( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )
من صفات عباد الله المؤمنين التي ورد ذكرها في كتاب الله عز وجل زيادة إيمانهم حين يكيد لهم الكائدون ، ويهددهم المهددون ، ويخوّفهم المخوّفون ، وذلك لرسوخ الإيمان في قلوبهم ، وليقينهم بأن الله عز وجل هو حسيبهم ووكيلهم الذي تحرسهم عنايته ، وتقيهم شر من يخشون شرهم .
ولقد ورد ذكر هذه الحال في كتاب الله عز وجل لتظل دأب المؤمنين إلى نهاية العالم وقيام الساعة ، وفي ذكرها استنهاض لهممهم ، وتقوية لعزائمهم ،لأنهم في كل زمان يتعرضون لتآمر المتآمرين عليهم المصرين على إبعادهم عن دينهم ، وعلى النيل من إيمانهم بشتى الطرق والوسائل . ومن رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أنه جعل زيادة إيمانهم على قدر ما يحاك ضدهم من مؤامرات فقال ، وقوله الحق :
(( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل منه لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )).
ولقد جاء في كتب التفسير أن سبب نزول هذه الآيات الكريمة ،هو ترويج المشركين أراجيف مفادهم أنهم قد أعدوا جيشا كثير العدد والعدة لنزال جيش المسلمين في بدر، وذلك لتخويفهم، والنيل من عزائمهم ، فبادرهم المسلمون بإنزال في بدر لكنهم لم يجدوا لهم أثرا فيه ، وأصابوا تجارة مربحة في تحركهم ، وبلغ خبرهم المشركين، فزادهم ذلك خورا وانهزاما ، وأيقنوا أن المسلمين لا يهابون تهديدهم ، وأنهم ثابتون على دينهم .
ولما كانت العبرة بعموم لفظ القرآن الكريم لا بخصوص أسباب نزوله باعتباره الرسالة الخاتمة المنزلة إلى لعالمين، والتي تلزم أحكامها الناس أجمعين إلى يوم الدين ، فإن دأب أعداء المؤمنين في كل عصر ومصر هو الإصرار دائما على النيل من عزائمهم ، وتهديدهم ، وتخويفهم ... و في المقابل يكون دأب المؤمنين ألا يخشونهم ، وأن يتخذوا الله عز وجل وكيلا وحسيبا ، ويزدادوا بذلك إيمانا ، ويرجون بذلك نعم وأفضال الله عز وجل ، ولا يمسهم سوء ، ولا يخوّفهم الشيطان الرجيم وقبيله .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو سير أعداء الإسلام في كثير من بلدان العالم على نهج أعدائه في السابق في تخويف المسلمين بشتى أنواع التخويف لصدهم عن دينهم ، وللنيل من إيمانهم الراسخ بأنهم على الحق المبين ، وأنهم على صراط مستقيم، ولهذا كان لا بد من تذكير الأمة الإسلامية بوعد الله عز وجل الناجز بصرف السوء عنها مهما كان نوعه .
والملاحظ اليوم أن أعداء هذا الدين قد انبرت كل طائفة منهم للنيل منه ، وقد فتحت عليه جبهات عدة بعضها فكري وثقافي ، وبعضها سياسي ، وبعضها اجتماعي ، وبعضها اقتصادي ، وبعضها فني ... وكلها تنسق فيما بينها لمواجهة المسلمين بالتهديد و الوعيد والتخويف لصدهم عن دينهم تحت مختلف الذرائع والشعارات . ولقد نجحت مع شديد الأسف بعض تلك المحاولات التي جعلت ضعاف الإيمان يسلمون بما ينسب إلى الإسلام من افتراءات ، ويسلسون قيادهم لأعدائه بذرائع واهية بحيث يرون في هؤلاء الأعداء أصدقاء وأنصار ، والحقيقة أنهم ألد الأعداء مع أن كيدهم من كيد الشيطان ، وكان كيد الشيطان ضعيفا ، ولا غالب إلا الله عز وجل .
ولو شئنا أن تفصل القول في الجبهات المفتوحة على الإسلام لطال بنا الحديث ، وسودنا في ذلك صحفا كثيرة ، لهذا يكفي المسلمين أن ينتبهوا إلى ما تسوقه كثير من وسائل الإعلام المشبوهة، والتي يكون بعضها مكشوفا ، بينما البعض الآخر يموه على تآمره على الإسلام ، ويستهدف المسلمين بشتى الطرق الخبيثة والماكرة للنيل من عزائمهم ، وإجبارهم على الخضوع إلى مؤامرات شيطانية عبارة عن سموم مدسوسة في عسل أو دسم . وتكفي الإشارة تمثيلا لا حصرا إلى محاولات التطبيع مع السلوكات الشاذة التي ينكرها الإسلام، وتنكرها الفطرة السليمة من قبيل ما يسمى علاقات جنسية رضائية ومثلية ،وهي في شرع الله عز وجل فواحش وكبائر يراد إشاعتها في المسلمين من طرف أعدائهم أعداء الدين من كفار ومنافقين .
وعلى المسلمين ألا يقبلوا التطبيع مع تلك الفواحش ، وألا يذعنوا للدعوات التي تسوقها تحت شعار مختلفة من قبيل الدفاع عن الحريات الفردية ، أو تمررها عبر أفلام أو مؤلفات أو برامج مشبوهة أملا في أن تصير مستقبلا أمرا واقعا ،ومسلما به ، وتشرعن بقوانين تحميها .
اللهم لطفك الخفي وأنت نعم الحسيب ونعم الوكيل حين يراد السوء بدينك وبعبادك المؤمنين . اللهم إنا نسألك من فضلك ومن نعمك إذا ما تعرضنا لتخويف أو تهديد ، ونسألك زيادة الإيمان حينئذ ، ونسألك اتباع رضوانك ، ولا تجعل اللهم خوفنا إلا منك ،أنت ولينا ونعم الوكيل .
و الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 985