استقبال شهر الصيام بين الاستعداد له بالصيام وصالح الأعمال وبين الاستعداد له بالمأكولات والمشروبات والسهرات

كلما أهل علينا شهر شعبان المبشر بقرب شهر الصيام إلا واختلف الناس عندنا في كيفية الاستعداد لهذا الأخير ، وهم في ذلك خمس فئات :

1 ـ فئة  تستعد له بحسن الصيام والقيام، وصالح الأعمال دون كبير اهتمام بالمأكولات والمشروبات ، ومع هجران تام  للسهرات الشاغلة عما تتطلبه عبادات هذا الشهر الفضيل  من حرص واجتهاد، وهي أقل الفئات عددا .

2 ـ  وفئة تستعد له بصيام وقيام بقليل من الاجتهاد ، وبكثير من الاهتمام بالمأكولات والمشروبات ، مع الإقبال على السهرات ، وهي فئة السواد العظم .

3 ـ  وفئة تصوم وتكون صلاتها في هذا الشهر فقط حرصا منها على قبول صيامها ، وهي أشد اهتمام بالمأكولات والمشروبات والسهرات ، وهي فئة كثيرة أيضا .

4 ـ  وفئة تصوم ولا تصلى، لا فرضا ولا نافلة ،وهمها المأكولات والمشروبات والسهرات ، وهي فئة معتبرة أيضا .

5 ـ  وفئة لا تصوم ولا تصلى ، ومع ذلك تطالب بحرية الإفطار العلني ، وتشارك  غيرها من الفئات في ما تسميه " شهيوات رمضان " ،وهي أشد حرصا على السهرات المخلة بآداب عبادة الصيام  ، وهي فئة قليلة لكن ضجيجها في المجتمع عبر وسائل الإعلام ،ووسائل التواصل قد يوهم من  لا يعرف الطبيعة المحافظة  للمجتمع المغربي بأن قاعدتها  فيه عريضة .

أما الجهات التي تشرف على الأنشطة التعبدية في شهر الصيام فهي ثلاث :

1 ـ المساجد التي يتغير حالها بفضل هذا الشهر العظيم ، حيث تقام فيها صلاة القيام أو التراويح ، وقد تقام في بعضها أنشطة دينية ،تكون عبارة عن دروس  يركز في بعضها على فقه الصيام  والقيام ، ويكون البعض الآخر عبارة عن وعظ وإرشاد ، ويكون بعضها  أحيانا عبارة عن نصائح تتعلق بصحة الأبدان ، وأغلب المساجد يقتصر فيها على صلاة القيام دون وعظ أو إرشاد .  

وأحوال من يرتادون المساجد في رمضان تختلف حيث  يقبل السواد الأعظم على مساجد بعينها تكون في أحياء راقية ، وبهندسة معمارية رفيعة ، وزرابي من الطراز الجيد ، ومرافق صحية تغري بارتيادها ، وإلى جانب كل هذا يكون قراؤها ممن يتغنون بالقرآن الكريم ، لأن غناءهم هو أهم ما يشد الناس إلى ارتيادها . وقد يضيق رواد هذه المساجد ذرعا بدروس الوعظ والإرشاد ، ويستثقلونها ، الشيء الذي يجعلهم يتأخرون عن ارتيادها حتى ينهي الوعّاظ وعظهم . وكثير ممن يحضر هذه المواعظ ينشغل عنها بالهواتف الخلوية ، والله أعلم بما يشغلهم فيها .

وهناك مساجد تشد الناس إليها سرعة وتيرة صلاة التراويح  فيها خصوصا التجار منهم  ، ورواد المقاهي المتتبعون للمباريات الرياضية أو المتتبعون للسهرات في بيوتهم أو الراغبون في التجوال ، أو السهر في مختلف الأماكن .

وتضطلع وسائل الإعلام الرسمية بتغطية أيام وليالي رمضان ببرامجها الخاصة بها  ، وهي نوعان :
1 ـ وسائل متخصصة في الأنشطة الدينية، تكون برامجها عبارة عن قراءات قرآنية متنوعة بأصوات شجية على حد قول من يقدمها في إحدى القنوات ، ودروس وعظ وإرشاد ، ومحاضرات ، وسماع، ومديح، وإنشاد، ووجد .واعتقد أن من يتابعون هذه  الأنشطة هم القلة القليلة ممن يجدون فيها ما يساعدهم على تجنب إفساد صيامهم مما يبث في غيرها من مفسدات الصيام والقيام .

