السيناريو الأسود

السيناريو الأسود

محمود القلعاوي /مصر

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

[email protected]

كثيرة هذه الحوارات التي تدور حول السيناريوهات السوداء التي تسير عليها البلاد .. كلما ظهرت بارقة أمل ترى أصحاب هذا السيناريو يقلبون الأمر ظلاماً بدل النور ويأساً بدل الأمل .. هذه انتخابات الرئاسة قادمة فتراه يتكلم عن مؤامرة قادمة ، وأن من يريدونه سيكون – ولا أعلم من هم الذين يريدون -  ، ويكمل نظريته السوداء بكون هذه الانتخابات لا ولن تكون نزيهة .. يأس وإحباط يسيطران على حياة أصحاب هذا السواد ، وهكذا حالهم كلما حلّ علينا حدث ، أي حدث كان ، لهم نظريتهم الثابتة التي لا تتزعزع ، وجهتهم سوداء تجاه كل حدث مع أن بصيص الأمل يزيد ويكبر ، ولكنهم وللأسف عاجزون عن أن يستوعبوا ما حدث ، فالتغير حدث ويحدث والموجة تزيد والطغاة يسقطون ، وواجبنا أن نبني وطننا الذي صار في أيدينا وُرد إلينا بعد طول اغتصاب .. أراهم يتخبطون في هذا السواد رغم أنه لا حياة بدون أمل

وقد أبدع أ.علي مختار عندما كتب : " هذه الحالة التي تتسرب إلى البعض، هي نتيجة لعدم إدراكهم لقواعد وسنن التغيير، فالتحولات في المجتمعات لا تكون بين عشية وضحاها، بل إن التحول يأخذ في المجتمعات سنوات طويلة، وربما يستغرق التغيير عقوداً ، وتزداد الفترة كلما أمعن الظلم والفساد وضرب بجذوره في المجتمعات " .

ثم ترى صاحب الظلال الذي أظلنا بدرره : " أمَّا القلب الندي بالإيمان المتَّصل بالرحمن، فلا ييأس ويقنط مهما أحاطت به الشدائد، ومهما ادْلَهَمَّتْ به الخطوب، ومهما غام الجو وتلبَّد، وغاب وجه الأمل في ظلام الحاضر وثقل هذا الواقع الظاهر فإنَّ رحمة الله قريبٌ من قلوب المؤمنين المهتدين، وقدرته تنشئ الأسباب كما تنشئ النتائج وتغيِّر الواقع كما تغيِّر الموعود " إن قلب المؤمن يا سادة لا ينفك عنه الأمل والتفاؤل كما كانت حياة أفضل الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، فقد هبط وحده من قمة غار حراء حاملاً دعوته الأولى ثم تحرك بين الناس وحيداً فريداً ، ورويدا رويدا ، حتى عمَّ النور الجزيرة العربية كلها ..

فالمؤمن في كل أحواله صاحب أمل كبير في روح الله وفرجه ومعيته ونصره ، لأنه لا يقف عند الأسباب الظاهرة فحسب ، بل يتعداها موقناً أن لها خالقاً ومسبباً وهو الذي بيده ملكوت كل شيء ، وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ، فيمتلئ قلبه توكلاً ورجاءً وأملاً .. وهذا ما يفتقده غير المؤمنين ..

وأختم مقالتي بهذه القصة : " يُحكى أن قائدًا هُزِمَ في إحدى المعارك، فسيطر اليأس عليه ، وذهب عنه الأمل ، فترك جنوده وذهب إلى مكان خال في الصحراء ، وجلس إلى جوار صخرة كبيرة .

وبينما هو على تلك الحال ، رأى نملة صغيرة تَجُرُّ حبة قمح ، وتحاول أن تصعد بها إلى منزلها في أعلى الصخرة ، ولما سارت بالحبة سقطت منها، فعادت النملة إلى حمل الحبة مرة أخرى. وفي كل مرة، كانت تقع الحبة فتعود النملة لتلتقطها، وتحاول أن تصعد بها...وهكذا.

فأخذ القائد يراقب النملة باهتمام شديد، ويتابع محاولاتها في حمل الحبة مرات ومرات، حتى نجحت أخيرًا في الصعود بالحبة إلى مسكنها، فتعجب القائد المهزوم من هذا المنظر الغريب، ثم نهض القائد من مكانه وقد ملأه الأمل والعزيمة فجمع رجاله ، وأعاد إليهم روح التفاؤل والإقدام ، وأخذ يجهزهم لخوض معركة جديدة .. وبالفعل انتصر القائد على أعدائه ، وكان سلاحه الأول هو الأمل وعدم اليأس، الذي استمده وتعلمه من تلك النملة الصغيرة "

وصدق الله حين قال : " حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ " .