( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )
من المعلوم أن الإنسان لا يخلو في حياته من أن يكون إما قائلا أو فاعلا ، أوجامعا بين قوله وفعله . وإذا كان الجمع بين القول والفعل محمدة ، فإن القول بلا فعل مذمة ومعرة . ولا يصدق قول إلا إذا ترجم إلى عمل .
ومن صفات المؤمن أن فعّال لما يقول ، وهو يخشى من أن يتخلف عمله عن قوله ،لأن ذلك من علامات النفاق التي حذر منها الله عز وجل تحذيرا شديدا حيث خاطب عباده المؤمنين قائلا : (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) ، ففي هذه الآية الكريمة وجه الله تعالى الخطاب للمؤمنين ، الشيء الذي يدل على أن ما خاطبهم به قد وقع منهم ، وأنه بحكم إيمانهم، لا يحسن بهم أن يقع ذلك منهم ، لهذا خاطبهم بصفة الإيمان ، وليس بصفة أخرى . ولقد جاء في بعض كتب التفسير أن سبب نزول هاتين الآيتين، هو ما كان من بعض المؤمنين في غزوة أحد، وقد خالف بعضهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانصرف عنه البعض الآخر ساعة حمي وطيس المعركة مع كفار قريش الذين أرادوا الثأر والانتقام لقتلاهم الذين قتلوا في غزوة بدر الكبرى . ومما قيل أيضا أن الله تعالى قد عرّض بالمنافقين في هذا الخطاب ، لأنهم كانوا يظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر والشرك ، وفي هذا خلاف بين أقوالهم وأفعالهم، وهو ما لا يليق بمن يدعون الانتماء إلى حظيرة الإيمان وهم على خلاف ذلك .ومما ذكر أيضا أن بعض المؤمنين كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله عز وجل ، ليقوموا بها ، فلما فرض عليهم الجهاد ، شق عليهم ذلك ، وقد ولى بعضهم الأدبار يوم أحد .
وفي هذا الخطاب الإلهي وعيد شديد للذين قالوا ولم يتبعوا أقوالهم بأفعال ، وقوله تعالى : (( كبر مقتا عند الله ))، فيه تشديد لأن ما يكون كبيرا يدل على الكثرة والشدة . والمقت هو شدة البغض ، واشتداد مقته سبحانه وتعالى لا تسامح فيه ، وحري بالمؤمنين ألا يجلبوا على أنفسهم هذا المقت الإلهي من خلال أقوال لا يتبعونها بأفعال .
ولما كانت العبرة بعموم لفظ كلام الله تعالى، لا بخصوص أسباب نزوله، وباعتباره الرسالة العالمية الخاتمة الموجهة للعالمين إلى يوم الدين ، فإن أحكامه تنسحب على كل من يقع منه ما وقع ممن نزل فيهم وعيد مقت الله تعالى .
وبناء على هذا، فإن كل من اختار المرجعية الإسلامية ،يلزمه أن يحتاط من الوقوع في خطيئة تعطيل كل عهد أو وعد مع الله عز وجل يكون قد قطعه على نفسه ، ولم يف به مهما كان ذلك العهد أو ذلك الوعد، لأنه في حكم النذر الذي أمر الله تعالى بالوفاء به في قوله عز من قائل : (( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا )) .
ومعلوم أن المرجعية الإسلامية، تلزم المسلمين بمجموع نذور عليهم الوفاء بها تجنبا لمقت الله تعالى الذي نهى عن أقوال لا تترجم إلى أفعال .
مناسبة حديث هذه الجمعة، هو تحذير المؤمنين من حلول مقت الله تعالى بهم في هذا الزمان الذي يمر فيه الإسلام بأكبر المؤامرات ، حيث اجتمع عليه خصومه من علمانيين ، ومن منافقين يدينون لهم بالولاء ، وهم لهم تابعون ، تماما كما كان حاله في بدايته مع الكفار والمشركين والمنافقين ، الشيء الذي يلزمهم بنصرته عوض النكوص ، أو التراخي في الدفاع عن حوزته .
