دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة 16
دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة
معركة المذار (16)
د. فوّاز القاسم / سوريا
المذار .. موقع على الشاطئ الشرقي لدجلة ، في مكان تلتقي فيه الأنهار ، وتتشعب منه الطرق إلى الأهواز والجبل وفارس والسواد ، ويقع على مسافة أربعة أيام من البصرة ، حوالي 175 كم إلى الشمال من الأُبُلّة ، بالقرب من واسط عاصمة ميسان اليوم …
وحدثت موقعة المذار بعد موقعة ذات السلاسل ، في اوائل صفر (12 هجري ) الموافق لشهر نيسان (633م) . حيث وصلت أخبار هزيمة هرمز إلى المدائن ، فأرسل الفرس مدداً يرأسه ( قارن بن قريانس ) وتوجّه هذا الأخير باتجاه الجنوب حتى بلغ المذار فعسكر فيها وعبّأ قواته …
أما خالد ( رض ) فكانت عيونه الساهرة تأتيه بأخبار تحركات العجم أولاً بأول ، فلما علم بتجمع الفرس في المذار بادر بتوزيع غنائم النصر على المجاهدين لرفع معنوياتهم ، كما أرسل بشائر النصر إلى المدينة المنورة ، ثم تحرك من فوره على تعبئة تامة لسحق تجمع الفرس في المذار قبل اكتماله ، وجعل على مقدّمته البطل العربي الإسلامي المعروف ، المثنى بن حارثة الشيباني ، الذي كان مع قبيلته بني شيبان من أكثر العرب خبرة بالفرس وجرأة عليهم .
والتقى الجمعان ، وكالعادة فقد خرج قائد الفرس ( قارن ) يبحث عن كرامته المفقودة طالباً المبارزة ، وكالعادة أيضاً ، فقد كان العملاق خالد ( رض ) له بالمرصاد ، إلا أن أحد كماة العرب واسمه معقل بن الأعشى بن النبّاش ويكنّى ( بأبيض الركبان ) سبق خالداً إليه فقتله ، ثم تزاحف الفريقان ودارت رحى معركة رهيبة أبلى فيها صناديد العرب والإسلام أعظم البلاء ..!!!
وفي المواطن الصعبة تلمع معادن الرجال … ولله درّهم من أبطال شجعان ..!!!
فأما البطل العملاق عاصم بن عمرو التميمي ، أخو القعقاع بن عمرو التميمي ، وقائد ميمنة المسلمين ، فقد شكّل مجموعة استشهاديّة قادها بنفسه ، ولم يزل يضغط على من قبالته من ميسرة العجم حتى خلُص إلى قائدها ( أنو شجان ) فقتله .
وكذلك فعل عديّ بن حاتم الطائي ، قائد ميسرة المسلمين ، فلم يزل يضغط حتى دحر ميمنة العجم ، وخلص إلى قائدها ( قُباذ ) فقتله ، وضغط بقية المسلمين على العجم وتطايرت الرؤوس ، حتى كست الدماءُ الأرضَ ، فكانت مذبحة عظيمة في صفوف العجم ، حيث قتل منهم ثلاثون ألفاً ..!!! ( الطبري /4/7) .
وانهارت معنويات الفرس ، فولّوا الأدبار لا يلوون على شيء ، ولولا المياه التي منعت المسلمين من تعقّبهم لما نجا منهم أحد .!!!
أقام خالد ( رض ) في منطقة المذار فوزّع الغنائم على المجاهدين ، وخصَّ أهل البلاء بعطايا إضافيّة من الأخماس ، ثم بعث بقيّة الأخماس وبشارات النصر إلى أمير المؤمنين أبي بكر ( رض ) في المدينة المنوّرة ، وأما الفقراء والفلاحون ومن أقرَّ بدفع الجزية من العجم غير المحاربين فقد أقرّهم خالد على أراضيهم ، وأبقاهم في قراهم ، ولم يتعرّض لهم أحدٌ من المسلمين بأيّ أذى…