دمعة في وداع أخي ياسين جاسم المحيميد، أبو علي (أبو صفية)

clip_image002_5fbfd.jpg 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أخي " أبا علي "  لمحزونون

 ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي )

    بمزيد من الأسى والحزن ننعى أخاً داعيةً ، مخلصاً ، ومرَبِّياً ، ومُقْرِئاً :

إنه الأخ الأستاذ الدكتور" ياسين جاسم المحيميد ، أبو علي ( أبو صفية القورية )" المولود في بلدة "القورية"  دير الزور ، سورية ، عام خمسين وتسعمئة وألف ميلادية ، الذي طواه الموت بعد صراع طويل مع الغربة والمرض، في مكة المكرمة يوم الأحد الثاني من صفر الخير عام تسعة وثلاثين وأربعمئة وألف هجرية الموافق الثاني والعشرين من تشرين الأول عام سبعة عشر وألفين ميلادية 

ترك الدراسة أربعة عشر عاماً، واشتغل في التجارة والبناء، وكان خلالها يَقْرَأُ على بعض أهل العلم ، ويخطب الجمع ويدرس في المساجد

لُوحِقَ من قبل النظام، لأنه أحد أبناء الجماعة ، مما اضطره - مع الآلاف غيره – لمغادرة الوطن أوائل ثمانينيات القرن الماضي، إلى العراق ، ثم الأردن ثم اليمن، فعاش  مغترباً مهاجراً إلى الله أكثر من نصف عمره ، واستمر في دعوته ، عالِما ومتعلِّماً؛  

فدَرَسَ اللغة العربية في جامعة بيروت دراسةً خارجية يُقَدِّم الامتحانات في المملكة الأردنية الهاشمية .

نَقَلَ دراسته إلى الجامعة المستنصرية في بغداد وكان الأول على دفعته في كل مراحل الدراسة رغم الانقطاع الطويل عن الدراسة

أخذ البكالوريوس من الجامعة المستنصرية ببغداد سنة 1987

درس الماجستير 1991 بجامعة بغداد وبعدها الدكتوراه سنة 1995

دَرَسَ على العلماء في بيوتهم وفي المساجد أربعة عشر عاماً، قضاها في العراق وأخذ العلوم الإسلامية (البكالوريوس والماجستير والدكتوراه) والقراءات السبع بالعراق ؛ ثم أتم العشر بعد أن غادر العراق 

رسالته في الماجستير هي (الأمر والنهي عند علماء العربية والأصوليين) جمع به بين العربية وعلم أصول الفقه

رسالته للدكتوراه " الدراسات النحوية في تفسير ابن عطية"

جمع فيها بين النحو والتفسير

مارس التدريس الجامعي إلى أن نال رتبة " الأستاذ"

طلابه في عدة جامعات بالعراق منها جامعة بغداد وجامعة المستنصرية

وفي اليمن: جامعة صنعاء وجامعة الإيمان والعلوم التكنولوجية 

وكلية الإيمان 

وفي السعودية جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض وأخيرا، ولا يزال على ملاك الجامعة في جامعة أم القرى بمكة المكرمة وله كرسي لتدريس القراءات في الحرم المكي

له أكثر من عشرين مؤلفا جُلُّها في القرآن وعلومه والعربية

فأفضى إلى ربه راضيا بما كتب الله عليه، من غربة قاسية، ومرض عضال عانى منه سنوات عمره الأخيرة

   وَوُرِيَ فقيدُنا الحبيب الثرى في أحد مقابر مكة المكرمة فجرَ اليوم الثلاثاء الرابع من صفر الخير عام تسعة وثلاثين وأربعمئة وألف هجرية الموافق الثالث والعشرين من تشرين الأول عام سبعة عشر وألفين ميلادية.

