الشهيد عمر داغستاني
ولد في مدينة حماة عام 1961م في أسرة كريمة، وهو ابن الأستاذ المربي طاهر داغستاني.
معتدل القامة، أبيض البشرة، دائم الابتسامة.
كانت الولاية بادية على ملامحه، فكان ممن إذا رأيته ذكرت الله لمهابته وحسن دينه.
لم يكن يفارق المسجد إلا قليلاً. لا يفارقه ذكر الله، محافظ على صلوات الجماعة وقيام الليل والتهجد والنوافل الأخرى.
لازم الشيخ محمد منير لطفي رحمه الله، والتزم درس الشيخ عبد الحميد طهماز في مسجد السلطان، وكان حافظاً لكتاب الله عن ظهر قلب، محسناً تلاوته بنبرة مؤثرة واضحة، يشعر بها من حوله، يتمتع بثقافة إسلامية عالية واعية هابه من سمع حديثه، ذو كلمة مسموعة بين أقرانه في المدرسة، ومحل احترام في المدرسة لدى أساتذته، وفي البيت عند عائلته الكريمة.
إذا جلست إليه للحديث تشعر بالعاطفة الملتهبة وهي تأخذ حديثه، وتلمح حماسه الوقاد لدين الله والغيرة عليه أكثر من أي شيء آخر على الإطلاق.
له عزيمة لا تفتر، رغم ما يبدو على وجهه من برد وسلام.. يتمتع بذكاء مفرط، فقد حصل في الثانوية العامة على مجموع 239/260 فكان ترتيبه الرابع على مدينة حماة.
لازم عمر المسجد، وتربى في أفيائه وظلاله، بل أصبح مربياً للأشبال فيه فقد تتلمذ على يديه العشرات منهم، فكان معهم قوي الشخصية، لين الجانب خافضاً لهم جناح الرحمة، لا تكاد تجد له منافراً إذ كان يحبه إخوانه ويحب إخوانه بشغف شديد.
إن نسيتُ لا أنسى له ذلك الموقف يوم أن نفذ أمر موجهه في ظل ظروف قاسية، ثم عاد وقال: أنهيت العبادة التي وُكِّلتُ بها، إذ أنه – رحمه الله يرى أن تنفيذ الأمر عبادة، يستروح بها ريح الجنة وكيف لا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن أطاعني، فقد أطاع الله).
وهكذا كانت طاعته لأميره عبادة لله.
وبما أوتي من ذكاء وحجة ترفدهما ثقافة إسلامية وتنظيمية واعية، فقد تمكن مع بعض إخوانه من تنظيم أغلب طلاب صفه وكثيرين خارج صفه وضمهم إلى صفوف الجماعة، ومن لم ينظمه جعله من المؤيدين، لما كان رحمه الله يحمل من كلمة مؤثرة وزهد في الدنيا وزينتها رغم إحاطتها به وإلحاحها عليه.
حج البيت الحرام ولما يزل في ريعان الشباب.
وفي حمص مدينة ابن الوليد كان عمر مع عدد من إخوانه على رأسهم القائد الشهيد هشام جنباز استشهد رحمه الله في إحدى مزارع المدينة، حينما داهمت قوات البغي قاعدتهم، وذلك في عيد الفطر 1401هـــ الموافق 1981م واصطدم معهم الإخوة وأبلوا أحسن البلاء، واستمرت المعركة ساعات طوالاً سقط فيها من رجال البغي المئات، وسالت الدماء الطاهرة على ثرى حمص، والتقت دماء الإخوة من حمص وحماة وتعانقت لتصعد معاً إلى بارئها حيث الأحبة محمد وصحبه.
رحمك الله أبا الطاهر فقد كنت أطهر من غيث الغمام.
لقد بكاك محراب المسجد الذي عرفك إماماً وقارئاً لكتاب الله، ونَعَتْكَ جُدرانه، وحنت إلى صوتك وأنت تتغنى بتلاوة آي الذكر في جنباته.
افتقدك إخوتك كما افتقدك أشبالك الذين تربوا في كنفك فكنت لهم بمثابة الأخ الأكبر، والأب الحاني، والمربي الموجه.
لن ينسوا صمودك وثباتك على الدرب، وما تزال حكمك ونصائحك ترن في آذانهم، ولكم كان وقع نبأ استشهادك شديداً على إخوانك، ولكنها الضريبة.. ولكنها الشهادة.. ولكنها الثمن لسلعة الله الغالية.. الجنة.
وسوم: العدد 716