أَنْمَاطُ الْأَسْنَادِ
من طلب سبع السور القرآنية المختارة في منازلها من المصحف -وكذلك سائر سور القرآن الكريم، غير سورة "التوبة" التي اختُلف في سبب خلو أولها من "بسم الله الرحمن الرحيم"، بما يكاد لا يخلو من بيانه تفسير- وجد سورة الليل في المنزلة الثانية والتسعين على هذا النحو: "بسم الله الرحمن الرحيم والليل إذا يغشى (...)"، وسورة الضحى في المنزلة الثالثة والتسعين على مثل ذلك: "بسم الله الرحمن الرحيم والضحى (...)"، وسورة الشرح في المنزلة الرابعة والتسعين على مثل ذلك: "بسم الله الرحمن الرحيم ألم نشرح (...)"، وسورة العصر في المنزلة الثالثة والمئة على مثل ذلك: "بسم الله الرحمن الرحيم والعصر (...)"، وسورة الكوثر في المنزلة الثامنة والمئة على مثل ذلك: "بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر (...)"، وسورة الكافرون في المنزلة التاسعة والمئة على مثل ذلك: "بسم الله الرحمن الرحيم قل يا أيها الكافرون (...)"، وسورة النصر في المنزلة العاشرة والمئة على مثل ذلك: "بسم الله الرحمن الرحيم إذا جاء نصر الله والفتح (...)"، ولم يجد قبل شيء منها سَنَدَ روايةٍ مكتوبًا؛ فذكر هذا السند: "كتب زيد بن ثابت -رضي الله عنه!- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم!- عن جبريل -عليه السلام!- عن الله -عز وجل!- أنه قال: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... عن رسول الله... عن جبريل... عن الله... أنه ق \(...)
ومن طلب سبع الأحاديث القدسية على ترتيب ما لاءمه من تلك السور القرآنية السبع، وجد الحديث القدسي الأول في صحيح مسلم برقم 2577، بعد هذا السند: "حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي: حدثنا مروان -يعني ابن محمد الدمشقي-: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، عن النبي -صلى الله عليه، وسلم!- فيما روى عن الله -تبارك، وتعالى!- أنه قال: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح...×3 عن...×3 \عن النبي... فيما روى عن الله... أنه ق (...)
ووجد الحديث القدسي الثاني في صحيح البخاري برقم 6137، بعد هذا السند: "حدثني محمد بن عثمان بن كرامة: حدثنا خالد بن مخلد: حدثنا سليمان بن بلال: حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!-: إن الله قال: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح...×4 عن...×2 ق \ق رسول الله... إن الله ق (...)
ووجد الحديث القدسي الثالث في صحيح مسلم برقم ٢٦٧٥، بعد هذا السند: "حدثنا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب -واللفظ لقتيبة- قالا: حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- يقول الله -عز، وجل-: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح... ق ح... عن...×3 ق \ق رسول الله... يق الله... (...)
ووجد الحديث القدسي الرابع في صحيح البخاري برقم ٦٠٦٠، بعد هذا السند: "حدثنا قتيبة: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- قال: يقول الله -تعالى!-: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح...×2 عن...×2 \عن... أن رسول الله... ق يق الله... (...)
ووجد الحديث القدسي الخامس في صحيح مسلم برقم ٢٥٦٦، بعد هذا السند: "حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر، عن أبي الحباب سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- إن الله يقول يوم القيامة: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح... عن...×4 ق \ق رسول الله... إن الله يق يوم القيامة (...)
ووجد الحديث القدسي السادس في صحيح البخاري برقم 7062، بعد هذا السند: "حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- قال: يقول الله: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح...×2 عن...×2 \عن... أن رسول الله... ق يق الله (...)
ووجد الحديث القدسي السابع في مسند أحمد برقم ٥٩٧٧، بعد هذا السند: "حدثنا روح: حدثنا حماد بن سلمة عن يونس، عن الحسن، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه، وسلم!- فيما يحكي عن ربه -تبارك، وتعالى!- قال: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح...×2 عن...×3 \عن النبي... فيما يحكي عن ربه... ق (...)
ومن طلب الحديث النبوي الأول وجده في صحيح البخاري برقم ١٣٥٧، بعد هذا السند: "حدثنا مسدد: حدثنا يحيى عن عبيد الله، قال :حدثني خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه، وسلم!- قال: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح...×2 عن... ق ح... عن...×2 \عن النبي... ق (...)
ووجد الحديث النبوي الثاني في صحيح مسلم برقم ٢٧٤٧، بعد هذا السند: "حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب، قالا: حدثنا عمر بن يونس: حدثنا عكرمة بن عمار: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: حدثنا أنس بن مالك -وهو عمه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!-: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح... ق ح...×4 ق \ق رسول الله... (...)
ووجد الحديث النبوي الثالث في صحيح البخاري برقم ٣٩، بعد هذا السند: "حدثنا عبد السلام بن مطهر، قال: حدثنا عمر بن علي، عن معن بن محمد الغفاري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه، وسلم!- قال: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح... ق ح... عن...×3 \عن النبي... ق (...)
