صلاحك وعافيتك أيها الشامي منجاك من الفتن
الحمد لله رب العالمين ثم اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، لقد قال الله وتعالى "وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ"-البقرة205-، ثم عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: "إِذَا انْسَابَتْ عَلَيْكُمُ التُّرْكُ، وَجَهَّزَتِ الْجُيُوشَ إِلَيْكُمْ، وَمَاتَ خَلِيفَتُكُمُ الَّذِي يَجْمَعُ الْأَمْوَالَ، وَيُسْتَخْلَفُ مِنْ بَعْدِهِ رَجُلٌ ضَعِيفٌ، فَيُخْلَعُ بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَيُحَالِفَ الرُّومَ وَالتُّركَ وَتَظْهَرُ الْحُرُوبُ فِي الْأَرْضِ، وَيُنَادِي مُنَادٍ عَلَى سُوَرِ دِمَشْقَ: وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، وَيُخْسَفُ بِغَرْبِيِّ مَسْجِدِهَا، حَتَّى يَخِرَّ حَائِطُهَا، وَيَخْرُجَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ بِالشَّامِ، كُلُّهُمْ يَطْلُبُ الْمُلْكَ، رَجُلٌ أَبْقَعُ، وَرَجُلٌ أَصْهَبُ، وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ أَبِي سُفْيَانَ، يَخْرُجُ بِكَلْبٍ وَيُحْصَرُ النَّاسَ بِدِمَشْقَ، وَيَخْرُجُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ يَنْحَدِرُونَ إِلَى مِصْرَ، فَإِذَا دَخَلُوا فَتِلْكَ إِمَارَةُ السُّفْيَانِيِّ، وَيَخْرُجُ قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ يَدْعُو لِآلِ مُحَمَّدٍ، وَتَتْرُكُ التُّرْكُ الْجَزِيرَةَ، وَتَنْزِلُ الرُّومُ فِلَسْطِينَ، وَيُقْبِلُ صَاحِبُ الْمَغْرِبِ، فَيَقْتُلُ الرِّجَالَ، وَيَسْبِي النِّسَاءَ، ثُمَّ يَرْجِعُ حَتَّى يَنْزِلَ الْجَزِيرَةَ إِلَى السُّفْيَانِيِّ" السنن الواردة في الفتن، ثم عَنْ عَمْرِو بْنِ حَنْظَلَةَ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، دَخَلْنَا عَلَى حُذَيْفَةَ فَإِذَا الْقَوْمُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَا تَدَعُ ظَلَمَةُ مُضَرَ عَبْدًا لِلَّهِ مُؤْمِنًا إِلَّا قَتَلُوهُ أَوْ فَتَنُوهُ حَتَّى يَضُرَّ بِهُمُ اللَّهُ، وَالْمُؤْمِنُونَ حَتَّى لَا يَمْنَعُوا ذَنَبَ تَلْعَةٍ» فَقَالَ رَجُلٌ: أَتَقُولُ هَذَا وَأَنْتَ رَجُلٌ مِنْ مُضَرَ، قَالَ: لَا أَقُولُ إِلَّا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّم. المستدرك على الصحيحين، وبعد: فإنه لا يخفى على كل ذي لب ممن يسمع أو يقرأ الأخبار المنقولة من الشام أن كل من يطلبون الملك يسعون في الشام قتلا وإهلاكا للحرث وإهلاكا لنسل الناس ونسل أنعامهم كي يستسلم الناس لهم، فمن يستسلم لشعارتهم الباطلة يكون معهم في الدرك الأسفل من النار، ومن ينكر عليهم شعارتهم الباطلة، يهلكوا حرثه ونسله ونسل بهائمه أو يكون لهم خطيبا ثم يهلكوه بعد ذلك إن لم يستسلم لهم، وجريمتهم ليست محصورة بذلك بل إن كرههم لخلفاء المسلمين السابقين رحمهم الله والضعفاء من بعدهم جعلهم يتمادون في الإفساد في الأرض كي يجعلوا شعارتهم هي العليا ليظن أتباعهم وأشياعهم أنهم أحق بالملك من خلفاء المسلمين المختارين بالشورى الذين ينصحون الناس بكتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد يسأل سائل لماذا كثر طالبي الملك في الشام في هذا الزمن؟ الجواب هو أن الله سبحانه وتعالى قضى أن تفتح خزائن الأرض في أرض مضر وأن تجهز الروم والترك الجيوش لنهب كنز الفرات لعجزهما عن الاستيلاء على كنوز مضر، وحبب الله تعالى إلى المسلمين أن يفروا إلى الشام ولا يطلبوا من كنز الفرات ولا من كنوز مضر شيئا، فاستكبرت جبابرة مضر فمنعت الزكاة عن الشام ظنا منهم كظن فرعون لعنه الله لما قال أليس لي ملك مصر وتكالبت الروم والترك تريد كنزا لطمعهم وحسدهم فهم لا يؤمنون بالله. والسؤال التالي كيف تكون النجاة لأهل الشام من تلك الفتن؟ الجواب في قول الله تعالى "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ"-البقرة207- فمن يبيع نفسه لله تعالى تجده في الصف الأول في المسجد سواء كان المسجد في نفق فهو خير مسجد وقت الحرب أو على ظهر الأرض فهو خير مسجد وقت السلم، ومن يبيع نفسه لله تعالى لا يكون في جيش يطلب قائده الملك، ومن يبيع نفسه لله تعالى يقاتل الروم تحت راية خليفة المسلمين الحافظ للواء رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن يبيع نفسه لله تعالى ينصر المستضعفين في الأرض ابتغاء رضوان الله فالله يريد الأخرة، والسؤال الأخير متى لا تضرك الفتن بعدها أيها الشامي؟ الجواب في قول الله تعالى ’’يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‘‘-آل عمران200-، والحديث التالي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» صحيح مسلم، والحديث التالي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَمَنْ رَابَطَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَمْ يَبِعْ، وَلَمْ يَشْتَرِ، وَلَمْ يُحْدِثْ حَدَثًا، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» مسند الشاميين للطبراني. و الله أعلم.
وسوم: العدد 1068