ومفيدة، وأعرف أن الدكتور محمد كذلك من الناس الذين يُلجأ إليهم حتى من خارج المملكة، يلجؤون إليه ويستشيرونه ويأخذون برأيه، والدكتور محمد حقيقة عمل معنا في السعودية دون أن يتوقف على دوره الرئيسي كأستاذ في الجامعة، بل تعداه إلى جهود مشكورة مباركة في حلقات الذكر بالمساجد، وجهوده في مواسم الحج كواحد من أفراد الإفتاء في مواسم الحج لسنوات عديدة ولا يزال، وأعرف أنه حينما يأتي رمضان يذهب إلى قطر، وهو من المشايخ المعتبرين في الدوحة، يستمعون إليه ويعزونه، ويجلونه ويستفيدون من تعليمه ودروسه هناك، الدكتور محمد لطفي الصباغ إن أردته عالماً فهو عالم فاضل، وإن أردته صديقاً فنعم الصديق، وإن أردته كذلك كما بالنسبة لي مؤانساً ومسلياً فهو كذلك..)) .
-سعادة الدكتور محمود جبر الربداوي :
((صديق عزيز علي هو المكرم بيننا في هذه الأمسية، والمكرم رجل عرفته قبل أن يعرفني منذ أن عُين مدرساً في المدينة المسماة بدرعاء حديثاً وقديماً كانت تسمـى أذريعـات، المجاورة لبصرى قصبة حوران متجر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومدينة درعاء كانت وزارة المعارف السورية تخصها بخيرة الأساتذة الدمشقيين المتخرجين حديثاً من الجامعات السورية لتفوقهم في درجاتهم، نظراً لقربها من دمشق، وجاءنا من جملة المتفوقين أستاذ يدعى محمد الصباغ متخصص في اللغة العربية ومارس في المدارس الثانوية تدريس اللغة العربية وآدابها، وأن الرجل كان يختلف عن مدرسي اللغة العربية بنشاطاته الإسلامية، وخطبه التي تجمع بين الفكر الإسلامي المتفتح، والأسلوب الأدبي البليغ الذي يخاطب به عقل جماهير الشباب، فطارت سمعته كخطيب بليغ ومحدث فصيح، وكان أترابه من المدرسين ينتظرون ليلة الخميس والجمعة ليذهبوا إلى بلدهم دمشق، على حين كان هو يغتنم يوم الجمعة ليخطب في مساجد مدينة درعاء، أو ربما يرحل إلى القرى المجاورة ليخطب الجمعة في مساجدها، وكان شباب المدارس يرحلون إلى القرى المجاورة ليستمتعوا بخطبه هناك، ومضت أيام انتقلت فيها أنا إلى دمشق لإتمام دراستي الجامعية فانقطعت عن متابعة خطب الصباغ التي كنت معجباً بها أيما إعجاب، وأعير الصباغ إلى المملكة العربية السعودية، وطال فراقه إلى أن قيض الله لنا لقاء آخر بعد ربع قرن كان يوم قدمت معاراً إلى جامعة الملك سعود في السنة الرابعة بعد الأربعمائة والألف، فوجدت الصباغ في المملكة وكان ما يزال يحمل هموم الأمة الإسلامية كما كان يحملها في سوريا، وجدته صاحب محاضرات ودروس في الجامعة والكلية، وله محاضرات ودروس كما أشار الدكتور الرشيد في الجامع والمسجد، وله حلقات في الإذاعات المسموعة والمرئية ورأيت فيه ذلك الشاب النشيط وإن شئت فقل الشيخ النشيط الجليل، لم يختلف عما عهدته إلا بذلك النوار الذي وخط فوديه ونوّر لحيته، التقيت بالصباغ الآن وجهاً لوجه لقاء زمالة في جامعة الملك سعود فدفعني الفضول العلمي للتعرف على ما أحدثه الشيخ من مؤلفات، فوجدت بين يديه ما يزيد على أربعين كتاباً بين مؤلف ومحقق، وهي ثروة فكرية تنوء بها العصبة أولو القوة ولكن ذلك ليس على همة الرجل بغريب، إذ ليس له من اهتمامات الحياة الدنيا إلا ثلاث: التعليم والتأليف والدعوة.. والدعوة إلى سبيل الله بالحسنى هذه هي سبيله، ووجدت مؤلفاته متنوعة تتراوح بين المؤلف الأكاديمي الذي تتلمذ على قراءته آلاف الخريجين وبين الكتاب الذي تقتنيه الأسرة المسلمة - كما أشار الأستاذ الباني - ويقرأه الزوجان وحققت هذه المؤلفات قدراً كبيراً من الانتشار والمقروئية كما نقول، فبعض مؤلفاته طبع خمس مرات وبعضها سبعاً وبعضها الآخر عشراً، وكما تعددت طبعاتها تعددت اتجاهاتها، فكان بعضها إسلامي النزعة، وبعضها الآخر أدبي الاتجاه وبعضها الآخر صبغها الصباغ بصبغة التربية الاجتماعية والأسرية، ففي حقل الدراسات القرآنية ألف الكتب التالية:
لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير.
بحوث في أصول التفسير.
توجيهات قرآنية في تربية الأمة.
الإنسان في القرآن.
وأترك الباقي وهو كثير لأن ضيق الوقت يستحثنّي بالإسراع.
وفي حقل الحديث النبوي الشريف وهو الموضوع الذي أفرد له ما يزيد على ثمانية عشر مصنفاً بين مؤلف ومحقق وعدا عن اتجاهاته بدراسة مصطلح الحديث وبلاغته فقد وقف وقفة مطولة عند ظاهرة تفشت في الحديث النبوي حتى كادت تفسد نقاءه وبلاغته بقصد أو بغير قصد تلكم هي ظاهرة استغلال القصاص للحديث النبوي ووضعهم لأحاديث يزينون بها قصصهم ليخدعوا بها العامة مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم، من مثل هذه الأقاصيص والأقاويل براء فتصدّى الصباغ لدحض هذه الظاهرة، وتخليصها فألف كتاب تاريخ القصاص وأثرهم في الحديث النبوي، وحقق كتاب السلوقي الذي تناول هذه الظاهرة بعنوان "تحرير الخواص من أكاذيب القصاص"، كما حقق كتاب الحافظ العراقي المعنون بـ (الباعث على الخلاص من حوادث القصاص) ثم أتبعهما بتحقيق كتاب ابن الجوزي المعنون بكتاب القصاص والمذكرين، وختم كل ذلك بتحقيق كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية الذي عنوانه أحاديث القصاص، وقاده الحديث عن القصاص وصنيعهم إلى ظاهرة نمت طفيلية على نسق الحديث النبوي، وهي ظاهر الأحاديث الموضوعة، فحقق في هذا المجال كتابين: الأول الفوائد الموضوعة لمودي علي القاري، ثم أتبع هذين الكتابين بتحقيق كتاب ثالث خصصه للضعفاء والمتروكين للدارقطني، ولكنه بعد أن فرغ من تحقيق الكتب في هذه الظاهرة السلبية التي اكتنفت الأحاديث النبوية، أراد أن يحقق التوازن، فقدم نمطاً آخر من الأحاديث ذات الطابع الإيجابي فحقق كتاب الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للإمام السيوطي، وكتاب التذكرة في الأحاديث المشتهرة للزركشي، وإذا تركنا اهتمامه الكبير في خدمة الأحاديث النبوية والتفتنا إلى جانب آخر من جهوده في التشريع الإسلامي ألفينا له خمسة كتب بين مؤلف ومحقق يأتي على رأسها كتاب التشريع الإسلامي وحاجتنا إليه، ولا داعي لاستعراض مزيد من مؤلفاته هذه، فقد جب الإخوة الذين سبقوني في الحديث عنها الكثير الكثير عنها.
