العشرون من شعبان ولت
إذا العشرون من شعبان ولّت ... فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار ... فقد ضاق الزمان على الصغار
أدب ودين :
والبيتان من مشهور ما يتمثل به المتمثلون ، ولم أقف لهما على قائل . وهم بيتان قديمان لأنني وقفت على الكثير ممن عارضهما أو رددهما أو رد عليهما منذ قرون ..
ويتمثل بالأبيات أقوام وأقوام ؛ كل على شاكلته ..
وما أكثر ما رددهما أهل الذوق من مشايخنا ، وأذاقونا منهما ما ذاقوه .
ولأننا لا نعرف قائل البيتين ، ولا مناسبة قولهما ، فلا نستطيع أن نجزم القول ؛ هل كان قولهما على الحقيقة أو على المجاز ..!!
وإذا أدرنا معنى البيتين على الحقيقة قلنا ..
وقد كان من واقع المسلمين حتى عصاتهم ، أنهم إذا استقبلوا شهر رمضان ، استقبلوه بالاحتفاء والتعظيم والتوقير ، فيتوب العاصي ، ويقلع المرتكب ، يرجون قوله تعالى " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب "
فمعنى البيتين على ظاهرهما : أنّ مولعا بالشراب والسكر ينبه صاحبه ، ها قد اقترب رمضان ، ولم يبق بيننا وبينه إلا عشر من شعبان ، وفي رمضان لا تصلح المعاصي ، وسيلزمنا الإقلاع والتوقف ، فتعال في العشر الباقيات من شعبان نترع ونكرع ونستزيد ..هي دعوة للتشبع من المعصية استعدادا للإقلاع والتوبة . ربما كانت بعض كلام السكارى ، أو فقههم ..!!
الأبيات بهذه القراءة ، ورمضان والسكر ، هي الصورة المقابلة لقول شوقي رحمه الله المولع بالخمر المستهتر بها ، وربما كان من بعض هؤلاء الذين يحجبهم رمضان عن عوائدهم الردية :
رمضان ولّى هاتها يا ساقي ..مشتاقة تسعى إلى مشتاق
فأبيات صاحبنا تستقبل ، وبيت شوقي يودع ، وكلاهما يغرف من حقيقة واحدة هي : أن رمضان ليس ظرفا للمعصية . وهذا تأطير مني جميل !!
وقد رد العديدون ممن أجرى البيتين على ظاهرهما عليهما ، فأنكروها على قائلها ، واتهموه وعارضوه ، فقال أحدهم :
إذا العشرون من رمضان ولت ...فواصل صوم يومك بالقيام
ولا تأخذ بحظك من منام ...فقد ضاق الزمان عن المنام
وقال آخر :
وإذا العشرون من شعبان وافت ..تهيأ للصيام وللقيام
ولا تكسل عن الطاعات فيه ..فهذا الوقت وقت الاغتنام
ولكن آخرين قرؤوا البيتين قراءات أخرى وظلوا يرددونهما كلما اقتضى مقام .
وتفنن أهل الذوق في تنزيل الأبيات على معان عديدة نختار منها ، لكي لا نطيل ، قراءتين ..
القراءة الأولى ..
قراءة قوم رأوا في العشرين من شعبان ، وفي الشراب والأقداح الكبار ، معنى آخرغير ظاهر اللفظ ، فالعشرون من شعبان هي عتبة رمضان ، هي عتبة الشهر الذي يجب أن تتهيأ أو تتأهل فيه للصيام وللقيام - تتأهل أي أن تكون أهلا - ومهما كنت صاحب عبادة فإن الوقت وقت زيادة . وأنت توشك أن تدخل على الملك فانظر في أمرك ، وازدد من حسنك وإحسانك . وأجادوا في الحديث عن الأقداح الصغار والكبار وعن شرابهما الذي أسكرهم من قبل أن تخلق الكرم !!
هم يقولون :
هي العشرون من شعبان فبادر ..باستغفار وتوبة وسماح ونقاء وقول معروف وصدقة تقدمها بين يدي نجواك ، وأنت تقول : يا رب ..يا رب .. واستعد بكل ما يقتضيه شهر الشهور ، الذي إحدى لياليه خير من ألف شهر ، وكم من الناس من عاش ألف شهر ؟! ليلة هي مثل كبسولة الزمان المضغوط ...
والقراءة الثانية
كانت قراءة قوم أرخى الله لهم في الأجل ، صلوا عصرهم ، ومالت شمسهم ، فجلسوا ينتظرون أن يقال هذه صلاة الغروب . وقالوا وإذا رأيت نفسك تصلي المغرب إماما فقد نعيت إليك نفسك ، وكل واحد من أبناء السبعين يذكر نفسه بهذين البيتين ، وكل قد علم أن رأسماله قليل . وأن ما مضى من أعمارهم قد أصبح وراءهم ، وأن ما بينهم وبين اللقاء إلا كما بين العشرين من شعبان وأن يقال هذا هلال رمضان ..
فقد ضاق الزمان عن الصغار
ورأوا في الأبيات دعوة إلى المبادرة ، والتشمير ، والتدراك ، وترك السفاسف والانشغال بالمهمات ، الأبيات في فهمهم حفز لهمهم . وأكثر ما يفكرون فيه أن تصيبهم دعوة صالحة تعينهم على اقتحام عقبتهم ..
وها نحن أولاء
وهذه العشرون من شعبان تطل علينا اليوم ..وتدعو صاحب المعصية منا إلى إلإقلاع ، وفاعل الخير منا إلى الازدياد ، ومن ضيّق عليه أجله أن يعي ما رسمه رسول الله على الرمل معلما وهو يقول : هذا الإنسان ، وهذا أمله ، وهذا أجله ..
اللهم بلغنا رمضان ..
اللهم أعنا على صيامه وقيامه ..
وتسلمه منا كاملا غير منقوص ..
وأعده علينا رمضانات عديدة وسنين مديدة ..
اللهم واغفر لمسلم صام معنا وقام معنا منذ صمنا وقمنا ..
واغفر لوالدينا الذين تعلمنا منهم توقير شهر رمضان ..وتعظيم شهر رمضان ، وأن نشيع الحب في شهر رمضان
اللهم وارفع البلاء والوباء والغلاء عن أهل الأرض أجمعين
وسوم: العدد 872