ما هو الهدف الأول للمسلم ، في الحياة الدنيا؟
حينما نبحث في عقائد المشركين ، والكفار ، وأهل الكتاب ، وأصحاب العقائد والأديان الأرضية ، الأقدمين ، والأحدثين ، وتفكيرهم ، ونظرتهم إلى الكون ..
نجد أنهم يحسون في داخلهم ، بوجود الله تعالى ، ولديهم حرص ، ورغبة على كسب رضاه ، في بعض الأوقات العصيبة ..
ولا يوجد في الواقع العملي ، الحياتي ، ملحد واحد .. وإن كان نظريا ، توجد أعداد غير قليلة ، ممن يزعم أنهم ملحدون !!!
والدليل على عدم وجود ملحد واحد ، هو :
أنه بمجرد وقوعه في مشكلة عويصة ، من مرض ، أو خطر ، وينعدم وجود أي مخلوق قادر على إنقاذه منه ، فإنه مباشرة ، وبشكل تلقائي ، وفطري يتجه إلى الله تعالى ، ويناديه ، ويستغيثه بلغته الخاصة !!!
وقد أجريت تجارب طبية ، بأجهزة الفحص المقطعية للدماغ ، أثبتت يقينا ، عدم وجود الملحد .
وقد أخبرنا العليم الخبير .. الصادق المصدوق بهذا :
( حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ أُحِيطَ بِهِمۡ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنۡ أَنجَيۡتَنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ) يونس 22 .
ولكنهم بمجرد أن يرفع الله عنهم البلاء ، وينجيهم ، يعودون إلى إلحادهم .
( فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ يُشۡرِكُونَ ) العنكبوت 65 .
والدليل على اعترافهم بوجود الله .. قوله تعالى :
( وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ) العنكبوت 61
ويزعم جميعهم بما فيهم النصارى ، والرافضة ، وأخواتهما ، أن عبادتهم للألهة ، ودعاء المتصوفة المنحرفة ، لأصحاب القبور ، هو بقصد التقرب إلى الله :
( وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ ) الزمر 3 .
إذن نستنتج من هذا البحث السريع ، أن البشر جميعا ، عندهم تطلع إلى رضا الله تعالى ، في بعض الأوقات ، التي يسيطر عليهم خوف مجهول ..
والدليل على أن المشركين حريصون على كسب رضاء الله سبحانه ، ويخافون من عقابه ، هو :
حادثة قيام قريش قبل البعثة النبوية ، بإعادة بناء الكعبة .. لما أصابها من تفتت ، وتصدع في بنيانها ..
فيقول الطبري في تاريخه عنها :
{ لقد هاب أهل قريش هدم الكعبة ، وفَرِقوا منه ، ولم يتجرأوا عليه ، لكن الوليد بن المغيرة ، كان أكثرهم جرأة ، فأخذ المعول وبدأ بهدمها ، وهم ينظرون إليه ، وهو يقول :
( اللهم لا تُرَع ، اللهم لا نريد إلا الخير ) ، ثم هدم من ناحية الركنين ، فتربص الناس به تلك الليلة ، وقالوا: ننظر ؛ فإن أصيب لم نهدم منها شيئا ؛ ورددناها كما كانت ؛ وإن لم يصبه شيء ، فقد رضي الله صنعنا ، فهدمنا. } .
إذن كانوا يتوجسون ألا يرضى عنهم الله ، وهم يهدمون كعبته المشرفة .. مع أنهم كانوا مشركين .. ولكن كان يهمهم رضا الله !!!
فالمسلم من باب أولى ، أن يكون همه ، وهدفه الأول في الحياة ، تحقيق رضا الله تعالى ..
ولكن ثمة فرقا بعيدا بينهما ، كبعد السماء عن الأرض ، في طريقة تحقيق هذا الرضا ..
وقد وجدت من خلال البحث ، والاستقصاء ، ومن خلال ما فتح الله علي ..
أن هناك خمسة تطبيقات أساسية ، وإلزامية ، يحب على المسلم تطبيقها كلها معا ، حتى يحقق رضا الله .. ومسؤول عنها يوم القيامة .. وإنقاص واحد منها ، يمكن ألا يتحقق رضا الله الكامل ..
وهناك خمسة تطبيقات أخرى ضروية ، ويجب عليه أن يسعى ، ويبذل جهده لتحقيقها .. لكنه غير مُلزم بتحقيقها ، وغير مسؤول عن تنفيذها ..
فإذا لم يحققها ، فلا جُناح عليه ، ولا إثم .. ولكنه مسؤول عن بذل طاقته ، وجهده ، وقدر استطاعته ..
التطبيق الإلزامي الأول :
الإيمان بالله وحده لا شريك له .. وذلك بتطبيق كلمة " لا إله إلا الله ‘‘ عملياً ، وواقعياً ، وحياتياً ، بمفهومها الشامل ، الذي يعني : لا معبود في كل نظم الحياة ، وشؤونها الفردية ، والاجتماعية ، والقانونية ، والسياسية ، والدولية ، والاقتصادية ، والعسكرية ، والسرية ، والعلنية إلا الله سبحانه .. وأنه هو مصدر السلوك ، والأخلاق ، والحكم ، ولا معقب لحكمه ..
