الشهيد عبد الحميد كسيبي
(إن الأمة التي تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يَهَبُ الله لها الحياة العزيزة في الدنيا، والنعيم في الآخرة).
لقد عرف المسلمون الأوائل كيف يموتون وأحسنوا صناعة الموت، فوهبهم الله العزة والسؤدد والنصر، وكانوا خير أمة، وأعظم دولة يسمع بقوتها الأصدقاء فيبتهجون طرباً، ويعرف الأعداء أخبارها فترتعد فرائصهم فَرَقاً وهَلَعاً وجزعاً. ثم غابت فريضة الجهاد، وتوقف الدفق الجهادي فترة، فأذاقنا الله الخسف والذل بما اكتسبت أيدينا.
وتعود العصبة المؤمنة رافعة لواء الجهاد المبارك تستلهم العبر والعظات من آبائنا وأجدادنا الذين حفروا في مجرى التاريخ أعظم أثر، فأفادوا واستفادوا، وكانوا السادة المتحضرين، الذين بنوا أعظم حضارة إنسانية عرفها التاريخ قديمه وحديثه.
وتنطلق العصبة من شباب المجاهدين في سورية الإيمان لتدك عرش الطاغية أسد ولترفع لواء الحق والعدل في شامنا الثائر.
والأخ المجاهد عبد الحميد كسيبي واحد من هؤلاء الأفذاذ الذين جادت بهم أرض الشام. شاب نشأ في طاعة الله، آثر الآخرة على الحياة الدنيا، وانطلق مجاهداً يذود عن حياض الوطن، ويقاتل في سبيل الله ويجود بما يملك ابتغاء مرضاته: لذلك كانت الشهادة أمنيته ومطلبه فكثيراً ما كان يردد: الله ربي، ومحمد صلى الله عليه وسلم قائدي، والإسلام ديني، والقرآن دستوري، والجهاد سبيلي، والموت شهيداً في سبيل الله أسمى أماني.
ولد عبد الحميد في مدينة خالد بن الوليد.. حمص.. عام 1959م، وفيها نشأ وترعرع، ومنها نهل العلم والمعرفة، فكان يجمع بين علم العلماء وتقى الأتقياء، وحماسة الشباب، تربى على أيدي علماء أفاضل، ودعاة مخلصين خطوا له معالم الطريق، ودعموا له جذور الإيمان فكان الإسلام منهج حياته، ومصدر إلهامه وسلوكه. إنه الشاب المؤمن التقي، والصديق البر الوفي الذي لا يدخر وسعاً في خدمة إخوانه والتضحية في سبيل دعوته وإسلامه. حصل على الشهادة الثانوية فدخل جامعة دمشق فرع الجيولوجيا-وكله أمل أن يصبح عالماً جيولوجياً ذا وعي إسلامي يحقق لأمته التقدم والأزدهار.
وهناك في الجامعة تتجلى الخصائص الإيمانية الحقة للأخ المجاهد عبد الحميد كسيبي: إيمان لا يساوم، ونشاط لا يعرف الخنوع والتخاذل، ونفس رضية تأنف مباهج الحياة، وتواضع لا يعرف الذلة والمسكنة، وحماسة لا تؤدي إلى الطيش، وشجاعة لا تعرف التهور، وذكاء لا يشوبه مكر أو خداع.
لقد أدرك عبد الحميد أن الجهاد فرض على المسلمين في سورية الإيمان ضد السفاح أسد وأزلامه المارقين فَبَعْد الحكم عن الإسلام والممارسات القمعية الإرهابية، ومحاربة الدين وتشويهه صراحة ودون حياء أمرٌ يجعل الجهاد بالسلاح لا مناص منه فهو اللغة الوحيدة لاستئصال الطاغوت الذي لا يفهم غيرها، عندها عمل على تقوية بدنه وتنمية إمكاناته استعداداً لساعة الصفر.
وعندما انطلقت شرارة الثورة الجهادية المباركة ونادى منادي الجهاد أنْ يا خيل الله اركبي كان عبد الحميد أول من لبى هذا النداء ولم يتردد لحظة واحدة، بل بادر إلى الالتحاق بكتائب الجهاد.
نعم لبى المجاهد البطل نداء الحق، فكان من طلائع المجاهدين الذين نذروا أنفسهم للتضحية والفداء إعلاء لكلمة الله ونصرة لدينه الحنيف.
لقد مرت عليه فترات وهو مريض جداً أثناء ملاحقته فكان يؤدي واجبه على الرغم من ذلك. ففي يوم الثلاثاء 26/10/1980 وفي السوق المقابل (البازرباشي) أوقفته دورية راجلة فأطلق النار على أحد عناصرها فأصابه في رأسه فقتله وهرب بين البسطات.. وأثناء مروره بين البسطات أصيبت رجله نتيجة لوجود مسمار في الخشب فشق بنطاله ووقع على وجهه فجرح وجهه.
كان يطارده عنصران.. فعندما وقع صوب أحدهما المسدس على رأسه، فلما أطلق طاشت رصاصة فأصابت العنصر الثاني، وعندئذ استطاع عبد الحميد الهرب من العنصر الثالث.
وفي الساعة الثالثة صباحاً من يوم الخميس 28/10/1980 دوهمت قاعدته في بساتين حمص نتيجة اعتقال أحد الإخوة المجاهدين.
وتكون معركة حاسمة يذوق أعداء الله مرارتها ويتجرعون الموت زرافات ووحدانا.
استشهد على إثر هذه المعركة أحد المجاهدين وانسحب عبد الحميد جريحاً، وأثناء انسحابه اعترضه نهر العاصي فحاول قطعه، غير أنه استشهد قبل أن يتمكن من ذلك. ويمضي المجاهد البطل مع إخوانه المجاهدين إلى الله آمنين مطمئنين.
الشهيد: نحن على موعد في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمجاهدين الأتقياء الذين جادوا بأرواحهم رخيصة في سبيل الله.
رحمك الله أبا يوسف، ورحم إخوانك الشهداء.. لقد دافعتم دفاع الأبطال، وقاتلتم قتال المؤمنين، وجاهدتم حق جهاده فجزاكم الله خيراً، وجمعنا وإياكم في جنة الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وإنا على العهد باقون حتى نفوز بإحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة.
وسوم: العدد 718