تأملات في القران الكريم ح444 سورة الانفطار الشريفة
للسورة الشريفة جملة من الفضائل والخصائص , لعل ابرزها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الصادق عليه السلام : من قرأ هاتين السورتين وجعلهما نصب عينيه في صلاة الفريضة والنافلة إذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت لم يحجبه الله من حاجة ولم يحجزه من الله حاجز ولم يزل وينظر الله إليه حتى يفرغ من حساب الناس .
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ{1}
تستهل السورة الشريفة ( إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ ) , انشقت.
المعلوم ان السموات سبعا ، الآية الكريمة لم تشر الى السماء المقصودة ، كما وليس هناك آراء ثابتة حولها ، فيكون هناك ثلاثة محاور للآراء :
1- المحور الشمولي : ويذهب الى شمول كافة السموات على اعتبار ان يوم القيامة عام وشامل
2- المحور الجزئي: ويذهب الى شمول سماء المجموعة التي تنتمي اليها الكرة الارضية فقط ، على اعتبار ان يوم القيامة سيشمل عالمنا فقط ولن يشمل السموات الست الأخرى.
3- المحور الخاص: على اعتبار ان الآية قد عنت حادث أخر يسبق يوم القيامة يحدث فيه خلل واعتلال للنظام الكوني ما يؤدي الى ظهور علامات وظواهر غير مألوفة ، كالظاهرة الشهيرة في علامات يوم القيامة بشروق الشمس من مغربها وغيرها من العلامات.
وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ{2}
تستمر الآية الكريمة ( وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ ) , تساقطت وتهاوت على غير هدى , بعد ان كانت تسير وفقا الى نظام معلوم ومحسوب بدقة متناهية.
وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ{3}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ) , هناك عدة اراء حول الآية الكريمة :
1- فتحت البحار على بعضها البعض , حتى صارت بحرا واحدا , وهو ما عليه اغلب المفسرون .
2- انفجار البحار بسبب البراكين في اعماقها .
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ{4}
تضيف الآية الكريمة ( وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ) , يقلب ترابها , فتخرج موتاها .
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ{5}
تستمر الآية الكريمة ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) , في ذلك اليوم , وهو يوم القيامة , علمت كل نفس بما قدم وأخر من خير او شر , فيجزى به .
يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ{6}
تخاطب الآية الكريمة عموم الانسان "الجنس" ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) , أي شيء غرك وجرأك على عصيان ربك الكريم , يرى بعض المفسرين ان جرأة الانسان ناجمة عن كثير من الاسباب , منها :
1- جهل الانسان .
2- كان يتعارف عند العرب قولهم "غرني كرم الكريم" , وهذا ما يدعو الى التجاوز أو يكون سبباً له .
3- قول الشيطان الرجيم خادعا للإنسان مؤملا اياه بكرم الباري جل وعلا قائلا له " افعل ما شئت فإن ربك كريم لا يعذب أحدا" .
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ{7}
تضيف الآية الكريمة ( الَّذِي خَلَقَكَ ) , من العدم , او التراب , ( فَسَوَّاكَ ) , جعلك مستوي الخلقة , او جعل اعضاءك سليمة , ( فَعَدَلَكَ ) , جعل بنيتك او قوامك معتدلا متناسب متناسق الاعضاء .
فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ{8}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ ) , بمعنى انه جل وعلا ركبك بالصورة التي شاءها لك .
( عن الصادق عليه السلام قال لو شاء ركبك على غير هذه الصورة ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ{9}
تستمر الآية الكريمة رادعة ( كَلَّا ) , ردعا عن الاغترار بكرمه جل وعلا , ( بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) , بل تكذبون بالدينونة والحساب , والمخاطب الكفار , وجّه الخطاب اليهم , لأنهم الاكثر في كل زمان ومكان .
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ{10}
تقرر الآية الكريمة ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ) , الملائكة الرقباء على الانسان , وهما الملاكين المكلفان بتدوين حسناته وسيئاته .
كِرَاماً كَاتِبِينَ{11}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( كِرَاماً كَاتِبِينَ ) , كراما عند الله تعالى , يكتبون اعمالكم , في اراء انهما يبادران الى كتابة الحسنات , ويتأخران في تدوين السيئات , كفرصة للإنسان حتى يتدارك ذنبه بالتوبة والاستغفار .
( عن الكاظم عليه السلام قال ان العبد إذا هم بالحسنة خرج نفسه طيب الريح فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال قف فإنه قد هم بالحسنة فإذا هو عملها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها له وإذا هم بالسيئة خرج نفسه منتن الريح فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين قف فإنه قد هم بالسيئة فإذا هو فعلها كان ريقه مداده ولسانه قلمه فأثبتها عليه قيل إنما سموا كراما لانهم إذا كتبوا حسنة يصعدون به إلى السماء ويعرضون على الله تعالى ويشهدون على ذلك فيقولون إن عبدك فلان عمل حسنة كذا وكذا وإذا كتبوا من العبد سيئة يصعدون به إلى السماء مع الغم والحزن فيقول الله تعالى ما فعل عبدي فيسكتون حتى يسأل الله ثانيا وثالثا فيقولون إلهي أنت ستار وأمرت عبادك ان يستروا عيوبهم استر عيوبهم وأنت علام الغيوب ولهذا يسمون كراما كاتبين ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ{12}
تستمر الآية الكريمة ( يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) , ذينك الملكين يعلمان بكل فعل او قول يصدر من الانسان .
( عن الصادق عليه السلام أنه سئل ما علة الملكين الموكلين بعباده يكتبون ما عليهم ولهم والله عالم السر وما هو أخفى قال استعبدهم بذلك وجعلهم شهودا على خلقه ليكون العباد لملازمتهم اياهم أشد على طاعة الله مواظبة وعن معصيته أشد انقباضا وكم من عبد يهم بمعصية فذكر مكانهم فارعوى وكف فيقول ربي يراني وحفظتي علي بذلك تشهد ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ{13}
تقرر الآية الكريمة ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ) , المؤمنون الصادقون في ايمانهم في جنات النعيم .
وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ{14}
تقرر الآية الكريمة ايضا ( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) , الكفار في النار المحرقة .
يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ{15}
تستمر الآية الكريمة ( يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ) , يدخلونها يوم الدينونة , ويقاسون حرها .
وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ{16}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ) , بيانا لخلودهم فيها وعدم خروجهم منها , ولو مدة يسيره للتخفيف .
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ{17}
تستمر الآية الكريمة وفيها تعجيب ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ) , ما اعلمك بعظمة وخطر يوم الحساب ! .
ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ{18}
تكرار الآية الكريمة لمزيد من التفخيم والتعظيم والتهويل ليوم الدينونة .
يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ{19}
تختتم السورة الشريفة ( يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً ) , يوم لا تنفع نفس نفسا اخرى , ( وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) , لا ينفذ فيه غير امره جل وعلا , وفي النص المبارك تقريرا لشدة هوله وفخامة امره .
وسوم: العدد 862