الإسلام حجة على المنتسبين إليه لكنهم ليسوا حجة عليه
في خضم الصراع السياسي والحزبي في بلادنا يتخذ العلمانيون الذين يحلمون بما يسمونه " مدنية المغرب أو لادينيته " من فرص الحديث عن تصفية حساباتهم السياسية والحزبية مع الذين يتبنون المرجعية الإسلامية أو يدعونها في ممارساتهم الحزبية والسياسية مناسبة للنيل من الإسلام بشكل أو بآخر لتمرير مشروعهم العلماني والدعاية الإعلامية له .
وآخر ما نشر موقع هسبريس مقالا للمدعو سعيد لكحل الذي يتقاسم مع المدعو أحمد عصيد دور الدعاية للتوجه العلماني على صفحات هذا الموقع تحت عنوان : " من كانت مرجعيته محددة من عند الله فمكانه الزاوية وليس الحكومة " وفيه هاجم صاحبه رئيس الحكومة بسبب ادعاء حزبه المرجعية الإسلامية ، وأنكر عليه ذلك بموجب الدستور الذي يمنع تأسيس الأحزاب على أساس ديني . ويرى لكحل أن ادعاء الحزب الحاكم في المغرب المرجعية الإسلامية، يعني أن قرارات حكومته صارت قدرا وقضاء من الله عز وجل، ولم تعد اجتهادا بشريا ، كما أنه يرى أن هذا الادعاء يترتب عنه وصف أحزاب أخرى بأنها بلا مرجعية إسلامية . وتناول بعد ذلك ما سماه فضائح أخلاقية وجرائم مالية وإدارية وقانونية ارتكبها وزراء ورموز حزب المصباح وهو ما ينقض ادعاءهم المرجعية الإسلامية ، ويتهمهم بإفساد الدين والسياسة والقيم الأخلاقية ، ويختم بالقول :
" المكان الطبيعي لأعضاء حزب المصباح ليس الحكومة ، وإنما الزوايا والمساجد والمدارس القرآنية التي يدافعون عن قرار الترخيص لها لنشر فروعها في كل المدن والقرى . إن تسيير الشأن العام وقيادة الحكومة يحتاجان إلى الخبرة والدراية ، وليس إلى الإرشاد الديني والخطاب الدعوي ".
بهذه الطريقة يتخذ هذا العلماني المتعصب لعلمانيته من حديثه عن حزب يدعي أصحابه المرجعية الإسلامية مطية للنيل من الإسلام بطريقة ماكرة ومكشوفة . فما دخل الزوايا والمساجد والمدارس القرآنية في الحديث عن أخطاء أو فشل حزب المصباح في تدبير شؤون البلاد ؟ وهل يتحمل الإسلام مسؤولية أخطاء من يدعون أنه مرجعيتهم ؟ ومتى كان المنتسبون إلى الإسلام حجة عليه ؟ أليس العكس هو الصحيح ؟ ألم يقل الله عز وجل في محكم التنزيل : (( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )) ؟ وهل يعقل أن يقصى الإسلام من الحياة ، ويتركها للعلمانية لأن الذين ادعوا أنه مرجعيتهم ارتكبوا فضائح أخلاقية وجرائم مالية وإدارية وقانونية ؟ وهل مكان الإسلام هو الزوايا والمساجد والمدارس القرآنية بعيدا عن الواقع المعيش ؟ أليس تلك الأماكن هي محاضن التربية الإسلامية الموجهة للناس ليستقيموا في حياتهم وفي معاملاتهم ؟ أليس الإسلام منهاج حياة ينظم حياة الناس سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ...ويلابسها ولا ينفك عنها ؟ أليس الدستور الذي احتج لكحل بفقرة منه تمنع إنشاء الأحزاب على أساس ديني، تنص فيه فقرة أخرى على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام ؟ وكيف تكون الدولة لادينية ودينها الإسلام ؟ أليس المغرب عضوا ضمن الدول الإسلامية ؟ أليست فيه إمارة المؤمنين تتولى فيه تدبير الشأن العام للبلاد دون فصل بين ما هو مدني وما هو ديني كما يزعم العلمانيون ؟
ومعلوم أن الإسلام عبر تاريخه الطويل، كانت تعاليمه هي المحك الذي يعرض عليه المنتسبون إليه ، فمن وافق منهم سلوكه تلك التعاليم كان منتسبا حقا إليه ، ومن خالف سلوكه تلك التعاليم لم يكن كذلك ، ولا معنى لادعائه الانتساب الصوري إلى الإسلام، لأن تعاليم هذا الدين لها ترجمة عملية وإجرائية في الواقع المعيش ، وقد لخص هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " ويترتب عن هذا أن سلوك المسلم يكون منسجما مع تعاليم الإسلام قولا وفعلا.