ومن أشكال الدفاع عنه نصرته بكل الوسائل المتاحة بدءا بإظهار الالتزام به ، وعدم الخجل من الانتماء إليه ، بل الاعتزاز والفخر بذلك كأشد ما يكون الاعتزاز والفخر ، ومرورا بالقطيعة مع كل سلوكات مرجعياتها معادية لمرجعيته ، وانتهاء برد كل عدوان عليه . ولما كانت الحرب المعلنة عليه اليوم، هي حرب إعلامية شرسة في ظرف تطور وسائل التواصل غير المسبوق ، فإنه يلزم المسلمين أن يخوضوا غمار هذه الحرب بلا هوادة ، ودون أن يولوا أعداءه الأدبار، بل يرابطوا ، ويصمدوا ، ويواجهوا ، و يقارعوا خصومه بما يحاربونه به من دعاوى باطلة الغرض منها تشكيك ضعاف الإيمان في مصداقيته من خلال النيل من رموزه كتابا ،وسنة ، وصحابة ، وأئمة ، وعلماء ، وعامة ... خصوصا وقد رق إسلام الكثير من المسلمين ، وصاروا أهدافا سهلة أو لقما سائغة عند أعدائه .
وعلى كل من يستطيع المنافحة عن الإسلام مهما كانت وسائل المنافحة، ألا يتردد في ذلك طرفة عين ، وألا يقلل من شأن منافحته وإن بدت له بسيطة . أليس مجرد التزام المرأة المسلمة بلباسها الشرعي أمرا يتسبب في غصة تصيب أعداءه من العلمانيين وأذنابهم ، ويقيمون الدنيا ،ولا يقعدونها من أجل نزعه عنها كي تكون على شاكلة نسائهم المتبرجات ؟ ألم تغضب العلمانية الفرنسية بسبب لباس لاعبة كرة قدم مغربية ، وطالبت بمنعها من خوض مباريات كأس العالم للسيدات ؟ أليست المرأة المسلمة في البلاد العلمانية ،وعلى رأسها فرنسا متزعمة الحرب على الإسلام، تضيق الخناق على المسلمات المحجبات ، وتمنعهم من حقوقهن في تحصيل العلم ،وفي ممارسة العمل ؟ أليست تمنع لباس استحمامهن البوركيني في الشواطىء والمسابح ؟ ألا تعاني المرأة المسلمة من ألسنة منافقي هذا الزمان الخبيثة ، الذين يدينون بالولاء للعلمانية الغربية ، وينوبون عنها في محاربة الإسلام في عقر داره ، وهم يجدون الدعم منها وقد استأجرتهم لذلك ، وهم يدسون على مقدساته وقيمه جهارا وعن سبق إصرار ؟
إن مجرد ثبات المرأة المسلمة على ما تلزمها به مرجعيتها الإسلامية، يعتبر رباطا في سبيل نصرة الإسلام . وإن ثبات الرجل المسلم أيضا على قيم دينه ، ومقاطعته لكل السلوكات الصادرة عن المرجعية العلمانية، يعتبر رباطا ونصرة له، في حين يعتبر كل إذعان للمرجعية العلمانية أو الترويج لها خيانة صارخة للإسلام .
وأخيرا على العلماء، والمفكرين، والدعاة، وأصحاب الأقلام ألا يدخروا جهدا في المنافحة عن الإسلام كل من موقعه ، وعلى قدر وسعه وطاقته . ولا يحقرن أحد منهم جهدا ينفق في نصرته ، فرب كلمة تحقر عند صاحبها تغيظ أعداءه ، وتصيبهم غصة بها . أليس ربنا سبحانه وتعالى يقول : (( ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون )) ؟
اللهم إنا نسألك ثباتا على دينك كثبات السلف الصالح من عبادك المؤمنين ، ونسألك أجر ثباتنا عليه ، ونعوذ بك من مقتك بأقوال لا تترجم إلى أفعال . ونسألك اللطف بنا.
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 1045