الفتور في حياة الدعاة (نحو العلاج) -2-
1- صحِّحُوا الفكرة والأسلوب
في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمّته: "عليكم بسنّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي. عضّوا عليها بالنواجذ". رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
إنه طريق الحق والصواب الذي ابتعد عنه مجتمعنا، وأصابه من الشر ما أصابه، فأما المبتعدون عن الدين أصلاً فيتجاهلون الإسلام ويهوّنون من شأنه في تاريخ هذه الأمة وحاضرها ومستقبلها... والأَولى لهم أن يقرُّوا أن عزّ الماضي وبقايا الخير في الحاضر، وأمل المستقبل... إنما تكمن في هذا الدين العظيم.
وأما دعاة الإسلام، فيقعون أحياناً في تصوُّرات تزيّن لهم طرقاً وأساليب أملاها عليهم ضغط الواقع المزري، كما يغفلون أحياناً عن توجيه قلوبهم إلى الله وربط مشاعرهم به، واستمداد العون منه... فليتذكر الداعية المسلم أنه يخسر كل شيء إذا خسر عون الله.
2- فلنصارح أنفسنا
كلنا مقصّرون، لا شك في هذا، فالتقصير من سمات البشر، وحريٌّ بنا أن نقرّ بتقصيرنا أولاً، ونعمل على تشخيصه ومعرفة نواحيه، ونتلمس وسائل علاجه... ولا نقبل بتسويغ أوضاعنا، وبقياس واقعنا على واقع مَن حولنا، فليس هؤلاء الناس أسوتنا، إنما أسوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه الذين اهتدوا بهداه.
لنصارح أنفسنا بأن صلتنا بكتاب الله تعالى، تلاوة وتدبُّراً وعملاً، ليست على المستوى اللائق بالدعاة إلى الله تعالى، وأن ركوننا إلى الدنيا، وقعودنا عن البذل والتضحية في سبيل الله... سببٌ أساس فيما صرنا إليه!
3- طريق الحق
طريق الحق هو طريق الجنة التي حُفّت بالمكاره، فهو طريق صعب، لأن فيه المجاهدة المستمرة، لأهواء النفس، ووساوس الشيطان، وكيد الأعداء، وبطش الجبارين... وقد تحاول النفوس التملص من تبعات هذا الطريق باتخاذ ما يسمى بالمقاييس النسبية، بأن يقيس الضعيفُ نفسَه على من هو أضعف منه فيرضى عن سلوكه، ويقيس المنحرف سلوكه على من هو أشد انحرافاً... وعلاج ذلك أن نتذكر أن مقياس الحق والصواب هو ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس ما شاع في المجتمع من عقائد وأخلاق ومواضعات... منها ما يرضي الله، وكثير منها ما هو دون ذلك.
وقد قال بعض الفضلاء: "عليك بطريق الحق، ولا يضُرَّنك قلة السالكين، وتجنّب طريق الباطل، ولا تغرَّنَّك كثرة الهالكين".
4- خلق الداعية
مكانة الأخلاق في الإسلام لا تحتاج إلى بيان أو تأكيد، إذ يكفي أن الله تعالى أثنى على نبيه صلى الله عليه وسلم بالخُلُق العظيم فقال سبحانه: )وإنك لعلى خلق عظيم(، وبيّن أنه لو كان على غير الخلق العظيم لما نجح في دعوته )ولو كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك(.
وإذاً فالخلق العالي من أعظم أسباب نجاح الداعية.
ومن الجميل أن يشير إلى أن من أخلاق الإسلام الشجاعة والجرأة في الحق والثبات عليه والشعور بالعزة... كما أن من هذه الأخلاق السماحة والتواضع وخفض الجناح والذلة على المؤمن...
كما أن من الأخلاق الاتّزان، والتثبت من الأخبار، والاعتدال في المشاعر، فإن شدة التأرجح بين الحب والكره، والصداقة والعداوة، والغلوَّ في المواقف، والخفّة والطيش... تذهب بهيبة صاحبها ووقاره، وتسقط مكانته من القلوب... وكيف يكون داعية بعد ذلك؟!