ووجد الحديث النبوي الرابع في سنن أبي داود برقم ٣٦٦١، بعد هذا السند: "حدثنا سعيد بن منصور: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل -يعني ابن سعد- عن النبيِ -صلى الله عليه، وسلم!- قال: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح...×2 عن...×2 \عن النبي... ق (...)
ووجد الحديث النبوي الخامس في صحيح مسلم برقم ٢٨٤٠، بعد هذا السند: "حدثنا حجاج بن الشاعر: حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم الليثي: حدثنا إبراهيم -يعني ابن سعد-: حدثنا أبي عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه، وسلم!- قال: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح...×4 عن...×2 \عن النبي... ق (...)
ووجد الحديث النبوي السادس في صحيح البخاري برقم ٥٣٢٠، بعد هذا السند: "حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثني محمد بن فليح، قال: حدثني أبي عن هلال بن علي من بني عامر بن لؤي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!-: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح... ق ح... ق ح... عن...×3 ق \ق رسول الله... (...)
ووجد الحديث النبوي السابع في صحيح البخاري برقم ٢٧٣٥، بعد هذا السند: "حدثنا عبد الله بن منير -سمع أبا النضر- حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- قال: (...)"، الذي يمكنه تجريده على النحو الآتي:
- ك... ح...×2 عن... \عن... أن رسول الله... ق (...)
- هذا إذن تجريد كل سورة قرآنية من تلك السور السبع المختارة:
- ك... عن رسول الله... عن جبريل... عن الله... أنه ق \(...)
- وهذه تجريدات تلك الأحاديث القدسية مرتبة على ملاءمة السور القرآنية:
1) ك... ح...×3 عن...×3 \عن النبي... فيما روى عن الله... أنه ق (...)
2) ك... ح...×4 عن...×2 ق \ق رسول الله... إن الله ق (...)
3) ك... ح... ق ح... عن...×3 ق \ق رسول الله... يق الله... (...)
4) ك... ح...×2 عن...×2 \عن... أن رسول الله... ق يق الله... (...)
5) ك... ح... عن...×4 ق \ق رسول الله... إن الله يق يوم القيامة (...)
6) ك... ح...×2 عن...×2 \عن... أن رسول الله... ق يق الله (...)
7) ك... ح...×2 عن...×3 \عن النبي... فيما يحكي عن ربه... ق (...)
- وهذه تجريدات تلك الأحاديث النبوية مرتبة على ملاءمة السور القرآنية والأحاديث القدسية:
1) ك... ح...×2 عن... ق ح... عن...×2 \عن النبي... ق (...)
2) ك... ح... ق ح...×4 ق \ق رسول الله... (...)
3) ك... ح... ق ح... عن...×3 \عن النبي... ق (...)
4) ك... ح...×2 عن...×2 \عن النبي... ق (...)
5) ك... ح...×4 عن...×2 \عن النبي... ق (...)
6) ك... ح... ق ح... ق ح... عن...×3 ق \ق رسول الله... (...)
7) ك... ح...×2 عن... \عن... أن رسول الله... ق (...)
- وهذا بيان ما في تلك التجريدات من اختصارات:
الرمز |
ك |
ح |
... |
×2/ 3/ 4 |
بيانه |
كتب |
حدثنا/ حدثني |
الكاتب أو المحدِّث أو الراوي أو عبارة الثناء |
عدد المحذوفات |
الرمز |
ق |
يق |
(...) |
\ |
بيانه |
قال |
يقول |
المقول المحذوف |
الحد الذي يجوز عنده الاستغناء عما قبله |
كلُّ نص من تلك النصوص الواحد والعشرين مكتوبٌ، يجوز لنا ما سبق من التعبير عن وجداننا له في كتابه بأنه "ك... (كتبه كاتب)": أما نص السورة القرآنية فقد كتبه سيدنا زيد بن ثابت المتوفى عام 45، وأما نص الحديث القدسي -وكذلك الحديث النبوي- فقد كتبه صاحب ديوان الحديث المذكور (أحمد المتوفى عام 241، أو البخاري المتوفى عام 256، أو مسلم المتوفى عام 261، أو أبو داود المتوفى عام 275) -رضي الله عنهم أجمعين!- ثم توالت إلى الآن (عام 1445)، أعمال انتساخِ ما كتبوا وتهذيبِ كتابته، التي لا تحصى نوعا ولا عددا. ولكن كان بين زيد بن ثابت كاتب القرآن وأحمد بن حنبل أقدم كتاب دواوين الحديث المذكورين آنفا، من الزمان الطويل (قرنان تقريبا)، ما أتاح لزيد وحده أن يكتب القرآن كفاحًا عن رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- دون وساطة، وألزم أحمدَ -وغيره مثله على تفاوت أزمنتهم- توسيطَ خمسة رواة (روح، وحماد، ويونس، والحسن، وابن عمر) -ولعله بهذا يترجح أن الجيل أربعون عاما!- تعلقَتْ بكلٍّ منهم لازمتُه الإسنادية.
