كلمات ما زلت أحفظها من الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى

أول مرة حضرت مجلس الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى، كان في مسجد في ساحة حمد، في قلب منطقة باب النيرب. كنت ربما طالبا في المرحلة الإعدادية..

كان المسجد محدود المساحة، والحضور قليل العدد، عشرات من الرجال، صلينا العشاء، وسمعنا موعظة رقيقة ثم انتظمنا في الحضرة. بعد سنتين ربما، علمت أن الشيخ رحمه الله تعالى، انتقل إلى جامع العادلية، فأصبحت أتردد على المسجد ليلة الجمعة، حيث يكون المسجد حافلا، فنقرأ الصلاة المصرية:

يا رب صل على المختار من مضر.. والآل والأصحاب ما ذكروا..

ثم ندخل في حفل من الإنشاد الناعش للروح، وأحيانا نختم بما يسمى الحضرة الشاذلية، التي لا تختلف كثيرا في حدود تجربتي عن الحضرة النقشبندية، التي كنت أحضرها عند الشيخ محمد النبهان رحمه الله تعالى، في جامع الكلتاوية، وإن كنت أسمع من كلام الكبار أن الحضرتين مختلفتان!!

كنت رغم صغر سني، أحضر الحضرات، وأشارك فيها، وأتفاعل معها، وأشارك حال من حضر، حين يذوب الإنسان في لذاذة الذكر، فيجد كل شيء حوله يهتف معه: بنفس الإيقاع: الله.. الله .. الله..

وكنت مهما اشتد الإيقاع، وتسارع، أظل محافظا على هدوئي، أذكر بسكون، ولا أريد أن أقول بوقار. ويصرخ رجل من طرف الحلقة: حيّ، وربما يصيب الإجهاد آخر، فتأخذه رعشة الحال، وهذا كان يزيد من تفاعل الذاكرين..

كان الذكر يكون في مسجد العادلية، في حلقة موسعة تكاد تتسع لقبة المسجد، فإذا كان العدد أكبر انتظمنا في صفوف، ويكون المصطفىن في كل صفين متقابلين..

وكان الشيخ عبد القادر رحمه الله نعالى؛ يطوف على المريدين بين الصفين، يذكر بذكرهم، ويضبط إيقاعهم، وبالطبع، يكون هناك منشد مستمرا في إنشاده ينادي

نظرة إلينا .. عطفا علينا…

مرة كانت الحضرة قد صارت حظوة، وضجت الأرواح مع الألسن، حتى تكاد تقول: إن من تحت قبة المسجد كاد يخرقها:

وقف الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى، لحظة وقال: اللهم أذق الذين ينكرون علينا تواجدنا ما أذقتنا.. !!

وما زلت أحفظ هذه الكلمة، وما زلت أترحم على قائلها، وما زلت أدعو بها…

اللهم أذق الذين ينكرون علينا لذاذة أيامنا وليالينا.. في شهرنا هذا ما أذقتنا…

ويا ساقي القوم اشرب واسقيني..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1121