الشهيد ماجد جدعان

شاب في مقتبل العمر، لم يتجاوز الأربعة والعشرين عاماً، طويل القامة، أسمر البشرة، ترتسم على وجهه الأسمر لحية خفيفة سمراء، وجهه ممتلىء نضارةً وحيوية.

باسم الثغر، هادىء، ذكي، فطن شجاع.

يتمتع بلياقة بدنية عالية فهو معروف بين إخوانه بكثرة حركته، وحيويته، ونشاطه. يمارس الأنشطة الرياضية بدقة وإتقان ويدرب إخوانه عليها.

إنه الأخ المجاهد ماجد جدعان، في مدينة إدلب ولد. وفي دمشق نشأ وترعرع مع والده الذي كان يعمل على حفارة آبار ارتوازية.

درس أبو المجد في مدارس دمشق وتنقل بين أفيائها ورياضها، وعرف مساجدها، وتأثر بعلمائها، فكان ذلك أبلغ الأثر. وفي عام 1979 انتقل أبو المجد إلى مدينة حلب ليدرس الطب في جامعتها وليتعرف على مجموعة من إخوانه المجاهدين الذين عرفهم فعرف فيهم الحب والإخلاص والوفاء.

وفي عام 1979 وبالتحديد في تشرين الثاني لاحقت السلطة الباغية خيرة شباب الجامعات وكان ماجد بينهم لأنه رفض أن يلين أو يستكين أو يسير في ركاب الظلم، مثله مثل إخوانه المجاهدين وشعبه السوري البطل الذي أعلنها صريحة مدوية لا لأسد، لا للخيانة، لا للغدر.

انطلق أبو المجد كالليث الهصور، يدفعه إلى ذلك إيمانه بصحة طريقه، وسلامة منهجه، وما رأى من تسلط شرذمة أسد على رقاب شعبنا المصابر، فقد سجنت الأحرار، وقتلت المدافعين عن الحق وهدمت البيوت وفعلت ما لم يفعله طاغية من قبل.

لقد فاق الإجرام الأسدي كل تصور إذن فما على أبي المجد الا أن يتوارى عن الأنظار ويسعى بكل ما أوتي من قوة للمساهمة في إسقاط النظام الجائر وإنهاء العهد الأسود عهد الخائن أسد.

كان أبو المجد من أوائل المجاهدين، فقد أوكل إليه قيادة مجموعة مقاتلة في محافظة إدلب فكان مثالاً للقائد الناجح، يوجه إخوانه، ويرعاهم، ويسهر على راحتهم ويقودهم في كل عملياتهم الجهادية.

لقد أقضت مجموعة أبي المجد مضاجع السلطة المجرمة في محافظة إدلب فراحوا يحسبون له ألف حساب لأنهم يعرفون أي رجل كان أبو المجد. ولم يكتف المجاهد البطل بقيادة عدد من العمليات الجهادية في محافظة إدلب بل قام بنفسه باغتيال عدد ممن فقدوا ضمائرهم، ورضوا أن يسيروا في ركب السفاح أسد.

وذات يوم كان ماجد على موعد مع إخوانه في مدينة حلب وفجأة وجد نفسه محاطاً بمجموعة مسلحة من عصابات أسد.

ثبت أبو المجد فلم يثنه إرهاب هؤلاء أو قمعهم، حتى لقد ظن المجرمون أن أبا المجد إنسان بسيط لا علاقة له بالمجاهدين لا من قريب ولا من بعيد، فأفرجوا عنه، ولم يدر في خلدهم أنه كان مطلوباً في محافظة إدلب. ورجع أبو المجد إلى إخوانه الذين أقلقهم غيابه المفاجئ ولم يدروا أنه رهن الاعتقال، فحمدوا الله على سلامته ورجوعه إليهم سليماً معافى.

لقد كان بحق محط اهتمام إخوانه وكيف لا وقد فاقت شجاعته وتضحيته وإخلاصه الحدود؟ ألم يكن يجلب لهم الأسلحة التي يدافعون بها عن عقيدتهم وأنفسهم وأعراضهم؟

ألم يكن المسؤول عن التخطيط والتنفيذ في عملياته الجهادية؟ أفلم يكن يطعم إخوانه إذا جاعوا ويسقيهم إذا عطشوا ويحمل أثقالهم إذا رحلوا ويبعث الأمل فيهم إذا يئسوا ويحرك فيهم دوافع القوة إذا كلوا؟

فكيف لا وهو المقدام في كل خطوة يخطوها حتى قضى الله أمره؟

ففي مدينة حلب الثائرة استوقفت دورية راجلة شهيدنا أبا المجد. صرخ عنصر المخابرات: معك هوية ولك؟

فأجاب الشهيد: نعم.

قال العنصر: طلعها بسرعة!

فأخرج الأخ هويته بكل هدوء واتزان لكنه قرأ في وجوههم شراً فآثر الموت على تسليم نفسه لأزلام السلطة المجرمة ليعبثوا بجسده الطاهر، وليذيقوه أصناف العذاب عساهم يأخذوا منه كلمة اعتراف واحدة.

وبضربة قوية برجله استطاع أبو المجد أن يطرح البارودة التي كان يحملها أحد عناصر المخابارت على الأرض، وما لبث أن انقض عليها كالصقر، ليحصد بها أعداء الله المارقين.

وبرجفة لا شعورية جبانة من يد أحد العناصر الذين امتلأت قلوبهم هلعاً ورعبا ًوخوفاً تصطدم اصبعه بزناد بارودته المُلقَّمة لتستقر في صدر أبي المجد رصاصات غادرة ليذهب إلى ربه شهيداً يردد الكون صدى استشهاده.

أماه ديني قد دعاني للجهاد وللفدا.

أماه إني ذاهب للموت لن اترددا.

أماه لا تبكي عليَّ إذا سقطت ممددا.

فالموت ليس يخيفني ومناي أن أستشهدا.

وسوم: العدد 718