بركات شهر رمضان موصولة لما بعد شهر رمضان

عبد الرحيم بن أسعد

الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، قال الله تعالى "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ "-الأنعام160-، وقال الله تعالى "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ"-النمل89-، وقال الله تعالى "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "-القصص84-، ثم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» صحيح مسلم، وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ: رَجُلٌ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، غَضَبَهُ، قَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، فَجَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلَامَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَالَ: «لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» - أَوْ قَالَ - «لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ» قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: «وَيُطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ؟» قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: «ذَاكَ صَوْمُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام» قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: «وَدِدْتُ أَنِّي طُوِّقْتُ ذَلِكَ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» صحيح مسلم، وبعد:- فالحسنة بعشر أمثالها لقول الله تعالى "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا" وإن كانت الحسنة فرضا تقبله الله عز وجل كصيام شهر رمضان فإن أجر تلك الحسنة يعم ويزيد من أجر النوافل لقول الله تعالى "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا"، فتقبل الله عز وجل لصيام شهر رمضان لعبد ما معلق بزكاة الفطر فعَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» صحيح مسلم، ثم إن معنى قبول الله عز وجل لصيام شهر رمضان لعبد ما أنه يكتب له أجر صيام عشر أشهر كلها مثل شهر رمضان، وقبول الله عز وجل لصيام ستة أيام متواليات من شهر شوال من بعد يوم عيد الفطر معناه أنه يكتب للعبد أجر صيام ستين يوما أي شهرين مثل شهر رمضان، ونتيجة ذلك أن الله عز وجل يتفضل على عبده بأجر صيام سنة كاملة كأن جميع شهورها كشهر رمضان المبارك بعمل خمسة أو ستة وثلاثين يوما في ستة أو سبعة وثلاثين أياما متتالية، ومن يصوم ثلاثة أيام من شهر ما يكتب الله عز وجل له أجر صيام ثلاثين يوما أي أجر صيام شهر نافلة، وببركة صيامه لشهر رمضان يكتب الله عز وجل له فوق أجر صيامه الشهر كاملا أجر صيام ثلاثة أيام نافلة وهو يعدل أجر صيام شهر نافلة، ونتيجة ذلك أن الله عز وجل يتفضل على عبده بأجر صيام سنة نافلة بعمل ستة وثلاثين أيام متفرقات في السنة، ثم فضلا من الله عز وجل بعد ذلك على عبده إن صام يوم عرفة وهو سنة مؤكدة أن يكتب الله عز وجل له أجر صيام السنة الماضية والتالية إن كان قد كتب له أجر صيام الدهر وهو هنا أجر صيام السنة وكل أشهرها كشهر رمضان، وفضلا من الله عز وجل بعد ذلك على عبده إن صام يوم عاشوراء وهو سنة أن يكتب الله عز وجل له أجر صيام السنة الماضية إن كان قد كتب له أجر صيام الدهر وهو هنا أجر صيام سنة نافلة، والله أعلم، فلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم ربنا انصرنا وانصر المجاهدين في سبيلك لتكون كلمتك هي العليا على الروم في جميع الملاحم وعلى جميع أعدائك فإنك حق ووعدك حق ولقائك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيين حق وعبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله، فسبحان الله رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 1076