الشيخ عبدالفتاح ابو غدة في الذكرى العشرين لوفاته
في شباط من عام 1982 واثناء احداث حماة احتشد الالاف من اخواننا في بغداد
كان الكل على قلب رجل واحد
نداؤهم واحد هدفهم واحد غايتهم واحدة
شباب من خيرة ما عرفت صدقا وإيمانا وإخلاصا
اكتملت التجهيزات والنفوس تسامت الى العلياء تعاهدنا جميعا على النصر او الشهادة
تواعدنا تحت ظل عرش الرحمن اخوة تحابوا في الله واجتمعوا عليه وتفرقوا من اجله
تعانقنا .. بكينا .. وبقلوب ملأها الخشوع جلسنا نستمع لشيخنا عبدالفتاح ابي غدة وهو يلقي علينا كلمته .. مملوءة بالايمان .. بالصدق .. بالتواضع .. بالابوة .. بالقيادة
بكى الشيخ اكثر من مرة .. وتحشرجت الكلمات في حلقه .. وهو يودع ابناءه وأبطاله ودعاة الامة .. كانت كلماته تخرج من قلبه لتقع في قلوبنا وتسموا الى العلياء نفوسنا
بكينا جميعا وبقلوب يملؤها الايمان اصبحنا نرى الطريق امامنا بدايته عزة واوسطه نصر ونهايته شهادة
نزل الشيخ من على المنصة .. وتهافت عليه الاخوة ليحظى كل واحد منهم بتقبيل يديه .. ويزداد شيخنا تواضعا .. فيابى الى ان يقبل يد من قبل يده تواضعا وخجلا من الله
تسللت الى السيارة التي ستقله خارج المعسكر .. وبغفلة منه .. قبلت يده وانا ابكي .. فطلب مني ان اقترب .. حسبته سيهمس في اذني ناصحا او داعيا .. ولكنه قبل رأسي .. نعم قبلة اب وقائد .. خجلت من نفسي وانا ابن السبعة عشر ربيعا .. قال لي رحمه الله ... اتشرف بان اقبل رؤوسا ما ركعت لغير الله .. اتشرف ان اقبل رؤوسا تودع الدنيا وتستقبل الجنة بنفوس تعشق الشهادة وتصنع النصر ..
انتظرنا الفجر لنمضي الى نصر او شهادة .. واقسم بالله اننا كنا نشم رائحة الجنة وبريق النصر
يتواثبون الى الطعان يسابقون الى الجنان
رهبان ليل في الصلاة وفي الجهاد لفيف جان
وعاد الخبر كالصاعقة على قلوبنا
ايدينا على الزناد ونحن ننتظر الاشارة .. ونابى ان نستظل او نرتاح فالشوق الى ساحات الجهاد كان هاجسنا وهدفنا
عودوا الى مهاجعكم .. اتخذت القيادة قرارا مصيريا ...
لن نزج بشبابنا في محرقة اعدها النظام بدهائه ومكره
وتعاظم الخبر .. وضجت بنا الارض والسماء ... والتكبير والبكاء ..
تفهم البعض الخبر وان العدو يتربص بنا .. وتعالت صيحات الاعتراض من الاخرين .. فكيف يبعده قرار عن طريق الجنة .. وساد هرج ومرج كبير ...
التقيت ثانية بالشيخ بعد يومين وايضا في غفلة من الجميع .. قبلت يده وقلت ياشيخنا حماة تدمر وتنتهك فيها الاعراض ونحن هنا نضع يدنا على خدنا كالنساء
فبكى الشيخ .. والله اني لارى دموعه تتحدر على خده .. وتنهد تنهدات وراءها جبالا من الهموم والآلام وقال ..يابني اعلم ما انتم عليه من الحماس والاخلاص والشوق الى ساحات البطولة ولكن القرار كان صائبا .. دماؤكم اغلى علي من روحي ونفسي .. ولن اتحمل قطرة دم تسال من ابنائنا لم تكن محسوبة النتائج .. والله يا اولادي كنت اتمنى ان اتقدمكم في الصفوف ولكن الباغي قد اعد محرقة لنا جميعا
بكينا جميعا ونحن نودعه .. وكان رحمه الله تعالى يتحاشى النظر الى عيوننا مباشرة تواضعا منه وخجلا من الله .. فقد كان يعتبر الشباب المجاهد اعظم مكانة منه ومن علمه
التقيته مرات عديدة بعدها وكنت ارى فيه بعضا من تواضع سيدنا عثمان .. واخلاص سيدنا ابي بكر ...
رحمك الله سيدي .. فمكانك ومكانتك لن يسدها احد بعدك
اللهم ان عبدك عبدالفتاح ابو غدة في وفادتك فاكرم نزله فقد كان عبدا صادقا صالحا .. وعالما عاملا ومربيا وقائدا
الله لا تفتنا بعده .. ولا تحرمنا اجره .. واغفر لنا اذا صرنا مثله
وسوم: العدد 708