2 ـ وسائل أخرى تكون برامجها عبارة عن ترفيه، وسهرات غنائية ، ومسرحية ، وأفلام بعضها ديني ، وبعضها دنيوي ، وهذه يتابعها السواد الأعظم بشغف ، ويتفكهون بها ، ويصرفون فيها وقتا طويلا من ليالي رمضان .

وتستحوذ وسائل التواصل الاجتماعي على السواد الأعظم  من الناس على اختلاف استعمالاتهم لها ، وإن كان ما يستهوي سواد هذا السواد هو العبث الذي لا طائل من ورائه ، بل كثير منه مما ينقض الغاية من عبادات رمضان بإفسادها

أما حال الأسواق في شهر الصيام سواء منها الممتازة  أو غيرها من المحال التجارية على اختلاف أحجامها وأنواعها ، فحالها في نهار رمضان كحالها في ليله ،حيث تعج بالمتسوقين ، ويكون الإقبال فيها نهارا على المأكولات والمشروبات ،وغيرها  ... بينما يكون الإقبال فيها ليلا على الملبوسات استعدادا لعيد الفطر .

وتتحول كل الشوارع إلى أماكن تعرض فيها مختلف المأكولات والمشروبات ومختلف المعروضات ، وفضلا عن ذلك توجد أسواق أسبوعية يزداد الإقبال عليها في رمضان رغبة فيما يعرض فيها من سلع مختلفة  .

ومن العبارات المتداولة في شهر شعبان دعاء  الناس مباركة الله تعالى  لهم فيه ، وتبليغهم شهر الصيام ، وهو مما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن يضاف إليه طلب آخر في صيغة دعاء وهو:  " الله يجيب لنا باش نصومه " أي نسأل الله أن يعطينا ما نشتري به المأكولات والمشروبات ، والملاحظ  في هذا الطلب أو الدعاء ذكر الصوم ، وهو إمساك عن الأكل والشرب والقصد منه هو طلب الأكل والشرب ، والقرينة على ذلك كما يقول أهل البلاغة هو لفظة " باش".

 وتخفض ساعات العمل والدراسة في رمضان ، ويعود التوقيت فيه إلى وضعه الطبيعي ، ويؤثر السهر خلال ليالي رمضان على العمل والدراسة ، ويكثر تثاؤب الناس ، ويبدو عليهم التعب الشديد ، ويطول نومهم بالنهار استعدادا للسهر ليلا ليس من أجل قيامه،  بل من أجل  السهر للفرجة والتجوال والتسوق .

وقد يخرج كثير من الناس إلى ضواحي المدن بسياراتهم ينصبون موائد على جوانب الطرق ، وينشغلون بالشرب والأكل والسمر . وفيهم شريحة تختلي  حيث تقل الحركة في سياراتها ، وتمارس فيها ما حرم الله .

أما المدن الساحلية ، فلا تهدأ  فيها الحركة على " الكورنيشات " إلا بعيد ساعة الإمساك بقليل ، ويكثر فيها التجوال ، وتعج بالباعة المتجولين أكثرهم يعرض المأكولات والمشروبات ، ولا تخلو " الكورنيشات من أماكن " تقام فيها السهرات ، ومثلها في ذلك  ساحات في كثير من المدن  الكبرى .

والخلاصة أن سوادنا الأعظم يستعد لشهر الصيام بالمأكولات والمشروبات والسهرات ، ومع ذلك نكرر مع حلول شهر شعبان الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن تستوقفنا عباراته ، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  إنما كان يسأل ربه أن يبلغه رمضان كي يجتهد في صيام نهاره ، وقيام ليله ، والإكثار فيهما من الأعمال الصالحة ، أما الناس في هذا الزمان، فيسألون ربهم أن يبلغهم رمضان من أجل الإكثار من الإقبال على الشهوات ، والكسل في العبادات ، والاجتهاد في اللهو والسهرات ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وسوم: العدد 1069