يقول الشاعر:       

" المرءُ ما دامَ حَيّاً يُستَهانُ به * * * ويَعظُمُ الرِّزءُ فيه حينَ يُفتَقدُ "

ويقول شاعر آخر:

 يُوَدِّعُ غصن العلم بالحزن زهرة

و يبقى شذاها في سماء العوالم

قضى عمره بين الدفاتر مشعلاً

يضيء بذاك النور درب الأكارم

و غاب عن الأوطان ظلما ً لأنه

أبى أن يكون العلم طوعاً لظالم

فيا رحمة الله المؤمل جودها

أفيضي عليه اليوم حسن المراحم

فَمَنْ مِثْلُهُ في القلب قد عَزَّ فَقْدُهُ

كفى العمرُ بَلْوى فَقْدُ شيخٍ وعالِمِ

وهكذا غادرنا الداعية المُربي ، والعالِم العامل ، المُقْرِئ الماهر، مُدرِّسُ النحو والصرف والقراءات 

- والمهاجر الصابر، المتفاني في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة

* غادرنا رحمه الله تعالى، من دنيا فانية إلى رحمة الله سبحانه الواسعة 

والتي ما سمعنا منه خلالها إلا الرضا بقدر الله العزيز الحميد، والعمل الدؤوب، والصبر الجميل

* نعم، غادرتنا أيها الأخ المتواضع في أسلوبك وتعاملك مع الآخر 

* نعم غادرتنا أيها الأخ المتواضع في طعامك ولباسك ومسكنك

فقد تركت بصمات طيبة في مجالات عدة، نسأل الله أن نكون ممن استمع إليك وقرأ لك، فنتَّبِعَ أحسنه

* نعم عرفتك من خلال علاقاتي الاجتماعية معك سنوات عدة ، وعن قرب:

- عامِلاً مخلصا في عملك

- عرفتك غيوراً على دينك وحريصاً على دعوتك

- عرفتك أخا كريما مضيافا

- عرفتك محبا للعلم شغوفا به مجدا في تحصيله

- عرفت فيك حُسنَ الخثلُقِ ودماثةَ الطَّبْعِ وطيبةَ المَعْشَرِ.

- عرفتك تحمل همّ الدعوة ، والوطن والأهل الذين عضّهم الظالمون والمجرمون بحقدهم ولؤمهم؛

- عرفتك أخا أنيسا ، رقيقا ، مُحبًّا لإخوانه

- عرفتك حافظًا لِلْوُدِّ ، مُحبًّا للخير، حاضًّا على العلم 

اللهم اغفر له وارحمه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا واجعل قبره روضة من رياض الجنة

يا أرحم الراحمين

اللهمّ إن أخانا أبا علي " ياسين جاسم المحيميد" قد وَفَدَ عليك، فأحسن اللهمّ وِفادَتَه،

اللهم عوّضه عن هجرته في سبيلك، وعن صبره على مرضه، وعلى بذله وجهده وجهاده في سبيلك

اللهم عوّضه الفردوس الأعلى، واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا  

وأَلْهِمِ اللهمّ زوجيه وأولادهما ، وأحفاده وجميع آله وذويه، وإخوانه ومحبيه ، وطلابه، الصبر الجميل والسلوان

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله

رحمك الله أخي أبا علي  

و جعل الفردوس الأعلى مثواك

اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة 

اللهم اجعل قِراهُ منك الجنة من غير حساب ولا عتاب ولا سابقة عذاب

برحمتك يا أرحم الراحمين

وأنتم يا أبناء أخي ، أُعزّيكم بقوله تعالى : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

 وأقول لكم: ثابروا على بِرِّهِ كما عَهِدْناكم بارِّين به في حياته

وآخر دعوانا أَن الحمد لله رب العالمين

وصلَّى الله على رسولنا وأُسْوَتِنا محمد وسَلَّمَ تسليما كثيرا.

أبو جعفر/دير الزور ، الشحيل

الاثنين 3 صفر الخير 1439 هجرية الموافق 23 تشرين الأول 2017

وسوم: العدد 743