( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم )
حديث الجمعة :
من المعلوم أن الله تعالى هيأ لدينه الذي اكتمل ببعثة خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وارتضاه لعباده المؤمنين إلى قيام الساعة كل الظروف كي يظهره على الدين كله . ومن ظهوره عامل القوة العسكرية التي كان قوامها زمن النبوة ما كان لكل أمم الأرض من أسلحة سيوفا، ورماحا، وأقواسا ، ونبالا ، ودروعا ،وخيلا ... وغيرها ، وقد صارت القوة في زماننا عبارة عن أسحلة نارية مختلفة الأحجام والأشكال ، وآليات تدب على الأرض ، وطائرات تطير في السماء ، وغواصات وبواخر تمخر عباب البحار... بل وأسلحة دمار شامل فتاكة يزعمون أنها محرمة ، والواقع يكذب ذلك .
ولقد أمر الله تعالى تمكينا لدينه في الأرض أن يعد المسلمون كل ما في وسعهم وقدرتهم من قوة عسكرية عددا وعدة سواء مما يحمل أوما يركب أو ما يكون رباطا أو عسكرة مصداقا لقوله تعالى في سياق الحديث عن أعداء دينه :
(( ولا يحسبنّ الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم )) ، ففي هاتين الآيتين الكريمتين الواحدة والستين ، والثانية والستين من سورة الأنفال، ذكر لما كان عليه الكافرون من اعتقاد بأنهم بمنجاة من قدرة الله تعالى عليهم ، وهو الذي لا يعجزه أحد من خلقه في ملكه، لأنه القاهر فوق عباده . ولقد جاء التعبير عن النجاة بالسبق ، ذلك أن المستهدف أو المطلوب يفر فإذا سبق أفلت ونجا . وفي قول الله تعالى هذا تهديد صريح للكافرين بأنه يدركهم ، و أنهم لا مفر لهم منه ، كما أنه ضمّنه استنهاضا لهمم عباده المؤمنين الذين قد يظنون ألا قبل لهم بالكافرين حين يفوقونهم عددا وعدة . ومع ما في هذا الاستنهاض من طمأنة لهم بمعيته سبحانه وتعالى ، فإنه أمرهم بإعداد العدد والعدة للكافرين ، وكنى عن ذلك بالقوة لأن في العدد قوة ، وفي تنوع العدة قوة ، وفي الرباط أو العسكرة قوة ، وكل ذلك يتطلب بذل كل ما في وسعهم وقدرتهم على بلوغ أقصى ما يمكن الوصول إليه من حسن الإعداد . ولا شك أن قوله تعالى : (( ما استطعتهم )) بعد الأمر بالإعداد ، يجعل المؤمنين يبذلون أقصى الجهد فيه ، ولا يقفون عند حد معين حتى يؤدي ذلك الإعداد الهدف المرجو منه الذي عينه قوله تعالى : (( ترهبون به عدو الله وعدوكم ))، والإرهاب هو التخويف، لأن قوة الإعداد من شأنه أن يرهب الأعداء الكافرين ، ويردعهم عن التفكير في الإجهاز على المؤمنين أو الطمع في غزوهم . ومعلوم أن ما يُطمع قوما في آخرين إنما هو غياب القوة الرادعة.
وقول الله تعالى عن المستهدفين الذين تعد لهم القوة أنهم أعداؤه، وأعداء عباده المؤمنين ليكون ذلك تحفيزا لهم على الإعداد بدافع الغيرة على خالقهم قبل الغيرة على أنفسهم ، بحيث يكون من يعادي ربهم أبغض إليهم ممن يعاديهم.
ولم يكتف الله تعالى بذكر الكافرين الذين يجهرون بكفرهم ، وهم يعرفون بذلك، بل نبه عباده المؤمنين إلى أعداء الخفاء ممن يشتركون مع الكافرين في عدائهم لله تعالى ولعباده المؤمنين، لكنهم يضمرون ذلك، ولا يظهرونه كما يظهره الكفار فقال جل من قائل : (( وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم )) ، ففي هذا الكلام تنبيه المؤمنين إلى عداوة المنافقين الخفية والتي تشكل خطرا عليهم ، وقد أراد الله تعالى بذكر هؤلاء أن يجعل المؤمنين يشركونه فيما يعدونه للكافرين فيشملهم إعداد القوة لهم أيضا من أجل ترهيبهم ، وهم أصلا كمنافقين يرهبون المؤمنين لذلك يبطنون عداءهم لهم ، ولا يظهرونه . ولا شك أن قوة الإعداد عددا وعدة والاجتهاد فيه يصيب من يعادون الله، ويعادون عباده المؤمنين من كفار ومنافقين بالرعب ، فلا يتجاسرون عليهم ، ولا يطمعون فيهم ، ولا يستبيحون بيضتهم .