5- لا عصبية!
أن نقول كلمة الحق بجرأة وحكمة، وألا يمنعنا من ذلك تأثّرنا بجاه أو عصبية عمياء، أو منصب سرعان ما يزول. وإنَّ نصْرَنا للظالم هو الأخذ على يديه.
6- التفكير الحر
من أسوأ ما يقتل الجماعات أن يَقبل أفرادها اتّباع "بعض الرموز" من غير دليل. ولا تظهر سيّئة ذلك بشكل مباشر إذا كان هؤلاء الرموز مستقيمين على الطريقة، ولكن إذا أدّت الخلافات إلى مفارقة بعض هؤلاء الرموز للمسلك القويم، أو خرج بعضهم بأفكار شاذّة... ظهرت الطامّة الكبرى حين ينقسم الأفراد بين هذا الرمز وذاك، ويتمحّل كل فريق إضفاء الشرعية على هذا وذاك.
ونظير ذلك أن تنمسخ شخصية بعض أبناء الجماعات والمجتمعات فيرضى الواحد بمجاراة الأعراف، والسير في التيار الشائع... وافق ذلك الحقَّ أو خالفه.
ولهؤلاء وهؤلاء نقرأ قول الله تبارك وتعالى: )وقالوا: لو كنا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السعير. فاعترفوا بذنوبهم، فسحقاً لأصحاب السعير( فتعطيل السمع والعقل ذنب يجعل صاحبه في أصحاب السعير.
كما نذكر قول ابن مسعود رضي الله عنه: "لا يكوننَّ أحدكم إمَّعة" قالوا: وما الإمعة يا أبا عبد الرحمن؟! قال: يقول: إنما أنا مع الناس، إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلوا ضللت. ألا ليوطِّنَنَّ أحدكم نفسه على أنه إن كفر الناس أن لا يكفر.
7- الحق القوي
روِّضوا أنفسكم على قبول الحق، ثم على الصدع به... واعملوا بهذا فيما بينكم، فإذا نجحتم فحاولوا أن تجمعوا عليه الناس.
وحتى يترسخ الحق في قلوبكم وتكونوا قادرين على الصدع به والدعوة إليه، والثبات عليه... لابد أن تكونوا على وعي به، وفهم له، وقدرة على محاورة الآخرين للإقناع به، والدفاع عنه، ودفع الشبهات التي تثار حوله.
وبهذا تصبحون دعاةً إلى الحق بحقّ، وتكونون أصحاب شخصية قوية، لا شخصية مهزوزة كشخصية الأرقّاء.
)قل: هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسبحان الله، وما أنا من المشركين(
وفي الحديث المتفق عليه –في حديث البيعة- عن عبادة بن الصامت: ".. وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم".
ومن روافد قبول الحق أن تتقبلوا النصح والتسديد والنقد من الآخرين، وأن لا تردُّوا ذلك بحجّة أن أسلوب الناصح لم يكن متّزناً أو حضارياً أو لبقاً... فالحقُّ مرٌّ على النفوس ولو مُزج بالعسل!.
8- الاستمرار
من الدعاة من يتحمس لفكرةٍ ويندفع لتطبيقها والدعوة إليها... ثم ما هي إلا برهة حتى تخبو حماسته ويهمل ما كان يدعو إليه من قبل. ومثل هذه الروح لا تصلح لإقامة دعوة وترسيخها.
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اكْلَفُوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يَمَلّ حتى تملُّوا، فإن أحب العمل إلى الله أدْوَمُه وإن قلّ". وكان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثْبته (أي داوم عليه).
وإذا كان السأم والملل بعد مُدَدٍ متفاوتة يصيب النفوس، فعلى الداعية –إذا أصابه ذلك وضعف عن متابعة العمل- أن لا يشكّك في أصل الطريق، وألا يلقي بتبعة الإخفاق على غيره، وألا يتحوّل عن الطريق الصحيح إلى غيره. إنما بإمكانه فقط أن يَشْغل نفسه –عند السأم- ببعض المباحات أو بعض الأعمال المفيدة.
وسوم: العدد 961