إشراقات باهرة من سورة الأنعام : العقيدة الراسخة أولاً
إشراقات باهرة من سورة الأنعام :
العقيدة الراسخة أولاً
د. فوّاز القاسم / سوريا
لقد شاءت حكمة الله تعالى أن تكون قضية العقيدة هي القضية التي تتصدى لها الدعوة منذ اليوم الأول للرسالة الإسلامية الخالدة ، وأن يبدأ رسول الله [ ص ] أولى خطواته في الدعوة , بدعوة الناس أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ; وأن يمضي في دعوته يعرف الناس بربهم الحق , ويعبدهم له دون سواه .
ولم تكن هذه - في ظاهر الأمر وفي نظرة العقل البشري المحجوب - هي أيسر السبل إلى قلوب العرب ! فلقد كانوا يعرفون من لغتهم معنى لا إله إلا الله . .
كانوا يعرفون أن الألوهية تعني الحاكمية العليا . . وكانوا يعرفون أن توحيد الألوهية وإفراد الله - سبحانه - بها , معناه نزع السلطان الذي يزاوله الكهان ومشيخة القبائل والأمراء والحكام , ورده كله إلى الله . .
السلطان على الضمائر , والسلطان على الشعائر , والسلطان على واقعيات الحياة . والسلطان في المال , والسلطان في القضاء , والسلطان في الأرواح والأبدان . . كانوا يعلمون أن :"لا إله إلا الله" ثورة على السلطان الأرضي , الذي يغتصب أولى خصائص الألوهية , وثورة على الأوضاع التي تقوم على قاعدة من هذا الاغتصاب وخروج على السلطات التي تحكم بشريعة من عندها لم يأذن بها الله . .
ولم يكن يغيب عن العرب - وهم يعرفون لغتهم جيدا , ويعرفون المدلول الحقيقي لدعوة:"لا إله إلا الله" - ماذا تعنيه هذه الدعوة بالنسبة لأوضاعهم ورياساتهم وسلطانهم . . ومن ثم استقبلوا هذه الدعوة - أو هذه الثورة - ذلك الاستقبال العنيف , وحاربوها تلك الحرب التي يعرفها الخاص والعام . .
فلم كانت هذه نقطة البدء في هذه الدعوة ? ولم اقتضت حكمة الله أن تبدأ بكل هذا العناء؟