التوثيق أسلوب تربويّ

التوثيق مطلوب في التعاملات أيّاً كانت للراحة القلبية والسكون النفسي،

من الأدلة الواضحة مشاهد في القرآن الكريم تؤكد ذلك، نذكر بعضها:

- 1- مع القناعة الكاملة والإيمان التام - عند سيدنا إبراهيم -عليه السلام بقدرة الله يسأله أن يريه كيف يحيي الموتى

"قال رب أرني كيف تحيي الموتى

قال أوَلم تؤمن.

قال : بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي".

فأجابه الله لِمَا طلب كي يطمئن قلبه عليه السلام.( سورة البقرة الاية 260)

- 2- وترى سيدنا زكريا عليه السلام يسأل الله أن يرزقه ولداً صالحاً ، فلمّا بشرته الملائكة بيحيى أراد أن يستوثق فطلب آية وعلامة تدل على استجابة الله لسؤله

قال: ربِّ اجعل لي آية

قال آيتك ألّا تكلم الناس ثلاث ليالٍ سويّاً

حصل ذلك حين ( فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بُكرة وعشِيّاً) اطمأن إلى حمل زوجته حين اراد الكلام فلم يسطِع. ( سورة مريم الآية 10)

- 3- ونجد ذلك في قصة سيدنا موسى عليه السلام حين القى عصاه فانقلبت ثعباناً كبيراً فهرب،فناداه ربه ،وطمأنه وعلمه كيف يمسك الثعبان فيعود عصا

" وان ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنّها جانٌّ ولّى مدبراً ولم يعقّب، يا موسى اقبل ولا تخف إنك من الآمنين" استوثق من موقفه فلما القى العصا أمام فرعون وملئه والناس كان ثابت الجاش ، ولو لم يستوثق عند الشجرة في حضرة المولى سبحانه كنت أظنُّ أنه قد يهرب مع من يهرب أمام فرعون والجمع الحاشد ، وقل: مع الاستيثاق نجد هنا ( التدريب) والتهيئة فقد درّبه المولى قبل أن يلقى فرعون.( النمل 10 والقصص 31)

- 4- نجد الاستيثاق حين سأل سليمان مَلَأه : أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ، فعرض جنّيٌّ خدمته ، وعرض الذي عنده علم من الكتاب خدمته ، فلما استوثق أمَرَ الثاني بتنفيذ المهمّة ..( سورة النمل 38-40)

5- ونجد التوثيق الواضح في وصية سيدنا يعقوب لأولاده قبل أن يتوفّى يأمرهم بعبادة الله وحده كما رباهم : (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوبَ الموتُ غذ قال لبنيه: ما تعبدون من بعدي؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون) إنه استيثاق واضح بوصية جليّة.

6- ونجد التوثيق في سورة النمل في قصة سليمان والهدهد إذ أخبره بسبب غيابه ، فقال له النبي الكريم سليمان ( سننظر أصدقتَ أم كنتَ من الكاذبين ) ومع التوثيق تدبّرٌ وتأكد مع حسن الظن إذ قدّم التصديق على التكذيب ، والشيء نفسه حين آراد التعرف على فطنة بلقيس بقوله ( ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون) فقدّم الهداية على الضلال واستوثق من ذكائها حين سألها بطريقةٍ موارِبة أهكذا عرشُك ، ولم يقل : أهذا عرشك . فأجابته بالطريقة نفسها فقالت: كأنه هو ، ولم تقل: إنه هو .

7- اتهمت زوجة العزيز سيدنا يوسف حين فاجأها زوجُها بأنه يعتدي عليها ، فجعلت من نفسها مُدّعية ،وقاضية ، وحددت نوع العقوبة ( ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يُسجن أو عذاب أليم )ويعجبنا أن سيدنا يوسف عليه السلامُ ردّ الاتهام فوراً وأكد أنها من راودتُه عن نفسه وهذا عين الصواب ، فما ينبغي لصاحب الحق أن يسكت عن حقه ولا أن يستخزي أمام جبروت الحاكم وصلفه ، ( قال: هي راودتني عن نفسي) هنا كان لا بد من الاستيثاق ، فشهد واحد من أهلها ، والروعة أن على الشريف أن يقول الحق ولو على نفسه أو صاحبه أو صديقه أو قريبه ، وهذا كان الشاهد من أهلها فحكم عليها ، والجميل أن العزيز ترجّى يوسف- وهو من اشترى يوسف- أن يستر الأمر ويتغاضى عما جرى ، وذلك بعد أن علم صدقه ونزاهته وخطأ زوجته، فقال: بلطف ورجاء ( يوسف أعرض عن هذا) ذكره باسمه فقال: يوسف. لكنه التفت إلى امرأته مؤنباً دون ذكر اسمها يأمرها أن تعتذر وتستغفر فقد أساءت مرتين ، إذ ( فسدت وظلمت) فسدت بالسعي إلى الزنا وظلمت البريء فاتهمته.

8- أمّة من يهود اصابهم اعتداءُ قوم فأخذوا دورهم وسبَوا نساءهم وأبناءهم فسألوا نبياً لهم بعد موسى عليهما السلام أن يعين لهم ملكاً منهم يجمع رايتهم ويجاهدون في سبيل الله فيستردّا ما خسروه ( ألَمْ تر إلى الملأِ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله) فاستوثق منهم نبيهم يتأكد أنهم سيقاتلون فعلاً ، ولن ينهزموا كما فعلوا في المرة الأولى ( قال هل عسيتم إن كُتِب عليكم القتال أن لا تقاتلوا ) فأجابوه مؤكدين صدقهم في طلبهم هذا ( وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) فلما استوثق من ردهم دعا اللهَ تعالى فجعل عليهم طالوت ملكاً، لكنهم ظلموا أنفسهم وتولّوا إلا قليلاً منهم .والقصة في ىخر الجزء الثاني من سورة البقرة.

إنَّ في القرآن الكريم مواقف كثيرة للتوثيق وزرع الثقة نتركها للتربويين يستنبطونها ويفيدون الدارسين منها.

وسوم: العدد 1097