أما في الدعوة والدعاة فهذا ركن كبير من أركان اهتمامات الصباغ التأليفية، فله كتاب (من صفات الداعية) هذا المؤلف الذي لاقى رواجاً كبيراً لدرجة أنه طبع ما يزيد على عشر مرات، وكتابه الآخر نداء إلى الدعاة، وبالإضافة إلى هذين الكتابين مؤلف ثالث بعنوان خواطر في الدعوة إلى الله، ثم ختم هذا بكتاب سماه أيها المؤمنون تذكرة للدعاة، ولولا أنني أخشى عليكم من الإطالة في تعداد مؤلفاته لعددت لكم جوانب أخرى في التربية الأسرية، والتربية الاجتماعية، والثقافية والتاريخية، وغيرها من مؤلفات سأعرض عنها الآن، ولكن إذا تجاوزت كل ذلك لا يصح لي أن أتجاوز مؤلفاته الأدبية لأن الرجل في أصل تكوينه الأصلي خريج كلية الآداب وقد منحه الله موهبة في البلاغة والفصاحة لونت خطبه ومحاضراته بأبهى الألوان البلاغية، كما منحه الله سلاسة في الكتابة ضمنت لكتاباته هذه السيرورة والانتشار، وهذه الموهبة الأدبية الفنية جعلته يخص الأدب والدراسات الأدبية بشيء من اهتمامه فألف كتاب "فن الوصف في مدرسة عبيد الشعر" وإذا صدقت المقولة الحكيمة التي سبقني بها الأستاذ الباني (اختيار الفرد قطعة من عقله) وإخالها صادقة، فإن اختياراته التي سماها أقوال مأثورة وكلمات جميلة تدل على عقل حصيف وذوق في الأدب الرفيع ولا تقل عنها قيمة جمالية مختاراته في كتابه وقفات مع الأبرار ولطائف من المنقول والأشعار.
كنت أرافق الأستاذ الصباغ بالطائرة، فحدثني بمقولة صغيرة ما كنت أعرفها، قال عندما طلب إليه خدمة العلم من الجيش السوري ذهب إلى هناك وأصطحب معه كتابين اثنين صحيح مسلم وديوان المتنبي، قلت هذه المقولة لو اطلع عليها علماء النفس لعضوا عليها بالنواجذ، لأن القراءات المبكرة للإنسان ستنعكس على قراءاته وعلى تفكيره فيما بعد، ومن هنا أنا كنت أستفيد منها وأفسر لماذا اتجه الشيخ الصباغ إلى اتجاهين كبيرين الاتجاه الأول الحديث النبوي الشريف والاتجاه الثاني الأدب العربي الذي ألف فيه كتباً كثيرة.
أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة هذه بعض مؤلفات الشيخ محمد لطفي الصباغ الذي أرجو من الباري عز وجل أن يمد في عمره وأن يمنحه الصحة والقوة وأن يضفي عليه من هدوء البال ونعمة الطمأنينة ما يجعله يواصل مسيرته الفكرية، ويخصب عطاءها وأن يظل في هذه الأمة أمثال الأخ الفاضل عبد المقصود خوجة الذين يكرمون أهل العلم ويرعون أهل الأدب ويجمعون أهل الفكر على هدي من الله ورسوله لأن هذا التكريم مظهر من مظاهر الاعتراف بأصالة الشخصية العربية الإسلامية، ومظهر من مظاهر الحفاظ على التراث الفكري لهذه الأمة طريفها والتليد، ..)) .
وبعد :
قرأت كتاب الشيخ عن التصوير الفني في الحديث النبوي فوجدته كتاباً رائع المثال قلّ نظيره تأثر فيه بكتاب الشهيد سيد قطب (التصوير الفني في القرآن ) وهكذا كانت كتب الشيخ قد احتوت درراً ثمينة ومعلومات قيمة، وللشيخ جهود مشكورة تذكر فتشكر في فضح الطائفة الخبيثة المتسلطة على الحكم في سورية ، شارك في بداية الثورة في مؤتمرات رابطة العلماء السوريين ورابطة علماء الشام التي أقيمت في تركيا ، ونسأل الله أن يبارك فيه وأن يطيل في عمره، وأن ينفع بعلمه .
المراجع :
1-العلامة الشيخ د. محمد بن لطفي الصباغ: سيرة موجزة، وشهادات عارفيه - لأيمن أحمد ذو الغنى.
2- الاثنينية – تكريم الشيخ د. محمد بن لطفي الصباغ - بإشراف الشيخ عبد المقصود خوجة ..وحضور العديد من العلماء .
3-السيرة الذاتية للدكتور محمد بن لطفي الصباغ بقلمه .
وسوم: العدد 700