التوبة سفينة النجاة
وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً :
هي حقيقة أقرها الله سبحانه و تعالى في القران الكريم في غير لبس و في وضوح تام ، حتى يكون التعامل على ضوء هذه الحقيقة. فالمسلم يحتاج أن يقف مليا عند هذه الحقيقة المقررة حتى يتعامل معها بفهم و إدراك ، ليستلهم منها دروس التحصين . ، أن استحضار هذه المعاني المقررة للسائرين في طريق الله أكثر حاجة ، حقيقة أن الانسان معرض للضعف و التقصير عند القيام بالتكاليف الشرعية أو الواجبات الدعوية و الحياتية ، هو أمر وارد لطبيعة الضعف البشري ، و المسلم ليس استثناء فهو كذلك لا يسلم من الزلل و الهنات و السقطات ، فلهذا يظل المسلم محتاجا لطلب العون و تقوية الصلة بالعودة السريعة لله للقوي المتعال . قال تعالى : " وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً " سورة النساء : 27-28
ثم تاب عليهم ليتوبوا:
حين نستعرض آيات القران الكريم ونقرأها بتدبر ، تستوقفنا حقيقة توبة الأنبياء عليهم السلام فنجد الأنبياء أكثر الخلق استغفارا و أوبة لله تعالى جبرا للتقصير مع عصمتهم . تلك الآيات تعلمنا خلق التوبة.حين نستعرض قصة الأبوين آدم عليه السلام و زوجته لما أهبطا إلى الأرض بسبب أكلهما من الشجرة المحرمة عليهم " قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " من سورة الأعراف : 23 و في و في السياق نفسه تستوقفنا قصة أبي الأنبياء نوح عليه السلام مع ابنه الضال ، حين تحركت عاطفة الفطرية للأبوة اتجاه فلذة كبده ليكون معه في السفينة ، فجاء خطاب العتاب مع قدر نبي الله نوح و فضله " قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ " من سورة هود: 46 فكانت التوبة السريعة من نبي الله نوح عليه السلام جبرا للخطأ " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً " من سورة نوح : 28 ، و يظل سجال التوبة لا يتوقف عند هؤلاء ، بل تظل التوبة ملازمة لكل إنسان فصر في جنب الله تعالى و المسلم أحق بها . و العبرة هنا تجلي لنا معدن الأنبياء و طهر سريرتهم مع تلك تربية الربانية المميزة . ليكون العفو و الصفح رحمة مهداة منه تعالى ، في صورة ذلك الخطاب السماوي المرسل للرسول صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام و هو يخاطبهم بهذا الأسلوب الرباني المعجز " لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " فما اعظم عفوك ربي و ما أعظم كرمك
إن درس التوبة أولى من يلتزم به بعد الأنبياء حملة دعوته لكثرة التقصير في جنب الله و في حق دعوته.
الصدق التوبة سفينة النجاة ::
و تتواصل قصص التوبة في القرآن الكريم و مع قصة الصحابة الثلاثة الذين تخلفوا عن القيام بواجب نصرة الإسلام مع رسول الله ، تخلفوا عن الركب وقت الحاجة و عند الضرورة و في وقت الإسلام في أمس الحاجة لمجهودهم سدا لثغرة لا يسد ثلمها إلا رجالا حملوا الحق بصدق ، فالتكليف عند الحاجة لا تنتظر ساعة النداء ، فحب البذل و العطاء و التضحية صفة مصاحبة لجيل الصحابة رضي الله عنهم . ففي صحيح البخاري ترجمة لهذه المعاني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " لقد سمعت من المقداد بن الأسود كلمات لأن أكون أنا الذي قلتها أحب إليَّ من حمر النعم ، سمعت المقداد بن الأسود يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! لو خضت بنا هذا البحر خضناه معك، والله لا نقول لك كما قال أصحاب موسى لموسى: " اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ " من سورة المائدة:24 قال : فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُرَّ بما قال ) يقول ابن مسعود : لأن أكون أنا الذي قلت ؛ لأن الرسول سُرَّ بذلك " وهكذا كانوا يتسابقون في رضى الله .و طاعنه . و تلك الصورة الناصعة لكن تلك الطاقة الدافعة للمسلم قد يعتريها الضعف و الوهن و فيصاب بالفتور ، فتكون التوبة الصادقة هي الخلاص الوحيد ، كحال الثلاثة الذين تخلفوا في غزوة تبوك و فكان الصدق سفينة نجاة لهؤلاء ، ففزع المؤمن للتوبة سلام و نجاة ، يكون نتاجها و ثمارها خطاب سموي من الله عز و جل لكل مسلم صادق في توبته ، خطاب نقرأه و نحفظه . " وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إذا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " من سورة التوبة: 118 حتى بلغ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " من سورة التوبة: 119 . ليت الدعاة و العاملين لنصرة الحق في شتى الدروب العمل أن تكون لهم وقفات جادة عند دروس تلك القصص القرآنية التربوية الرائعة .
وسوم: العدد 777