هل نحن جماعة المسلمين أم جماعة من المسلمين؟!
منتدي دعوة الحق والقوة والحرية
قضايا في فكر الجماعة
لم يزل فقهاء الدعوة المعتمَدون وجميع قياداتها يعتبرون أن الإخوان هم جماعة من المسلمين، تسعى لتحقيق منهج الله في الأرض، وإيجاد الأمة التي تحمل هذا المنهج وتطبقه- أولاً- على نفسها، وتتحمل تبعات هذه الأمانة،
والإخوان لا ينسَون أبدًا أُخوَّتهم لكل مسلم، كما وصف الله المؤمنين بقوله: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة: من الآية54).
كما أنهم لا يبخَسون أهل الفضل فضلهم، ولا يتكبَّرون على الحق، بل يُحاسبون أنفسهم بإنصاف، والميزان الذي يرجعون إليه هو الحق المتمثل في الكتاب والسنة، والحكم دائمًا بينهم هو حكم الله ورسوله والشورى، حيث يكون حكم الله هو الشورى، كما تحاول دائمًا أن تنقِّي صفَّها، وأن تُربِّي أفرادها، وتُحرِّر المسلمين من أمراضهم التي أدت إلى إذلالهم وقعودهم وتخلفهم.
ومن الأمور الغريبة ومن ألوان الحرب الدائمة الرمْي بالشبهات، والقول بأن جماعة ما هي (جماعة المسلمين)، وهذه دعوى باطلة مزيَّفة، وحربٌ ظالمة وجائرة، وقول بغير علم ولا بيِّنة.
فالعاملون للإسلام بحقٍّ يفهمون جيّدًا أن جماعة المسلمين هي التي يمكّن الله لها في الأرض، ويكون لها إمام هو إمام المسلمين جميعًا، وقبل ذلك لا يجوز ولا يصح هذا، والمطلوب ممن أطلق هذه الفرية أن يدلنا على مصدرها وعلى قائلها، أو مَن صدرت عنه حتى نبين له الحق، ونصحِّح مفاهيمه؛ لأن القول بهذا من الأمور الخطيرة، لما يترتب عليه من نظرات إلى المجتمع غير صحيحة!!.
هذه التهمة تتردد كثيرًا على بعض الألسنة، وهي من الخطأ البيّن أو الجهل الفاضح، فليس الإسلام حِكْرًا على أحد أو جماعة بعينها، يجعلها تصل إلى درجة أن تعلن أنها جماعة المسلمين، أو أنها تمتلك الحق الخالص، وغيرُها يعيش على الباطل الخالص، ومن هنا يبدأ الانحراف، وتتسع زواياه، ويبدأ التعسف في إصدار الأحكام على الناس، إلى درجة قد تصل إلى تكفير مَنْ لا يسير في طريقها، أو لا يرى رأيها، وهذا جُرم وافتراء.
كما أن الإسلام ليس حِكْرًا على طائفة أو حزب، أو جنس بشري، وإنما هو دين الله الذي ختم به الرسالات للبشرية جمعاء، وأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- هو وحده محل القدوة والأسوة ومصدر التلقي والاتباع والطاعة ﴿قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (آل عمران:31)، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب:21).
إن أي إنسان أو طائفة أو جماعة أو جنس بشري لا يمتلك ذلك مهما علا شأنه، فإنه يبقى دائمًا وأبدًا متَّبعًا وليس مبتدعًا، ويبقى الإسلام وحده هو الموجِّه والقائد، ويبقى الإسلام وحده هو الحاكم والمسيطر على سلوكنا جميعًا، ويبقى الإسلام وحده هو الميزان الثابت لأعمالنا... ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ (البقرة:138).
ولا يصح أبدًا أن يكون سلوك فرد أو جماعة أو هيئة هو المنهج والمقياس، وأن نصيب المسلمين أفرادًا وجماعات من نصرة الإسلام لا يكون متفاوتًا إلا بمقدار ما يقدمون لدينهم ولأمتهم، وبمقدار إخلاصهم وتجردهم، وبمقدار صدقهم وعطائهم، وبمقدار ما يقتربون بسلوكهم من المثل الكامل، المثل الأعلى المعصوم سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم-.
والإسلام دين جماهير هذه الأمة في أنحاء العالم، وهو أمل هذه الجماهير وهدفها، بل وحياتها، ومن هنا نستطيع أن نقول: إن الجماعات أو الجمعيات التي تدعو للإسلام ليست مراكز احتكار له، وليست بعيدة عن جماهير الأمة أو منفصلة عنها، أو غريبة على كيانها وحقيقتها، وإنما هي مجموعات من العاملين للإسلام، ترجو أن تكون أكثر ثوابًا عند الله، وأكثر اهتمامًا بقضايا الإسلام وآلامه، وهي مراكز تعمل للإسلام وتتمثل الإسلام الحق في واقعها، وتعطي نموذجًا عمليًا حسنًا طيبًا للحياة الإسلامية في تسامُحها وعدلها وأُفُقها الواسع وفهمها العميق للإسلام، وحبها للآخرين، وحرصها على سيادة أمة الإسلام.
ويجب أن تدرب نفسها على تقديم خدمات عامة لجميع أفراد الأمة في جميع جوانب الحياة؛ لتجذب إلى هذا الدين- بسلوكها الطيب الحسن- أبناء الإسلام وغيرهم إلى الإسلام وتقربهم منه، وتكون لهم دليلاً إلى الخير، ومرشدًا للتعاون على البر والتقوى، لا تحتكر الخير لنفسها، أو توظف الإسلام لمآرب شخصية من شأنها أن تقيم جدارًا نفسيًا يَحُول دون وصول دعوة الله واستنقاذ الناس مما هم فيه، فمجتمع الدعوة مجتمع عطاء وإيثار وبذل وليس مجتمع أخذ، مجتمع واجبات قبل أن يكون مجتمع حقوق، مجتمع هداية وليس مجتمع جباية، مجتمع إيثار وليس مجتمع أثَرة، وكل هذه الفضائل لا تتحقق برفع شعار، أو كتابة مقال أو إلقاء محاضرة، بل لابد من ممارسة حقيقية من الداعين؛ ليصبح ذلك خُلُقًا ثابتًا، وهذا منهج دعوة وليس وسيلة دعاة.
والحذر من خروج العمل الإسلامي عن هدف الاحتساب، وطلب مرضاة الله وحده، ويوم أن يخرج عن خطّه الصحيح هذا فإن أعداءَه أقدر على احتوائه ودفع الثمن، مادامت القضية تحولت إلى مستغلين ومنتفعين، قال الله تعالى في بيان شِعار الأنبياء جميعًا: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الشعراء:109)، وقال جل شأنه: ﴿وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:104).
والله اكبر ولله الحمد
وسوم: العدد 833