(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ)
في وجيز التفسير :
وسر الآية في قوله تعالى (حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ)
والقول المشهور إن المنهي عنه قربان الصلاة في حالة السكر من خمر . وقال قوم بل المقصود السكر من النعاس . وتساءلوا : كيف يُخاطب السكران وحكمه حكم المجنون في أنه ليس موضع خطاب ؟!!
وكما يمكن أن يصفّ المجنون للصلاة فيخلط فيما يفعل وفيما يقول ؛ فإن ذلك متصور من السكران أيضا. وأجيب عن هذا بأن الآية كما هو معروف قد سبقت تحريم الخمر مطلقا ، فكأنها توجهت للعقلاء في حال صحوهم وعقلهم أن لا يسكروا في وقت مقارب لصلاة ، وكأنه امتنع عليهم السكر إلا بعد العشاء لأن أوقات الصلاة فيما دون ذلك متقاربة ..
والذي نريد أن نوقف عنده أمام المقصد العام للآية المتمثل في ضرورة أن يحافظ الإنسان على عقلانيته أو حضوره العقلي فيما يقول وفيما يفعل في كل الأحوال ..وأن لا يستخفه شراب ولا نعاس ولا غرور ولا سوء تقدير ولا سفه ؛ فيقول قولا غير سديد يحسب عليه فيرديه في دنياه بأن يقر على نفسه ، أو أن يورطها ، أو أن يحملها من البلاء ما لا تطيق ، أو أن يمكن عدوه منه ، أو أن يفتح على نفسه باب فساد .. وإذا قرنا قوله تعالى (حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) بقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ) ندركم كيف تكتمل حلقة المقاصد الشرعية الإسلامية لتكون أقواسا يسلم الأول إلى أخيه حتى تكتمل الدائرة .
في مواطن كثيرة كان الرسول الكريم يعلم أصحابه كيف يقولون ، وماذا يقولون ، وعندما كان بعض شباب المسلمين يعبرون عن تشوقهم للقاء العدو بمثل قولهم " ليرين الله ما نصنع " يردهم رسول الله إلى القصد من القول : " لا تتمنوا لقاء العدو ، وإذا لقيتموهم فاصبروا واسألوا الله العافية .." . وعندما قال رسول الله صلى عليه وسلم " إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي " وأحس بعظم الكلمة ، وشدة مسئوليتها ، ووطأة التحدي الذي تفرضه على قائلها ؛ عاد صلى الله عليه وسلم على نفسه بالاستدراك السريع يلقي معذرته ويعترف يضعفه بين يدي ربه فأردف العبارة بقوله " إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك أو سع لي "
(حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) وحين ننتقل بها من الدين إلى السياسة ، وما السياسة في التصور الإسلامي إلا مساحة يجب أن تظل منضبطة بضوابط الدين والخلق ندرك حجم الضرر الذي أحدثه في واقع المسلمين فعل وقول السكارى " من خمر أو من وسن أو من غرور أو من سوء تقدير"
وربما لا يدرك الكثيرون أن علم السياسة نشأ عند المسلمين الأوائل ملحقا بعلم الأخلاق. وقد كان العلماء المسلمون يبدؤون كتبهم بأن يضعوا لصاحب السلطان القواعد العامة ليسوس نفسه ، ويروض أخلاقه قبل أن يمد عينه إلى سياسة الناس . وطالما رددوا : كيف يستقيم الظل والعود أعوج ؟!
نعلم أن جواز شرب الخمر خارج وقت الصلاة قد نسخ . نسخ بإلغاء الرخصة الظرفية التي تدرجت به في تاريخ التشريع . ولكن الحظر على المسلم أن يقول قولا لا يعلمه ولا يحيط به ولا بأبعاده ، ولا بتداعياته على شخصه وعلى أمته داخل الصلاة وخارجها ما يزال ساري المفعول ..
ربما ذلك القول الذي يقوله الذين لا يعلمون هو بعض مشكلة الإسلام البشرية على مر العصور.
وسوم: العدد 860