ومن تحريض الله تعالى المؤمنين على إعداد القوة أنه وعد من يفعل ذلك منهم بالأجر العظيم فقال : (( وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون )) ، ولقد ذهب المفسرون إلى أنه من الإنفاق في سبيل الله الإنفاق من أجل إعداد المستطاع من القوة لصد العدوان ، وبذل المستطاع والجهد في ذلك . ولقد وعد الله تعالى بثواب من عنده، يكون دنيويا وأخرويا، وميزته أنه يفوق قدر ما أنفق المنفقون في سبيله ، ذلك أن التوفية تدل على العطاء التام غير المنقوص مع زيادة فوقه ، وفي هذا ما يحث على الإنفاق الخاص بإعداد العدد والعدة من أجل الذود عن حوزة دين الله عز وجل، وعن أهله منعا للكافرين وأعوانهم المنافقين من أن يجوروا عليهم.
ولا بد من التذكير بأن هذا الأمر الإلهي بإعداد القوة لأعداء دينه لا يقتصر على مناسبة مضت زمن نزول الوحي، بل هو أمر مستمر إلى قيام الساعة، لأن العبرة بعموم لفظ القرآن الكريم ، وليس بخصوص أسباب نزوله .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو ما تفرضه اليوم علينا كمسلمين نصرة إخواننا المستضعفين في أرض الإسراء والمعراج ،خصوصا في قطاع غزة وهم يتعرضون لجرائم إبادة جماعية فظيعة، لمجرد أنهم رفضوا تهويد بيت المقدس ، وثاروا على الاحتلال الصهيوني الذي أخذ أرضهم غصبا ، وسامهم الخسف لعقود ، وأخرجهم من ديارهم ظلما وعدوانا... ولقد كرر إخواننا النداءات المتتالية يطلبون فيها نصرتهم ، وإمدادهم بما يحتاجونه في صمودهم وجهادهم ضد أعدائهم الصهاينة ، وضد كل من يوالونهم سواء كانوا مجاهرين بولائهم أم كانوا ممن يخفونه ، وقد حذر الله تعالى من عداء هؤلاء وهؤلاء للمؤمنين على حد سواء .
ومعلوم أنه من القيام بفريضة الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله الانصياع لأمره سبحانه وتعالى بإعداد العدد والعدة كي لا يتجرأ أعداء دينه عليه ،ولا على أهله . ولهذا ممن توجبه نصرة المستضعفين في فلسطين، وخصوصا في غزة أن ينهض المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بمساعدتهم على القوة اللازمة من أجل الدفاع عن وطنهم، وعن أنفسهم، وعن أبنائهم ونسائهم . ولقد أغلى الله تعالى أجر الجهاد في سبيله بالنفس والمال ، ووعد بتوفيته حتى يسارع إليه المؤمنون ، ويبذلوا الجهد والوسع فيه .
ومن بذل الجهد أن يبحث المؤمنون حيثما وجدوا عن كل سبل إيصال ما يجب إيصاله من دعم وسند لإخواننا المستضعفين في أرض الإسراء والمعراج طلبا لمرضاة الله عز وجل . ومن لم يفعل فقد عطل أمرا إلهيا سيسأل عنه يوم القيامة ، ولا يقبل منه عذر على تقصير فيه .
اللهم إنا نسألك مددا من عندك، تمد به إخواننا المجاهدين في سبيلك بأرضك التي باركتها وباركت ما حولها , اللهم اربط على قلوبهم ، وثبت أقدامهم ، وسدد رميهم ، وامدده بملائكة من عندك يقاتلون معهم عدوك وعدوهم، اللهم احفظهم من بين أيديهم ، ومن خلفهم ، وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ، ومن فوقهم ، ومن تحت أرجلهم ، ولا تجعل لأعدائهم عليهم سبيلا ، إنه لا غالب إلا أنت سبحانك ، ولا ناصر لهم إلا أنت سبحانك ، وقد خذلهم المتخاذلون ، وتخلى عنهم القريب والبعيد ، وأنت الأقرب إليهم سبحانك ، فعجل اللهم لهم بفرج من عندك ، وارفع عنهم الغمة ، وتداركهم بألطافك الخفية .
اللهم لا تؤاخذنا بسوء أعمالنا ، ولا بتقصيرنا ، ولا بما يفعله السفهاء منا ، اللهم إنا نعوذ بك من غضبك ، ونعوذ بك أن يذلنا أعداؤك ونحن نوحدك ، اللهم تجاوز عنها كل تقصير قصرناه فيما أوجبته علينا ، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 1092