وعندما يشاد بالمسلمين في عصر من العصور، إنما تكون الإشادة بمدى انسجام سلوكهم مع تعاليم الإسلام ،ولا تكون بهم كأشخاص ،لأنه حجة عليهم، وليسوا حجة عليه . فمن أحسن أو أساء في إسلامه، فإنما يحسن أو يسيء إلى نفسه، ولا يضر الإسلام .
والذين يحسبون أخطاء المنتسبين إلى الإسلام عليه ،تنطبق عليهم مقولة الفيلسوف ابن رشد الذي أنكر على حكام عصره منع اشتغال الناس بالفلسفة ،لأن بعض المشتغلين بها تزندقوا ، فقال : " مثل من منع الفلسفة عن الناس كمثل من منع الماء عن الناس لأن قوما شربوا الماء فشرقوا فماتوا " . وهذه المقولة تنطبق أيضا على الذين ينالوا من الإسلام ،لأن بعض المنتسبين إليه أو المحسوبين عليه يخطئون أو يقعون فيما لا يوافق تعاليمه .
ومعلوم أن مقت الله عز وجل يكبر عندما تناقض أفعال المنتسبين إلى الإسلام أقوالهم أو بعبارة أخرى ادعاءهم الانتساب إليه، كما أنه من ولي شيئا من أمر المسلمين فمات وهو غاش لهم، كان مصيره جهنم وساءت مصيرا مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " . فهذا الحكم المتضمن في هذا الحديث يشمل كل المنتسبين إلى الإسلام سواء كانوا ممن يصرحون به كمرجعية لهم أو كانوا ينتسبون إليه بألسنتهم وتنكره أفعالهم كما هو حال العلمانيين عندنا الذين لا يقبلون إخراجهم من دائرته بحكم أقوالهم وأحوالهم المناقضة لتعاليمه ، وهذا شكل من أشكال النفاق عندنا في هذا العصر لأن العلمانيين حقا هم الذين يصرحون بشجاعة بلائكيتهم كما هو شأنهم في بلاد الغرب، أما في بلاد الإسلام فالعلمانيون لهم شأن آخر، فهم مسلمون ادعاء ولادينيون ممارسة .
وإذا كان السيد لكحل أو غيره يعيب على رموز حزب المصباح ما يمكن اعتباره خيانة للإسلام لأن أفعالهم تنقض تعاليمه ، فإن ذلك العيب يشمله أيضا هو وقبيله من العلمانيين الذين تناقض أقوالهم وأفعالهم تلك التعاليم لأنهم سواء معهم في ذلك وهم يصرحون بأن المغرب ليس بلدا دينيا بل هو بلد مدني مكان الدين والمتدينين فيه الزوايا والمساجد والمدارس القرآنية على حد قول السيد لكحل وقبيله العلماني ، وهي أماكن يعتبرونها على هامش الحياة ، ويستكثرون الإنفاق عليها بينما علمانيتهم هي المؤهلة في نظرهم لتدبير شؤون الحياة ، وهي الجديرة بالإنفاق عليها في اعتقادهم .
وأخيرا بقدر ما ننكرعلى العلمانيين محاولتهم اليائسة علمنة المجتمع المغربي المسلم الذي أراد له الله عز وجل أن يكون كذلك ، ونقول لهم إن قوة الإسلام في هذا البلد المسلم رغم أنوفكم ورغم كيدكم وما كيدكم إلا في ضلال تزداد كلما ازدادت مؤامراتكم ضده ، وأنه لا مستقبل لكم فيه ، وفي المقابل نقول أيضا للذين يدعون المرجعية الإسلامية ، ولا يرعونها حق رعايتها ، ويكونون بذلك أعوانا لخصوم الإسلام على التجاسر عليه، إنكم بقدر ما تسيئون إلى الإسلام بتصرفاتكم المناقضة لتعاليمه ، يزداد قوة ،ويزداد الشعب المغربي المسلم تشبثا به وثباتا عليه ، ولئن خدعتم هذا الشعب المسلم مقابل الجلوس على كراسي شبيهة بكراسي الطائرات حين تنفجر في الجو ، فإنكم لن تستطيعوا خداعه مرة أخرى، لأنه لا يمكن لشعب مسلم أن يلدغ من جحرمرتين .
وعلى الذين يريدون تصفية حساباتهم السياسية والحزبية والإيديولوجية أن يفعلوا ذلك بعيدا عن المساس بحرمة الإسلام، لأنه دين الله عز وجل الذي لا يمكن أن يكون موضوع عبث العابثين .
وسوم: العدد 812