كلمتي إلى الدعاة
[ باختصار من كتاب "لله ثم للتاريخ.. حوارات ورؤى" للمستشار عبد الله العقيل – ص 68 و69 ]
لا شك أن المرتكز الأساس في إعداد الداعية هو الاستفادة من منهج الكتاب والسنّة، وما كان عليه سلف الأمة، فهذا المنهج هو الكفيل بتعضيد الداعية وتزويده بالعلم النافع، والأساس المتين لتقويم فهمه وإصلاح عقيدته. ومن ثَمَّ ينطلق بهذه المعلومة المؤصّلة في دعوته. والداعية في حاجة أيضاً إلى أن يفهم واقع البيئة التي يعيش فيها، وأن يدرس مشكلاتها وقضاياها، وأن يعرف بأي القضايا يبدأ، بحيث يقدِّم ما يفيدها.
كما أن عليه أن يكون في منهجه وأسلوبه مراعياً طباع القوم وعاداتهم بما لا يخالف الشرع، بحيث يوصل إليهم المعلومة برفق ولين، ويَكْسَبُهم إلى جانبه، متغاضياً عن السلبيات التي قد يلحظها في أوائل دعوته، فتلك سُنّة طبيعية، وأن ينمّي جانب الخير فيهم، فكلما نمّى جانب الخير كان ذلك على حساب ضمور جانب الشر، وهذا هو منهج المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يلجأ للتبكيت أو التعنيف أو التقريع، وإنما كان منهجُه التبصيرَ والوعظَ والإرشاد، بأطيب الكلام، وأسهل العبارة وأيسرها، وبالرفق وباللين، وأحياناً يكون ذلك بينه وبين مَن يُبصِّره، وإنْ أراد في خطبة أو موعظة أن يعظ، فإنه لا يسمّي، وإنما يقول: "ما بالُ أقوامٍ يقولون كذا وكذا؟".
فإذا سلك الداعية هذا الأسلوب النبوي، واتّبع هذا المنهج الحكيم، فقد اهتدى، لأن الله تعالى قد علّم نبيَّه الكريم صلى الله عليه وسلم أمثل الطرق للدعوة إلى الله، حيث قال عز وجل: (ادعُ إلى سبيل ربّكَ بالحكمةِ والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن). {سورة النحل: 125}. كما أوصى موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام في دعوتهما فرعون فقال: (فقولا له قولاً ليّناً، لعلّه يتذكّرُ أو يخشى). {سورة طه: 44}.
فضلاً عن مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته، وفي أسلوبه مع الأعرابي الذي بال في ساحة المسجد، والشاب المراهق الذي استأذنه في الزنى، والأعرابي الذي شدّ ثوبه وأثر في كتفه.
بعض الشباب يتحمّسون للدعوة، ولكنهم يفتقدون العلم والأسلوب الصحيح للدعوة.. فأقول لهؤلاء الشباب: لا تتكلموا إلا بما علمتم، وترفّقوا بالناس، وبلّغوا، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "بلّغوا عنّي ولو آية"، وانهجوا في أسلوبكم منهج الحكمة والدعوة إلى الله على بصيرة، لأن هدف الدعاة إلى الله تعالى هدايةُ الضال، وإرشاد الضعيف، وردُّ الناس جميعاً إلى منهج الإسلام برفق ولين وحكمة وأناة، وأنتم بهذا تجمعون بين الأمرين: إحسان العمل الذي تُثابون عليه، وثمرة العمل التي تُوَفَّقون إليها إن شاء الله، حينما يهدي الله على أيديكم رجلاً أو أكثر.
وكان هذا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أنه ما خُيِّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً، وكان يوصي بالرفق واللين، والإحسان إلى الناس، كما قال الشاعر:
أحسِنْ إلى الناسِ تَستعبد قلوبَهم وطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
وكلما أحسنّا إلى الناس بالكلمة الطيبة والخدمة المناسبة كَسَبنا قلوبهم، وأصبحوا مؤهَّلين لسماع ما نقول لهم من توجيه ونصح وإرشاد.
وسوم: العدد 874