حقائق في حياة البرزخ وعذاب القبر واجب على المسلم تعلمها

عبد الرحيم بن أسعد

الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فالحقائق التالية في حياة البرزخ وعذاب القبر هي واجب على كل مسلم ومسلمة تعلمها: قال الله تعالى "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى"-طه124-، (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الكَافِرُ -أَوِ المُنَافِقُ- فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ"، ...عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ المَدِينَةِ، فَقَالَتَا لِي: إِنَّ أَهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَكَذَّبْتُهُمَا، وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا، وَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَجُوزَيْنِ، وَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: «صَدَقَتَا، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ البَهَائِمُ كُلُّهَا» فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلاَةٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ) صحيح البخاري، أولا: لا يموت الإنسان إلا لما يقبض ملك الموت نفسه أي لما تنفصل روحه ووعاء روحه عن جسده، ثانيا: لا يسمع الميت ولا يبصر من الدنيا شيئا لقول الله تعالى "حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ"-المؤمنون99، 100-، ثالثا: إن روح الميت المقرب إلى الله دائما في ريحان الله فوق السماوات السبع تحت عرش القضاء أو تسبح في الجنة للحديث: عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً»، فَقَالَ: " هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا " صحيح مسلم، رابعا: إن روح الميت الكافر دائما في سجين في السماء الدنيا تعذب لقول الله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ"-الأعراف40-، وللحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا» - قَالَ حَمَّادٌ: فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ - قَالَ: " وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ، صَلَّى الله عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ، فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَقُولُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ "، قَالَ: " وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ - قَالَ حَمَّادٌ وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا، وَذَكَرَ لَعْنًا - وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ: خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ. قَالَ فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ "، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ، عَلَى أَنْفِهِ، هَكَذَا – صحيح مسلم، خامسا: أوعية أرواح الموتى في البرزخ متصلة بأرواحهم في عليين أو في سجين لكنها تنفصل عنها فتتصل بأعجاب أذنابهم عند سؤال الملكين ولما ترى العذاب غدوا وعشيا فتصيح من شدته أو لما ترى حزن البرزخ غدوا وعشيا لعصاة المؤمنين فتحزن أو لما ترى نعيم البرزخ غدوا وعشيا للمؤمنين فتستريح والله أعلم للحديث: عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أُقْعِدَ المُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ، ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] " صحيح البخاري، وللحديث: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَ: «ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ البَقْلُ، لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ» صحيح البخاري، سادسا: إن (لَيَسْمَعُ قَرْعَ) هو من إسماع الملائكة لوعاء روح الميت في البرزخ تثبيتا أو تكبيتا له قبل سؤال الملكين كما أن النائم لا يسمع ولا يرى في الرؤيا إلا ما أسمع وأرى ملك الرؤيا وعاء روحه المتصل بجسده لقول الله تعالى "وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور"(فاطر:22)، وقول الله تعالى "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى"(الزمر:42)}، سابعا: أوعية أرواح الموتى مخلوقة من مواد البرزخ ومصورة على صور الأبدان التي ستبعث فيها يوم القيامة، ولما تبعث يكون أثر النعيم ظاهرا عليها لقول الله تعالى "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ"-عبس38- أو أثر العذاب عليها لا يخفى لقول الله تعالى "وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ"-عبس40-، ثامنا: إذا قدر الله تعالى لكافرين اثنين أن يكونا في درك واحد من النار في الآخرة فإن مقعد الكافر الذي هو من الآخرين أي من عاش بعد وفاة إبراهيم عليه السلام وقبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو من المجرمين أي من عاش من بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك الدرك يكون أسفل من مقعد الكافر الذي هو من الأولين أي من عاش بين زمن آدم عليه السلام وقبل زمن وفاة إبراهيم عليه السلام، وذلك لقول الله تعالى "وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ"-الشورى16-، وللحديث: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ» صحيح مسلم، لذا فعذاب القبر على الكافر الذي هو من الآخرين أو من بعدهم يكون بإجماله أشد من عذاب القبر على الكافر الذي هو من الأولين وإن مكثت روح الكافر الذي من الأولين في سجين أكثر من الأخر لأنه يفتح لوعائي روحهما في البرزخ في القبر بابين فيريا مقعدهما في النار غدوا وعشيا، فأشدهما عذابا في الأخرة أشدهما عذابا في القبر لقول الله تعالى "وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا"(الجن:17)، هذا والله أعلم، تاسعا: من البراهين من القرآن الكريم على عذاب القبر الآيات التالية: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ"-الأنعام2-، "وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ"-اتوبة101-، "وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"-السجدة21-، "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ"-غافر46-، "فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى"-النازعات34-، فاللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم أن تغفر لنا وترحمنا في الدنيا والآخرة وأن تجمعنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وأن تدخلنا الجنة مع عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وذي قرني الجنة علي والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان والمهديين من بعدهم رضي الله عنهم جميعا، اللهم انصرنا والمجاهدين في سبيلك على الروم ومواليهم وجميع أعدائك في جميع الملاحم، فسبحان الله رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 1091