أول تلك اللوازم الإسنادية: "ك... (حدثنا أي كلمنا، أو حدثني أي كلمني)" -ولا أثر في هذا المقام لفرق ما بين "حدثنا" و"حدثني"- وهو فعل متعد إلى مفعول به واحد (ضمير التكلم المتصل به)، فاعلُه الراوي المذكور بعده، ينبغي أن يليه المحدَّث عنه، هكذا: حدثنا فلان عن فلان أو عن كذا (كلمنا عنه)، ليتعلق به حرف الجر "عن"، فينضم به إليه ما بعده، وربما ولي ذلك إجمال الحديث المتحدث به مجرورا بالباء، هكذا: حدثنا فلان عن فلان أو عن كذا بكذا (إجمال الحديث)، وربما حُذف الباء إذا كان إجمال الحديث مصدرا مؤولا، هكذا: حدثنا فلان عن فلان أو عن كذا أنْ كذا أو أنَّ كذا كذا (إجمال الحديث)، وربما ضُمِّنَ "حَدَّث" معنى "قال"؛ فعُدِّي بنفسه إلى تفصيل الحديث، هكذا: حدثنا فلان عن فلان أو عن كذا كذا (تفصيل الحديث)، ولاسيما أنه ذُكِرَ بعده "قال" في بعض الأَسْناد، وهذا مدخل تضمين الأفعال (أن يقترن في الاستعمال فعلان، ثم يستغنى بأحدهما عن الآخر). وينبغي التنبيه على أن "عن" في كل موضع من الأَسْناد، غير "عن" المذكورة في تحرير أصل استعمال "حَدَّث"؛ إذ هي في أصل استعماله متعلقة به، ولكنها في كل موضع من الأَسْناد، متعلقة بمحذوفٍ تقديره "ناقلا"، حالٍ من فاعل "حَدَّث" المذكور قبلها، أو من مجرور "عن" المذكورة قبلها.
وقد جرت عادة الخطيب -وهي غير عادة الكاتب السابق تفصيلها- إذا ما تلا سورة قرآنية من تلك السور السبع، أو روى حديثا قدسيا أو نبويا من تلك الأحاديث الأربعة عشر، أن يستغني بما بعد الخط المائل من تلك التجريدات. أما علة استغنائه في الحديث فتسمية قائله تسمية صريحة واضحة، وأما علة استغنائه في السورة على رغم أنه يعرف أن السامع المسلم يُبَسْمِلُ أولَ كلامه، فلعلها اطمئنانه إلى حفظ السورة وتمييز تجويدها، وهذا سر لطيف من أسرار تجويد القرآن.
وعلى رغم تسمية قائل الحديث تلك التسمية الصريحة الواضحة فيما يُستغنى به من سنده، تعددت مسالكه التركيبية على ثلاثة الأنماط الآتية:
النمط الأول اسمي، يتصدره جار ومجرور ومصدر مؤول، لتتكون بهما جملة اسمية كاملة واضحة متقدمٌ خبرها على مبتدئها (عن... أنه قال)، وفيه الأحاديث القدسية: الأول والرابع والسادس، والحديث النبوي السابع.
النمط الثاني فعلي، يتصدره فعل القول وقائله، لتتكون بهما جملة فعلية كاملة واضحة (قال...)، وفيه الأحاديث القدسية: الثاني والثالث والخامس، والحديثان النبويان: الثاني والسادس.
النمط الثالث حرفي، يتصدره جارٌّ ومجرورٌ وعَجُزُ المصدر المؤول، لتتكون بهما عبارة بينيّة موجزة (عن... قال)، وفيه: الحديث القدسي السابع، والأحاديث النبوية: الأول والثالث والرابع والخامس.
ولا يحسن تفريعُ فعلِ قولٍ وقائلٍ آخرَيْنِ في الأحاديث القدسية من داخل النمط الثاني، يُجعَلان لله -عز، وجل!- بعد اللذين جُعِلا للنبي -صلى الله عليه، وسلم!- لأن الاعتبار في هذا النمط إنما هو لتصدر ما تصدر، ثم إن الخطيب ربما تجاوز فعل القول وقائله الأولَيْنِ إلى الآخرَيْن؛ فأزال التفريع! ولا يجوز تخريج أحاديث النمط الثالث من النمط الثاني على أن الجار "عن" متقدم على متعلَّقه الفعل "قال"؛ إذ لا يستقيم نقل النبي -صلى الله عليه، وسلم!- عن نفسه. ولكن يجوز بتقدير صدر المصدر المؤول المحذوف تخففا -والمحذوف المقدر كالمذكور- تخريجُ هذه الأحاديث من النمط الأول، ليتجلى بغلبته إيثارُ بناء الجملة الاسمية في إِسْناد الأحاديث على بناء الجملة الفعلية، تمسكا في مثل هذا المقام الاحتجاجي المرجعي، بثبات دلالتها، وقوة حجتها.
وسوم: العدد 1066