النائب والوزير محمد العايش
رجالات سورية
محمد العايش، سياسي ونائب ووزير سوري خلال عهد الجمهورية السورية الأولى، يعتبر أول وزير من مدينة دير الزور، وبعد شغله لهذا المنصب، تكرّس التقليد بتخصيص مقعد وزاري في الحكومات المتعاقبة لمحافظة دير الزور.
ولد محمد بك العايش في دير الزور عام 1880 لآل العايش، من فخذ البو عبيد من قبيلة البقارة، والتي يرجع نسبها إلى الإمام محمد الباقر أحد أحفاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي المضري العدناني. وتتواجد معظم فروع القبيلة في سورية والعراق يتوزعون في سورية في دير الزور وحلب وفي الجزيرة الفراتية ولهم مساكن وقرى كثيرة كما لهم تواجد بسيط في الأردن وتركيا وينتشرون في العراق في الموصل والفلوجة ونينوى وصلاح الدين وعددهم في العراق أكبر من عددهم في سورية.
نشأ محمد العايش في أسرة عريقة في حسبها ونسبها ووجاهتها وثرائها وانتسابها لآل البيت الأطهار، وقد ورث الزعامة عن والده المرحوم عايش الحاج المشهور بكرمه وسخائه، حيث تروى عنه الأحاديث والقصص الشيقة في هذا المجال، أما عمه عياش الحاج فقد كان علماً من أعلام السيادة والزعامة في دير الزور وقد مات مسموماً من قبل الاستعمار الفرنسي في مدينة جبلة على الساحل السوري عام (1926) بعدما نفى المستعمر الفرنسي جميع أفراد أسرة عياش الحاج إليها. وبعد موته تولى الحاج محمد بك العايش مكان عمه بصفته أكبر أفراد الأسرة سناً، وفي عام (1936) توفي ابن عمه المغفور له الحاج فاضل العبود زعيم دير الزور الأكبر، فأجمعت كلمة العشيرة على اختيار الحاج محمد العايش ليحل محله.
بدأ معالي الوزير محمد العايش حياته السياسية مستشاراً في مجلس إدارة دير الزور ونائب رئيس غرفة التجارة فيها، كما شغل مدة خمس عشرة سنة عضوية لجنة الأوقاف في محافظة الفرات، وفي أثناء عمله السياسي أدى أدواراً مهمة على الصعيدين المحلي والعربي، وخاصة أثناء مؤتمر فلسطين المنعقد في مدينة القاهرة عام (1948)، كما كان له الدور الكبير في ترتيب الزيارة التاريخية لفخامة رئيس الجمهورية شكري بك القوتلي إلى لبنان واجتماعه مع فخامة بشارة الخوري رئيس لبنان في شتورة، كما كان لمساعيه الأثر الأكبر في عقد الاجتماع والمصالح بين رئيس الجمهورية السورية شكري بك القوتلي ورئيس لبنان بشارة الخوري مع كل من جلالة الملك عبد الله ملك الأردن، وسمو الأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق.
وكان معالي الوزير محمد العايش من أشد المتحمسين لفكرة الوحدة مع مصر، وقد نال على أثر قيامها "وسام الجمهورية الأول" من الرئيس جمال عبد الناصر على الدور الذي لعبه في عقد تلك الوحدة. سمي رجل الوزارات لتقلده عدة مناصب وزارية خلال حياته السياسية الطويلة، فقد عين وزيراً للاقتصاد في حكومة حسن الحكيم عام 1941 حتى 1942، وفي حكومة حسني البرازي عام 1942 وفي حكومة جميل الألشي عام 1943 في عهد الرئيس تاج الدين الحسني واستمرت الحكومة شهرين بعد وفاة الشيخ تاج الدين. وعين وزير دولة "نائب رئيس المجلس النيابي" في حكومة جميل مردم بك عام 1946 حتى عام 1948 في عهد الرئيس شكري القوتلي، كما عين وزيراً للزراعة في حكومة خالد بك العظم عام 1948 حتى عام 1949 في عهد الرئيس شكري القوتلي أيضاً.
عرض عليه الدخول في عدة وزارات تشكلت عقب الانقلابات العسكرية في سورية، لكنه رفض تلك المناصب لعدم شرعية تلك الانقلابات في رأيه، ولأنها تتعارض مع العملية الديمقراطية والحياة النيابية السائدة قبل حدوث تلك الانقلابات، ثم تولى منصب نائب رئيس الوزراء ووزيراً للدولة في وزارة دولة صبري بك العسلي القومية عام 1956، وكان يدير جلسات مجلس الوزراء بالنيابة أثناء تغيب الرئيس، وتم في عهد هذه الوزارة افتتاح مصرف سوريا المركزي.
اعتزل العمل السياسي بعد قيام الوحدة، وعاش في دمشق أغلب وقته بعد ذلك، متفرغاً للعمل الصناعي والتجاري خاصة، فكان مالكاً وعضواً في كثير من الشركات الصناعية القائمة في تلك الفترة مثل معامل السكر، فقد كان رئيساً لمجلس إدارة معمل السكر في عدرا وعضو مجلس إدارة سكر حمص.
كان الوزير محمد العايش زعيماً حقيقياً لا يشق لزعامته غبار، ولم تشغله السياسة والإقامة في دمشق عن مدينته دير الزور التي استمر يعقد فيها الاجتماعات الدورية، الخاصة بالهم العام وشؤون المواطنين، توفي في شهر كانون الثاني من عام 1968 في دمشق عن عمر قارب الثمانين عاماً، ونقل في طائرة خاصة إلى مسقط رأسه في دير الزور ودفن فيها. ليبقى محمد العايش الذي وصفه أسعد الكوراني في مذكراته أنه من خيار الناس، زعامة محلية ووطنية، لا يمكن أن تنسى في التاريخ السوري.
وسوم: العدد 723