التطبيق الإلزامي الثاني :
التوحيد الكامل ، الخالص لله وحده ، في خصائص الربوبية والألوهية ..
فالناس كلهم يؤمنون بأن الله هو خالق الكون والبشر ، وهو الرازق ، والمميت ، والناصر .. لا يختلفون في هذا أبدا ..
ولكن المطلوب إضافة إلى هذا .. توحيده في الألوهية .. بأن لا يدعو ، ولا ينادي المسلمُ ، أحدا من الخلائق .. رسلا أو صالحين أمواتاً غير أحياء .. ولا يحكم في أموره الحياتية .. ولا يُحرم ولا يُحلل ، ولا يُشرع القوانين .. إلا الله وحده ..
التطبيق الإلزامي الثالث :
تطبيق منهج الله ، ونظامه ، بشكل كامل في الحياة الشخصية ، والأسرية ، والاجتماعية ، وفي عمله الإداري ، والوظيفي ، وأن يتلقى الأوامر من الله تعالى ، في قيامه بعمله ، وأن يرفض رفضا قاطعاُ ، أوامر رئيسه في الدائرة ، إذا كانت تخالف أوامر الله سبحانه!!!
إذ ( لا طاعة لمخلوق في معصية الله ) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ..
وأن يكون نظام الله ، هو الواجب تطبيقه في عمله ، وألا يكون انفصام ، واختلاف بين أدائه للشعائر التعبدية ، وبين السلوك ، ومعاملة الناس ، فيكون في الصف الأول في الصلاة بالمسجد ، ويتظاهر بالتقى والورع .. وحينما يخرج إلى الناس ، يصبح شيطانا مريدا ، يأكل الحرام ، ويظلم الناس ، ويتكاسل في إنجاز معاملاتهم ، ويعطل مصالحهم ..
التطبيق الإلزامي الرابع :
الولاء الكامل الخالص لله وحده ، وليس للتراب ، أو الوطن ، أو القومية ، أو العشيرة ..
وهو يعني .. الإنقياد الكامل لمنهج الله ونظامه في الحياة .. والانصهار التام في بوتقة الإسلام .. والانتماء الشامل للعقيدة فقط .. وليس للأرض .. أو الوطن .. أو لشعب معين .. أو لقومية محددة !!!
وهو الهوية والجنسية العالمية الربانية .. التي تميز المؤمن عن بقية العبيد .. وتجعله يحتل المرتبة الأولى عالميا .. فيخترق كل الحواجز .. وكل الحدود .. رغم أنف العالمين .. وهو العلامة التجارية المميزة .. والمفضلة عالميا لدى رب العالمين ..
التطبيق الإلزامي الخامس :
اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل كامل ، في منهج حياته الكلية ، بحيث يكون هو القدوة له ، في سلوكه ، ومعاملاته مع الناس ، في حياته الخاصة ، في مأكله ، ومشربه ، ونومه ، وصلاته ، وتهجده ، وقيامه الليل ، وأذكاره ، ومعاملته لزوجاته ، وفي دعوته الناس إلى الله ، وفي جهاده ، وحروبه مع المشركين ، وفي صبره على أذاهم ، وفي إدارته للدولة في المدينة ..
فالتركيز على جانب واحد من حياته صلى الله عليه وسلم .. وهو الجانب الحياتي الآمن ، الذي ليس فيه تعرض للأذى ، وترك الجوانب الأخرى .. فهذا لا يمتثل إلى أوامر الله تعالى :
( لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ ) الأحزاب 21 .
وأما التطبيقات الخمسة غير الملزمة للمسلم تنفيذها ، لأنها ترتبط بقدر الله ، وليس بقدر الإنسان ، ولكن عليه السعي نحو تنفيذها .. كما قال تعالى :
( فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ ) الشورى 48 .
السعي الحثيث ، والمتواصل ، والدؤوب على تطبيق النظام الرباني في المجتمع والدولة . وحتى يتحقق هذا الأمر بشكل أكيد ، يحتاج إلى وجود جماعة مؤمنة ، منظمة تنظيما عاليا ، تقوم بتطبيق النظام الرباني في المجتمع ، والدولة ، بالطرق الصحيحة .. التي عمل بها الرسول صلى الله عليه وسلم .. مهمة هذه الجماعة المنظمة ، هي : إقامة الدولة المسلمة ، التي يحكمها نظام ، وقانون الله تعالى .. ومهمة الدولة المسلمة ، العمل على إقامة الخلافة الإسلامية الراشدة . والمهمة الأخيرة للخلافة ، هي : التمكين للإسلام ، والمسلمين في الأرض ..
وسوم: العدد 842