الأدلة على عدم قبول التوبة بعد نزول عيسى بن مريم عليه السلام
الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، قال الله تعالى "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ"-الأنعام158-، ثم عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ خَارِجٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتٍ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، إِلَّا وَضَعَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا بِمَا يَصْنَعُ» قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْمَسْحِ بِالْخُفَّيْنِ، قَالَ: نَعَمْ، لَقَدْ كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَمَرَنَا أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ ثَلَاثًا إِذَا سَافَرْنَا، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً إِذَا أَقَمْنَا، وَلَا نَخْلَعَهُمَا مِنْ غَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَلَا نَوْمٍ، وَلَا نَخْلَعَهُمَا إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» قَالَ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ بِالْمَغْرِبِ بَابًا مَفْتُوحًا لِلتَّوْبَةِ، مَسِيرَتُهُ سَبْعُونَ سَنَةً، لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ» مسند أحمد، وبعد: أولا: يفسر بعض الآية السابقة الحديث "غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِم" صحيح مسلم والحديث "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ»" صحيح البخاري، فهذا يدل على أن أشد فتنة على المؤمنين هي فتنة السراء أي مكث قرن الشيطان وفتنة الدجال لا تضر المؤمنين لأن المؤمن حجيج نفسه فيها، فما كسبه في إيمانه من خير قبل خروج الدجال نفعه، ولن ينفعه بعد خروجه أحد سواء كان خليفة للمسلمين أو عالما من علماء المسلمين، ثانيا: الحديث الذي في بعض متنه القول "فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُه" صحيح مسلم، (رِيحَ نَفَسِهِ) أي ريح نفس عيسى بن مريم عليه السلام بعد أن ينزل، والحديث الذي في بعض متنه القول "فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ" صحيح مسلم، (فَإِذَا رَآهُ) أي إذا رأى الدجال عيسى بن مريم عليه السلام، فسنة الله في خلقه الكافرين أنهم يؤمنون عند معاينة الموت ولكن لا تقبل توبتهم لقول الله تعالى "وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ"(النساء:17)}، ثالثا: ليس في الحديث "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا اليَهُودَ، حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وَرَاءَهُ اليَهُودِيُّ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ" صحيح البخاري، أمر بالأسر فيمكن أن يعقب الأسر توبة، لذا لا توبة لليهود حينها وكذلك الحديث «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ» صحيح مسلم، يدل على عدم قبول توبة الروم لقيام الساعة عليهم، رابعا: الحديث "فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ" صحيح مسلم، فيه أنه لن يستطيع المسلمون قتال يأجوج ومأجوج وأنهم إذا كانوا فوق جبل الطور فطرف عيسى بن مريم عليه السلام يصل إلى أبعد ما كان عليه فيهلك من يأجوج ومأجوج أكثر من لو بقى عيسى بن مريم عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم في بيت المقدس فيزداد بذلك أمن المسلمين على أنفسهم والله أعلم، رابعا: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: "وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء:159]" صحيح البخاري، فلا تقبل التوبة حينها لأن أهل الكتاب الذين كانوا يدفعون الجزية مقابل بقائهم في بلاد الشام يتمنون لما يرون معجزات عيسى بن مريم عليه السلام بعد نزوله لو يدفعون كل ما في الدنيا من مال لتقبل لهم سجدة واحدة ولكن لا تقبل والله أعلم، فعَنِ ابْنِ عَائِذٍ، ثَنَا جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ، أَنَّ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُرِيتُ أَنَّ ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِ [يَمْنَةِ] الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى أَجْنِحَةِ الْمَلَكَيْنِ بَيْنَ رَيْطَتَيْنِ مُمَشَّقَتَيْنِ، إِذَا أَدْنَا رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ تَحَادَرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، يَمْشِي عَلَيْهِ السَّكِينَةُ، وَالْأَرْضُ تَقْبِضُ لَهُ، مَا أَدْرَكَ نَفْسَهُ مِنْ كَافِرٍ مَاتَ، وَيُدْرِكُ نَفْسَهُ حَيْثُمَا أَدْرَكَ بَصَرَهُ حَتَّى يُدْرِكَ بَصَرَهُ فِي حُصُونِهِمْ وَقُرَايَاتِهِمْ، حَتَّى يُدْرِكَ الدَّجَّالَ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ فَيَمُوتُ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى عِصَابَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِسْلَامِ، وَيَتْرُكَ الْكُفَّارَ يَنْتِفُونَ لِحَاهُمْ وَجُلُودَهُمْ، فَتَقُولُ النَّصَارَى: هَذَا الدَّجَّالُ الَّذِي أَنْذَرْنَاهُ، وَهَذِهِ الْآخِرَةُ، وَمَنْ مَسَّ ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ مِنْ أَرْفَعِ النَّاسِ قَدْرًا وَيَعْظُمُ مَسُّهُ، [مَبِيتُهُ]، وَيَمْسَحُ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ، فَبَيْنَا هُمْ فَرِحُونَ بِمَا هُمْ فِيهِ خَرَجَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، فَيُوحَى إِلَى الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَسْتَطِيعُ قَتْلَهُمْ إِلَّا أَنَا، فَأَخْرِجْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، فَيَمُرُّ صَدْرُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَهَا، ثُمَّ يُقْبِلُ آخِرُهُمْ فَيُرْكِزُونَ رِمَاحَهُمْ، فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ هَاهُنَا مَرَّةً [مَاءٌ]، حَتَّى إِذَا كَانُوا حِيَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالُوا: قَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ، فَهَلُمُّوا نَقْتُلُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ نَبْلَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّهَا اللَّهُ مَخْضُوبَةً بِالدَّمِ، فَيَقُولُونَ: قَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي السَّمَاءِ، وَيَتَحَصَّنُ ابْنُ مَرْيَمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ وَرَأْسُ الْجَمَلِ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ" مسند الشاميين للطبراني.
وسوم: العدد 1087